هذا مقالي رقم 100 لـ بروجيكت سنديكت وقد جاء هذا المقال بعد 20 عاما تقريبا من مقالي الاول وكما هو الحال في معظم المناسبات المهمة فإنها تكون بمثابة فرصة جيدة لتحليل ما كتبته وما الذي كانت تقوله كتاباتي عن العالم خلال العقدين المنصرمين والى اين نسير...
بقلم: ريتشارد هاس
نيويورك- ان هذا مقالي رقم 100 لوكالة بروجيكت سنديكت الاخبارية وقد جاء هذا المقال بعد 20 عاما تقريبا من مقالي الاول وكما هو الحال في معظم المناسبات المهمة فإنها تكون بمثابة فرصة جيدة لتحليل ما كتبته وما الذي كانت تقوله كتاباتي عن العالم خلال العقدين المنصرمين والى اين نسير.
ان هناك ثلاثة مواضيع عامه بارزة في هذا الخصوص وهي اولا، كيف استطاع الشرق الاوسط ان يحظى باهتمام العالم بما في ذلك اهتمامي انا شخصيا. ان منطقة الشرق الاوسط هي منطقة تضم حوالي 6% من سكان العالم وعلى الرغم من امتلاكها لكميات هائلة من النفط فهي تشكل اقل من 5% من الانتاج الاقتصادي العالمي ولكنها ما تزال تهيمن على مساحة كبيرة من عناوين الاخبار بالاضافة الى حصتها الكبيرة من الصراعات والارهابيين واللاجئين.
يعزو البعض مشاكل الشرق الاوسط العديدة للقوى الاستعمارية الغربية ولكن هذه الحقبة اصبحت من الماضي البعيد بحيث لا يمكن ان تبرر الفشل الحالي وفي واقع الامر فإن العديد من المستعمرات السابقة في اماكن اخرى من العالم تعيش في ازدهار.
ولكن على الرغم من ذلك فإن القوى الخارجية قد جعلت الامور أكثر سوءا خلال العقدين المنصرمين سواء من خلال ما فعلته تلك القوى (مثل الغزو الامريكي للعراق سنة 2003 وتدخل الناتو في ليببيا وروسيا في سوريا) وما فشلت في القيام به.
هنا، ارغب في ان اشير الى التردد الامريكي في التدخل في سوريا حتى بعد ان تحدت الحكومة التحذيرات واستخدمت الاسلحة الكيماوية وبينما التدخل في ليبيا كان خاطئا فإنه كان يتوجب على الولايات المتحدة الامريكية وشركاءها الاوروبيين بعد ان اتخذوا ذلك القرار ان يعملوا على تثبيت الاستقرار في ذلك البلد بعد الاطاحة بمعمر القذافي.
لكن حصة الاسد من المسؤولية عن السجل السيء للشرق الاوسط تقع على عاتق قادة المنطقة والذين فشلوا بشكل عام في توفير الفرص الاقتصادية أو الحقوق السياسية في أوطانهم والذين رفضوا الحلول الوسط من اجل تحقيق السلام وعوضا عن ذلك رأينا صراعات طويلة ومكلفة في سوريا واليمن وجمود في مصر وتلاشي الآمال في اي تسوية دائمة بين اسرائيل والفلسطينيين.
ان الموضوع الثاني الذي ينبثق عن العقدين المنصرمين هو بروز اسيا كساحة رئيسية للعلاقات الدولية الحديثة. لقد كانت اوروبا المسرح الرئيسي لمعظم احداث القرن العشرين على مستوى العالم بما في ذلك حربين عالميتين ساخنتين وحرب بارده واليوم جاء الدور على اسيا ففي هذه المنطقة نجد جزء كبير من سكان العالم ومعظم انتاج العالم الاقتصادي بالإضافة الى القوة العسكرية المتعاظمة وفي تلك المنطقة تتواجه القوى الرئيسية في هذه الحقبة وجها لوجه.
