مفاجأة صادمة كشفت عنها دراسة حديثة، مفادها أن أجهزة الميكروويف قد تسبب إضرارًا بالنظم البيئية أكثر مما تسببه السيارات؛ إذ أظهرت أن استخداماته في دول الاتحاد الأوروبي وحدها، تنبعث عنها كميات من غاز ثاني أكسيد الكربون، تُعادل ما تنتجه حوالي 7 ملايين سيارة سنويًّا...
مفاجأة صادمة كشفت عنها دراسة حديثة لفريق من الباحثين في جامعة مانشستر بالمملكة المتحدة، مفادها أن أجهزة الميكروويف قد تسبب إضرارًا بالنظم البيئية أكثر مما تسببه السيارات؛ إذ أظهرت أن استخداماته في دول الاتحاد الأوروبي وحدها، تنبعث عنها كميات من غاز ثاني أكسيد الكربون، تُعادل ما تنتجه حوالي 7 ملايين سيارة سنويًّا.
وخلصت الدراسة -التي تُعَدُّ الأولى من نوعها، لتقييم الآثار البيئية لأجهزة الميكروويف، بدايةً من مراحل تصنيعها، مرورًا بطرق استخدامها، وحتى التخلُّص منها- إلى أن هذه الأجهزة ينبعث عنها 7.7 ملايين طن من ثاني أكسيد الكربون سنويًّا في دول الاتحاد الأوروبي وحدها، أي ما يعادل الانبعاثات السنوية الناتجة عن 6.8 ملايين سيارة.
ووفق أليخاندرو غاليغو شميت، من كلية الهندسة الكيميائية والعلوم التحليلية، فإن هناك ما يقرب من 131 مليون فرن ميكروويف قيد الاستخدام حاليًّا بدول الاتحاد الأوروبي، وقال عضو الفريق البحثي، في تصريحات لـ"للعلم"، إن الدراسة اعتمدت على تقييم تأثير أجهزة الميكروويف خلال دورة حياتها life cycle assessment))، وقياس تلك التأثيرات على 12 عاملًا بيئيًّا مختلفًا، منها الزيادة المحتملة فى الطلب على الطاقة، والتغيرات المناخية، وندرة الموارد الطبيعية، وتلوُّث النظم البيئية بالمخلفات السامة، بالإضافة إلى التأثيرات المحتملة على البيئة البحرية.
كثافة استهلاك الكهرباء
ولعل التأثير الأكبر على البيئة، نتيجة استخدام أجهزة الميكروويف، يتمثل في استهلاك الكهرباء؛ إذ توصل الباحثون إلى أن الفرن الواحد يستهلك 573 كيلوواط في الساعة خلال دورة حياته التي تمتد لنحو 8 سنوات، وذلك نتيجة أن هذه الأجهزة تبقى لأكثر من 90% من عمرها التشغيلي في وضع الاستعداد Stand-by، دون إطفائها في حالة عدم الاستخدام.
وانتهى الباحثون إلى أن الجهود الرامية إلى خفض استهلاك هذه الأجهزة، يجب أن تركز على زيادة وعي المستهلكين.
يشدد شميت على ضرورة زيادة الوعي لدى مستهلكي الأجهزة المنزلية بشكل عام، وفي مقدمتها أفران الميكروويف، وتشجيعهم على استخدامها على نحوٍ أكثر كفاءة، مشيرًا إلى أنه يمكن تقليل استهلاك الكهرباء إذا ما تم ضبط وقت تشغيل الأجهزة، وفق نوعية كل طعام، بدلًا من تركها في وضع الاستعداد طوال الوقت.
وكانت الدراسة قد بينت أن أجهزة الميكروويف في نطاق الدول التي أُخضعت لها، تستهلك طاقة كهربائية بمعدل يقارب 9.4 تيرا واط/ ساعة سنويًّا، وهي تعادل كميات الطاقة الناتجة سنويًّا من 3 محطات غازية كبيرة لتوليد الكهرباء.
النفايات الإلكترونية
وتطرقت الدراسة إلى مشكلة التخلص من أفران الميكروويف، وغيرها من الأجهزة الكهربائية والإلكترونية، وهي مشكلة تسبب ضررًا بالغًا بالنظم البيئية، خاصةً وأن كثافة إنتاجها وانخفاض أسعارها وتطورها بين عام وآخر، عوامل عادةً ما تشجع المستهلكين على التخلص من أجهزتهم القديمة لاقتناء الأحدث، حتى ولو كانت أجهزتهم لا تزال صالحةً للاستخدام.
