وبصرف النظر عن النقطتين الرئيسيتين الطلب من الدوحة إرسال الغاز إلى أوروبا وتأدية دور الوسيط مع طالبان في أفغانستان من المرجح أن يكون جدول أعمال البيت الأبيض قد ركز على المساعدة الدبلوماسية القطرية المحتملة بشأن إيران. فقد مرّ أسبوعٌ بالتحديد على زيارة وزير الخارجية القطري...
بقلم: سايمون هندرسون
بعد أن كان الاجتماع بين الرئيس الأمريكي وأمير قطر مخصصاً لتقديم الشكر على المساعدة الحيوية أثناء الانسحاب من أفغانستان الصيف الماضي، ربما ركّز بدلاً من ذلك على الدور الذي قد تضطلع به الدوحة في معالجة أزمة أوكرانيا.
عندما زار الزعيم القطري الأمير تميم بن حمد آل ثاني البيت الأبيض في 31 كانون الثاني/يناير، من المحتمل أن تكون الأدوار قد انعكست بشكل استثنائي خلال لقائه وجهاً لوجه مع الرئيس بايدن. فبدلاً من قيام قادة الدول الصغيرة بتقديم مطالب اقتصادية وعسكرية لواشنطن كما هو مُعتاد، من المرجح أن بايدن هو الذي طرح السؤال الأكبر: الرجاء المساعدة في مسألة أوكرانيا.
والسبب هو أنه على الرغم من قلة عدد سكان قطر (حوالي 300000 مواطن) وضيق مساحتها البرّية (حوالي ضعف حجم الولاية الأمريكية ديلاوير)، إلّا أن البلاد تملك أيضاً ثالث أكبر احتياطي من الغاز في العالم بعد روسيا وإيران، وتصدّره بكميات هائلة على شكل غاز طبيعي مسال. ويأمل الرئيس بايدن على الأرجح أن تتجه بعض الناقلات القطرية من الغاز الطبيعي المسال إلى أوروبا إذا ما دفعت الأزمة الأوكرانية موسكو إلى إيقاف صادرات الغاز الروسية أو تخفيضها، والتي تمثل 40 في المائة من الطلب الأوروبي.
وفي الوقت الراهن، تُخصَّص معظم صادرات قطر إلى الزبائن في آسيا بموجب عقود طويلة الأجل، لذا وفقاً لبعض التقارير تهدف واشنطن إلى إقناع بعض هؤلاء الزبائن بالسماح للقليل من هذه الشحنات بالاتجاه إلى أوروبا بدلاً منها.
وتتناسب هذه المعضلة في السياسة الأمريكية بشكل جيد مع الأسلوب التقليدي لقطر المتمثل في تحقيق التوازن بين الحلفاء والأعداء والخصوم - أو جعلهم يتواجهون. وتستضيف الدولة الخليجية أكبر فريق عسكري أمريكي في المنطقة، في "قاعدة العديد الجوية" الضخمة جنوب الدوحة، التي انطلقت منها مهام مكافحة تنظيمَي «الدولة الإسلامية» و«القاعدة». ومع ذلك، تتركز احتياطيات قطر من الغاز في "حقل غاز الشمال" البحري، المتاخم لـ "حقل فارس الجنوبي" التابع لإيران، مما يتطلب اتباع نهج دبلوماسي دقيق مع طهران بشأن الكميات النسبية المستخرجة من المصدر المشترك. يجب على الدوحة أيضاً التعامل مع موسكو بحذر نظراً إلى المنافسة بينهما على عقود التوريد في آسيا، ومكانة روسيا كقوة عظمى.
وغالباً ما أثارت استراتيجية قطر التحوّطية - ناهيك عن ثروتها - غضب جيرانها العرب، كما يتضح من العزلة التجارية والدبلوماسية التي فرضتها المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة والبحرين في عام 2017. وانتهى هذا الشقاق فجأةً العام الماضي دون أن تُقدّم الدوحة أي تنازلات؛ فعلى ما يبدو، غيّرت الرياض سياستها، على الرغم من استمرار الكراهية في المنامة وأبوظبي.
وعلى هذا النحو، من المحتمل أن تعمد وسائط الإعلام وشبكات وسائل التواصل الاجتماعي المتأثرة بالخليج إلى إرفاق زيارة الأمير تميم إلى واشنطن بضوضاء من القصص السلبية حول سوء السلوك المفترض لقطر. وتشمل هذه القصص الادعاءات حول قربها من إيران، وسوء معاملتها للعمّال الأجانب - لا سيما المكلفين بتشييد المنشآت الخاصة ببطولة كأس العالم التي ستجري هذا العام - ودعمها للإرهاب وجماعة «الإخوان المسلمين» وحركة «حماس».
وبصرف النظر عن النقطتين الرئيسيتين - الطلب من الدوحة إرسال الغاز إلى أوروبا وتأدية دور الوسيط مع طالبان في أفغانستان - من المرجح أن يكون جدول أعمال البيت الأبيض قد ركز على المساعدة الدبلوماسية القطرية المحتملة بشأن إيران. فقد مرّ أسبوعٌ بالتحديد على زيارة وزير الخارجية القطري الشيخ محمد بن عبد الرحمن إلى طهران ولقائه بالرئيس ابراهيم رئيسي وغيره من الشخصيات.
من المحتمل أن يكون بايدن قد طرح أيضاً احتمال استمرار المساعدات القطرية للفلسطينيين في قطاع غزة الذي تسيطر عليه «حماس». وحتى الآن، قدّمت الدوحة مساعدات إنسانية بسخاء ووافقت على تمويل توفير الغاز الإسرائيلي لمحطة لتوليد الطاقة خارج مدينة غزة. وفي حين لا يخلو هذا الدعم من الجدل، إلّا أن المسؤولين في إسرائيل وغيرها يعترفون بأنه يساعد هذه الأراضي.
في المقابل، لقطر مطالبها الخاصة. فعلى الصعيد العسكري، تريد قطر شراء طائرة مقاتلة متطورة من طراز "أف-35"، لكنّ أنشطة شركة "هواوي" الصينية داخل حدودها ستشكّل عائقاً كبيراً. ومن ناحية الصادرات المدنية، قد تحظى شركة "بوينغ" بفرصة تحقيق مبيعات لـ"الخطوط الجوية القطرية"، التي تواجه حالياً خلافاً كبيراً مع الشركة الأوروبية المصنّعة المنافسة لها "إيرباص" بشأن عيوب في الطلاء.
ومن الناحية الدبلوماسية، حملت زيارة الأمير بصمة الزيارة الأولى التي يقوم بها زعيم خليجي إلى البيت الأبيض تحت إدارة بايدن. وقد يُنظر إليها أيضاً بمثابة تذكير بأن الشخصيتين السياسيتين الرئيسيتين المتبقيتين في الخليج - ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان وولي عهد أبو ظبي الشيخ محمد بن زايد، وهما الزعيمان الفعليان للسعودية والإمارات - لم يحققا بعد تقارباً مشابهاً مع الإدارة الأمريكية.
اضف تعليق