اليزابيث درو
واشنطن، العاصمة ــ عندما انتُخِب باراك أوباما رئيساً للولايات المتحدة في عام 2008، اعتُبِر على نطاق واسع شخصية جديدة مثيرة. والواقع أن تضاؤل شعبيته على نحو متزايد وتخلي حزبه عنه فعلياً في ولايته الثانية في عام 2014 ينبع إلى حد كبير من هذه الحقيقة: فقد تجاوزت التوقعات الواقع. ولكن الأمر الأكثر أهمية هو أن الواقع ذاته تغير ــ على أكثر من نحو.
إن أوباما ليس رئيساً فاشلا. فقد أنجز في الواقع الكثير في ظروف شبه مستحيلة. ففي أول عامين له في منصبه، عندما كان الحزب الديمقراطي يسيطر على مجلسي الكونجرس، اتخذ أوباما خطوات عديدة للحد من تأثيرات أسوأ ركود اقتصادي منذ أزمة الكساد الأعظم في ثلاثينيات القرن العشرين. وعلى نحو مماثل، نجح أوباما في إقرار إصلاحه المهم للرعاية الصحية، قانون حماية المريض والرعاية الميسرة.
وحتى الآن، بدأ أوباما برغم معارضة الساسة الجمهوريين وجماعات المصالح الكبرى في تحويل سياسة الطاقة نحو التعامل مع تغير المناخ والحد من الانبعاثات المسببة للانحباس الحراري العالمي. كما اتخذ خطوات مهمة لدعم حقوق المرأة والأقليات الجنسية، واستخدم سلطته التنفيذية لتخفيف قيود الهجرة المفروضة على الأسر وسط حالة الشلل التي تمكنت من الكونجرس.
إن أي تقييم لرئاسة أوباما لابد أن يركز على العداء غير المسبوق من قِبَل الجمهوريين، وليس على أوباما فحسب. فحتى قبل أن يتولى أوباما منصبه، كان قادة الحزب الجمهوري يخططون لمعارضة كل اقتراح يصدر عنه، حتى لا يتسنى له أن يدّعي دعم الجزبين له. ولم يصوت أي جمهوري لتشريع أوباما للرعاية الصحية، حتى برغم أنه مصمم وفقاً لمخططات مدعومة من قِبَل بعض المسؤولين الجمهوريين ومراكز بحثية بارزة.
وكانت الحيلة الأكثر براعة التي لجأ إليها الجمهوريون استخدام التدابير الإجرائية لمنع طرح مشاريع القوانين للتصويت في مجلس الشيوخ، حتى يلقي عامة الناس بالمسؤولية عن "الجمود في واشنطن" على عاتق أوباما. ومع اتجاه شعبيته إلى الهبوط في استطلاعات الرأي حتى بلغت مستويات أعلى قليلاً من 40%، ارتكب الديمقراطيون الخطأ التكتيكي المتمثل في الهروب منه. فقد استنتج الناخبون أن حتى حزبه لم يعد يسانده، وبالتالي انخفضت شعبيته إلى مستويات أدنى.
ونتيجة لهذا، في انتخابات التجديد النصفي للكونجرس في نوفمبر/تشرين الثاني، شن الديمقراطيون حملة حول لا شيء بسبب عجزهم عن دعم أي سياسة مرتبطة بأوباما، الأمر الذي أدى إلى انخفاض معدلات الإقبال على التصويت من جانب ناخبي الحزب. وبالطبع نجح المرشحون الجمهوريون، الذين شنوا حملات شرسة مناهضة لأوباما، في إلحاق هزيمة ساحقة بخصومهم.
بطبيعة الحال، لا تستطيع أي مناقشة أمينة لرئاسة أوباما أن تتجاهل الدور الذي لعبه عِرقه. فقد تبين أن أميركا كانت أقل استعداداً مما توقع أنصاره (أو تمنوا) لتقبل رئيس أسود، وهو ما تمثل في الهجمات الضارية التي تتجاوز المعاير المثالي لاختيار رئيس.
وعلاوة على ذلك، كان النهج الذي تبناه أوباما في التعامل مع القضايا التي تنطوي على العِرق أو الجنس مقيداً بخوفه الذي أعرب عنه في مذكراته المبكرة "أحلام من والدي"، حول النظرة إليه (حتى من قِبَل والدته البيضاء البشرة) بوصفه "أسود غاضب". ولكن مما يُحسَب له رغم ذلك أنه كان ناجحاً في الإبحار عبر غابة فيرجسون العنصرية في ولاية ميسوري، بتحويل مقتل مراهق أعزل إلى بؤرة تركيز للعمل الوطني لتحسين أساليب الشرطة.
