q

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، بارئ الخلائق أجمعين، باعث الأنبياء والمرسلين، ثم الصلاة والسلام على سيدنا ونبينا وحبيب قلوبنا أبي القاسم المصطفى محمد وعلى أهل بيته الطيبين الطاهرين الأبرار المنتجبين سيما خليفة الله في الأرضين، واللعنة الدائمة الأبدية على أعدائهم إلى يوم الدين، ولا حول ولا قوه إلا بالله العلي العظيم.

(يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا * وَدَاعِيًا إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجًا مُنِيرًا)

الشهادة على المجتمع درع في مقابل المخاطر والمفاسد، وحاجة الدعوة إلى الله إلى الإذن الإلهي

يقول تعالى: (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا * وَدَاعِيًا إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجًا مُنِيرًا * وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ بِأَنَّ لَهُمْ مِنَ اللَّهِ فَضْلًا كَبِيرًا)([1])

في هذه الآية الكريمة توجد الكثير من (العبارات والاشارات واللطائف والحقائق) وهي الاقسام الأربعة المذكورة في كلام سيد الشهداء (عليه السلام).. قال (عليه السلام): "كِتَابُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ عَلَى أَرْبَعَةِ أَشْيَاءَ: عَلَى الْعِبَارَةِ وَالْإِشَارَةِ وَاللَّطَائِفِ وَالْحَقَائِقِ فَالْعِبَارَةُ لِلْعَوَامِّ وَالْإِشَارَةُ لِلْخَوَاصِّ وَاللَّطَائِفُ لِلْأَوْلِيَاءِ وَالْحَقَائِقُ لِلْأَنْبِيَاءِ عليهم السلام"‏([2])

وسنشير اليها بمقدار ما يصل اليه العقل القاصر على ضوء بعض المفردات والتي منها: مفردة (بِإِذْنِهِ) ومفردة (شَاهِدًا) تتمة للبحث الماضي تاركين الكلام عن المفردات الاخرى مثل: (مُبَشِّرًا) و(نَذِيرًا) و(سِرَاجًا مُنِيرًا) الى مجال آخر إن شاء الله تعالى.

فلنبدأ الحديث عن مفردة (بِإِذْنِهِ) مكتفين في هذه العجالة ببصيرتين حولها ثم نرجع باذن الله تعالى الى مفردة (شَاهِدًا):

البصيرة الاولى: الدعوة الى الله تحتاج الى الاذن الالهي

ان الدعوة الى الله تعالى تحتاج الى اذن من الله تعالى، بحكم العقل والنقل اذ ربما يتصور البعض ان الدعوة الى الله جل شانه لا تحتاج الى الاذن؛ لان الله تعالى هو خالق الكون وهو المشرِّع وهو الآمر الناهي الأول والأخير، والدعوة الى مصدر الكمال والى رب الارباب لا تحتاج الى الاذن!!

لكن العقل يرفض ذلك والآية يستفاد منها الرد على هذا الزعم فان النبي (صلى الله عليه وآله) على عظمته وجلالة قدره يحتاج الى ذلك الاذن إذ انه كان (داعياً إلى الله باذنه)، فكيف بالآخرين؟ ويؤكده ان ذلك كله وقع كغاية لارساله (صلى الله عليه وآله) للناس إذ قال تعالى: (إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا * دَاعِيًا إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ) أي أرسلناك كي تكون شاهداً... وداعياً إلى الله باذنه وليس داعياً إليه بدون اذنه.

وعلى ذلك فلابد من ثبوت الاذن من الله تعالى في الدعوة إليه، إما اذناً عاماً أو اذناً خاصاً([3]).

حكم العقل بعدم صحة الدعوة إلى الله إلا بإذنه

واما العلة العقلية فواضحة في ذلك اذ كيف يمكن للإنسان ان يدعو الى الله عز وجل وهو لا يعرفه ولا يعرف، بنفسه، أحكامه ولا ملاكاتها، ولا يعرف أي شيء عنه إلا أصل وجوده وبعض المستقلات العقلية المرتبطة، اللهم الا لو اذن الله تعالى له وفي الحدود التي اذن له فيها، فانه تعالى هو الأعرف بل هو العارف بمقدار ما يصح لنا ويمكننا من معرفته وتعريفه.

فالفيلسوف مثلاً الذي يدعو الى الله تعالى ويعرفه ويصفه بصفات اخترعها ذهنه ووصل إليها بعقله([4]) بدون ان يأذن الله له يعتبر خارجا عن الصراط.. وقد ورد ان المتكلم في الله لا يزداد الا تيها او حيرة، وقد قال أبو عبد الله (عليه السلام): "إِيَّاكُمْ وَالْكَلَامَ فِي اللَّهِ تَكَلَّمُوا فِي عَظَمَتِهِ وَلَا تَكَلَّمُوا فِيهِ فَإِنَّ الْكَلَامَ فِي اللَّهِ لَا يَزْدَادُ إِلَّا تَيْها"([5])

فقوله تعالى: (وَدَاعِيًا إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ) يرشد ضمنا إلى ان الدعوة ينبغي ان تكون بالمقدار المأذون فيه له لا يتعداه فلا يزيد عليه ولا ينقصه.

