ربما تتمادى الصين في الضغط على روسيا سريعاً. وقد يؤدي التمادي إلى رد فعل قومي عنيف، فيحمل بوتين على مقاومة المطالب الصينية. إلا أن تغييراً حقيقياً في العلاقة يقتضي وجود استعداد من قبل الكرملين للتحرر من احتضان الصين الحازم له، وتوافر انفتاح غربي على احتمال تجديد الانخراط...
بقلم: ألكسندر غابويف
أدت الحرب في أوكرانيا إلى عزل روسيا عن العالم الغربي بأكمله تقريباً. ويشعر الروس بشكل متزايد بالوحدة. فهم يواجهون سيلاً من العقوبات والإدانة في وسائل الإعلام العالمية، وباتوا مستبعدين من الأحداث الثقافية على مستوى العالم. غير أن الكرملين يستطيع، في الأقل، الاتكاء على ركيزة دعم رئيسة هي الصين. وكان قرار الرئيس الروسي غزو أوكرانيا أجبر بلاده على اللجوء الى زميلتها العملاقة الأوراسية، على نحو ينم عن الاحترام والتواضع.
وطوال القرن العشرين، عامل الاتحاد السوفياتي الصين معاملة القريب الثانوي، نجاحاً ومكانة. ودام ذلك إلى أن وقع الانفصال الصيني السوفياتي في ستينيات القرن الماضي. فرأى الاتحاد السوفياتي أن الصين دولة ينبغي الأخذ بيدها، ومساعدتها في التقدم المنتظم على طريق الوصول إلى مكانة [الدولة] الجديرة بالاحترام. وبعد عقود من الزمان، انقلبت الأمور رأساً على عقب. وتباهت الصين لبعض الوقت باقتصاد أقوى وأكثر ديناميكية وابتكاراً، إلى نفوذ عالمي سياسي واقتصادي أوسع من روسيا. ومن المقدر للتفاوت هذا أن يزداد ظهوراً في الأعوام المقبلة. فنظام بوتين يعتمد اليوم في سبيل بقائه على بكين. والأرجح أن الصين ستلتهم مزيداً من تجارة روسيا الإجمالية. وسوف تصبح سوقاً أساسية للصادرات الروسية (وعلى الأخص للموارد الطبيعية)، بينما سيشتري المستهلكون الروس بصورة متزايدة السلع الصينية. وسوف تستفيد الصين من مأزق روسيا لتثبيت مكانة الرنمينبي كعملة إقليمية ودولية رئيسة ومهيمنة.
وحفاظاً على رضا الصين، لن يكون لدى القادة الروس خيار تقريباً غير الرضوخ للشروط غير المؤاتية في المفاوضات التجارية، وغير دعم المواقف الصينية في المحافل الدولية مثل الأمم المتحدة، وتقليص علاقات موسكو بدول أخرى، مثل الهند وفيتنام. وغالباً ما تبدو الصين وروسيا، في كتابات كثير من المحللين الغربيين، في صورة اثنتين من القوى الكبرى الاستبدادية تسعيان إلى تغيير النظام الدولي. غير أن العلاقة التي تجمع هاتين القوتين ليست علاقة الند بالند. فاعتماد الكرملين على الصين من شأنه أن يحول روسيا إلى أداة مفيدة في سياق لعبة أكبر يلعبها تشونغنانهاي [المقر الرسمي للقيادة الصينية الحزبية والحكومية]، وعامل ثمين جداً في إطار منافسة بكين مع واشنطن.
على حين غرة
وقبل الهجوم الروسي غير المبرر في 24 فبراير (شباط)، حاول الدبلوماسيون ومسؤولو الاستخبارات الصينيون فهم سبب نشر قوات روسية بأعداد ضخمة على الحدود مع أوكرانيا. وسعى هؤلاء إلى تقويم تحذيرات الولايات المتحدة من وشك اندلاع حرب في المستقبل القريب. وكانت الصين تشك، على نحو قريب اليقين، في صدق تحذيرات واشنطن. وافترضت، مثل كثير من الحكومات الأوروبية أن كلف غزو روسي من شأنها أن تكون أكبر بكثير من أي مكاسب ربما يحققها. وعلى الرغم من التكهنات بأن بوتين قد أبلغ الرئيس شي جينبينغ، جزئياً في الأقل، بخطته في وقت سابق على تنفيذها، فإن الصين بدت مذهولة من نشوب الحرب وفي مأزق صعب. فراحت تتساءل ما هو الموقف الذي ينبغي اتخاذه منها؟ فإن دعمت الصين روسيا، عرضت نفسها للعقوبات وخسارة فرص الوصول إلى التكنولوجيا والأسواق الغربية، وهي نتيجة غير مستساغة. وإذا شجبت أفعال بوتين، جازفت بتعريض علاقاتها بروسيا إلى الخطر.