كما ساهمت شخصية أوباما في تعريضه للمشاكل. ففي خضم صعوده السريع المدهش، كان وحده تقريبا ــ فكان ديمقراطياً ولكن ليس من صنيعة الحزب الديمقراطي، وكان سياسياً يتمتع بغرائز تقدمية، ولكنه لم يكن إيديولوجيا. غير أن ميله نحو العزلة جعله يحجم عن بناء علاقات وتحالفات جديدة في واشنطن، واستند بدلاً من ذلك على أسرته وأصدقائه المقربين من شيكاغو.
وعلاوة على ذلك، لم يكن يحبذ الأحاديث التافهة أو الجانب الملوث من السياسة، كما كان اعتزازه المزهو بذكائه غير العادي سبباً في جعله نافذ الصبر ضيق الصدر في التعامل مع أفكار الآخرين. ونتيجة لهذا، كان أعضاء الكونجرس وكبار رجال الأعمال وغيرهم يشعرون بالإهانة نتيجة لتباعده عنهم.
وعلى نطاق أوسع، كان نهج أوباما في التعامل مع الحكم مخالفاً لادعائه المبكر بأنه يريد إنشاء "فريق من المنافسين" يعرض وجهات نظر منافسة. وكان تفضيله لإحاطة نفسه بأناس أثبتوا ولاءهم سبباً في إنتاج فريق موظفين في البيت الأبيض يُعَد على نطاق واسع، حتى في نظر بعض المسؤولين في مجلس الوزراء، أقل من ممتاز. وهو أيضاً فريق الموظفين الذي مارس سيطرة محكمة على السياسات. وكان أعضاء مجلس الوزراء يشعرون بالغيظ إزاء إخضاع مقترحاتهم لمراجعات مطولة من قِبَل لجان البيت الأبيض، التي تصدر تقارير مبهمة عادة.
ويصبح التأكيد على الولاء صارخاً بشكل خاص على جبهة الأمن القومي. ويقال إن مستشارة الأمن القومي سوزان رايس، التي كانت مع أوباما منذ عام 2008، ذكية ولكنها تفتقر إلى الرؤية الاستراتيجية. وكان هذا، فضلاً عن ميلها المعلن إلى القتال، سبباً في إضعاف السياسة المتماسكة في التعامل مع قضاياً مهمة مثل الأزمة السورية.
ولم يتمكن وزير الدفاع تشاك هاجل من اختراق الحصن حول رايس، ولم تكن معارضته للسياسة تجاه سوريا، والتي كثيراً ما كان يناقشها بشكل مباشر مع أوباما، موضع تقدير. وبعد انتخابات التجديد النصفي، أصبح هاجل ــ ثالث وزير دفاع في حكومة أوباما في ست سنوات ــ كبش فداء الإدارة المتخبطة. ولم يُمنَح حتى كرامة الاستقالة البسيطة غير الملوثة بتصريحات مسربة من المسؤولين في البيت الأبيض عن كونه "غير جدير بالوظيفة". ونظراً لمكانة هاجل الجيدة في واشنطن، فقد انعكست هذه الخطوة بشكل سيئ على الإدارة.
ومن غير المحتمل أن يجد أوباما ملاذاً من الصراعات الداخلية في المعقل الأخير للرؤساء الذين أصبحوا بلا صلاحيات في انتظار نهاية ولايتهم: أو معقل السياسة الخارجية. الواقع أن أوباما لا يتحمل المسؤولية عن تحديات السياسة الخارجية التي تواجه الولايات المتحدة الآن. فهو لم يخلق تلك الفوضى العبثية في العراق وأفغانستان، وليس ذنبه أن إدارة السياسة الخارجية أصبحت أصعب كثيراً في عالم اليوم المفتت مقارنة بما كانت عليه الحال أثناء الحرب الباردة. ولا شك أن أي رئيس أميركي سوف يجد صعوبة بالغة في محاولة تأكيد الزعامة العالمية ــ وهي الحقيقة التي اختار الجمهوريون أن يتغافلوا عنها.
ولكن برغم براعة أوباما فإنه كان ميالاً إلى ارتكاب أخطاء غريبة. ومع استيلاء جون ماكين، الذي يبدو أنه أصبح خارج السيطرة، على منصب رئيس لجنة القوات المسلحة في مجلس الشيوخ، فمن المرجح أن يصبح الموقف أكثر تعقيدا.
مع استقطاب السياسة الأميركية على نحو متزايد، وفيما يناضل أوباما لإدارة التحديات التي تفرضها التطورات العالمية المصيرية، فربما أصبحت البرامج المحلية الضخمة لمعالجة التفاوت المتزايد في الدخول أبعد من متناول الإدارة. وبرغم عدم وجود أي نقص في المرشحين المصطفين لخلافته في عام 2016، فقد يتساءل المرء من واقع التجربة، ما الذي قد يجعل أي شخص راغباً في الحصول على هذه الوظيفة.
اضف تعليق