ترامب هو أول ديماغوجي فعليّ يتم انتخابه للرئاسة الأمريكية، إلا أن الفنان أو الحاكم الثري الذي يفوز بالمنصب من خلال الظهور كبطل لعامة الناس كان يُشكل عنصرًا أساسيًا في سباقات رؤساء البلديات وحُكام الأقاليم لأجيال. أصبح مشاهير وسائل الإعلام، على وجه الخصوص، أساسًا مشتركًا بشكل متزايد للنجاح الانتخابي...
بقلم: مايكل ليند
أوستن - طوال فترة ولاية دونالد ترامب الوحيدة كرئيس للولايات المتحدة، وصفه خصومه في كل من الحزبين الديمقراطي والجمهوري باعتباره رئيسًا ديكتاتوريًا فاشيًا مُحتملاً. لكن مع خروج ترامب من البيت الأبيض، أصبح هذا التشبيه غير مقبول. إن الزعيم الإيطالي الذي يُشبهه ترامب أكثر ليس الديكتاتور الفاشي بينيتو موسوليني، بل بالأحرى سيلفيو برلسكوني، رئيس الوزراء السابق الذي يُعد رمزا للفضائح.
إن شخصيات مثل ترامب وبرلسكوني -كبار رجال الأعمال أو مشاهير الإعلام الذين ترشحوا للمناصب باعتبارهم ديماغوجيون شعبويون مناهضون للمؤسسة- ليست بارزة في الديمقراطيات الغربية المُعاصرة. في أوروبا، تضم القائمة قادة منتخبين مثل رئيس الوزراء التشيكي أندريه بابيس، أحد أغنى الرجال في البلاد، والرئيس الأوكراني السابق بترو بوروشنكو، الذي كان يُعرف سابقًا باسم "ملك الشوكولاتة" في بلاده؛ وخليفته فولوديمير زيلينسكي، ممثل كوميدي سبق له أن لعب دور رئيس أوكراني على شاشة التلفزيون.
على الرغم من أن ترامب هو أول ديماغوجي فعليّ يتم انتخابه للرئاسة الأمريكية، إلا أن الفنان أو الحاكم الثري الذي يفوز بالمنصب من خلال الظهور كبطل لعامة الناس كان يُشكل عنصرًا أساسيًا في سباقات رؤساء البلديات وحُكام الأقاليم لأجيال. أصبح مشاهير وسائل الإعلام، على وجه الخصوص، أساسًا مشتركًا بشكل متزايد للنجاح الانتخابي في أمريكا.
في الثلاثينيات من القرن الماضي، أصبح نجم إذاعة موسيقى الريف دبليو لي "بابي" أودانيال حاكمًا لولاية تكساس ثم سناتورًا أمريكيًا. في الستينيات والثمانينيات، انتقل رونالد ريغان الشهير من ممثل في هوليوود إلى حاكم ولاية كاليفورنيا ثم شغل منصب رئيس الولايات المتحدة. وعلى نحو مماثل، بدأ جيسي هيلمز، السناتور الأمريكي الراحل عن ولاية كارولينا الشمالية، العمل كنجم إذاعي يميني. ثم في عام 1999، انتُخب نجم المصارعة التليفزيوني الشهير جيسي فينتورا (الذي حاول بمساعدة ترامب السيطرة على حزب الإصلاح بزعامة روس بيرو) لفترة ولاية واحدة كحاكم لولاية مينيسوتا، وفي عام 2003، أصبح النجم السينمائي أرنولد شوارزنيجر حاكم كاليفورنيا دون أي خبرة سياسية سابقة. (سبق أن شغل فينتورا منصب عمدة لبلدية إحدى ضواحي مينيابوليس).
لا يعتزم الديماغوجيون الشعبويون في البلدان الديمقراطية عمومًا تأسيس دول بوليسية، ولا يمكنهم القيام بذلك حتى لو حاولوا. في حين كان الدكتاتوريين الفاشيين في فترة ما بين الحربين العالميتين مدعومين من قبل المؤسسات العسكرية والشرطة وأعضاء الحكومة والمؤسسات التجارية في بلدانهم، يعتمد الشعبويون على دعم الجماعات غير النخبوية المُنفردة وعادةً ما يُواجهون مُعارضة معظم مراكز القوى الأخرى في المجتمع.
ولذلك، يُمثل العديد من الديماغوجيين البارزين في الجنوب الأمريكي - مثل حاكم ولاية لويزيانا (ثم عضو مجلس الشيوخ الأمريكي) هيوي ب. لونغ أو فريق الزوج والزوجة من حُكام تكساس الشعبويين جيمس "با" وميريام "ما" فيرغسون - صغار المزارعين والطبقة العاملة البيضاء ضد طبقة النبلاء الغنية التي احتكرت الثروة والمناصب السياسية في ولاياتها.
يستغل بعض الديماغوجيون مُعاناة الأقليات العرقية بسبب استبعادهم من الثروة والسلطة. في النصف الأول من القرن العشرين، فاز جيمس مايكل كيرلي، عمدة بوسطن الفاسد لمدة أربع ولايات وحاكم ولاية ماساتشوستس لفترة واحدة، وتولى السلطة من خلال تمثيل الطبقة العاملة من الأمريكيين الأيرلنديين ضد النخبة البروتستانتية الأنجلو أمريكية - والذين يُطلق عليهم براهمة بوسطن.