وتعلق بكين على صلاتها مع موسكو أهمية بالغة، وذلك لجملة من الأسباب. فالبلدان يشتركان في حدود مترامية طولها 4200 كلم. وعلاقاتهما الاقتصادية متكاملة بصورة مثالية. فروسيا غنية بالموارد الطبيعية، لكنها تحتاج إلى التكنولوجيا والاستثمارات. والصين يمكنها أن تقدم التكنولوجيا والاستثمارات، وهي في حاجة إلى الموارد الطبيعية. وروسيا مصدر رئيس للأسلحة المتطورة، قياساً على صناعة الصين التي تستورد السلاح في العقد الأخير. ولأنهما دولتان استبداديتان، فالواحدة تؤيد الأخرى في المؤسسات الدولية، وفي مقدمتها مجلس الأمن الدولي. وتمتنع كلاهما عن انتقاد الأخرى في ما يعود إلى قضايا حقوق الإنسان.
وهما تتعاملان بأسلوب متشابه بالنسبة إلى كثير من المسائل العالمية، مثل معايير إدارة شبكة الإنترنت، التي يعتقد كلاهما أنه يجب إخضاعها لمراقبة صارمة على المستوى الوطني. وتربط الرئيسان شي وبوتين علاقة وثيقة. فهما يتشاركان في رغبة تنطوي على الحنين والاستياء معاً، في إعادة بلديهما إلى عظمة تمتعا بها سابقاً. وعلاقاتهما الثنائية وثيقة، ومرد ذلك إلى شعور واحد بالظلم وبوضوح الغاية، وهو موجه أولاً إلى الولايات المتحدة، التي تتهمها الصين وروسيا بالسعي إلى حرمانهما من مكانتهما المشروعة في العالم. وتنامى هذا الشعور وازداد قوة في وقت أصبح فيه النظامان السياسيان الصيني والروسي يعترفان بدور حكم شي وبوتين الفردي في قوتهما.
وحددت هذه الاعتبارات معالم رد الصين المتوقع على غزو أوكرانيا في فبراير الماضي. فقد عمدت بكين إلى اتباع الأسلوب الموثوق الذي أثبت كفاءته في أثناء أزمات سابقة، تسببت فيها نزعة الكرملين المغامرة، مثل حرب عام 2008 في جورجيا، وضم شبه جزيرة القرم عام 2014، وتدخل روسيا في الانتخابات الرئاسية الأميركية عام 2016. فتمسكت الصين بالحياد من دون اتخاذ موقف. ولفت المسؤولون الصينيون في إطار تواصلهم مع محاورين أوكرانيين وغربيين، إلى أن حكومتهم كانت تؤيد سيادة أوكرانيا ووحدة أراضيها، وتسعى إلى إنهاء الحرب على وجه السرعة. أما في مداولاتهم مع نظرائهم الروس، فشدد المسؤولون الصينيون على أن العلاقات الوثيقة مع روسيا باقية على حالها، وأن بكين تعارض العقوبات الغربية المفروضة من جانب واحد، كما تقبل الموقف الروسي القائل إن توسع "حلف شمال الأطلسي" (الناتو) وحماسة واشنطن لتقوية التحالفات العسكرية التي تقودها في أنحاء العالم، عجلا في اندلاع الصراع.
