بغض النظر عما إذا كانت المصافحة مجدية أم لا، فالمفاوضات التي تقودها التهديدات نادراً ما تكون لها نتائج إيجابية. كان من المقرر أن يلتقي نائب الرئيس مايك بينس مع الوفد الكوري الشمالي خلال دورة الألعاب الأولمبية الشتوية في بيونغتشانغ هذا العام. ربما من أجل توحيد...
كريستوفر هيل
دنفر - في عام 2005، عندما كنت كبير المفاوضين الأمريكيين في المحادثات السداسية حول البرنامج النووي لكوريا الشمالية، نظرت إلى التعليمات التي تلقيتها في أول اجتماع لي، والذي كان عبارة عن مأدبة أقامتها الصين ضمت وفد من كوريا الشمالية. حين قيامهم بشرب نخب (وهذا أمر شائع جدًا في الولائم الصينية)، لم يكن بإمكاني المشاركة في ذلك. على ما يبدو، كان من المتوقع أن أجلس هناك مكتوف الأيدي، دون أن ألمس الكأس، إلى أن يضع الجميع كؤوسهم على الطاولة. في وقت لاحق، عندما زرت كوريا الشمالية للمرة الأولى، تلقيت تعليمات بعدم الابتسام لمضيفي. على ما يبدو، كان من المتوقع أن أتعامل بشكل جدي للغاية.
لكن من الواضح أن دونالد ترامب قام بتعديل هذه التعليمات. في الواقع، مع مديحه المستمر لقيادة كيم جونغ أون، وتحيته المفاجئة لجنرال كوري شمالي، وتأييده لكل الأعمال الكورية الشمالية (خاصة إمكانية تطوير عقارات على الساحل)، قد تخلى ترامب عن أي مطالبة بتعزيز الولايات المتحدة لمجموعة أوسع من القيم. وبينما تصرف ترامب بشكل غريب، فاٍن فكرة جلوس الوفد الأمريكي دون استعمال كأس النخب تعد فكرة خاطئة.
وفي أيلول / سبتمبر 1995، خلال الشهر الأخير من حرب البوسنة، وصل الوفد الأمريكي لمفاوضات السلام إلى بلغراد، بقيادة مساعد وزير الخارجية ريتشارد هولبروك، بهدف إجراء محادثات مع الدكتاتور الصربي سلوبودان ميلوسيفيتش. قال ميلوسيفيتش اٍنه لم يتمكن من إجبار صرب البوسنة على سحب أسلحتهم الثقيلة ورفع الحصار الدموي في سراييفو، والذي دام أربع سنوات. وطلب من هولبروك أن يجتمع مع زعماء صرب البوسنة رادوفان كارادزيتش وراتكو ملاديتش، اللذين حكم عليهما فيما بعد بتهمة ارتكاب جرائم حرب. وقد سألت هولبروك عن مكانهما. فأجاب ميلوسيفيتش "هناك في ذلك المنزل"، "هل يمكنني التحدث إليهم"؟
وقد اجتمع هولبروك على عجل مع وفدنا لإجراء محادثات سريعة. سألني: "هل يجب أن نلتقي بهم؟" "وإذا قمنا بذلك، هل نصافحهم"؟ بالتفكير في مئات الآلاف من الناس في سراييفو - الذين قُتلوا والذين كانوا يواجهون المجاعة نتيجة الحصار المستمر - أجبت: "فلنقم بمصافحتهم ودعونا نتجاوز هذا الأمر ونعُد للبيت. وبعد قيامنا بذلك، تم رفع حصار سراييفو في اليوم التالي.
