اسأل نفسك إذا ما كان الإصرار على تخفيض الأجر عند شراء خدمة معينة يستحق المجازفة بالكفاءة. قد يكون ذلك غير منطقياً، في حال كانت الإيرادات المدعومة بالخدمة كبيرة جداً. فالتكاليف المحتملة من حيث التحفيز والالتزام والقيمة النهائية يمكن أن تزيل بسهولة أي وفورات ناتجة عن الخصم...
هوراسيو فالكو/إيلينا كومارومي
الحذر في المفاوضات أمر واجب، لاسيما عندما تفرض شروطك، وإلا سيترتب عليها نتائج عكسية
يوجد اعتقاد سائد يقتضي بان نمارس العديد من الضغوطات خلال المفاوضات للحصول على صفقة أفضل. بالفعل، قد تكون استراتيجية الضغط على الطرف الآخر مثمرة وتؤدي للفوز بأفضل الصفقات. ولكن يترتب عليها آثار عكسية في بعض الأحيان، وقد تؤدي إلى طريق مسدود. بغض النظر عن الفشل، يوجد احتمالين لاستخدام استراتيجية القوة: إذا كنت بموقع أقوى من الطرف الآخر سوف تفوز، وخلاف ذلك ستكون الخسارة من نصيبك. إلا أن أبحاث جديدة أظهرت احتمالية وجود احتمال ثالث: الفوز بالصفقة دون الحصول عن القيمة المرجوة منها.
يركز العديد من الأشخاص خلال المفاوضات على النتيجة التي يطمحون بالوصول إليها، ولكن يسهون خلال ذلك عن الصورة الأكبر. بحيث يخلقون نفقاً يحصرون رؤيتهم به، وينسون صياغة صفقة تخولهم الحصول على أفضل النتائج. وعقب الفوز بالصفقة، تأتي مرحلة العودة لأرض الواقع والتحديات التي سيواجهونها والوفاء بالالتزامات. فالموافقة هي مجرد نقطة بداية في العلاقة، وما ستقوم به لاحقاً سيؤطر هذه العلاقة بطريقة جيدة أو سيئة.
بحثت ورقة عمل بعنوان "الحصول على الأقل: عندما تؤثر المفاوضات بشكل سلبي على الأداء عقب الصفقة"، نشرها هارت وشفايتزر من جامعة بنسلفانيا في 2007، في الأمور الأخرى التي تنطوي عليها الاتفاقية. ومع تسليط الضوء على فرضية ترجمة الصفقة إلى فعل، كشفوا كيفية الفوز بالصفقة دون الحصول على القيمة المتوقعة. فقد يقود أسلوب الضغط لإجبار الطرف الآخر على قبول الصفقة، ولكن في المقابل قد يكون أداء الطرف الذي يشعر بالخسارة دون المستوى، خاصة عند تقديم الخدمات المطلوبة.
لنفترض أنك تتفاوض مع مقاول طلاء على سعر منخفض للغاية لطلاء منزلك. بالرغم من حالة التردد التي يشعر بها المقاول، إلا أنه بحاجة لقبول العمل المنسوب إليه، وبالتالي الموافقة على السعر المنخفض. قد يشعرك ذلك بالغبطة للحصول على عرض جيد، ولكنك في النهاية ستكتشف أن الطلاء المستخدم ردئ الجودة. وعند مواجهة المقاول بالأمر، سيخبرك أنه جاء بحل مبتكر لتنفيذ العمل ضمن القيود الحالية.
الحذر من تضارب المصالح
ينصح كل من هارت وشوايتزر بالحذر خلال عملية التفاوض. أثبتت دراسات أجروها أن التفاوض على الأجر قد يؤدي إلى خفض القيمة في حال أدرك أي من الطرفين وجود تضارب في المصالح. قسموا المشاركين خلال الدراسة إلى مجموعتين. بإمكان المجموعة الأولى التفاوض على الراتب، في حين تم إخبار المشاركين في المجموعة الثانية أن رواتبهم ثابتة.
خلال الدراسة 1 و2 و3، تم وضع سقف للأجر المراد الوصول إليه ليماثل الراتب الثابت، وبذلك تحصل كلا المجموعتين على الأجر المستهدف ذاته. بعدها طلب من المشاركين القيام بمهمة مملة تتطلب جهداً (الدراسة رقم 1)، أو مهمة مبتكرة (دراسة رقم 2). وتم إخبارهم أن الأجر الذي سيتلقونه يعتمد على النتيجة النهائية، والمبلغ المتبقي عقب الدفع للمشاركين.
