ان الإهداء يؤدي دورًا اجتماعيًّا مهمًّا، فتقديم الهدايا يمكن أن يساعدنا في التودُّد إلى الآخرين وتقوية العلاقات والروابط الاجتماعية. كذلك ثمة سبب أكثر عملية لتحسين قدرتنا على اختيار الهدايا، ففي مواسم الأعياد ينفق المستهلكون مئات المليارات من الدولارات على الهدايا، فطالما أننا نفعل ذلك، فربما يجب علينا أن نفعله بالطريقة الصحيحة...
بقلم: كاثرين كاروسو
يعرف كثيرون منا ذلك الشعور المألوف عندما نقوم بلهفة شديدة بفتح علبة هدايا جرى تغليفها بعناية لنكتشف أن بداخلها هدية سيئة للغاية، مثل سترة بشعة من الصوف، أو تمثال مروِّع بعينين فارغتين، أو طقم من "مساند السكاكين" المصنوعة من الكريستال لمائدة الطعام. ولكن هل تساءلنا من قبل ما الذي يصلح لأن يكون هدية مميزة؟ تأتي الإجابة على هذا السؤال مختلفة تمامًا بناءً على الشخص الذي توجِّه إليه سؤالك: هل هو مَن يقدم الهدية أم مَن يتلقاها. ألقت دراسة نُشرت في دورية "كارانت دايركشنز إن سايكولوجيكال ساينس" Current Directions in Psychological Science الضوء على الفصل بين الهدايا التي نريدها بالفعل وتلك التي نريد تقديمها للآخرين، كما عرضت الدراسة بعض الأفكار التي قد تكون مفيدة في موسم التسوُّق لهذه الإجازة.
يعلم علماء النفس منذ وقت طويل أننا غالبًا ما نعاني في التنبؤ بما يفضِّله الآخرون، ووفقًا للمؤلفة المشاركة في الدراسة إيلانور ويليامز -أستاذ التسويق بجامعة إنديانا في بلومنجتون- فإن مشاعر الأنانية وتمركز التفكير حول الذات ربما تكون مسؤولة عن ذلك. يميل المرء أولًا إلى التركيز على وجهة نظره الخاصة ثم يعمل بعد ذلك على توسيع نطاق تفكيره ليأخذ آراء الآخرين في الاعتبار، وهي استراتيجية لا يكون مصيرها دائمًا النجاح. وتقول ويليامز: "هذه العملية ليست شديدة السهولة".
وتقديم الهدايا للآخرين يقوم -بطبيعة الحال- على تبني منظور شخص آخر؛ إذ إننا نحاول أن نتوقع ما يمكن أن يريده ذلك الشخص. وقد قامت مجموعة هائلة من الدراسات والأبحاث السابقة باستعراض وتسجيل العديد من الأخطاء المتنوعة التي يرتكبها الأشخاص عند تقديم الهدايا، وقدمت تلك الأبحاث عشرات من التفسيرات النفسية المختلفة، وهو الجانب الذي تندرج تحته الدراسة التي أجرتها ويليامز والمؤلف المشارك لها جيف جالاك، أستاذ التسويق بجامعة كارنيجي ميلون. فيقول جالاك: "على ما يبدو ربما تكون هناك آلية أساسية ضمنية ما، هي التي تدفع إلى ارتكاب جميع تلك الأخطاء. وقد أردنا فهم ماهية تلك الآلية".
عمل المؤلفان على تمحيص الدراسات والأعمال السابقة التي تناولت مسألة تقديم الهدايا، واستخدما أفكارًا وموضوعات شائعة لإعداد تفسير بسيط وموحَّد يوضح عدم إجادتنا لفن الإهداء: فبوصفنا مَن يقدم الهدية فإننا نميل إلى التركيز على مسألة تبادُل الهدايا نفسها، مما يجعلنا نترقب بلهفة ذلك الشعور الدافئ الذي يغمرنا عندما نرى وجه الشخص المُهدَى إليه يضيء بنور الفرحة عند فتح الهدية التي قدمناها إليه. على النقيض من ذلك، يركِّز متلقي الهدية بدرجة أكبر على الهدية نفسها، ويفكر: هل ستكون مفيدة؟ هل أرغب فيها حقًّا؟ هل سينتهي بها الحال ملقاة في إحدى الخزانات حتى أتمكن من إعادتها أو إهدائها لشخص آخر؟
ويوضح جالاك أن حالة عدم التوافق هذه تنشأ ليس لأننا -مقدمي الهدية- لا نفكر في وجهة نظر المتلقي، ولكن لأننا نركز على الفترة الزمنية الخطأ. فيقول: "إننا نستخدم منظور لحظة التبادل، بدلًا من أن نفكر: ما الذي سيبدو عليه الأمر بعد أسبوع من تقديم هذه الهدية لهذا الشخص؟ هل سيظل يستمتع بها؟".
