ووجد الباحثون أن المشاركين الذين لديهم المزيد من وقت الفراغ أبلغوا عن انخفاض مستويات شعورهم بالرفاهية عند الانخراط في أنشطة غير منتجة، وفي المقابل، عند الانخراط في أنشطة إنتاجية، يشعر أولئك الذين لديهم وقت فراغ أكبر بأنهم مشابهون لأولئك الذين لديهم قدر معتدل من وقت الفراغ...
بقلم دينا درويش
الحصول على فترات طويلة من أوقات الفراغ يوميًّا يرتبط بمزيد من الضغوط وشعور أقل بالرفاهية، أراد الباحثون معرفة الوقت التقديري للفراغ الذي يحتاج إليه الناس للتمتع برفاهيتهم الشخصية.
حذرت دراسة حديثة من أن أوقات الفراغ التي تمتد فتراتٍ طويلةً قد تكون سيئةً مثلها مثل الحصول على أوقات الفراغ قصيرة الأجل، وأوضحت الدراسة التي نشرتها دورية "جورنال أوف بيرسوناليتي آند سوشيال سيكولوجي" (Journal of Personality and Social Psychology)، أن "حصول الفرد على فترات طويلة من وقت الفراغ يؤدي إلى إحساس هذا الشخص بالرفاهية، ولكن هذا الإحساس لا يمتد عندما تتعدى أوقات الفراغ ساعاتٍ محددةً على مدار اليوم".
تقول ماريسا شريف -الأستاذ المساعد في علم التسويق بكلية "وارتون لإدارة الأعمال" بجامعة بنسلفانيا، والباحث الرئيسي في الدراسة- في تصريحات لـ"للعلم": يشتكي الناس غالبًا من أنهم مشغولون للغاية، ويعبرون عن رغبتهم في الحصول على مزيد من وقت الفراغ، ولكن هل الحصول على مزيد من وقت الفراغ يرتبط بالفعل بمزيد من الشعور بالسعادة؟ لم تقدم الأدبيات أي إجابات محددة، لذلك أردنا معرفة الوقت التقديري للفراغ الذي يحتاج إليه الناس للتمتع برفاهيتهم الشخصية.
حلل الباحثون بيانات 21736 أمريكيًّا شاركوا في مسحٍ أُجري بين عامي 2012 و2013 حول الكيفية التي أمضوا بها أوقاتهم على مدار اليوم، وقدم المشاركون سردًا مفصلًا لما فعلوه خلال الـ24 ساعة السابقة على إجراء الاستبانة ومدى شعورهم بالرفاهية.
وجد الباحثون أنه مع زيادة وقت الفراغ يزداد شعور الفرد بالرفاهية أيضًا، لكن هذا الشعور يستقر عند حوالي ساعتين قبل أن يبدأ تراجُع هذا الشعور بعد خمس ساعات بسبب نقص الإحساس بالإنتاجية.
فى خطوة ثانية، قام الباحثون بتحليل بيانات من 13639 أمريكيًّا عاملًا شاركوا في "الدراسة الوطنية للقوى العاملة المتغيرة"، التي أُجريت بين عامي 1992 و2008، وتضمنت الاستبانة أسئلةً للمشاركين حول ساعات العمل وساعات وقت الفراغ ومستوى شعورهم بالرفاهية الشخصية ومدى رضاهم عن الحياة (راضٍ جدًّا- راضٍ نوعًا ما- غير راضٍ نوعًا ما- مستاء).
تقول "شريف": أجرينا أيضًا دراسة التعهيد الجماعي (عملية جمع، أو استيراد، أو الاستعانة بالجماهير بغية الحصول على المعلومات) لمعرفة الأنشطة التي اعتبرها المشاركون استخدامًا لوقت الفراغ، وجدنا من خلال كلتا الدراستين أن أوقات الفراغ المعتدلة هي التي تحسِّن جودة حياة الأشخاص.
وللتأكد من تلك الفرضية، أجرى الباحثون تجربتين عبر الإنترنت، تضمنتا أكثر من 6000 مشارك، في التجربة الأولى، طُلب من المشاركين تخيُّل 15 دقيقة أو ثلاث ساعات ونصف أو 7 ساعات من وقت الفراغ كل يوم لمدة ستة أشهر على الأقل، ثم طُلب من المشاركين الإبلاغ عن مدى تمتُّعهم بالسعادة والرضا.
وجد الباحثون أن المشاركين الذين أمضوا 15 دقيقة، والذين أمضوا 7 ساعات من وقت الفراغ كان لديهم شعورٌ أقل بالرفاهية مقارنةً بمَن حصلوا على مدد معتدلة من وقت الفراغ، كما أن الأشخاص الذين حصلوا على فترات طويلة من وقت الفراغ شعروا بالتوتر بصورة أكبر من أولئك الذين نالوا مقدارًا معتدلًا من وقت الفراغ، مما أسهَمَ في انخفاض تمتُّعهم بالرفاهية، وكان لديهم شعور بأنهم أقل إنتاجيةً من أولئك الذين في المجموعة المعتدلة، مما أدى أيضًا إلى انخفاض تمتُّعهم بالرفاهية.
في التجربة الثانية، طُلب من المشاركين تخيُّل وجود وقت فراغ معتدل (3.5 ساعات) أو مرتفع (7 ساعات) في اليوم، ولكن طُلب منهم أيضًا تخيُّل قضاء هذا الوقت في أداء أنشطة إنتاجية (ممارسة الرياضة أو ممارسة الهوايات أو الجري) أو أنشطة غير منتجة (مشاهدة التلفزيون أو استخدام الكمبيوتر)، ووجد الباحثون أن المشاركين الذين لديهم المزيد من وقت الفراغ أبلغوا عن انخفاض مستويات شعورهم بالرفاهية عند الانخراط في أنشطة غير منتجة، وفي المقابل، عند الانخراط في أنشطة إنتاجية، يشعر أولئك الذين لديهم وقت فراغ أكبر بأنهم مشابهون لأولئك الذين لديهم قدر معتدل من وقت الفراغ.
تضيف "شريف": هناك عديد من المجالات التي تحتاج إلى مزيد من البحث مستقبلًا، ومنها مدى ارتباط فترات وقت الفراغ والشعور بالرفاهية باختلاف الثقافات، وقد يختلف الوضع من بلدٍ إلى آخر ومن ثقافة إلى أخرى، ومن المهم أن يحصل الأشخاص الذين يشعرون بأن لديهم قليلًا من وقت الفراغ على مدة أطول من وقت الفراغ بحيث لا يؤثر ذلك سلبًا بتخليهم عن أهدافهم، وفي المقابل، يجب أن يسعى الأشخاص الذين لديهم أوقات فراغ طويلة إلى ممارسة نشاط مثمر.
اضف تعليق