وإلى اليوم، فشلت المحاولات الغربية الرامية إلى إقناع الصين بالتخلي عن الحياد. والقادة الصينيون لا يعتقدون أنهم يستفيدون كثيراً من اتخاذ موقف يدعوهم إلى انتقاد أفعال روسيا. فهم يعلمون حق العلم أن الأسباب العميقة الجذور للخلافات بين بلادهم والغرب، في قيادة الولايات المتحدة، لن تزول إذا وقفت بكين إلى جانب أوكرانيا. وتخشى الصين من الانهيار المحتمل لنظام بوتين تحت وطأة عقوبات اقتصادية غير مسبوقة. وهذا من شأنه أن يتعارض بوضوح مع المصالح الصينية. وترى الصين أن وجود روسيا معادية للغرب هو مكسب لها، وأن نظاماً جديداً في موسكو، غربي الهوى، سيكون بمثابة كابوس استراتيجي. ويدرك القادة الصينيون أنه من غير المرجح أن تغير روسيا رأيها في أوكرانيا. فبوتين يعتقد أن الحرب أمر أساسي من أجل تأمين بلاده وإرثه الشخصي. وإلى ذلك، ليست لدى الصين القدرات أو الخبرة التي تكفل أداءها دوراً فاعلاً في مفاوضات تتعلق بالحرب. وعليه، لم يحاول الرئيس شي وفريقه المعني بالسياسة الخارجية، تقديم أي مساعدة في وساطة مفترضة.
التربع على عرش الجمال
تحاول الصين عبثاً التوفيق بين قوى ومصالح متعارضة. فترفض أن تضغط على روسيا، وتسعى، في آن، إلى تجنب التداعيات الاقتصادية المترتبة على عقوبات الغرب. واختارت التقيد بالعقوبات وبضوابط التصدير، أقله في الوقت الراهن. وإذ جمدت شركات صينية كثيرة مشاريعها في روسيا، باشرت شركات أخرى تعليق عملياتها هناك. وكذلك تتردد شركات الطاقة الصينية العملاقة، ملك الدولة، في اقتناص الأصول الروسية (المتوافرة حالياً بأسعار مخفضة للغاية) في شركات غربية، مثل "بريتيش بتروليوم" و"شل"، وذلك خوفاً من أن تتعرض [الشركات الصينية] لعقوبات أميركية في المستقبل.
وامتثال الصين للعقوبات لا يعني أن بكين لا تؤيد موسكو اقتصادياً، بل إن دعمها لموسكو هو أقوى مما كان عليه. واستفادت الصين من العطالة الاقتصادية الناجمة عن الحرب، فقدمت نفسها سوقاً بديلة للسلع الروسية التي كانت تباع في الأسواق الأوروبية. واستغلت بشكل كامل الفرص المتاحة لشراء سلع روسية بأسعار زهيدة، عن طريق ترتيبات قصيرة الأجل ولا تنطوي على المجازفة بانتهاك العقوبات.
وزادت الصين، منذ فبراير، مشترياتها من الهيدروكربونات الروسية. وفي وقت تقلص فيه اعتمادها على الطاقة والموارد المعدنية الأخرى الروسية، ليس لدى الكرملين غير خيار توجيه صادراته إلى آسيا، أي إلى الصين في غالب الأحيان. وهذا خيار طبيعي تمليه الجغرافيا، وتمليه خطوط الأنابيب الأرضية القائمة، إلى التجارة البحرية، فضلاً عن توفير هذا الخيار سندات تسديد بعملة اليوان، بدلاً من العملات المرتبطة بالدولار الأميركي، أو الين الياباني، أو الفرنك الفرنسي أو الجنيه الاسترليني. وهذه سياسة نافذة وقائمة. وطوال الأشهر السبعة الأخيرة، زاد حجم الصادرات الروسية إلى الصين 48.8 في المئة، وبلغت قيمتها 61.45 مليار دولار (نحو 50.42 مليار جنيه استرليني). ويقيس هذا الارتفاع المفاجئ في أسعار السلع الأساسية العالمية، ويشير إلى زيادة شحنات النفط الروسي.