أمثلة ومصاديق للتكلم فيما نجهله

والأمر جار في مختلف ما يتعلق بذاته تعالى أو صفاته أو أفعاله كـ (القضاء والقدر) مثلاً، حيث ورد: ان لا تتكلموا في القضاء والقدر، لكونهما بحرا عميقا لا يبلغ قعره ولا تلتقي ضفتاه، الا بالمقدار الذي ذكره اهل بيت العصمة والوحي (عليهم السلام).

هل يصح وصف علم الله بالحضوري؟

فاذا كنا لا نعرف الله تعالى حق معرفته، فكيف لنا ان نتكلم عنه وندعو اليه، الا بحدود ومقدار المستقلات العقلية وهي لا تكشف عن اكثر من بعض المبادئ الأساسية الأولية العقلية كأصل وجوده جل اسمه، وتوحيده تعالى، اما ان علمه مثلاً بأي نحو هو؟ فاننا لا نعلم ذلك.. ومن ادعى ان علمه هو نحو من العلم الحضوري وهو حضور العلم بذاته لدى العالم فانه يُستشكل عليه بإشكالات، منها: لزوم عدم علمه بها قبل ايجادها ووجودها.. او يلزم القول بوجود الاشياء كلها قديماً أي حتى التي لم توجد بعد كما فيما سيأتي في الغد وما بعده..

بعبارة أخرى: يلزم من القول بعلمه الحضوري ان لا يكون الله عالماً بالماضي ولا بالمستقبل وما فيهما إذ الماضي منتهٍ وعدم الآن والمستقبل معدوم الآن فكيف يعلم به الله علماً حضورياً (فان العلم الحضوري هو حضور ذات المعلوم وبنفسه – لا بصورته – لدى العالم) او يُدعى ان الكل موجود منذ القدم والآن لكن في عالم اخر اسموه عالم الدهر... وهو كما ترى([6]).

والحاصل: انه لا يجوز ولا يصح لأي احد ان يدعو الى الله إلا باذنه وفي حدود إذنه إذ لا ندري ما هو الله([7]) كما لا ندري كيفية الدعوة الى الله تعالى ولا شرائط الدعوة، الا باذنه سبحانه وتعريفه لنا بذلك.

ذلك ان للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر شرائط:

فلا تجوز: الدعوة عن طريق التجسس مثلاً كما صنع عمر ابّان حكومته، فاراد النهي عن منكر واحد بزعمه الا انه وقع بنفسه في عدة محرمات ومنكرات فقد ورد في التاريخ "أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ بَيْنَمَا هُوَ يَمْشِي فِي أَزِقَّةِ الْمَدِينَةِ إِذَا هُوَ بِأَصْوَاتٍ فِي بَيْتٍ، فَاطَّلَعَ عَلَيْهِمْ فَإِذَا هُمْ عَلَى شَرَابٍ، فَقَالُوا لَهُ حِينَ رَأَوْهُ: مَا هَذَا يَا ابْنَ الْخَطَّابِ، أَلَيْسَ اللَّهُ (تَعَالَى) يَقُولُ: (وَلا تَجَسَّسُوا) قَالَ: فَأَعْرَضَ عُمَرُ عَنْهُمْ وَانْصَرَفَ مُبَادِراً"([8]). وفي بعض الروايات إضافة اعتراضين آخرين.

كما ان من الأمثلة على ذلك ما تقوم به (هيئة الامر بالمنكر والنهي عن المعروف) التي أسست في بعض الدول الوهابية المجاورة والتي تتخبط في ضلالاتها وتسير في غير هداها، وتسيء بذلك الى الاسلام والى الدعوة الى الله أكبر إساءة؛ إذ انها ليس فقط لا تعرف اسس الامر بالمعروف حتى تدعو اليه، ولا تعرف اسس المنكر حتى تنهى عنه بل انها تدعو إلى المنكر وتنهى عن المعروف([9])!.

كما لا يجوز: الاكراه في الدين لقاعدة الامضاء (وهي غير قاعدة الإلزام) وقال تعالى: (لكم دينكم ولي دين)([10]).

ومن الشروط: ان يعرف الداعي المعروف ويعرف المنكر ويعرف الدين وأحكامه كي يدعو إليه، ومن الشروط احتمال التأثير ولو بالتراكم إلى غير ذلك.

فتح باب الاجتهاد بلا ضوابط والفوضى المعرفية

ومن هنا ننطلق الى قضية معاصرة مبتلى بها بشدة وهي: محاولة البعض فتح باب الاجتهاد لغير المجتهد وبلا ضوابط وإضفاء الشرعية على ذلك.. إذ توجد الان موجة قوية في بعض الاوساط الثقافية تشرعن لتدخل كل أحد حتى غير الخبير في علم تفسير القران الكريم او علم الكلام او علم الفقه والاصول وغير ذلك حتى من دون معرفة بالضوابط والقواعد والأسس الاولية على الاقل.

والامر تماما كما لو تدخل غير الطبيب والمهندس في علم الطب او الهندسة فبدأ يطلق نظرياته هنا وهناك مدعيا ان الطب والهندسة ليست حكراً على الأطباء والمهندسين وانه يكفي توفر المصادر ويمكنه ان يعمل نظره فيها رغم انه يجهل الأسس الأولية!!