وجد هارت وشفايتزر أن المجموعة الأولى قامت بعملها على نحو سيئ مقارنة بالمجموعة الثانية التي تتقاضى راتباً ثابتاً. مع إدراكهم لتضارب المصالح مع صاحب العمل (كون كلاهما يرغب بالحصول على قطعة الكيك الأكبر)، كما كانت مجموعة التفاوض أقل دقة، ولم تعطي المهمة الاهتمام الكافي. ومع ذلك، في حالة عدم الانسياق خلف تضارب المصالح، كانت نتائج كلا المجموعتين بصورة عامة متطابقة. كما أكدت الدراسة الثالثة على تلك النتائج ووجدت تضارب في المصالح بغض النظر عن الطرف الذي قدم العرض الأول.
قدم صاحب العمل خلال الدراسة الرابعة والأخيرة عرضاً مبدئياً، مع السماح للمجموعة الأولى بالتفاوض على أجر أعلى، في حين تلقت المجموعة الثانية عرضاً ثابتاً أقل. وكانت النتيجة أن المجموعة الأولى حصلت على أجر أعلى. وعلى الرغم من إنجاز كلا المجموعتين للمهمة بنفس الدقة، إلا أن المجموعة الأولى قررت قضاء المزيد من الوقت في إنجاز المهمة مقارنة بالمجموعة الثانية. لذا لم يحفز الأجر الأعلى على زيادة الإنتاجية فحسب، بل على بذل المزيد من الجهد والتفاني. وعلاوة على ذلك، فإن القدرة على التفاوض على راتب أعلى أدت كما هو متوقع إلى تضارب في المصالح لنفس مستوى المجموعة الأولى.
أثبتت الدراسة أن تقديم أجر أعلى من شأنه تقليل الأثار السلبية للصفقة، ولكن ليس باستطاعة جميع أصحاب العمل دفع أجور أعلى. بهذه الحالة، اقترح المؤلف تجنب المفاوضات، والتوصل لحل عادل، كأجر ثابت بما يتناسب مع السوق. ومع ذلك، نود أن ننوه لضرورة الحذر من هذا النهج وأن نتعلم من تجربة بولوارزم. حصل المدير التنفيذي السابق لشركة "جنرال إلكتريك" لوميول بولويرعلى شهرته في أواخر أربعينيات القرن الماضي بسبب مهارته بالتفاوض، وعُرف النهج الذي يتبعه فيما بعد باسم "بولوارزم"، ويتمحور حول تقديم عرض لاتحاد العمال يتسم بكونه أولي ونهائي ولكن عقلاني وعادل. ولم يتسبب هذا النهج "أقبل العرض أو أرفضه" بغضب اتحادات العمال فحسب، إلا أن المجلس الوطني للعلاقات العمالية في الولايات المتحدة صنفه بأنه ممارسة غير عادلة.
إذن ما الذي ينبغي على المفاوض القيام به؟ نصح إيرتل وجورتون في كتاب "جوهر الصفقة: كيفية التفاوض عندما لا تكون نعم كافية"، بتوقع نتائج الصفقة قبل الالتزام بها. وطرحوا بعض النصائح الأخرى: عدم الضغط على أي من الطرفين تفادياً لتضارب المصالح، التعامل مع المفاوضات على أنها ممارسة تتعدى مجرد الحصول على الصفقة لتشمل التنفيذ أيضاً، تذكر أن المفاوضات تمثل بداية العلاقة.
اسأل نفسك إذا ما كان الإصرار على تخفيض الأجر عند شراء خدمة معينة يستحق المجازفة بالكفاءة. قد يكون ذلك غير منطقياً، في حال كانت الإيرادات المدعومة بالخدمة كبيرة جداً. فالتكاليف المحتملة من حيث التحفيز والالتزام والقيمة النهائية يمكن أن تزيل بسهولة أي وفورات ناتجة عن الخصم. يبقى بإمكانك التفاوض على حسومات كبيرة على سبيل المثال، ولكن لا تطلب رسومًا أقل من دون تقديم قيمة لمزود الخدمة في المقابل. وإلا فأنت تخاطر بخلق تضارب في المصالح وتقليل الإنتاجية.
يجب الحذر عند تقديم عرض ثابت على شيء متغير مثل الرسوم. ويجب أن لا نجعل منه نقطة غير قابلة للتفاوض، ولكن تأكد من أن يكون عرضك الثابت واضحاً ومبني على أساس قوي ومنطقي. قدم معلومات جديدة قد تقود لإعادة النظر في عرضك في حال كنت مخطئًا في البداية. لا تتردد في مشاركة العوائق التي ستمنعك من تقديم المزيد. وأظهر رغبتك في المساعدة على رفع القيمة في نواحي أخرى من الصفقة.
وأخيراً، ينبغي على كلا الطرفين الإفصاح عن مخاوفهم من خلال مشاركة أكبر تخوفاتهم من الصفقة، ومحاولة التوصل إلى إجراءات احترازية معًا. في النهاية، الصفقات ليست مجرد قطعة ورق، بل ثمرة تعاون لخلق واقع جديد على أمل أن يعود بالفائدة على الجميع.
اضف تعليق