،، تتلاشى خيارات روسيا حالياً، ما يجعل الصين صاحبة اليد الطولى ،،
أخذت البضائع الصينية تحل بشكل تدريجي محل البضائع الأوروبية في السوق الروسية منذ عام 2014. وتجاوزت الصين مكانة ألمانيا للمرة الأولى عام 2016، مصدراً رئيساً للتجهيزات الصناعية إلى روسيا. ومن شأن التأثير المشترك للكلفة اللوجستية المرتفعة والعقوبات أن يحد من توافر كثير من السلع الأوروبية في روسيا، فيتجه المستهلكون والشركات في روسيا في نهاية المطاف إلى مزيد من البدائل الصينية. والحق أن واردت الصين إلى روسيا زادت في الأشهر السبعة المنصرمة 5.2 في المئة، وبلغت قيمتها 36.3 مليار دولار (نحو 29.80 مليار جنيه استرليني). وبينما تحل الصين في مرتبة الشريك التجاري الرئيس لروسيا، من حيث الصادرات والواردات، تسدد هذه التبادلات بعملة الرنمينبي الصينية، فتصبح هذه عملة روسيا الاحتياطية بحكم أمر واقع، ومن غير اضطلاعها بدور عملة قابلة للتحويل، ما يفاقم اعتماد موسكو على بكين. وهذا التغيير يحصل ضمناً، على ما يرى من نمو حجم التجارة المسعرة بالرنمينبي في سوق الأوراق المالية بموسكو، وتخطيه للمرة الأولى التجارة باليورو.
وتعاملات من هذا النوع مع الصين، مكلفة بالنسبة إلى روسيا، ولن تكون الصين قادرة على تعويض خسائر روسيا في الأسواق الأوروبية. وعلاوة على ذلك، فإن اعتماد موسكو على بكين يمنح الصين نفوذاً هائلاً، ويمكنها من انتزاع تنازلات من روسيا، حملت من قبل على ترجيح كفتها إلى حد غير معقول. وعلى سبيل المثال، ستستطيع بكين أن تفرض في المفاوضات الحالية على خط أنابيب جديد، يربط حقول الغاز بغرب سيبيريا بالسوق الصينية، مستوى أسعار لمصلحة العملاء الصينيين، وتجعل الرنمينبي العملة المعتمدة للعقد، وتقلص التزامها القانوني شراء الحد الأدنى من طاقة خط الأنابيب [الحجم اللازم لتشغيله]. وعليه، تخضع مشتريات الغاز الإضافية الى رغبة بكين (أو ضعف رغبتها) في الشراء. ومن المرجح أن توافق موسكو على هذه الشروط، فليس لديها بديل. فيؤدي ذلك إلى إمداد بكين بالغاز الرخيص، وبنفوذ تمارسه في المستقبل في مفاوضاتها مع موردي الغاز الطبيعي المسال، مثل قطر والولايات المتحدة.
ولم يكن الكرملين ليرضخ لمثل هذه الشروط قبل عام واحد. فخيارات روسيا تضيق، ما يجعل الصين صاحبة اليد الطولى. والمسؤولون الروس ليسوا عمياناً عن العامل المؤثر في علاقاتهم بالصين إلا أن الحرب فرضت على الكرملين أن يكون براغماتياً ولو على مضض. وطالما توفر الصين تدفقاً نقدياً يبقي النظام متماسكاً وقادراً على مواصلة مواجهته مع الغرب، اضطر الكرملين إلى قبول الشروط الصينية. وتحدي الصين الأول هو إدارة مخاطر الإجراءات الانتقامية الأميركية، مثل العقوبات الثانوية على التعاملات الصينية المحتملة مع الكيانات الروسية الخاضعة للعقوبات، أو بسبب انتهاكات أنظمة الرقابة على الصادرات. ويأمل القادة الصينيون أن يتمكنوا من تجنب استفزاز نظرائهم الأميركيين، وتفادي انتهاك معاملاتهم مع روسيا العقوبات بشكل صريح. وهم يرون أنه من غير المرجح أن تبدأ الولايات المتحدة حرباً تجارية مع ثاني أكبر اقتصاد عالمي، بينما تلوح نذر ركود في الأفق جراء سعي مستميت لمحاولة كسر آلة بوتين الحربية.