ان باب الاجتهاد وإعمال النظر ليس مغلقاً بل هو مفتوح لكن لمن وفّر الشروط في نفسه ودرس مقدمات الطب او الهندسة أو الكلام والأصول بشكل جيد ووافٍ ثم هضمها جيداً ولم يبقَ فيه قصور في مرحلة تصور المرادات والأدلة ثم له ان يعمل نظره ويجتهد، ومع ذلك قد يخطئ وقد يصيب!.

بدعة الفقه المتطور

وهناك مشكلة بل مأساة اخرى وهي الدعوة الى الفقه المتطور الخارج عن الضوابط بحجة انه المواكب للعصر كما يزعمون وكان الله تعال ارسل دينا ناقصا وأدلة قاصرة فاحتاجت الأدلة إلى إكمال والأحكام إلى استبدال.

وقد كتب أحدهم مقالا وفصل فيه اسماه (فقه پويا) أي الفقة المتحرك او المتطور، وقد جاء في مقالته:

الفقه على قسمين: الفقه التقليدي او السنتي.. والفقه المتطور.. والاول منهما لا يستطيع ان يلبي متطلبات العصر فينبغي ان يترك ويهجر وان نتحول نحو الفقه المتطور أو المتحوّل، والغريب ان الادلة التي ساقها مما تضحك الثكلى ولم يزد على ان كرر المدعى بعبارات مختلفة واستند إلى الاستبعاد والاستغراب في تشريعه لأحكام جديدة تناقض بديهيات الفقه والأصول بل تناقض الآيات القرآنية الصريحة!

تجويز أكل الحشرات والسباع استناداً للفقه المتطور!

قال: ان الفقه التقليدي لا يمكن الاعتماد عليه ولا الاكتفاء به.. والدليل كما يزعم: أننا لو أقمنا الحكومة الإسلامية في الصين مثلاً فلا يمكننا ان نقول للصينيين: اكتفوا من اللحوم بلحم الخروف والبقر والإبل والطيور المحللة وما اشبه.. لا يمكننا ان نشرع لهم ذلك اذ سيقتلهم الجوع حينئذٍ... واما الفقه المتطور المتغير فانه قادر على حل المشكلة إذ يجيز لهم اكل الحشرات كلها! او بإضافة سمك القرش وكل الحيوانات المحرمة والمحللة.

وقد غفل هذا الكاتب عن قاعدة الإمضاء والإلزام وان أحكامنا لا تجري على غير المسلمين بل هي ملزمة للمسلمين فقط فلهم ان يعملوا بما شاؤوا حسب دينهم، كما انه غفل، حتى في الدائرة الإسلامية، عن قاعدة الاضطرار وانه شخصي لا نوعي وان حِلّ أكل المحرمات كالميتة والحشرات يختص، كقانون ثانوي فقط وليس كحكم عام أولي كما هو مفاد كلامه، بمن اضطر حقاً إليه بحيث لو لم يأكله لهلك أو فقد احدى قواه من سامعة وباصرة وشبهها أو ما أشبه ذلك، كما انه يجوز بقدر الضرورة فقط لا إلى حد الشبع بل دونه بكثير جداً.

ان هذا الفقه المسمى بالمتطور مشكلة حقيقة بل هو مرض وبيل انتشر بين انصاف المتعلمين وقد ضلت به فئات كثيرة من الناس ولعل كثيراً منهم لا يعرف عواقب ذلك والتي منها هدم المنظومة المعرفية الفقهية والأصولية بل والتفسيرية بالكامل وإحلال الفوضى المعرفية الخلاقة! محلها!.

للدعوة لله ضوابط، وعليهم (عليهم السلام) الأصول وعلينا التفريع

ان الدعوة الى الله تعالى –وكما سبق- لها شروط ولها ضوابط تجب معرفتها أولا.. ومن ثم يصلح للداعي ويصح له ان يقوم بالدعوة وليس الامر فوضى يقوم به كل من هبّ ودبّ وكيفما اتفق.

وقد ورد عن اهل بيت العصمة والطهارة: (علينا إلقاء الأصول وعليكم التفريع) وهذا هو الفقه التقليدي وهو يستند الى الأصول التي وضعها القران واهل البيت (عليهم السلام) إذ صرحوا بـ(علينا إلقاء الأصول) فهي مهمتهم (عليهم السلام) وليست شأننا وقد قاموا بها خير قيام وبقي علينا (أن نفرع) لا غير.

ومن هنا ندعو الى التصدي العلمي والفكري والتوعوي الواسع لهذه الظاهرة الخطيرة لان هؤلاء المدعين يحاولون، بجهل او عن عمد، هدم اسس علم الفقه والاصول، بل وقد وصلت النوبة تدريجياً الى علم الكلام والعقائد والتفسير وسائر العلوم الاسلامية الاخرى وذلك ما يؤدي إلى هدم اسس الدين الحنيف بأكمله.

البصيرة الثانية: الاذن الالهي دليل البعثة

قال بعض الأعلام: ان (وَدَاعِيًا إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ) تشكل بنفسها دليلا على بعثة الرسول الاكرم (صلى الله عليه وآله).. فحيث قد اذن الله تعالى ان يدعو اليه فهو مبعوث من قبله.

