تنتشر الفكرة القائلة بأنّ بعض الأطعمة تمنحنا شعوراً بالارتياح عندما نكون تعساء أو تجعلنا نشعر بتحسن عندما نكون مرضى، وعليه فأن اتباع نمط حياة صحي يساعدنا في المحافظة على صحتنا الجسدية والنفسية، ويلعب دورا كبيراً في عيش حياة سعيدة وفي رؤية الحياة من منظور إيجابي ومتفائل...
تنتشر الفكرة القائلة بأنّ بعض الأطعمة تمنحنا شعوراً بالارتياح عندما نكون تعساء أو تجعلنا نشعر بتحسن عندما نكون مرضى في جميع أنحاء العالم وتتنوع المأكولات المفضلة التي تملأ ثلاجاتنا وخزائننا، وبالفعل، تتزايد اليوم الأدلة العلمية التي تدعم الفكرة القائلة بأنّ ما نأكله -وكيف يغير ذلك بكتيريا الأمعاء لدينا- قد يكون مرتبطًا فعلياً بمدى شعورنا بالتوتر أو الاكتئاب وبكيفية تفاعلنا مع الإشارات التي ترسلها لنا أدمغتنا.
يؤكد العلماء والمهتمون في مجال الصحة على أثر التغذية الإيجابي في صحة الأفراد، فمنذ عام 1947 أعلنت وزارة الصحة في بريطانيا أن التغذية عماد الصحة في هذا الإطار، تشير الدراسات إلى وجود علاقة بين الغذاء وبين النمو وزيادة الطول والوزن والصحة البدنية، فقد أثبت العالم دريزن حدوث زيادة في طول الأطفال ووزنهم بين أربع وخمس سنوات بعد إضافة الحليب إلى غذائهم.
أثر الغذاء على روح و سلوك الانسان
من البديهي إن للغذاء الأثر الكبير على جسم الانسان وحالته الصحية والبدنية، الا إن ما أثبته الشرع المقدس إن للغذاء أثر على روح وأخلاق وسلوك الانسان أيضا قال (تعالى) : "يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنْ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحاً " ويعتقد بعض المفسّرين أنّ تقارن ذكر هذين الأمرين: وهما : (أكل الطّيبات و العمل الصالح)، هو خير دليل على وثاقة العلاقة بينهما، وهي إشارةٌ إلى أنّ الأطعمة الطيبة تترك أثرا طيبا على الروح والأخلاق والسلوك بخلاف الأطعمة الأخرى والتي تترك الأثر السيء عليها ولكن لا يمكن القول أبداً أنّ الأكل والغذاء هو العلّة التّامة لبلورة الأخلاق، ولكنّه يمثل عاملاً مُساعداً في ذلك، بحلاله وحَرامه، وأنواعه، كما أثبت علماء العصر الحاضر، أنّ السّلوكيات الأخلاقية عند الإنسان، تنطلق من خلال ترشّح بعض الهرمونات من الغدد الموجودة في جسم الإنسان، والغُدد بدورها، تتأثر مباشرةً بما يأكله الإنسان.
الغذاء طريق السعادة
السعادة يختلف مفهومها من شخص لآخر، وهنا ستجد أطعمة يمكن أن تغير مزاجك وتخرجك من الحزن وتسمى "موود فوود" كالشوكولاتة، وهذا بفضل احتوائها على عناصر مثل "الثيوبرومين"، والتي تساعد على تنشيط إنتاج مواد تؤثر إيجابياً على الحالة النفسية، يُفضل الكثير من الأشخاص في بعض الدول المتقدمة، كالولايات المتحدة واليابان اتباع النظام الغذائي "موود فوود" للحصول على السعادة التي يرجونها، وتمكنت هذه الدول من خلال دراسة مكونات غذائية وتحديد العناصر المسؤولة عن الحالة المزاجية لدى الأفراد لتحقيق السعادة.
وقال "ميجل انخيل ألمدوبار"، الخبير في التغذية، "إن الموضوع ليس كذبة، حيث أثبت العلماء في منتصف الثمانينيات، بمعهد "ماساتشوستس" للتكنولوجيا بالولايات المتحدة، أن حفنة من الكرز أفضل من أي أدوية أخرى مضادة للاكتئاب بسبب مكوناتها الغذائية" وأضاف أن كل الأشخاص يمكن أن يتبعوا هذه الوصفات لتحقيق السعادة، والتي يمكن استبدالها بمجموعة مختلفة يقدمونها.
السعادة تسيطر على القلق
وأكد "ألمودوبار" في كتابه "الغذاء المزاجي.. مطبخ السعادة"، أنه حتى في العصور القديمة، ارتبطت بعض الأغذية بالنشاط البدني، وراحة البال، وزيادة الأداء العقلي، والسعادة في المعيشة، والآن ثبت أنها تؤثر أيضاً في الحالة المزاجية وتسيطر على القلق والإجهاد وتساعد على تجنب الحزن، وكما تؤكد مكونات تحسين المزاج "موود فوود" فإن "الأندورفين" و"الدوبامين" و"النورادرينالين" لها آثار إيجابية على مزاجنا، في المقابل هناك أيضاً "الكاتيكولامينات" الموجودة في المنبهات مثل الشاي والقهوة، واللحوم الحمراء والجبن المملح، والتي ترتبط بالعصبية.