بغض النظر عما إذا كانت المصافحة مجدية أم لا، فالمفاوضات التي تقودها التهديدات نادراً ما تكون لها نتائج إيجابية. كان من المقرر أن يلتقي نائب الرئيس مايك بينس مع الوفد الكوري الشمالي خلال دورة الألعاب الأولمبية الشتوية في بيونغتشانغ هذا العام. ربما من أجل توحيد الدعم في البلاد، ألقى بينس نقاط الحوار بلغة حازمة للغاية قبل الاجتماع. ألغى الكوريون الشماليون الاجتماع على الفور، كما لو كانوا يقولون، ما الفائدة؟
خلال المحادثات السداسية، حاولتُ تجنب مهاجمة كوريا الشمالية. كنت أعرف أنه في وقت قريب - في كثير من الأحيان كل أسبوع - سوف ألتقي بهم مرة أخرى. على الرغم من أن عرض العضلات قد يساعدني في واشنطن، إلا أنه لن يلعب أي دور في المفاوضات، حيث كانت مهمتي إقناع كوريا الشمالية بالتخلي عن طموحاتها النووية. هناك فرق كبير بين التحدث في البرامج الحوارية التلفزيونية وبين التفاوض مع الكوريين الشماليين. إن الدبلوماسية المباشرة هي وسيلة خطيرة لتحقيق أهداف جادة. لكن المواقف البعيدة لا فائدة منها.
من الصعب أحيانا فهم لغة الجسد. وبصفتي سفيرا للولايات المتحدة في العراق، فإن التعليمات التي تلقيتها من واشنطن نادرا ما تميزت بإحساس متناسب مع المسؤولية عن العواقب. قيل لي إن مهمتي تتمثل في مساعدة المعارضة العراقية للإطاحة بنوري المالكي، رئيس الوزراء آنذاك. لقد كان المسؤولون الأمريكيون متحمسون للغاية في قاعات الاجتماعات في واشنطن، مثل الرياضيين في المدارس الثانوية الذين يحدثون الضوضاء في غرف خلع الملابس قبل خوض المباريات الكبيرة. لكن عندما التقوا بالمالكي فعلا، لم يعطوه أي سبب للاعتقاد بأنهم يريدون التخلص منه.
كنت أجلس في غرفة الاجتماعات وأنا أراقب نظرة المالكي إلي وأتساءل لماذا كنت قد حذرته سابقاً من تضاؤل صبر حكومة الولايات المتحدة على حكمه الأوتوقراطي وعواقبه الوخيمة. في هذه الأثناء، أدلى وفد واشنطن بملاحظات دقيقة ومختلفة للغاية إلى درجة أن المالكي كان يحتاج إلى جهاز فك المرموز لفهم معناها الحقيقي.
يجب أن يكون لأي دبلوماسي هدف واضح في التفاوض نيابة عن بلده، وأن يكون واضحًا بشأن النتيجة المتوقعة وأفضل طريقة لتحقيقها. في سنغافورة، كانت القضية الأساسية هي برنامج الأسلحة النووية لكوريا الشمالية. لا شيء آخر يهم حقا.
سوف يحدد المستقبل ما إذا كان الكوريون الشماليون سيبادلون ترامب مودته المزعومة. لم يقدم كيم أي تنازلات، ولكن ربما للمرة الأولى في التاريخ ، فهم الرئيس الأمريكي مخاوفه من التدريبات العسكرية المشتركة بين كوريا الجنوبية والولايات المتحدة (التي كان يعرف الكوريون الشماليون أنها دفاعية بطبيعتها). كان هذا تنازلاً كبيرًا للغاية، وسيتعين سحبه بطريقة أو بأخرى. على نطاق أوسع، سيتعين تصميم إطار للسلم والأمن يشمل جميع الأطراف المتضررة بشكل مباشر - كوريا الجنوبية واليابان وروسيا والصين.
وبالمثل، سيتعين تناول سجل حقوق الإنسان في كوريا الشمالية - وهو من أسوأ السجلات في العالم - في المستقبل، ربما كما أشرت خلال المحادثات السداسية، كعنصر من عناصر العلاقات الدبلوماسية المقبلة. لكن في الوقت الراهن، يجب أن يكون البرنامج النووي لكوريا الشمالية على رأس أي أجندة تفاوضية.
يعتمد نجاح نهج ترامب تجاه كوريا الشمالية على الجهود الدبلوماسية بعد قمة سنغافورة. الآن جاء دور وزير الخارجية مايك بومبيو ليقوم بالمهمة.
اضف تعليق