ونحن تقوية لهذا الرأي نقول: هذا الاذن هو الاذن الخاص اذ الاذن العام لكل من جمع الشرائط ليس دليلا على البعثة.. لكن الرسول قد اذن له بالإذن الخاص عن طريق جبرائيل (عليه السلام) وهو الذي تشير إليه الآية الشريفة، وإلا فالاذن العام ليس امتيازاً خاصاً بل لكل إنسان ان يقوم بالدعوة لله تعالى، مادام قد جمع الشرائط فهو نبي بلا ريب ولا اشكال.

وهنا كلام واخذ ورد نتركه لمظانه.

ولا بأس بنقل تفسير الشيخ الطوسي للآية الكريمة قال: "‌ثم‌ خاطب‌ النبي‌ ‌صلي‌ اللّه‌ ‌عليه‌ و آله‌ ‌فقال‌ (يا أَيُّهَا النَّبِي‌ُّ إِنّا أَرسَلناك‌َ شاهِداً وَ مُبَشِّراً وَ نَذِيراً)‌ أي شاهداً ‌علي‌ أمتك‌ ‌في‌ ‌ما يفعلونه‌ ‌من‌ طاعة ‌الله‌ ‌او‌ معصيته‌ ‌او‌ إيمان‌ ‌به‌ ‌او‌ كفر، لتشهد ‌لهم‌ يوم القيامة ‌او‌ ‌عليهم‌، فأجازيهم‌ بحسبه‌، ومبشراً ‌لهم‌ بالجنة وثواب‌ الأبد ‌إن‌ أطاعوني‌ واجتنبوا معصيتي‌. (ونذيراً) أي مخوفاً ‌من‌ النار وعقاب‌ الأبد بارتكاب‌ المعاصي‌ وترك‌ الواجبات‌ (وداعياً) اي‌ وبعثناك‌ داعياً ‌لهم‌ تدعوهم‌ (إِلَي‌ اللّه‌ِ بِإِذنِه‌ِ) والإقرار بوحدانيته‌ وامتثال‌ ‌ما أمرهم‌ ‌به‌، والانتهاء عما نهاهم‌ عنه‌ (وَسِراجاً مُنِيراً) أي ‌انت‌ بمنزلة السراج‌ ‌الذي‌ يهتدي‌ ‌به‌ الخلق‌. والمنير ‌هو‌ ‌الذي‌ يصدر النور ‌من‌ جهته‌ إما بفعله‌، وإما لأنه‌ سبب‌ ‌له‌، فالقمر منير، والسراج‌ منير بهذا المعني‌، و‌الله‌ منير السموات‌ و‌الأرض‌ و‌قال‌ الزجاج‌ (وَداعِياً إِلَي‌ اللّه‌ِ بِإِذنِه‌ِ وَسِراجاً) وبعثناك‌ ذا سراج‌، وحذف‌ المضاف‌ وأقام‌ المضاف‌ اليه‌ مقامه‌ وأراد بالسراج‌ القرآن‌ ‌ألذي‌ يحتاجون‌ ‌الي‌ العمل‌ ‌به‌"([11]).

عودا على بدء

نعود مرة أخرى إلى مفردة (شاهداً) في قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا) ومفردة (شهيداً) في قوله تعالى: (لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً) وقد سبق ان قلنا ان ههنا بصائر كثيرة نذكر منها:

1) البصيرة الأولى: دراسة الروايات على ضوء كلا معنيي الشهادة

ظهر مما سبق في البحث الماضي وعلى ضوء الآيتين الكريمتين ان الشهادة لها معنيان:

الشهيد بمعنى الفاعل وبمعنى المفعول

المعنى الأول: هو المعنى المتداول لدينا وهو ان الشهيد يعني الشهيد في الحروب والمعارك الدفاعية كما في الحشد الشعبي في العراق الان وهو جهاد دفاعي لا يحتاج الى اذن الفقيه فكيف لو أوجبه الفقهاء وقد فعلوا! وكذلك الشهداء في الحروب الابتدائية والهجومية او الاستباقية كما تسمى الان وهي مما يحتاج الى اذن الامام (عليه السلام) او الى اذن الفقيه على القول بان من مناصبه ذلك.

المعنى الثاني للشهيد: هو الشهيد على الافعال وعلى الاقوال وعلى المواقف وعلى الحالات والصفات.

وهذا المعنى هو المراد من الآية الشريفة كما تقدم.

والشهيد: بصيغة فعيل وهو قد يأتي بمعنى مفعول وقد يأتي بمعنى فاعل.

فان اريد به الشهيد على الناس وعلى افعالهم واقوالهم وجميع حالاتهم فهو فعيل بمعنى فاعل.. واذا اريد به شهيد المعركة كان فعيل بمعنى مفعول أي المستشهَد.

ثم انه على ضوء هذا التقسيم او التنويع للشاهد والشهيد والشهادة، ينبغي ان نلاحظ كيف نفسر الروايات فقد يختلف المعنى عندئذ.

