عمالة الأطفال في زيادة.. ان إكمال المرحلة الابتدائية بين أطفال الأسر الفقيرة لا يتجاوز 54 في المئة. ثلث أطفال العراق يمرون بظروف اقتصادية صعبة تضعهم أمام متطلبات العمل لإعانة عوائلهم. أطفال العراق يواجهون أعلى زيادة في معدلات الفقر، حيث يوجد طفلان فقيران بين كل خمسة أطفال...
عمل الأطفال واقع ظاهر في العراق حيث يمكن رؤية الكثير منهم يعملون في ورش التصليح أو المقاهي ومحلات الحلاقة، فيما يبيع آخرون المناديل على مفترقات الطرق.
وعلى الرغم من ثروة العراق النفطية الهائلة، يعاني ثلث سكانه من الفقر، وفقا للأمم المتحدة.
من الثامنة صباحاً حتى الخامسة مساء، يتنقل حيدر البالغ 13 عاماً بمكنسته لتنظيف أرضية مشغل نجارة يعمل فيه، بعدما حرم من طفولة طبيعية في العراق حيث أرغمت الحروب المتتالية الكثير من الأطفال على العمل لمواجهة الفقر.
يعمل حيدر مذ كان في الثامنة من العمر في ورشة النجارة التي يديرها عمه. ويقول "جرى طردي من المدرسة بسبب شجار".
وتابع هذا الطفل الذي بدا أكبر من عمره بكثير "المدرسة رفضت عودتي"، ولذلك قرر والداه أن يبدأ العمل من أجل أن "أبني مستقبلي وأتزوج".
مستنداً على كرسي خشبي، يقوم بمسح بقايا نثر الخشب عنه. يحمل حيدر مساند معدنية ثمّ يقوم بنقل ألواح كبيرة تكاد تكون ضعف حجمه.
خلال يوم عمله، يحقّ لهذا الطفل باستراحة تستمر ساعة واحدة لتناول وجبة الغداء. ويتقاضى أسبوعياً حوالى 25 ألف دينار (أقل من عشرين دولاراً) لإعالة نفسه وشقيقته، بعدما أصبحا يعيشان في منزل عمٍّ آخر، بسبب خلافات عائلية أدت لانفصال والديه.
وشهد هذا البلد حروبا وصراعا طائفيا على مدى عقود، أعقبتها حرب ضد تنظيم الدولة الإسلامية، أدت لنزوح أعداد كبيرة من سكانه. ورغم استقرار أوضاعه الأمنية اليوم، لكنه يعاني من تداعيات فساد يضرب غالبية مؤسساته وينهب المال العام فيما لم تنجح السياسات الحكومية بعد في درء هذه الآفة تماماً.
ويقول مسؤول شعبة مكافحة عمل الأطفال في وزارة العمل والشؤون الاجتماعية المهندس حسن عبد الصاحب لوكالة فرانس برس إن "عمالة الأطفال في زيادة مستمرة بسبب الحروب والصراعات والتهجير الذي حدث، خصوصا في المحافظات التي تعرضت لغزو داعش (تنظيم الدولة الاسلامية) ".
وأضاف أن هذه الظروف ساعدت على زيادة عمالة الأطفال، لأنه "أصبح لدينا عائلات كثيرة بدون معيل فاضطرت الأم إلى ترك ابنها يعمل".
وذكر عبد الصاحب بأن القانون العراقي يحظر عمل الأطفال دون سن 15 عاماً ويعاقب بغرامة مالية وبالسجن لفترة قد تتجاوز ستة أشهر، من يخرق هذا القانون.
وأشار المسؤول إلى أن المحافظة الأكثر تأثراً بهذه الظاهرة هي نينوى في الشمال، التي احتلها الجهاديون قبل تحريرها في العام 2017، وتأتي بعدها "محافظات بغداد وكركوك وبابل".
وللحد من عمالة الأطفال، تقدم وزارة العمل حالياً راتب "رعاية اجتماعية" شهريا لعدد كبير من العائلات الفقيرة، "يبلغ معدّله 125 ألف دينار أي (حوالى 83 دولارا) لكل طفل"، وفق المسؤول. لكن يبقى هذا المورد محدوداً أمام متطلبات الحياة.
ويرى المتحدث باسم منظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسيف) في العراق ميغيل ماتيوس، بأن العوامل الرئيسية وراء تزايد عمالة الأطفال هي "الفقر" و"انعدام المساواة الاقتصادية".
وأضاف "يجب أن نضع تاريخ البلاد في الاعتبار، السنوات الأخيرة أحدثت بيئة دفعت الكثير من الأطفال إلى العمل"، مشيراً إلى أن المنظمة تعمل "مع الحكومة لبناء نظام حماية اجتماعية.. يمكنه أن يساعد على انتشال هؤلاء الأطفال من الفقر".