إن الاخبار الطيبة هي انه خلال العشرين سنة الماضية – في واقع الامر منذ الحرب الباردة- بقيت اسيا مستقرة مما يعكس عامل الاستقرار الذي تلعبه امريكا والانتعاش الحاصل بفضل النمو الاقتصادي السريع. ان السؤال الان هو ما اذا كان هذا الاستقرار سيستمر ويبقى كاتجاه سائد اذا اخذنا بعين الاعتبار صعود الصين والاحتمالية شبه المؤكدة بإن كوريا الشمالية لن تحتفظ بقدراتها النووية والصاروخية فحسب بل ستعمل على توسيعها بالاضافة الى النزاعات الطويلة في بحر الصين الجنوبي والشرقي وتايوان والعديد من الجزر والحدود.
ان الموضوع الثالث والذي تناولته في العديد من مقالاتي التسعة والتسعين السابقة هو نهاية العالم الذي نعرفه فلقد لخصت عناوين العديد من مقالاتي تلك النتيجة: "نهاية النظام العالم الليبرالي"، "الحرب الباردة 2"، "حقبة الفوضى".
ان احد اسباب هذا التقييم المتشائم هو البروز المتصاعد للصين والتي ما تزال غير ليبرالية داخليا وتنخرط في ممارسات غير عادلة كثيرة من اجل تعزيز موقفها التجاري وهي غير راغبة بشكل عام في تحمل مسؤوليات عالمية تتوافق مع قوتها. ان سبب اخر لذلك التشاؤم هو روسيا تحت حكم الرئيس فلاديمير بوتين والتي تسعى لإنتهاك السيادة – وهي من أهم القواعد الاساسية للنظام العالمي – وذلك من خلال الجيوش التقليدية والرقمية على حد سواء بالإضافة الى توسع الفجوة بين التحديات العالمية مثل التغير المناخي ورغبة العالم في التعامل معها. إن الفكرة الرئيسية لمقالي سنة 2013 "ماذا نعني بالمجتمع الدولي؟" ما تزال قائمة فهذه الجملة ما تزال تمثل مفهوما ينطوي على الطموح بدلا من الواقع.
ان هناك عامل ما يزال بارزا في خضم هذا التدهور وهو رفض الولايات المتحدة الامريكية الاستمرار في لعب دورها التقليدي بالعالم فلقد كان واضحا خلال العقدين المنصرمين انه لا يوجد توافق ضمن السياسة الخارجية الامريكية في مرحلة ما بعد الحرب الباردة فالذي يوجد حاليا هو الحذر بسبب التدخلات العسكرية المكلفة في العراق وافغانستان والصعود الشعبوي الذي اشعلته الازمة المالية العالمية لسنة 2008 وتزايد انعدام المساواة وانخفاض قدرة الناس على الارتقاء طبقيا.
ان هذه الخلفية هي التي أدت إلى انتخاب الرئيس دونالد ترامب وخلال فترة تزيد عن عامين ساهم ترامب في تأجيج الاضطرابات العالمية وذلك من خلال خليط فريد من عداءه للمنظمات متعددة الاطراف ومن التحالفات واستخدامه الدائم للرسوم الجمركية والعقوبات وذلك من اجل تحقيق اهداف طموحة للغاية ولدرجة انها غير واقعية كما قام ترامب بزيادة الانفاق العسكري مع تقليص العمل العسكري بالاضافة الى تقليصه وبشكل كبير لجهود الترويج للديمقراطية وحقوق الانسان وولعه بالقادة الاقوياء وايمانه بدبلوماسيته الشخصية وليس بالدبلوماسيين المحترفين.
كما ذكرت اعلاه فلقد ساهمت كل تلك الامور في تلاشي عالم ما بعد الحرب العالمية الثانية والحرب الباردة والعالم الذي سيحل مكانه ما يزال غامضا فترامب هو شخص يفضل التعطيل على البناء وهكذا فإن العشرين سنة القادمة مرشحة لإن تكون اكثر اضطرابا من العشرين سنة الماضية ومن المؤسف ان اقول انه ستكون هناك الكثير من المواضيع التي ستكون كافية لمائة مقال اخر على اقل تقدير.
اضف تعليق