وكمثال على ذلك نذكر الرواية التالية:

قوله (عليه السلام): "مَنْ قَرَأَ قُلْ يا أَيُّهَا الْكافِرُونَ وَقُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ فِي فَرِيضَةٍ مِنَ الْفَرَائِضِ غَفَرَ اللَّهُ لَهُ وَلِوَالِدَيْهِ وَمَا وَلَدَ وَإِنْ كَانَ شَقِيّاً مُحِيَ مِنْ دِيوَانِ الْأَشْقِيَاءِ وَأُثْبِتَ فِي دِيوَانِ السُّعَدَاءِ وَأَحْيَاهُ اللَّهُ سَعِيداً وَأَمَاتَهُ شَهِيداً وَبَعَثَهُ شَهِيداً"([12]) والروايات من هذا القبيل كثيرة، فما هو المراد من الشهيد؟

الجواب: ان الناس بشكل عام عندما تقرأ مثل هذا الحديث ينصرف الى اذهانهم فورا شهيد المعركة، الا ان المستظهر – في مثل هذه الرواية - هو ان المراد الشهيد على الناس – لا انه يُنزّل منزلة شهيد المعركة - لان سورة الاخلاص تعتبر اعلى مظهر تعبيري لتوحيد الله سبحانه وتعالى وهكذا سورة الكافرون ولذا خصّا بالذكر في الرواية.

نعم في بعض الروايات الأخرى من قبيل ان الغريق شهيد او المنهدم عليه الجدار شهيد فان المستظهر هو التنزيل منزلة شهيد المعركة، واما (من مات على حب ال محمد (صلى الله عليه وآله) مات شهيدا) فمحتمل الوجهين بل لا مانعة جمع بينهما. فتأمل،

والحاصل: انه ينبغي ان يلاحظ كلا المعنيين المتقدمين ثم يستظهر من كل رواية ما يناسبها منهما بحسب مناسبات الحكم والموضوع.

2) البصيرة الثانية: من ثمرات الشهادة بالمعنى الثاني

ان الشهادة بالمعنى الثاني أي الشهادة على أقوال الناس والمجتمعات والتجمعات والحكومات وحالاتهم ومواقفهم، لهي أمر هام إلى أبعد الحدود، وذلك لأنها توفر المناعة والحصانة للمجتمع عن اجتراح الآثام والمعاصي والموبقات بل انها تتوفر على عنصر الرادعية إلى درجة كبيرة للحكام عن الطغيان وللرؤساء عن العدوان وللأحزاب والجماعات والناس عن ظلم بعضهم لبعض.

فان الشهادة بنفسها قبل ان تصل للمرحلة اللاحقة اعني الارشاد والتبليغ تعد من أهم الروادع عن الوقوع في فخاخ ابليس وعفاريته وعن الاعتداء على الآخرين أو ظلمهم أو مصادرة حقوقهم، وعلى حسب المردوع عنه تكون (الشهادة) واجبة أو مستحبة نعم لعل هذا التقسيم الثنائي بلحاظ الشيعة لا الأنبياء والأئمة فالشهادة واجبة عليهم مطلقاً فتأمل والله العالم.

الشهادة ورادعيتها للصوص وسراق المال العام والخاص

ولنضرب لرادعية الشهادة بنفسها، مَثَلاً عرفياً: فانه اذا وجد اللصوصُ اهلَ بيت أو شركة أو محلّةٍ غافلين تماما عن بيتهم أو شركتهم أو محلتهم وليسوا شهداء على ما يجري من حولهم كما لو كانوا مسافرين أو غاطين في نوم عميق.. فانهم ـ اللصوص ـ سيسرقون كل ما يجدون مما خف أو ثقل!

اما لو كان اهل البيت شهودا على ما يجري فان نفس شهادتهم ويقظتهم ومشاهدتهم ستكون رادعا ومانعا للمعتدي من ان يتعدى تارة بنحو المقتضي وأخرى بنحو العلة التامة.

كذلك لو علم الإرهابيون مثلاً بطريق او اخر ان الشرطة او الحراس يراقبون المنطقة عن كثب او عن طريق الكاميرات فان ذلك بحد ذاته يشكل رادعا للكثير من الارهابيين أو السراق من المبادرة لتنفيذ جريمتهم لان يصنعوا ما يريدون ان يصنعوا.

ولو كانت الرقابة موجودة على الأسواق والتجار والمتضاربين وغيرهم، ألم تكن الاختلاسات والرشوات وغيرها تتقلص مساحتها إلى حد بعيد؟

وكذلك لو كانت الرقابة والشهادة متحققة بشكل شامل أو نسبي على أداء الحكومات والسياسيين والاحزاب والجماعات وغيرهم.

ان من البديهي ان احدى اهم اسباب ما تجترحه الحكومات الجائرة والسلطات الظالمة الغاصبة من سرقات للمال العام والخاص وهدر للثروات وكبت للحريات والظلم بشكل عام، هو غياب اكثر الناس عن ساحة الشهادة.

ولنذكر لذلك بعض الشواهد الهامة:

سياسة إقراض الدول كتمهيد لابتزازها واستعمارها

ان من الاساليب التي تتبعها الدول الكبرى الاستعمارية للسيطرة على بلادنا - واكثر الناس غافلون عن ذلك - سياسة الاقراض للدول، فان بعض الدول عندما تمر بظروف اقتصادية صعبة تحتاج الى قرض وقد صنع الاستعمار صندوقا اسماه (صندوق النقد الدولي) و(البنك الدولي) ومن مهامه الأساسية اقراض الدول بفوائد مجدولة إلى أزمنة محددة، ومن هنا يقع الكثيرين في شباكهم وحبالتهم لان هذا الاقراض في واقعه ليس إلا خطة جهنمية لاستعمار هذا البلد خطوة خطوة وشيئاً فشيئاً.