وتابع أن منظمته "تساعد الحكومة العراقية وحكومة إقليم كردستان (في شمال العراق) على تطوير برامج لبناء مهارات وتعليم الأطفال لتأخير دخولهم سوق العمل إلى أن يبلغوا 18 عاماً".
أهلي يحتاجون إليّ
من جانبها، حذّرت لجنة الإنقاذ الدولية في تقرير نشر أواخر العام 2022 من "انتشار مقلق" لعمالة الأطفال خصوصا في الموصل، المعقل السابق لتنظيم الدولة الإسلامية، والتي لا تزال تعاني من ضعف في عملية إعادة البناء رغم مرور خمس سنوات على تحريرها.
وأكدت هذه المنظمة غير الحكومية أنه من خلال معلومات شملت 411 أسرة إلى جانب 265 طفلاً، تبين أن 90 بالمئة من الأسر التي شملتها الدراسة "لديها طفل أو أكثر" يعمل.
وأشار تقرير المنظمة إلى أن نحو 75% من هؤلاء القاصرين لديهم "وظائف غير رسمية وخطرة (بينها) جمع القمامة أو الخردة المعدنية أو في البناء".
ونبه إلى أن 85% من هؤلاء "لا يشعرون بأمان في العمل"، لدواع بينها سوء المعاملة أو نقص معدات الوقاية.
في إحدى ورش العمل في بغداد، يقوم مهند جبّار البالغ من العمر 14 عاماً، بصناعة مصافي رمل تستخدم للبناء في مقابل 10 آلاف دينار (حوالى 6 دولارات) في اليوم.
ويعمل هذا الطفل منذ كان في السابعة من العمر، كما هو حال شقيقه الأكبر لمساعدة والديه لتأمين متطلبات عائلتهم المؤلفة من سبعة أفراد.
ويقول هذا الطفل "أتمنى أن أذهب إلى المدرسة لأصبح مهندساً"، لكن "أهلي يحتاجون إليّ".
الأسوأ في تاريخ العراق
وتنص قوانين وزارة العمل والشؤون الاجتماعية في العراق على معاقبة المسبب في تشغيل الأطفال بعقوبة تتراوح بين الغرامة المالية وإيقاف التصريح لرب العمل أو حتى إيقاف النشاط.
وفي قانون الاتجار بالبشر، يعاقَب من يستغل شخصاً لا يعي حقه، كالأطفال، بالسجن أو الغرامة المالية.
أما دولياً، فإن اتفاقية حقوق الطفل في المادة (32-1) تقول: "تعترف الدول الأطراف بحق الأطفال في حمايتهم من الاستغلال الاقتصادي ومن أداء أي عمل يرجح أن يكون ضاراً بصحة الطفل، أو بنموه البدني أو العقلي أو الروحي أو المعنوي أو الاجتماعي".
وتعد وزارة العمل تفاقم ظاهرة عمالة الأطفال الأسوأ في تاريخ العراق، وهو ما دفعها إلى إطلاق حملة وطنية بالتعاون مع "منظمة العمل الدولية" تتضمن سلسلة من الأنشطة الهادفة للتصدي لأسوأ أشكال عمالة الأطفال التي تمر بالبلاد، حسب وصفهم.
ويبين رائد جبار، مدير عام دائرة التدريب المهني في وزارة العمل والشؤون الاجتماعية، أن "الحملة "استهدفت أكثر من عشرة آلاف طفل وأسرهم وأولياء أمورهم والمعلمين وأرباب العمل ووسائل الإعلام"، وتشمل "جلسات توعية في المدارس والمناطق التي ينتشر فيها عمالة الأطفال"، والتي يشيع فيها التسرب من المدارس.
بينما توضح المنسقة القُطرية لمنظمة العمل الدولية في العراق، مها قطاع، أن الحملة ضرورية "لأجل أن يعي الناس في العراق أن المكان المناسب للأطفال هو مقاعد الدراسة وليس سوق العمل"، مؤكدة أن منظمة العمل تدعم الحملة بقوة للقضاء على عمالة الأطفال.
مؤشرات الظاهرة
المفوضية العليا لحقوق الإنسان في العراق تقدر "نسبة عمالة الأطفال في العراق بـ 2 في المئة"، حيث يؤكد عضو المفوضية، علي البياتي، أن عدد الأطفال العاملين في العراق يصل إلى أكثر 700 ألف طفل.
كما تشير منظمة الأمم المتحدة للطفولة إلى أن نحو 90 في المئة من الأطفال العراقيين لا تتاح لهم فرصة الحصول على تعليم مبكر، ورغم زيادة معدل التحاق الأطفال بالتعليم الابتدائي عند مستوى 92 في المئة، إلا أن إكمال المرحلة الابتدائية بين أطفال الأسر الفقيرة لا يتجاوز 54 في المئة.
وبحسب آخر إحصائيات لليونيسف، فإن ثلث أطفال العراق يمرون بظروف اقتصادية صعبة تضعهم أمام متطلبات العمل لإعانة عوائلهم.
