مايكل يونغ

 

إسكندر صادقي بروجردي | زميل أبحاث ما بعد الدكتوراه في التاريخ الإيراني الحديث في كلية سانت كروس، جامعة أوكسفورد:

يطرح هذا السؤال علينا مفارقة. فمن جهة، ليس من الصعب الإثبات أن الولايات المتحدة وسياساتها الإقليمية قد سهّلت مراراً وتكراراً توسيع وتعميق النفوذ الإيراني في المنطقة. وفي غياب إعادة تقييم أساسية للاستراتيجية الأميركية-الإيرانية، ستجد هذه القوة العظمى المُنحدرة نفسها باستمرار عاجزة عن "احتواء" النفوذ الإيراني. فقد أتاحت العديد من السياسات الأميركية الفرصة أمام طهران لإرساء عمق استراتيجي وتعزيز دفاعاتها بالنظر إلى التهديدات المستمرة والقريبة الناجمة عن الأعمال العسكرية التي تمارسها الإدارات الأميركية المتعاقبة وإسرائيل. وأدّى تدفق بيع الأسلحة إلى الرياض وأبو ظبي من واشنطن وعواصم أوروبية متنوّعة إلى تحفيز هذا الاتجاه أكثر، وإقناع طهران بضرورة ضمان أن يظل خصومها الإقليميين عاجزين عن السير قدماً، وعن تشكيل جبهة موحّدة لمواصلة عزل الجمهورية الإسلامية.

في هذا الإطار، ثمة مثالان بارزان على كيفية قيام الولايات المتحدة بلعب دور فعّال في تمهيد الطريق أمام استحواذ طهران على عمق استراتيجي، هما الغزو الكارثي للعراق، والتصفية الفعّالة للدولة العراقية السابقة وحل الجيش؛ وبدرجة أقل الدعم غير المشروط للحرب التي تقودها السعودية في اليمن، حيث كان نفوذ إيران تقليدياً بين ضئيل ومعدوم. لايزال هناك اقتناع عن الاعتراف بأي شكل من المخاوف الأمنية لطهران أو ما تعتبره مصالحها في سلسلة الصراعات الإقليمية الجارية، جنباً إلى جنب مع التهديد المتكرر للقيام بالأعمال العسكرية. وهذا الأمر لايشجّع الجمهورية الإسلامية على سحب دعمها للحلفاء والأطراف الساخطة، وهو الدعم الذي يوفّر وسيلة حيوية وقليلة التكلفة لإغراق الخصوم في حمأة الصراع، ما يجبرهم على التفكير ملياً قبل مواجهة إيران مباشرةً.

غاري سيك | المدير التنفيذي لمشروع الخليج 2000 في جامعة كولومبيا، وعضو سابق في مجلس الأمن القومي الأميركي في عهد الرئيس جيمي كارتر:

احتواء إيران - مثل احتواء الاتحاد السوفياتي سابقاً - لايقتصر على سلسلة من الإجراءات السلبية وحسب. إذ ينطوي السجل التاريخي على مزيج من الإجراءات السلبية والإيجابية. ففي أعقاب 11 أيلول/سبتمبر 2001، نجح الغرب بقيادة الولايات المتحدة في شلّ حركة طالبان في أفغانستان والإطاحة بنظام صدام حسين في العراق، والاثنان عدوّان لدودان لإيران، وأرسى مكانهما حكومات أكثر تعاوناً. لكن هذا الانفراج، وإن غير المقصود، الذي نَعِمَ به النفوذ الإيراني الإقليمي لن يزول بسهولة. فقد تم التعاون مع إيران حول أفغانستان (على نحو مباشر) وضد تنظيم الدولة الإسلامية (من بعيد). وفي مطلع القرن الحادي والعشرين، شكّل البرنامج النووي الإيراني الناشئ التهديد الإقليمي الأكبر للمصالح الغربية. وقد أدّت سنوات ثلاث من المفاوضات المكثّفة إلى إقناع إيران بالتخلّي عن مساعيها الرامية إلى حيازة أسلحة نووية، ووضعها تحت مجهر المراقبة النووية الأشدّ في التاريخ .

ثمة قواعد أربع لاحتواء إيران: ينبغي تحديد الأولويات والمصالح على نحو واضح، والتعاون مع طهران حين يكون هناك مصالح مشتركة معها. وفي حال وقوع خلاف، يجب التعامل معها بذكاء، عبر الضغط عليها عندما يكون ذلك مناسباً. وعلى نحو أكثر تحديداً، ينبغي محاولة تفادي السياسات التي تميل إلى عزل الولايات المتحدة أو تقدّم فرص سهلة قد تستغلّها إيران، كما حدث في حالة اليمن وقطر ولبنان والقدس. حتى الآن، لم يكن السجل التاريخي ناصعاً على هذا المستوى.

جمال خاشقجي | كاتب عمود ومؤلف سعودي يقطن حالياً في واشنطن العاصمة:

من حيث المبدأ يمكن للولايات المتحدة ذلك (أي احتواء إيران)، لكن ثمة احتمالان: إما أنها تعتقد أنه لايمكنها فعل ذلك، أو هي ببساطة غير مهتمة. للنفوذ الإيراني في المنطقة ثلاثة أشكال: الطائفية، والعسكرة، ومعارضة الديمقراطية. وتتشاطر السعودية الشكل الأخير مع إيران. الأشكال الثلاثة كلها سيئة بالنسبة إلى شعوب الشرق الأوسط. ويجب على الولايات المتحدة، باعتبارها (كما يفترض) قائدة العالم الحر، الوقوف في وجه هذه الأوبئة التي تمزّق المنطقة إرباً.