وقد صدر كتاب لاحد عملائهم في كيفية ممارسة صندوق النقد الدولي للقتل الرحيم لاقتصادات دول كثيرة عبر سياسة الإقراض الذي ينتهجه صندوق النقد الدولي والبنك الدولي، وعبر نظائر الإقراض.

من أهداف البنك الدولي لإقراض الدول

فان بعض الدول قد تحتاج الى قرض، بل ان بعضها قد لا تكون بحاجة فعلية لهذا القرض لكنهم يوهمونها –عبر الخبراء والعملاء- باحتياج اقتصادها الى ذلك القرض من خلال الايحاء بالاحتياج بان تلك الحاجة الكمالية هي في الواقع حاجة اساسية عبر بعض الاحصاءات الكاذبة أو التوقعات المستقبلية غير الصحيحة أو المبالغ فيها أو غير ذلك، وهنا تقع تلك الدولة في شباك مصيدة الاقتراض، وحيث ان كثيراً من الدول لا تستطيع الايفاء والتسديد في نفس الأوقات المتفق عليها حسب الجدول الزمني، فانها ههنا بالضبط تخضع للابتزاز إذ تبدأ هنا مرحلة المفاوضات السرية التي لا يعلم عنها الناس شيئاً بالمرة، فيملون شروطهم على تلك الدولة مقابل اطفاء نصف ذلك الدين او أقل أو أكثر أو إعادة جدولته أي تمديد مدته فيشترطون عليهم مثلا انشاء قاعدة عسكرية على اراضيهم او المشاركة في قوات التدخل السريع في دول أخرى أو حتى تشريع وسن قانون (الخصخصة).

توضيحه: ان الخصخصة فكرة جيدة وصحيحة لو طبقت وفق القواعد الصحيحة.

وهي تعني ان يكون للناس حق تأسيس وتملك معامل الصلب والحديد والفولاذ، وطرق المواصلات وسكك الحديد، والصناعات الأم، والشركات الكبرى كشركة الكهرباء والماء وغيرها، بدل ان تثقل الدولة كاهلها بذلك.

ولهذا الامر فوائد كثيرة وكبيرة فانه إضافة إلى ان الخصخصة هي مقتضى الأصل فان الناس مسلطون على أموالهم وأنفسهم وأعمالهم وكل تلك الأعمال من المباحثات الأصلية وليست حكراً لجهة أو أحد، فإنها ترفع عن كاهل الدولة حملاً كبيراً جداً من جهة، ومن جهة اخرى فإنها تستقطب الايدي العاملة ورؤوس الاموال وتحرك سوق العمل إضافة إلى انها تدخل هذه الأمور الصعبة في إطار التنافس الذي يضطر كل الأطراف للمزيد من الاتقان والجودة ولتقليل الأسعار.

وكم استفاد الغرب من ذلك فتجد ان شركة ما تنشأ حتى السجون وتديرها وتتعاقد مع الجهاز القضائي حول النزلاء والسجناء.

كما ان انشاء الطرق السريعة وخطوط سكك الحديد ومعامل الصلب والحديد والفولاذ وغير ذلك أيضاً تقوم به الشركات الأهلية، اما في بلداننا فتتكفل الدولة بذلك لانهم يعتبرونها من ثروات الدولة ومن حيز اختصاصها، مع ان هذه دعوى ما انزل الله بها من سلطان.

فالخصخصة حق –حسب الضوابط الشرعية- الا انها في كثير من الحالات ومنها حالة إقراض البنك الدولي للدول المحتاجة، كلمة حق يراد بها باطل! إذ انه اذا لم تتمكن الدولة من تسديد القرض يفرض عليها صندوق النقد والدول الكبرى من ورائه إما ما سبق أو خصخصة الصناعات الوطنية فان وافقت تلك الدولة على ذلك كانوا هم المبادرين لشرائها والسيطرة عليها فيشترون المعامل الكبرى والصناعات الوطنية وشركات الكهرباء والماء والمواصلات وحتى مثل بعض المطارات الرئيسية إلى غير ذلك.

وبالتالي تكون الشركات الكبرى أو قسم كبير منها تابعة لهم وكذا البنوك والصناعات الوطنية وبالتالي يتم ربط هذه الدولة بشكل كامل بهم.

ان الكثير من الناس بل وحتى بعض السياسيين لا يعلمون ان هذا المبتدأ ينتج ذلك الخبر وان هذا الامر مآله الى تكبيل البلد وتقييده واستعماره اقتصادياً واجتماعياً ومن ثَمَّ سياسياً وعسكرياً ولكن بقفاز حريري.

وهكذا نجد ان الاستعمار يربط البلد به كليا من خلال سياسة الاقراض – أو القتل – الرحيم!

ان الشعب اذا كان غائبا وغافلا فمن الطبيعي ان يستعبد ويستعمر وسوف لن يحصد إلا جزاء ماجناه على نفسه.