وتوضح المنظمة أن أطفال العراق يواجهون أعلى زيادة في معدلات الفقر، حيث يوجد طفلان فقيران بين كل خمسة أطفال.
وفي 10 أيار 2021، طالبت لجنة حقوق الإنسان السابقة في البرلمان العراقي بمنع عمالة الأطفال في العراق، كما طالبت الحكومة العراقية والبرلمان بإيقاف استغلال الأطفال في مهن شاقة، وذلك من خلال
بناء بيئة شاملة لحماية الأطفال
وكانت منظمة العمل الدولية واليونيسف قد دعتا في اليوم العالمي لمناهضة عمل الأطفال، وتحت شعار "الحماية الاجتماعية الشاملة لإنهاء عمل الأطفال"، أصحاب المصلحة إلى العمل معا لبناء بيئة شاملة لحماية الأطفال في العراق. حيث يشكل الأطفال الغالبية من حوالي 4.5 مليون عراقي من المعرضون لخطر الفقر بسبب تأثير النزاع وجائحة كورونا، حيث يواجه طفل واحد من كل طفلين (48.8٪) اشكال متعددة من الحرمان سواء في التعليم أو الصحة أو ظروف المعيشة، أو الأمن المالي. ومن البديهي أن يؤدي تعطيل الخدمات واعتماد آليات التكيف السلبية من قبل الأسر الفقيرة إلى زيادة الحرمان وعدم المساواة وخاصة لدى الاطفال الاكثر ضعفا بما في ذلك المتضررين من النزاع، والنازحين، بالاضافة الى هؤلاء في المجتمعات المضيفة.
لقد تزايدت عمل الأطفال في العراق في السنوات الأخيرة بسبب النزاع المسلح والنزوح والتحديات الاقتصادية الاجتماعية، ومع انتشار الجائحة، تحول تعليم الاطفال الى التعلم عن بعد، مما زاد من خطر التسرب من المدرسة والالتحاق بسوق العمل. لذلك فإن توسيع نطاق الحماية الاجتماعية وتعزيز المساواة في الوصول إلى الخدمات الاجتماعية ذات جودة مع التركيز على التعليم والصحة وحماية الطفل هي توجهات سياسية مركزية للاستجابة للحد من عمل الأطفال.
إن عمل الأطفال، ولا سيما أسوأ أشكالها، تحرمهم من طفولتهم وتعليمهم. كما أنها تزيد من مخاطر تعرضهم للأخطار الجسيمة والأمراض والاستغلال.
في اليوم العالمي لمكافحة عمل الأطفال، تؤكد منظمة العمل الدولية واليونيسف التزاماتهما المشتركة في تعزيز الشراكة مع حكومة العراق، للاستجابة الفاعلة وتسريع الإصلاحات لحماية الأطفال المعرضين للخطر وذويهم من أسوأ أشكال عمل الأطفال، والحفاظ على رفاهيتهم.
من الجدير بالذكر ان العراق هو من الدول الموقعة على اتفاقية الأمم المتحدة لحقوق الطفل. كما صادق العراق على اتفاقية منظمة العمل الدولية بشأن الحد الأدنى لسن العمل، 1973 (رقم 138)، واتفاقية منظمة العمل الدولية بشأن أسوأ أشكال عمل الأطفال، 1999 (رقم 182)، وهما ضروريان للقضاء على عمل الأطفال. علاوة على ذلك، كانت مشاركة العراق الأخيرة في مؤتمر ديربان مشجعة، حيث أظهرت اهتماما وطنيا قويا تجاه معالجة أسوأ أشكال عمل الأطفال.
وحتى من قبل أن تضرب جائحة كورونا العالم، كان هناك 7.3% من الأطفال الذين تتراوح أعمارهم بين 5 إلى 17 عاما، منخرطين في أشكال متنوعة من عمل الأطفال، بما في ذلك الأعمال الخطرة والاستغلالية، بحسب نتائج المسح العنقودي المتعدد المؤشرات السادس (MICS-6) الذي دعمته اليونيسف، والذي أجري عام 2018، ليعطينا بيانات وافية بشأن الأطفال والمراهقين في العراق حتى ذلك الحين.
إن أثر الاضطرار إلى العمل في سنٍّ مبكر بالنسبة إلى الطفل يمكن أن يكون أثره مدمّرا طويل الأمد، إذ يخاطر الطفل بفقدان تعليمه/ تعليمها، فضلا عن الحرمان من الرعاية الصحية الأساسية، والتعرض للمخاطر والممارسات الخطيرة. لهذا دأبت منظمة العمل الدولية واليونيسف على العمل لدعم الحكومة العراقية في انهاء عمل الأطفال. ونظرا لأن العراق واحد من البلدان الموقعة على اتفاقية الأمم المتحدة لحقوق الطفل، لذا فقد تعهّد بتنفيذ كافة الحقوق المنصوص عليها في الاتفاقية، بما في ذلك حماية الاطفال من كافة أشكال الاستغلال، ولا سيما عمل الاطفال.
اضف تعليق