ولفتت إلى أنه في عام 2005، كان هناك ما يقرب من 184 ألف طن من بين المخلفات الإلكترونية، هي مكوِّنات لأجهزة ميكروويف. ومن المتوقع أن ترتفع هذه الكمية إلى 195 ألف طن بحلول عام 2025، نتيجة التخلص من نحو 16 مليون فرن ميكروويف.
ويعلق شميت على الأمر بقوله، إن الدراسة أظهرت أن أكثر "البؤر الساخنة" تتمثل في المواد المستخدمة في تصنيع أجهزة الميكروويف، سواء في أثناء عمليات التصنيع، أو عند التخلُّص من الأجهزة المستهلكة، فعلى سبيل المثال، تبيَّن أن الصناعة وحدها مسؤولة عن 20% من أسباب استنزاف الموارد الطبيعية، والانبعاثات المسببة للتغيرات المناخية، لافتًا إلى أن الدراسة اعتمدت فقط على دراسة دول الاتحاد الأوروبي الـ28.
ولفت شميت إلى أن أحد العوامل الرئيسية التي تؤدي إلى تزايُد هذا النوع من المخلفات، هو انخفاض العمر الافتراضي لأجهزة الميكروويف إلى ما يقرب من 7 سنوات، بعد أن كان 20 عامًا في الماضي، مشيرًا إلى أن فريق الدراسة اكتشف تقلُّص دورة حياة أفران الميكروويف من بين 10 و15 عامًا في أواخر تسعينيات القرن الماضي، إلى ما بين 6 و8 سنوات في الوقت الراهن.
وخلص الباحثون إلى أن اللوائح المعمول بها حاليًّا ليست كافيةً لخفض التأثيرات البيئية لأجهزة الميكروويف، وأكدوا أنه من الضروري وضع ضوابط محددة لضمان استخدام هذه الأجهزة بصورة أكثر كفاءة، خاصةً في المراحل الأولى لتصميمهما وتصنيعها، بما يساعد على خفض المواد المستخدمة في عمليات التصنيع، وبالتالي تقليل المخلفات الناتجة عنها، بعد انتهاء دورة حياتها.
دراسات محدودة
وباعتبار أن الدراسة هي الأولى من نوعها لتقييم التأثيرات البيئية لأجهزة الميكروويف، وتقتصر فقط على دول الاتحاد الأوروبي، فقد أكدت الدكتورة أنهار حجازي، عضو مجلس إدارة جهاز تنظيم مرفق الكهرباء وحماية المستهلك، الحاجة إلى إجراء دراسات مماثلة في مصر وغيرها من الدول العربية، لقياس معدلات النمو في استهلاك هذه الأجهزة، وبالتالي تقييم تأثيراتها على البيئة.
واعتبرت حجازي، التي تشغل أيضًا عضوية مجلس إدارة جهاز شؤون البيئة، و"المنتدى المصري للتنمية المستدامة"، أن الانبعاثات الكربونية، التي أوردتها الدراسة الصادرة عن جامعة "مانشستر"، ليست صادرة عن أجهزة الميكروويف نفسها، وإنما عن الانبعاثات الناتجة عن محطات توليد الكهرباء، مقابل معيار الطاقة المستخدمة في تشغيل هذه الأجهزة.
أما بالنسبة لمشكلة عدم وجود طرق آمنة للتخلُّص من النفايات الناتجة عن أجهزة الميكروويف، فقد أكدت أن هذه القضية تختص بالعديد من الأجهزة الكهربائية والإلكترونية، التي ينتج عنها عشرات الأطنان من المخلفات سنويًّا.
وفيما يتعلق بالشأن المصري، وكيفية تجنُّب هذا التأثيرات الناجمة عن استخدام أجهزة الميكروويف على البيئة المصرية، أشارت إلى أن وزارة البيئة، ممثَّلةً في "جهاز تنظيم إدارة المخلفات"، وقَّعت مؤخرًا اتفاقيةً مع وزارة الاتصالات، تختص بإدارة المخلفات الإلكترونية بطرق اقتصادية.
وأوضحت حجازي، في تصريحاتها لـ"للعلم"، أنه يمكن استحداث صناعات تقوم على بعض مكوِّنات تلك الأجهزة بعد انتهاء عمرها التشغيلي، وبالتالي خلق فرص عمل جديدة من جانب والحد من الأثر البيئي من جانب آخر، وأكدت أن هناك حاجةً إلى إحداث ما وصفته بـ"ثورة في سلوكيات الاستخدام"، لترشيد استهلاك الطاقة، وكذلك ترشيد استهلاك كافة الموارد الطبيعية، لحفظ حق الأجيال القادمة فيها.
اضف تعليق