ومن هنا تكون للشهادة قيمة محورية في كل الحالات والعوالم في عالم السياسة وفي عالم الاقتصاد وغير ذلك.

مسابقة ملكة الجمال في الدول الإسلامية!!

شاهد آخر: من المؤسف جداً والمؤلم حقاً ان تحدث الآن في العراق ظاهرة غريبة مستفزة حقا حدثت قبل أيام، مع ان العراق بلد المقدسات واغلب من يحكمه ينتمي لأهل البيت (عليهم السلام) كما ان اهل السنة يؤمنون على الاقل بالقرآن الكريم، وهذه الظاهرة هي مسابقة ملكة جمال العراق!! وهي بدعة غربية استعمارية تهدف الى محق الأخلاق والدين وتعاليم الاسلام العظيم.

وما ذلك الا لان اغلب الناس غائبون ولا يعلمون من وراء هذه المسابقة وأمثالها وكيف اُعد لها؟ ومن خطط لها؟ ومَن نفّذ ومَن دفع الأموال؟ ومن أسكت المعارضين؟ ومن.. ومن..؟ علما ان هذه المسابقة انقطعت عن العراق منذ 43 سنة الا انهم اعادوها هذه السنة وهم يفتخرون بذلك والغريب ان توقيتها كان متزامنا مع أيام شهادة الامام العسكري (عليه السلام)!!.

شرعنة استيراد الخمور في بلادنا!!

شاهد آخر: شرعنة استيراد (الخمور) وبيعها في العديد من الدول الإسلامية، وقد أقرّ البرلمان ان تكون الضريبة على الخمور 100% محتجين بان هذه الطريقة هي لردع تجارها ومتناوليها، الا ن هذه خدعة لا غير إذ يراد بذلك اعطاء شرعية لبيع الخمر في هذا البلد الاسلامي وتقنينه؛ لان معنى تشريع ضريبة على الخمور في البرلمان جواز استيرادها وبيعها في المحال المعدة لذلك هذا إضافة إلى ان الواقع هو ان هذا يصب في صالح الدولة لأنه يزيد من ارباحها.

رسالة للحكام في البلاد الإسلامية: هل أنتم مسيّرون أم مخيرون؟

ونحن نقول للحكام سواء في العراق او سائر البلدان الاسلامية: انتم تعلمون بأمثال هذه الجرائد والمفاسد والفدائح فهل تستطيعون ان تمنعوا ذلك او لا تستطيعون؟

فان كنتم تستطيعون ان تحولوا دون ذلك ولا تفعلون فعلى الاسلام السلام؛ اذ ألستم مسلمين؟ ثم لماذا جاء بكم الناس ولماذا انتخبوكم؟ اليس من اجل الاسلام وباسم الإسلام فكيف تشرعون قوانين تناقض أحكام القرآن الكريم تماماً؟.

وان كنتم لا تستطيعون ان تمنعوا هذه الفدائح فلماذا لا تتركون المجال لغيركم ممن يخشى الله ويمتلك الجرأة والشهامة لأن يقول (لا) للمفسدين؟

لماذا تبقى حاكماً أو جزءً من الهيئة الحاكمة للبلد الاسلامي وانت لا تستطيع – فرضاً - حتى من ان تمنع استيراد وبيع الخمر المحرمة قطعا بنص القران الكريم والسنة المطهرة؟ أو لا تستطيع – فرضاً - من منع اجراء مسابقة الجمال المحرمة قطعا؟.

الشهادة على الحكام والمظاهرات الجماهيرية السلمية العارمة

ان اغلب الناس غائبون ولا يعلمون، وليس هناك من يوجههم للخروج في مظاهرات عارمة تجوب شوارع العاصمة وترفع الصوت عاليا وتستمر في المظاهرات والإضرابات السلمية حتى تلبية المطالب الإسلامية والإنسانية والخدمية القادة ستشهد انتهاكات اخرى مشابهة اذا سكت الناس واولياء الامور عن ردع هذه الامور المحرمة.

لماذا لا يخرج عشرة ملايين انسان مثلاً، في العاصمة، رجالاً ونساءً وأطفالاً للتظاهر ضد استهتار بعض الجهات وسحقها للأحكام الإسلامية والأخلاقية البديهية المسلّمة بنص القرآن الكريم.

صحيح ان هناك مخلصين في البلد ومن بين المسؤولين، ولكن لا بد من الشفافية في الأمور والتصدي بكل قوة للباطل والمبطلين وإلا "لَا تَتْرُكُنَّ الْأَمْرَ بِالْمَعْرُوفِ وَ النَّهْيَ عَنِ الْمُنْكَرِ فَيُوَلِّيَ اللَّهُ الْأَمْرَ شِرَارَكُمْ- ثُمَّ تَدْعُونَ فَلَا يُسْتَجَابُ لَكُم‏"([13])

بالأمس ذهبت الموصل طعمة للتكفيريين.. لكن ما هي الاسباب ومن المتواطئ؟ وهل هناك محكمة بهذا الخصوص؟ ثم اقتطعت الرمادي وغيرها، ويذهب ألف شيء وشيء من البلد والناس لا يعلمون والسياسيون – أغلبهم – في غيهم يترددون!

