أخيراً جاء قرار الغاء مزاد العملة بعد طول مناشدات ولسنوات طويلة من الانتظار وبعد استنزاف مستمر نخر بموازنة الدولة وملأ جيوب الفاسدين. تم انشاء مزاد العملة بعد عام 2003 من قبل البنك المركزي لأهداف تم اعلانها في حينه من بينها السيطرة على سعر الصرف ورفع القدرة الشرائية لذوي الدخل المحدود وتوفير العملة الصعبة...

أخيراً جاء قرار الغاء مزاد العملة بعد طول مناشدات ولسنوات طويلة من الانتظار وبعد استنزاف مستمر نخر بموازنة الدولة وملأ جيوب الفاسدين. تم انشاء مزاد العملة بعد عام 2003 من قبل البنك المركزي لأهداف تم اعلانها في حينه من بينها السيطرة على سعر الصرف ورفع القدرة الشرائية لذوي الدخل المحدود وتوفير العملة الصعبة للتجار من أجل تمويل استيراداتهم للبضائع من الخارج.

لكن الفكرة خضعت لاحقاً لكثير من التشكيك والشبهات، وصار المزاد واحداً من أكثر ملفات الفساد التي نخرت بالاقتصاد العراقي وأوصلت القطاع المصرفي العراقي الى أسوء حالاته حيث تأسست عشرات المصارف بغطاء نافذة العملة التي تحقق لها الأرباح الخيالية من فواتير الاستيراد الوهمية وتهريب العملة إلى دول الجوار وغيرها.

واستمر مزاد العملة بالعمل ككابوس يجثم على صدور العراقيين طوال 22 عاماً وتجاهلت جميع الحكومات المتعاقبة كل الأصوات التي طالبت بإلغائه والتي كشفت أبواب الفساد والشبهات التي شابت جميع مفاصله ووضحت مدى تأثيره السلبي على الاقتصاد العراقي وبينت خطورة خروج العملة الصعبة الى خارج البلد وضعف الرقابة المالية وضعف الإجراءات.

ولكن دائماً كانت هناك ارادات خارجية تمنع اصدار قرار بإلغائه, والحمد لله أخيراً صدر القرار بضغوط كبيرة من الجهات المالية العالمية ونجح السيد رئيس الوزراء السوداني والبنك المركزي بإصدار قرار الالغاء واصدار نظام جديد يكون بديلاً عنه حيث يتضمن النظام الجديد بالزام التجار بإيداع أموالهم بالدينار العراقي في مصارف عراقية أبرمت شراكات مع مصارف أجنبية (تسمى مصارف مراسلة) وتتولى مصارف المراسلة تلك مع المصارف الأميركية كامل عمليات التحقق وإجراءات الامتثال. 

أما البنك المركزي فستكون مهمته فقط تعزيز الأرصدة الدولارية في حسابات المصارف التي تتمكن من عبور جميع الإجراءات الجديدة المطلوبة بشكل قانوني وتحت رقابة مشددة، ويعتقد الكثير من الخبراء أن هذه الخطوة أخرجت البنك المركزي من مسؤولية أي عمليات تلاعب محتملة بالفواتير أو محاولات لتهريب العملة، كما أن المركزي حصّن نفسه بذلك من أي عقوبات أميركية محتملة مع ما تعنيه من أبعاد خطيرة على اقتصاد البلاد.

انهيار مصارف

ان الفترة القادمة ستشهد نتائج ومخرجات واضحة في القطاع المصرفي أهمها انهيار الكثير من المصارف الأهلية التي كانت تعتمد على مزاد العملة بشكل رئيسي وستصل الى حد الافلاس والخروج من العمل المصرفي, وكذلك سيقلل من السيولة المالية لدى العديد من المصارف الأخرى أي بمعنى آخر ستبقى المصارف الرصينة على الساحة ويكون تأثير قرار الالغاء عليها أقل وطئة من المصارف الضعيفة التي تم تأسيسها لغرض الاستفادة من الأرباح الهائلة التي تتحقق من مزاد العملة, ومن المخرجات المهمة لهذا القرار هو تقليل حجم الفساد بشكل واضح وملموس وخاصة في عمليات التحويل التجارية وبالتالي سيقل هدر الأموال الى جيوب الفاسدين وبالنتيجة سنعزز من القطاع المصرفي العراقي وسنحميه من العقوبات الأمريكية التي تطاله بين حين وآخر .

على الحكومة والبنك المركزي العراقي اتخاذ إجراءات مشددة للسيطرة على السوق السوداء للعملة لنحمي عملتنا الوطنية من التأثر والانخفاض وبذلك نحمي المواطن البسيط من التأثيرات التي تمس قوته اليومي لأن أي انخفاض في قيمة الدينار العراق سيؤدي الى ارتفاع تكلفة السلع المستوردة (وهي النسبة الأكبر من احتياجات العراق) وهذا قد يؤدي إلى تضخم مرتفع يؤثر سلباً على القوة الشرائية للمواطنين.

وكذلك على البنك المركزي اعتماد آليات شفافة لتوفير الدولار بموجب الطريقة الجديدة وتفعيل الدور الرقابي على عمليات التحويل بشكل أعلى من السابق لضمان وصول العملة الصعبة للمستوردين بطريقة عادلة ولتقليل الفساد، وهنا على الحكومة اتخاذ إجراءات حقيقية لتعزيز الإنتاج المحلي لتقليل الاعتماد على الاستيراد وتخفيف الضغط على العملة الأجنبية.

وأخيراً أرى بأن يقوم البنك المركزي العراقي بإعادة هيكلة القطاع المصرفي العراقي وفق المعطيات الجديدة وتفعيل الضوابط السابقة على العمل المصرفي بشكل صارم مع جميع المصارف العراقية لكي تبقى المصارف الرصينة فقط على الساحة وبالتالي ندفع باقتصادنا العراقي الى أمام.

* باحث وخبير اقتصادي

اضف تعليق