يتعيّن على الولايات المتحدة أن تطوّر أجندة لنشر الديمقراطية وسيادة القانون، تشمل احتواء النفوذ الإيراني، وتعيد النفوذ الإقليمي الأميركي الذي قد يواجه استغلال روسيا للفراغ الذي أوجده باراك أوباما عندما كان رئيساً. قد يساهم بالطبع تطبيق أسس الديمقراطية والحرية في سورية أو اليمن في ترجيح الكفة كلياً ضد إيران في سورية، حيث يكره السنّة الإيرانيين ويرفضون نفوذهم، حتى لو كان ثقافياً فقط؛ وجزئياً في اليمن، حيث آمنّ الحوثيون المؤيديون لإيران لأنفسهم تمثيلاً كبيراً في أي صيغة مستقبلية لتقاسم السلطة.

لكن كيف نبلغ هذه الأهداف؟ وحدها الولايات المتحدة تملك ما يكفي للقيام بذلك. ويمكن للدول الأوروبية ركوب القطار إن وُضعت خطة جديّة. ثمة مؤسسة تقوم بهذه المهمة: التحالف الدولي ضدّ تنظيم الدولة الإسلامية. وكلّ ما يتطلبه الأمر هنا هو إدخال بعض التعديلات على مهامه لتشمل شكلاً مقبولاً من "بناء الأمة". ويمكن تسويق جهوده عند الضرورة لإعادة إرساء الاستقرار، سواء كلياً أم جزئياً، مايكفل عدم عودة الدولة الإسلامية، أو أي مجموعة متطرّفة أخرى، إلى الأراضي الفوضوية في المنطقة. لكن المعنى الأساسي للاستقرار الحقيقي، هو تطبيق الديمقراطية وتقاسم السلطة على شكل مجالس منتخبة محلية، وإصلاحات سياسية تؤدي إلى قيام أنظمة برلمانية في سورية واليمن على السواء.

لن يتمكّن اللاعبون الإقليميون، بمن فيهم روسيا وإيران، من وقف اندفاعة كهذه إذا كانت مصحوبة بإصرار أميركي وأوروبي. وسيؤدي نجاحها في نهاية المطاف إلى وضع حدّ لنفوذ إيران في سورية ومعظم اليمن، من دون الحاجة إلى مواجهة عسكرية مباشرة مع الجمهورية الإسلامية، وهو خيار لا أحد يرغب في اللجوء إليه راهناً.

غاريث سميث | كبير مراسلي صحيفة فايننشال تايمز في إيران بين العامَين 2003 و2007:

منذ العام 1979، حاولت الولايات المتحدة بطرق متنوّعة احتواء إيران، وهي دولة كانت في السابق الدعامة الرئيسة لحلف بغداد؛ هذا التحالف الموالي للولايات المتحدة الذي شُكّل في العام 1955 وضمّ أيضاً المملكة المتحدة والعراق وباكستان وتركيا. واستهدف هذا التحالف على مواجهة التأثير السياسي لنزعة المساواة التي أطلقتها الثورة الإيرانية العام 1979 وللجاذبية الأكثر محدودية للمذهب الشيعي الحازم. ويُعتبران كلاهما لعنة على الدول السنّية الرئيسة، وبخاصة السعودية. وخلال السنوات الأخيرة، بات القلق يساور الولايات المتحدة بشكل مطّرد حيال القدرات العسكرية الإيرانية، مع تفاقم المنافسات الخليجية.

تفتقر سياسة الولايات المتحدة إلى أي إدراك لمستوى "المشروعية" الذي قد يكون عليه النفوذ الإيراني، ويُعزى ذلك جزئياً إلى أن واشنطن لم تتخل تماماً عن فكرة تغيير النظام في إيران. وهذا يعني أن قلّة من النشاطات التي قد تقوم بها الجمهورية الإسلامية شرعية، ما يمكّن نقّاد إيران من المبالغة في توصيف قوتها ونفوذها. بيد أن الإنفاق الدفاعي السنوي الإيراني يتراوح بين 13 و15 مليار دولار، أي أقل بكثير من الإنفاق السعودي الذي يناهز 90 مليار دولار، أو الإماراتي البالغ 28 مليار دولار (في حين تنفق الولايات المتحدة 600 مليار دولار). وعلى صعيد آخر، تملك إيران علاقات تاريخية مع لبنان والعراق. كما أن تمدّدها الثقافي في سورية لم يكن فعّالاً (انظر كتاب نادية فون مالتزان الرائع حول الموضوع، The Syria-Iran Axis: Cultural Diplomacy and International Relations in the Middle East "المحور السوري الإيراني: الدبلوماسية الثقافية والعلاقات الدولية في الشرق الأوسط"). وهذا بدوره دفع إلى مواصلة الحديث عن الخيار العسكري، حتى بعد نجاح الاتفاق النووي مع إيران في العام 2015 في تقويض برنامجها النووي.

http://carnegie-mec.org

...........................
* الآراء الواردة لا تعبر بالضرورة عن رأي شبكة النبأ المعلوماتية

اضف تعليق