الأفضلية لبكين
يفعل الواقع فعله في موسكو. وحتى قبل اندلاع الحرب في أوكرانيا، كانت العلاقات الصينية- الروسية غير متكافئة بشكل متزايد. وخشي كثير من المسؤولين الروس، وبعضهم في أرفع مستويات السلطة، من أن التقرب من الصين، من دون تحسين العلاقات بالدول الغربية في الوقت ذاته وجعل الاقتصاد الروسي أكثر تنافسية، سيؤدي في النهاية الى تقييد استقلالية روسيا الاستراتيجية. لكن العلاقات مع الصين تنامت بشكل مطرد. وقبل ضم بوتين شبه جزيرة القرم عام 2014، كانت الصين تحوز على نحو 10 في المئة من إجمالي تجارة روسيا، وفي نهاية عام 2021، ارتفعت لتبلغ 18 في المئة، ولا بد لهذا الرقم من الارتفاع في أعقاب اندلاع الحرب في أوكرانيا. ولا يستبعد أن تتحكم الصين، قريباً، في ما يزيد على نصف تدفقات روسيا التجارية، وأصبحت الصين مصدراً رئيساً للتكنولوجيا في مجالات مهمة مثل الاتصالات السلكية واللاسلكية والنقل وإنتاج الطاقة. وفي سيناريو كهذا، يقدر أن تتمتع بكين بنفوذ هائل على روسيا، ولا تتردد في استخدامه. فيسع الصين أن تطلب من روسيا التخلي عن علاقاتها الدفاعية مع الهند وفيتنام، أو أن تتخذ مواقف أكثر صراحة وتؤيد سياسة بكين في النزاعات الإقليمية ببحر الصين الجنوبي ومطالبتها بتايوان.
،، حتى قبل اندلاع الحرب في أوكرانيا، كانت العلاقات الصينية الروسية غير متكافئة بشكل متزايد ،،
والنزاع مع الغرب لن يحل ما دام بوتين في الكرملين، والأرجح ألا يحصل ذلك بعد نهاية حكمه. فتتحول روسيا إلى إيران أوراسية عملاقة، معزولة إلى حد ما، مع اقتصاد أصغر، وأكثر تخلفاً من الناحية التكنولوجية، جراء أعمالها العدائية تجاه الغرب، ولكنها في الوقت ذاته أكثر أهمية من اعتبارها عديمة القيمة ولا علاقة لها بما يجري. وستكون الصين أكبر شريك خارجي لروسيا ودولة تشتري حصة أساسية من صادراتها ومورداً كبيراً لها وشريكاً دبلوماسياً رئيساً (خصوصاً فيما تواصل الهند ابتعادها عن روسيا، واقترابها من الديمقراطيات في منطقة المحيطين الهندي والهادئ وفي أوروبا). وربما تحرص النخبة الحاكمة والمسنة في الكرملين، والمنصرفة الاهتمام إلى واشنطن عن قصر نظر، على خدمة الصين حين تبرز هذه منافساً لدوداً للولايات المتحدة.
والفائدة التي تجنيها الصين من هذه الحال كبيرة. وليس من المرجح أن تنقذ بكين موسكو، أو أن تساعدها على نحو فاعل على تحديث الاقتصاد الروسي. وعلى الرغم من ذلك، فسوف تفعل الصين ما في وسعها من أجل صمود نظام روسي صديق في الكرملين، وترجيح كفة المصالح القومية الصينية، وذلك من خلال شراء الموارد الطبيعية الروسية بأثمان بخسة وتوسيع سوق التكنولوجيا الصينية وتعزيز المعايير التكنولوجية الصينية وجعل الرنمينبي العملة الإقليمية الافتراضية لشمال أوراسيا.
وقياساً على نفوذها المتزايد، ستكون بكين قادرة على انتزاع أمر لم يكن من الممكن تصوره قبل عام من موسكو، وهو الوصول إلى الأسلحة الروسية الأكثر تطوراً وإلى تصاميمها، والوصول التفضيلي إلى القطب الشمالي الروسي، واستيعاب المصالح الأمنية الصينية في آسيا الوسطى ودعم روسيا، بوصفها عضواً دائماً في مجلس الأمن، مواقف الصين في القضايا الإقليمية والعالمية، لا سيما في النزاع مع الجيران على الأراضي. فيحمي الكرملين نفسه من الضغط الغربي لقاء خسارته قدراً كبيراً جداً من استقلاليته الاستراتيجية.
والأغلب أن يستمر الوضع على هذه الشاكلة ربما إلى غداة عهد بوتين. وربما تتمادى الصين في الضغط على روسيا سريعاً. وقد يؤدي التمادي إلى رد فعل قومي عنيف، فيحمل بوتين على مقاومة المطالب الصينية. إلا أن تغييراً حقيقياً في العلاقة يقتضي وجود استعداد من قبل الكرملين للتحرر من احتضان الصين الحازم له، وتوافر انفتاح غربي على احتمال تجديد الانخراط مع روسيا. ولا يبدو أن أمراً من هذين مرجح الحصول في المستقبل المنظور.
اضف تعليق