التحولات تأتي بدرجة عالية من المخاطر، وكثيراً ما نفضل عدم التفكير بها. ومع ذلك، من الممكن أن تشكل هذه التحولات أيضًا فرصة لتحسين الأوضاع القائمة. ولكن، وقبل كل شيء، نحن بحاجة إلى تعديل سبل تفكيرنا من أجل مواجهة العالم المتغير بسرعة من حولنا. وكما قال...
مارك لي مينيستريا

 

إن التميّز في صناعة القرارات يتطلب وعياً ذاتياً ومقدرة على اختيار طريقة التفكير في المواقف المختلفة

لنفترض جدلاً أن متجراً ما يبيع مجاريف الثلج مقابل 15 دولاراً للمجروف الواحد، وبعد ليلة حافلة بالعواصف الثلجية، قرر صاحب المتجر بيعها لقاء 20 دولاراً، فهل يعد هذا التصرف مقبولاً؟

إن الأغلبية العظمى من الذين شاركوا في ندواتي أجابوا بـ نعم، أي رأوا أن رفع أسعار المجاريف بعد ليلة مليئة بالثلج أمراً مقبولاً، مستشهدين بقانون العرض والطلب، وقالوا إن الأمر يماثل بيع المظليات في الشوارع في الأيام الماطرة، لأن طبيعة هذا الموقف لن تمكنهم من المنافسة لو لم يفعلوا ذلك؛ كما ألقوا اللوم على المشترين لعدم جاهزيتهم لتلك الظروف المناخية، كما قدموا أعذاراً أخرى على نفس الشاكلة.

بالواقع، هم لا يفكرون فعلاً إن كان رفع الأسعار أمراً مقبولاً أم لا، بل هم اتخذوا قراراتهم كردّة فعل، ومن ثم بدأوا التفكير في كيفية تبرير "خيارهم".

لقد جاء خيارهم، على الأغلب، نتيجة تعاطفهم الضمني واللاواعي مع صاحب المتجر. ومن هذا المنطلق، توقعوا أن رفع أسعار المجاريف سيساعد صاحب المتجر على تحقيق المزيد من الأرباح. هذا هو أسلوب تفكيرهم.

وبالمقابل، وجدت دراسة أن ما نسبته 82 بالمائة من الأفراد (من غير رجال الأعمال، بل تضمنت عينة تمثيلية من كل فئات المجتمع)، لا يعتقدون أنه من المقبول أن ترفع المتاجر أسعار المجاريف بعد عاصفة ثلجية، فإن كان المستهلكين يفكرون بنفس الطريقة، فهم على الأغلب غاضبون وفقدوا ثقتهم بالمتجر، وغالباً لن يقوموا بشراء أي بضائع أخرى غير أساسية من ذلك المتجر، لأنهم يعتقدون أنه سيستغلهم كل ما سنحت له الفرصة.

إذاً، يعتبر رفع سعر مجاريف الثلج خطوة سيئة للمتجر على المدى الطويل.

وبالتالي، من الضروري أن نستوعب أن هنالك أسلوب معيّن للتفكير يتّبعه قادة الأعمال، فعلى سبيل المثال، يرون أنه من المقبول استغلال كافة الفرص المتاحة لتحقيق أكبر قدر من الأرباح، ولكن أسلوب التفكير هذا يتعارض بشكل مباشر مع أخلاقيات عملائهم، واحترامهم لإرادة حكوماتهم، وقد يؤول ذلك إلى اتخاذ قرارات غير صائبة قد تؤدي في نهاية المطاف إلى تبديد فرص الأعمال وتتسبب بخسائر في الأرباح.

التأمل في طريقة تفكيرنا

لا شك أن طريقتنا في التفكير هي نتيجة تجاربنا في الحياة، ولكنها تعمل على تشكيل حياتنا أيضاً. وهي، بالنهاية، ما يجعلنا أذكياء، أو غير أذكياء.

لكل واحد منّا طريقته الفريدة في التفكير. وأنا كذلك. وبالتأكيد، لا يوجد هنالك شخصان يفكران بالطريقة ذاتها. كما أن لكل منّا أكثر من طريقة واحدة في التفكير، ولا يعتمد ذلك على بماذا نفكر فحسب، بل يعتمد أيضاً على ماذا نوّد فعله، أو قوله، أو فهمه، أو حتى من نوّد أن نكون.

أن نكون واعين بطريقة تفكيرنا، وبتفردها عن الآخرين، وتشابهها مع طريقة تفكير الأخرين في الوقت ذاته، يساعدنا في التدرب على إحدى أهم قدراتنا كصنّاع قرار، هي اختيار الطريقة التي نفكر بها.

على المستوى العالمي، تتطلب هذه اللحظات التاريخية التي نعيشها اليوم أن نختار بعناية، لاسيما وأن التقنيات الجديدة والأحداث السياسية المتسارعة تغيّر عالمنا بشكل جذري، والأمر ذاته ينطبق على الطريقة التي نمارس بها أعمالنا. أن هذه التحولات تأتي بدرجة عالية من المخاطر، وكثيراً ما نفضل عدم التفكير بها. ومع ذلك، من الممكن أن تشكل هذه التحولات أيضًا فرصة لتحسين الأوضاع القائمة. ولكن، وقبل كل شيء، نحن بحاجة إلى تعديل سبل تفكيرنا من أجل مواجهة العالم المتغير بسرعة من حولنا. وكما قال آينشتاين، "إن نوعاً جديداً من التفكير أمرٌ ضروريٌ إذا أرادت البشرية النجاة والارتقاء نحو مستويات أعلى".

