سيمون جونسون
واشنطن، العاصمة ــ يبدو أن حملات الانتخابات الرئاسية الأميركية انطلقت الآن بالفعل. صحيح أن موعد الانتخابات الرسمي يحين في نوفمبر/تشرين الثاني من عام 2016، وأن قِلة قليلة من المرشحين أعلنوا عن نيتهم خوض الانتخابات، ولكن المنافسة على الترويج للأفكار وتطويرها ــ سواء خلف الأبواب المغلقة أو في العلن ــ تدور على قدم وساق.
في وقت سابق من هذا الشهر، استفادت شركة سيتي جروب من هذه اللحظة المشَكِّلة للمشهد السياسي من خلال انتهاز الفرصة لتسجيل انتصار تكتيكي ــ ولكنه انتصار يرقى إلى خطأ استراتيجي فادح. فباستخدام لغة تشريعية من الواضح أنها صيغت بواسطة جماعات ضغط تابعة لسيتي جروب، ضغطت الشركة بنجاح لإلغاء بعض إصلاحات قانون دود-فرانك المالية لعام 2010. ثم تم إقرار التشريع بعد ربطه بمشروع قانون خاص بالإنفاق في اللحظة الأخيرة ــ وهو التكتيك الذي ضمن مناقشة سريعة للغاية في مجلس النواب والمرور من دون مناقشة على الإطلاق في مجلس الشيوخ.
وبضربة واحدة، أظهر القائمون على سيتي جروب نفوذهم السياسي المستمر في واشنطن ورغبتهم المستمرة في خوض قدر مفرط من المجازفات المالية (وهو ما يسمح به التغيير القانوني على وجه التحديد). وكان الضغط من أجل للسماح لها بالإفراط في خوض المجازفات هو بالضبط ما قامت به الشركة خلال تسعينات القرن العشرين والعقد الأول من القرن الحادي والعشرين في عهد الرئيسين السابقين بِل كلينتون وجورج دبليو بوش ــ وكانت العواقب التي تحملها الاقتصاد ككل وخيمة في الفترة 2007-2009.
ونتيجة لهذا، فإن تفكيك سيتي جروب يخضع للدراسة الجادة باعتباره موضوعاً محتملاً للحملة الانتخابية. على سبيل المثال، في خطاب قوي ــ شوهد على الإنترنت أكثر من نصف مليون مرة ــ رَدَّت عضو مجلس الشيوخ إليزابيث وارين بصلابة على أحدث استعراض عضلات من قِبَل البنوك العملاقة قائلة: "دعونا نمرر شيئا ــ أي شيء ــ من شأنه أن يساعد في تفكيك هذه البنوك العملاقة".
ويرفض المدافعون عن البنوك العملاقة ــ سيتي، وجيه بي مورجان تشيس، وبنك أوف أميركا، وويلز فارجو، وجولدمان ساكس، ومورجان ستانلي ــ دعوة وارين باعتبارها تجسيداً لشعبوية اليسار. ولكن هذا سوء فهم خطير؛ والواقع أن وارين تجتذب قدراً كبيراً من الدعم من قِبَل الوسط واليمين.
ويُعَد السناتور ديفيد فيتر من لويزيانا العضو الجمهوري الأبرز في الكونجرس الأميركي الذي يؤيد الحد من حجم وقوة أكبر البنوك، ولكن هناك آخرين يميلون في اتجاه مماثل. وعلى نحو مماثل، يحذر السياسي المستقل ونائب رئيس مؤسسة تأمين الودائع الفيدرالية توماس هونيج بشكل دائم من المخاطر المرتبطة بالبنوك العملاقة. كما تسوق رئيسة مؤسسة تأمين الودائع الفيدرالية السابقة، الجمهورية شايلا بلير من كانساس، الحجج القوية لصالح اتخاذ تدابير إضافية لكبح جماح أكبر البنوك.
ومن منظور أي شخص يسعى إلى ترشيح أي من الأحزاب السياسية الأميركية، فإن هذه القضية تتقاطع عبر خطوط حزبية. إن "تفكيك سيتي جروب" فكرة ملموسة وقوية ومن شأنها أن تدفع النظام المالي في الاتجاه الصحيح. وهو ليس حلاً سحريا، ولكن التحالف القادر على تفكيك سيتي جروب يستطيع أيضاً أن يتخذ تدابير أخرى لجعل النظام المالي أكثر أمنا ــ بما في ذلك تدابير حماية المستهلك الأكثر فعالية، وزيادة الشفافية في الأسواق، ورفع متطلبات رأس المال بالنسبة للبنوك الكبرى.
فمن جهة اليسار، كان التركيز على إساءة البنوك العملاقة لاستخدام سلطتها والسرقة الكبرى للطبقة المتوسطة. ومن جهة اليمين، كان التركيز على المخاطر المترتبة على رأسمالية المحسوبية، نظراً لإعانات الدعم الحكومية الضمنية الضخمة التي تتلقاها هذه البنوك. ولكن كلاً من اليسار واليمين يتفقان على انعدام التناسب الجوهري الذي ينطوي عليه "تعديل سيتي جروب" الأخير: فالمصرفيون يصيبون الثراء سواء فازوا أو خسروا، لأن دافعي الضرائب الأميركيين يتحملون الفاتورة عندما تفشل رهاناتهم الخطرة.
كان المرشحون الرئاسيون الجمهوريون المحتملون مترددين في مناقشة هذه القضية علنا ــ ربما انطلاقاً من شعورهم بأن هذا قد يحول دون تمكينهم من جمع المال من وال ستريت. ولكن بين الديمقراطيين، تبدو الفرصة أكثر إقناعا، والواقع أن تجنب الدخول في مواجهة مع وال ستريت قد يؤدي في واقع الأمر إلى خلق مشاكل للمرشحين (كما قد يتبين لهيلاري كلينتون).
في الوقت الحالي يدير معهد التغيير التقدمي "مشروع الأفكار الكبرى"، والذي بموجبه يستطيع الناس التصويت على ما يعتبرونه المقترحات السياسية الأكثر أهمية. والواقع أن ثلاث أفكار بين العشر الأوائل تحت بند "الاقتصاد والوظائف" تدور حول فرض قيود أكبر على البنوك الكبرى ــ وهناك اتجاه صاعد حاد في دعم تفكيك سيتي جروب (وعلى سبيل المكاشفة الكاملة، فقد اقترحت هذا البند على الموقع على الإنترنت).
وسوف يستفيد الديمقراطيون من هذه الفكرة في انتخاباتهم التمهيدية (والتي تبدأ في أوائل عام 2016). ولأنها تشكل الأساس للسياسة المسؤولة، فإنها سوف تجتذب الدعم من المنتمين إلى الوسط. ويحب الناخبون على اليمين المقترحات التي تقدم وسيلة جديرة بالثقة لإنهاء المحسوبية ــ إذا لم يكن الفساد الصريح ــ وكان هذا بمثابة علامة محددة للعلاقة بين المستويات العليا من الحكومة ووال ستريت.
"تفكيك سيتي جروب، وإنهاء إعانات الدعم الحكومية الخطرة، وإعادة السوق". الواقع أن المرشح الرئاسي الأميركي الذي يعرض هذه المقترحات في عام 2016 ــ ويعبر عنها بالشكل الأكثر إقناعا ــ لديه فرصة جيدة للفوز بكل شيء.
اضف تعليق