للسعادة عناصر غذائية؟
تتحقق السعادة في العناصر الغذائية والمكونات النشطة كـ"التربتوفان" و"الثيوبرومين" المتواجدين في نبات الجوارانا والشوكولاتة فقط، و"الفينيل ألانين"، و"التيروزين"، وفيتامينات المجموعتين "بي" و"سي"، والكربوهيدرات، والأحماض الدهنية "أوميجا 3"، و"المغنيسيوم"، و"الحديد"، و"الفوسفور"، و"الزنك" وهناك أيضاً مادة "الكابسيسين" الموجودة في الفلفل الحار، والتي تعطيه نكهته اللاذعة وتساعد في تخفيف الشعور بالألم.. وبعض المكونات تتواجد في زيت الزيتون، والثوم والمشمش المجفف والمحار والخضروات والحمص والأرز والحبوب الكاملة والمكسرات مثل الجوز واللوز، والفواكة مثل الموز والأناناس والفراولة والتفاح، كما تتواجد أيضاً في سمك القد والسردين والأصداف البحرية، والخس والبروكلي والسبانخ وفطر عش الغراب، فضلاً عن التمر والعسل والفلفل الحار وخاصة الشوكولاتة السوداء لاحتوائها على كميات كبيرة من الكاكاو، وينصح بتناولها لتفادي مشكلات السمنة.
هل سعادتنا مرتبطة بالغذاء الذي نتناوله؟
الإجابة هي: نعم بكل تأكيد!
إذ أظهرت دراسات عديدة تأثير التغذية على سعادة الإنسان والوقاية من مرض الاكتئاب أو القلق، ووجدت أنه كلما زاد تناول الشخص لأطعمة حمية البحر الأبيض المتوسط كالخضروات، الفواكه، البقوليات، الحبوب الكاملة، المكسرات، البذور، الأسماك وزيت الزيتون وقلّ استهلاكه للمأكولات السريعة، الحلويات، المشروبات الغازية والأطعمة المكررة كلما قلت أعراض الاكتئاب و القلق و زاد شعور الشخص بالسعادة و التوازن العاطفي.
ففي دراسة كبيرة أجريت في بريطانيا، وجد العلماء علاقة واضحة بين كمية الخضار والفاكهة المتناولة في اليوم و ين زيادة الشعور بالسعادة و الارتياح العاطفي، فالأشخاص الذين كانوا يتناولون ٧ أو ٨ حصص من الخضار و الفاكهة يومياً سجلوا أعلى نسب من التفاؤل و النظرة الإيجابية تجاه حياتهم
لكن كيف يمكن لهذه الأطعمة أن تساهم في شعورنا بالسعادة؟ الخضار والفاكهة تحتوي على كمية كبيرة من فيتامين سي الذي بدوره يدخل في عملية إنتاج هرمون الدوبامين هذا الهرمون يلعب دورا كبيرا في شعورنا بالسعادة وبالتالي من المهم جدا تناول كمية كافية من الأغذية الغنية بفيتامين سي بالإضافة إلى ذلك، الخضار والفواكه غنية بمضادات الأكسدة التي تحارب الجذور الحرة و بالتالي تقي من الالتهاب المزمن مما قد يساهم في زيادة الصحة النفسية.
في دراسة أخرى أجريت في نيوزيلاندا، أظهر الباحثون أن الأشخاص الذين تناولوا كميات وافرة من الخضار والفواكه سجلوا نسب مرتفعة من شعورهم بالهدوء، السعادة و النشاط و استمر هذا التأثير الإيجابي على مزاجهم حتى اليوم التالي أيضاً باحثون من جامعة ديكن في أستراليا وجدوا تحسناً ملحوظاَ لدى بعض المرضى المصابين باكتئاب شديد بعد اتباعهم حمية البحر الأبيض المتوسط الغنية بالخضار و الفاكهة لمدة ١٢ أسبوع هذه النتائج تؤكد أهمية الغذاء الذي نتناوله و تأثيره الكبير على الصحة النفسية و الشعور بالسعادة.
من الجدير ذكره أن الغذاء يؤثر بشكل كبير على الأطفال أيضاً، فقد أظهرت دراسة كبيرة شملت أكثر من ٥٧٠٠ طفل بأعمار تتراوح من سنتين إلى ٩ سنوات من عدة بلدان أوروبية، أن الأطفال الذين كانوا يتناولون كميات أكبر من الخضار و الفاكهة و كميات أقل من السكريات و الأطعمة السريعة كانوا يتمتعون بثقة أعلى بالنفس، بمشاكل سلوكية و نفسية أقل و بعلاقات اجتماعية أفضل كما أن الدراسة وجدت أن الأطفال الذين تناولوا السمك مرتين إلى ثلاث مرات في الأسبوع كانوا يتمتعون بثقة أعلى بالنفس و بمشاكل اجتماعية أقل. الأطعمة الغنية بالسكريات كالحلويات و المعجنات المصنوعة من الدقيق الأبيض المكرر والمشروبات الغازية تقوم برفع سكر الدم بشكلٍ مفاجئ يتلوه هبوط حاد في مستوى السكر مما يؤدي للشعور بالتعب و الإرهاق و المزاج السيء لذلك ينصح بتناول هذه الأطعمة بكميات قليلة فقط بالتأكيد يجب أن لا ننسى أهمية النوم لعدد ساعات كافية تتراوح بين ٧ و ٨ ساعات يومية بالإضافة لشرب كميات كافية من الماء و ممارسة الرياضة بشكل روتيني بعض أنواع الرياضة مثل اليوغا و الاسترخاء بالإضافة للتأمل والتنفس العميق تساعد بشكل كبير على التخلص من التوتر و ضغوطات الحياة اليومية.
وفي النهاية، نجد أن اتباع نمط حياة صحي يساعدنا في المحافظة على صحتنا الجسدية والنفسية، ويلعب دورا كبيراً في عيش حياة سعيدة وفي رؤية الحياة من منظور إيجابي ومتفائل.
اضف تعليق