وبالتأكيد، نحن ندرك بأننا أحرار في التفكير بما نريد، ولكن عملية اختيار كيف نفكر في شيءٍ ما هو أمرٌ صعب. وعلى الأغلب، نؤمن أن هنالك طريقة واحدة للتفكير في الامر، كما في مثالنا السابق عن صاحب المتجر الذي احتسب خمسة دولارات إضافية على حساب أثمن ممتلكاته: "علاقاته بعملائه". وعلى أي حال، هنالك أكثر من طريقة واحدة للتفكير في الشيء ذاته.

إن اختيار الطريقة التي نفكر بها بشكل واعي، هو نوع نادر من الحرية التي يتمتع بها بنو البشر، وهم قادرون على تنميتها وتطويرها. إنها طريق للحرية بأبهى وأجمل صورها.

هذا وأدعوا طلابي أثناء تدريسهم، لتعلم طرق مختلفة للتفكير، كي يتمكنوا من تنمية حرياتهم وإمكاناتهم. وتجدر الإشارة إلى أن الحرية والإمكانيات تأتيان محملتان بالمسؤولية. لذا، فأنا أدعوهم للتفكير بمرونة في نتائج قراراتهم. وبإمكانهم استخدام هذا الأسلوب للتفكير أكثر، أو أقل، أو التفكير بطريقة أكثر إيثاراً لمصالح الآخرين، أو حتى التفكير بطريقة أنانية. وبوسعهم توظيف أسلوب التفكير هذا في بناء فهم أعمق لعالم الأعمال، واكتساب المزيد من المرونة في طريقة تفكيرهم.

صناعة القرارات للقادة

لا شك أن هذه تعتبر إحدى أبرز المهارات التي يتوجب على القادة تعلمها في هذا العصر. إن القدرة على تفهم وجهات النظر المختلفة يسهم في توقع ردود أفعال العملاء، وتقييم المخاطر الأخلاقية المرتبطة باتخاذ القرارات المختلفة. كما تعتبر ذات أهمية عالية في الحصول على تقييم صادق لكيفية اتساق الخيارات المختلفة مع القيّم الأخلاقية للمؤسسة وموظفيها. ويتحتم على رجال الأعمال التدرب على عدم اتخاذ القرارات العمياء، وخاصة في الأمور التي تمس بالقيّم الجوهرية لأعمالهم، وينبغي عليهم تعلم كيفية اجتناب مصائد التبرير، وأن يفكروا ويحللوا الأمور باستخدام كافة الأبعاد الممكنة للقرار قبل اتخاذ أي تصرف ما، وهذا أمرٌ تزداد أهميته عندما يتعلق الشأن بنشاطات الاتصال المؤسسي.

فإن كنت مالك المتجر الذي يبيع مجاريف الثلج على سبيل المثال، قد يكون الخيار الأفضل لأعمالك، هو خفض سعرها بعد حدوث عاصفة ثلجية؛ كم عميل إضافي سيزور متجرك نتيجة هذا الخيار؟ وكيف سينعكس هذا الخيار على ثقتهم بأعمالك؟ وكيف ستؤثر هذه الخطوة التي تبرز النوايا الحسنة على مبيعاتكم عموماً، حتى عقب انتهاء حالة الطوارئ الثلجية؟ بشكل عام، لا يوجد هنالك إجابة قاطعة على أي الخيارين أفضل: رفع الأسعار أم تخفيضها بعد العاصفة الثلجية، ولكن لا يجب أن يأتي خيارنا كردّة فعل فقط، لأن هنالك أسباب مقنعة للتفكير ملياً في الاحتمالين المتاحين أمامنا.

وبشكل عام، تعتبر القيادة فنّاً، تماماً كما هي علمٌ، وبالإمكان تعلمها من خلال خلق حوار داخلي، لا يقوم خلاله العقل باتخاذ القرار بمفرده، بل يتدخل في هذا الحوار كل من القلب والروح، ليذكّرا العقل بأن هنالك أكثر من طريقة واحدة للتفكير في الأمور.

* مارك لي مينيستريا، بروفسور زائر لـ إنسياد ويختص في مجال الامتثال المؤسسي والاستدامة
https://knowledge-arabia.insead.edu

...........................
* الآراء الواردة لا تعبر بالضرورة عن رأي شبكة النبأ المعلوماتية

اضف تعليق


التعليقات

الكاتب الأديب جمال بركات
مصر
أحبائي
اتخاذ القرارات لابد أن تسبقه مراحل التفكير
ويجب أن يكون الذهن صافيا وخاليا من التعكير
والأمر الأهم للبشر في هذا الشأن هو يقظة الضمير
أحبائي
دعوة محبة
أدعو سيادتكم الى حسن الحديث وآدابه....واحترام بعضنا البعض
ونشر ثقافة الحب والخير والجمال والتسامح والعطاء بيننا في الأرض
جمال بركات.....مركز ثقافة اللفية الثالثة2019-01-10