إن هوس المرء بقضية تبادل الهدايا يمكن أن يضلِّله. على سبيل المثال، يكون لدينا ميل لشراء الهدايا الظريفة على حساب الهدايا النافعة والمفيدة، إذ نختار شيئًا غير مألوف يصلح فقط لإدخال السرور والمتعة على نفس المتلقي عند فتح الهدية، حتى مع احتمال أن يكون المتلقي غير ذي حاجة إلى تلك الهدية على المدى البعيد. وتصف ويليامز موقفًا ذا صلة حدث لها مؤخرًا عندما أهداها والداها طبق تقديم مصنوعًا من الملح بسعة خمسة أرطال، إذ تقول ويليامز عن الهدية: "هدية لطيفة ولكنها غير عملية على الإطلاق. وقد شكرت والدَيّ بحرارة، ثم أعدت الهدية على الفور إلى المتجر واشتريت بدلًا منها غلاية شاي كهربائية، وهي بالطبع ليست هدية مثيرة للاهتمام ولكنها مفيدة وعملية؛ إذ أستخدمها بشكل أساسي كل يوم، وفي كل مرة أستخدمها أفكر فيهما".
إن تركيزنا الشديد على أسلوب "الاكتشاف المثير" يمكن أيضًا أن يدفعنا لتقديم هدية من قبيل المفاجأة، بدلًا من الالتزام بقائمة الهدايا المتعارَف عليها، أو ببساطة سؤال المتلقي لمعرفة مقترحاته. تقول ويليامز: "الهدف من الهدية أن تكون بمنزلة مفاجأة، لذا نغلِّفها ونمنحها للآخرين ليفتحوها. ولكن المفاجأة قد تكون محفوفة بالمخاطر إلى حد ما، من حيث إنه إذا كان الشخص لا يعلم أنها قادمة، فربما لا تكون شيئًا يريده حقًّا".
كذلك فإن تكلفة الهدايا من الجوانب الأخرى التي ربما نخطئ الهدف فيها أيضًا؛ إذ إننا نفترض أن شراء هدية باهظة التكلفة هو الوسيلة الأكثر ضمانًا لإبهار المُهدَى إليه، في حين لا يعبأ معظم مَن يتلقون الهدايا إلا قليلًا بشأن مسألة الإبهار في وقتها، بينما يزداد اهتمامهم بالحصول على شيء يمكنهم استخدامه أو الاستمتاع به فيما بعد. وقد واجه جالاك مثل هذا الموقف عندما تلقَّى صدرية أطفال من ماركة هيرمس Hermés يبلغ ثمنها 250 دولارًا أمريكيًّا بعد ولادة ابنته. فيقول: "في الواقع كنا نفضل كثيرًا الحصول على عبوة فيها عشر صدريات أطفال أقل ثمنًا من "كيه مارت" والتي نستخدمها بالفعل".
وعلى أية حال، يرغب معظمنا بالفعل في تقديم هدايا مميزة، ولكننا غالبًا ما ننحرف عن الطريق في أثناء محاولتنا عمل ذلك. لذا كيف يمكننا تحسين الأمور؟ تقترح ويليامز التركيز بدرجة أقل على دورنا في تبادُل الهدايا وبدرجة أكبر على امتلاك الشخص للهدية فيما بعد. فتقول: "في بعض الأحوال عليك أن تتخلى عن قدر من شعورك بالزهو، وألا تمانع في تقديم هدية ربما لا تبدو مميزة من وجهة نظرك ولكنها مميزة بالفعل من حيث توافقها مع تفضيلات الشخص الذي تُهديه".
ويقول جالاك إن الاستراتيجية المُثلى ربما تكون ببساطة أن نسأل الآخرين عما يحتاجون إليه، ويوضح: "ثمة اعتقاد خطأ أن أفضل الهدايا هي تلك التي تكون غير متوقَّعة، ولكن ذلك ليس صحيحًا تمامًا. إن أفضل الهدايا التي نتلقاها هي تلك التي تتوافق إلى حد كبير مع ما نريده في واقع الأمر".
قد تبدو الأبحاث التي أجريت على مسألة الهدايا على قدر ضئيل من الأهمية، ولكن كما توضح ويليامز فإن تقديم الهدايا أمرٌ نفعله طوال الوقت. ويضيف جالاك أن الإهداء يؤدي دورًا اجتماعيًّا مهمًّا؛ فتقديم الهدايا يمكن أن يساعدنا في التودُّد إلى الآخرين وتقوية العلاقات والروابط الاجتماعية. كذلك ثمة سبب أكثر عملية لتحسين قدرتنا على اختيار الهدايا؛ ففي مواسم الأعياد ينفق المستهلكون مئات المليارات من الدولارات على الهدايا. فيقول جالاك: "طالما أننا نفعل ذلك، فربما يجب علينا أن نفعله بالطريقة الصحيحة".
اضف تعليق