اننا، كأفراد وكعلماء وكمؤسسات، كلما غبنا عن ساحة الشهادة فاننا نغيب – وبنفس تلك الدرجة - عن ساحة القيادة بل قد نصبح عبيداً من حيث ندري أو لا ندري!.

اننا بالفعل – ويا للغرابة ويا للأسف - لا نعلم ما الذي يجري وما الذي سيجري وما الذي خطط للعراق بعد سنة أو ثلاث أو خمس سنين؟ وما الذي خطط للكويت والبحرين واليمن ومصر ونيجيريا وإندونيسيا وإيران وأفغانستان ولبنان وغيرها؟ وغير ذلك.

ان من غاب عن الشهادة فانه يغيب عن القيادة بل عن الشراكة بل عن الاستقلال ويمضي به الحال حتى يكون عبدا مسيرا بل قد يتحول إلى حالة هي اسوء من حالة كثير من العبيد لان العبيد كانت لهم، في الكثير من العهود، بعض الصلاحيات والحقوق.

ان ما يجرى الان في مختلف دول ما أسموه بالعالم الثالث هو ان الشعوب كلها مستعبدة وهي لا تعلم انها مستعبدة وان قرارات بلادها المصيرية من سياسية واقتصادية وغيرها خاضعة لإرادات دول أخرى تسيّرها وتحركها من بعيد لكن بأسلوب لطيف وبراق وجميل على طريقة القتل الرحيم!

معاناة مستر همفرد والميمات الثمانية في الآية!!

فقد ذكر مستر همفر انه جاء الى البلاد الإسلامية باحثا عن عملاء ليجندهم لصالح انكلترا انذاك فوقع اختياره – في جملتهم - على الذي أضحى لاحقاً مؤسس الإرهاب في العالم محمد بن عبد الوهاب منذ أكثر من قرن وجنده بالفعل لنسف الدين من الداخل عبر اتهام أكثرية المسلمين الساحقة بالشرك وعبر اشعال الفتن والحروب الطائفية في مختلف البلاد الإسلامية.

ولكي يتقن دوره ويعرف واقع الحال في البلاد الإسلامية وينفذ في صفوف المسلمين سافر همفر الى تركيا للتعرف على عادات المسلمين وتقاليدهم وكان من أهدافه تعلم القران الكريم وفنون التلاوة والتجويد كي يثق به الناس كبريطاني مسلم قد حَسُن إسلامه!! فيفتحون له أبواب قلوبهم وعقولهم كما فتحوا له أبواب دورهم.

يقول: ان اصعب شيء مررت عليه في القران ولم استطع ان اتقنه اصلاً وهو النطق حسب قواعد التجويد والقلب والإدغام بقوله تعالى: (قِيلَ يَا نُوحُ اهْبِطْ بِسَلَامٍ مِنَّا وَبَرَكَاتٍ عَلَيْكَ وَعَلَى أُمَمٍ مِمَّنْ مَعَكَ)([14]) اذ ان هاهنا ثمان ميمات حاصلة من قلب التنوين في (أُمَمٍ) ومن قلب النونين في (مِمَّنْ)([15]) وهي صعبة حقاً على من لا يجيد العربية ولم يتمرن على القلب والإدغام.

وفي الختام علينا ان نضع هاتين الآيتين الكريمتين دوما نصب أعيننا (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا، وَدَاعِيًا إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجًا مُنِيرًا) و(وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً)

وآخر دعوانا ان الحمد لله رب العالمين وصلى الله على محمد واله الطيبين الطاهرين

* سلسلة محاضرات في تفسير القرآن الكريم
http://m-alshirazi.com
http://annabaa.org/arabic/author/10

..........................................
([1]) الاحزاب 45ـ 47
([2]) جامع الأخبار ص41.
([3]) من خلال الوحي.
([4]) مثل (المبتهج بالذات).
([5]) التوحيد (للصدوق) ص457.
([6]) لوضوح بطلان هذا العالم الثاني، وعلى فرض القول به فانه يلزم ان لا يعلم الله ما في عالم الزمان بل ما في عالم الدهر فقط!
([7]) لم نقل لا ندري وجود الله اذ ان هذا مما يثبته العقل السليم والفطري بالبداهة فيه بل قلنا: لا ندري ما هو الله؟ أي ما هي حقيقته (وتجوزا: ما هي ماهيته).
([8]) الأمالي (للطوسي) ص130.
([9]) كالتوسل بالرسول (صلى الله عليه وآله) وأهل بيته (عليهم السلام) قال تعالى: (وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ) وهي القرآن والرسول (صلى الله عليه وآله) وأهل بيته (عليهم السلام) والشفاعة والاستغفار وشبه ذلك.
([10]) فصلنا الكلام عن قاعدة الامضاء والإلزام في كتاب (قاعدة الإلزام) وأيضاً في (بحوث في العقيدة والسلوك).
([11]) تفسير التبيان: ج8 ص349.
([12]) ثواب الأعمال وعقاب الأعمال ص127.
([13]) تحف العقول ص199، من لا يحضره الفقيه ج4 ص191.
([14]) هود 48
([15]) لأنها في الأصل مِن مَن فصارت مِم مَم ثم ادغمت فصارت ممّن كتابةً وممّم نطقاً.

اضف تعليق