وعلى الرغم من أنه بإمكان الديماغوجيين الشعبويين تحديد المظالم المشروعة بين بعض الناخبين، إلا أنهم عاجزون تمامًا عن الوفاء بوعودهم لأتباعهم. أصبح بعض حُكام الولايات، مثل أودانيال في ولاية تكساس، واجهات لمصالح المؤسسة، بينما يكتفي آخرون بإنشاء آلات رعاية شخصية، مُستخدمين سلطاتهم الرسمية لمكافأة أفراد أسرتهم أو أصدقائهم المُقربين. نادرًا ما يعمل الديماغوجيون على إنشاء هياكل مؤسسية جديدة قادرة على تنفيذ الإصلاحات بعد فترة طويلة من تركهم مناصبهم.
في حالة كيرلي، لعب صهره إدوارد دونيلي خرّيج جامعة هارفارد دورًا مُشابهًا لدور صهر ترامب خرّيج جامعة هارفارد جاريد كوشنر. في ولاية لويزيانا، أنشأ لونغ سلالة عائلية ضمت شقيقه إيرل، الذي تبعه كحاكم، وراسل لونغ، الذي أصبح عضوًا في مجلس الشيوخ الأمريكي لفترة طويلة من لويزيانا.
على أي حال، تميل المهن السياسية للشعبويين الديماغوجيين إلى أن تكون غنية بالفضائح وقضايا الفساد. بينما أقام برلسكوني حفلات "بونغا بونغا" سيئة السمعة، أصدر ترامب شريط "أكسس هوليوود"، حيث كان يتباهى بالاعتداء الجنسي على النساء.
علاوة على ذلك، هناك العديد من قضايا الكسب غير المشروع والجريمة الصريحة. كما هو الحال مع كيرلي، حُكم على برلسكوني بالسجن. بصفته حاكمًا سياسيًا لولاية لويزيانا في الثلاثينيات، عقد لونغ اتفاقًا مع رجل العصابات في نيويورك فرانك كوستيلو من أجل تقاسم أرباح المقامرة في الولاية، حتى في الوقت الذي قام فيه أتباعه "بسحب" الأموال من الرواتب الحكومية في الولايات من أجل الاستفادة من صندوق دعم الحملة الانتخابية الذي أصبح معروفاً باسم "صندوق الخصم". في ولاية تكساس، عمَد الحاكمان جيمس "با" وميريام "ما" فيرغسون إلى تمويل آليتهما السياسية عن طريق بيع العفو لأسر المجرمين المُدانين. إن التقارير الأخيرة التي تفيد بأن حلفاء ترامب حصلوا على أموال للضغط على الرئيس المنتهية ولايته من أجل العفو مدفوعة بالفساد وليس الديكتاتورية.
وبطبيعة الحال، أدى اقتحام أنصار ترامب لمبنى الكابيتول الأمريكي حتمًا إلى إجراء مُقارنات مع جنود العاصفة النازية وجماعات القمصان السوداء الإيطالية الفاشية. ومع ذلك، يُقدم تاريخ أمريكا الخاص تشبيهات أكثر دقة لفهم الغوغاء الذي أقامه المؤيدين لمبدأ "جعل أمريكا عظيمة مُجددًا". ليس من قبيل المصادفة أن يكون لشخصية الزعيم فينلي، الزعيم الديماغوجي لولاية جنوبية، في مسرحية "طائر الشباب الجميل" عن تينيسي ويليامز عام 1959 عصابته الإجرامية الخاصة ("الشباب من أجل توم فينلي) التي حرّضها ضد خصومه السياسيين.
من المؤكد أن الديماغوجيين في الديمقراطيات الحديثة يمكنهم إحداث أضرار جسيمة، حتى لو لم يتمكنوا (ولا ينوون) إلغاء الانتخابات، وإنشاء دول بوليسية، ووضع خصومهم في معسكرات الاعتقال. لكن مُعارضة صعود الشعبويين الديماغوجيين ليس كافيًا. نحتاج أيضًا إلى فهم الظروف التي تسمح لهذا النوع من السياسيين بالازدهار.
عندما يتم تمثيل المجموعات الرئيسية في المجتمع تمثيلاً كافيًا من خلال السياسات الانتخابية والمؤسسات مثل النقابات العمالية والمنظمات الدينية والجماعات المحلية، نادرًا ما يحظى الديماغوجيون الشعبويون بدعم شعبي كبيرً. عندما تشعر مجموعات كبيرة في مدينة أو ولاية أو مقاطعة أو دولة معينة بالحرمان والتجاهل من قبل القادة التقليديين، فإنها تميل إلى اللجوء إلى الغُرباء البارزين والأقوياء الذين يدّعون أنهم يُمثلونهم، على الرغم من أنهم في الحقيقة يُمثلون أنفسهم فقط.
ولسوء الحظ، في حين تترسخ الثروة والمكانة الاجتماعية بشكل متزايد في المُجتمعات الغربية الحديثة، فقد تلاشت المؤسسات الوسيطة والمجتمعات المحلية، وتراجعت الأحزاب السياسية التقليدية حيث أصبحت مجرد تسميات يمكن للأغنياء والمشاهير الإعلاميين استغلالها بسهولة. وهذا يعني أن الظروف ستظل مهيأة لمزيد من خُلفاء برلسكوني وترامب.
اضف تعليق