الاتجاه الاجتماعي في تفسير القرآن الكريم يستهدف استثارة دواء أدوائنا الاجتماعية وأمراضنا العامة بالرجوع إلى القرآن الكريم. وأما الاتجاه النهضوي في تفسيره فانه يستهدف استثارة دواء داء التخلف في الأمة الإسلامية كما يبحث عبر نور القرآن ومرآة الآيات الكريمة عن طرق النهضة بالأمة والعودة بالمسلمين إلى مصاف الأمم المتقدمة...
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة على سيدنا محمد وأهل بيته الطاهرين، سيما خليفة الله في الأرضين، واللعنة على أعدائهم أجمعين، ولا حول ولاقوه إلا بالله العلي العظيم.
قال الله العظيم في كتابه الكريم: (هُوَ الَّذي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتابَ مِنْهُ آياتٌ مُحْكَماتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتابِ وَأُخَرُ مُتَشابِهاتٌ فَأَمَّا الَّذينَ في قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ ما تَشابَهَ مِنْهُ ابْتِغاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغاءَ تَأْويلِهِ وَما يَعْلَمُ تَأْويلَهُ إِلاَّ اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنا وَما يَذَّكَّرُ إِلاَّ أُولُوا الْأَلْبابِ) (سورة آل عمران: الآية 7).
وقال سبحانه: (شَهْرُ رَمَضانَ الَّذي أُنْزِلَ فيهِ الْقُرْآنُ هُدىً لِلنَّاسِ وَبَيِّناتٍ مِنَ الْهُدى وَالْفُرْقانِ) (سورة البقرة: الآية 185)
وقال جل اسمه: (وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ ما هُوَ شِفاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنينَ وَلا يَزيدُ الظَّالِمينَ إِلاَّ خَساراً) (سورة الإسراء: الآية 82)
الفرق بين مناهج التفسير واتجاهاته
حيث اننا على أبواب الشهر الفضيل شهر الخير والرحمة والبركة، لذلك فان محور حديثنا سيتحول من (مناهج التفسير) إلى (اتجاهات التفسير والمفسرين) ليكون أقرب إلى الأجواء الرمضانية المباركة وسنسلط الأضواء على الاتجاه الاجتماعي – النهضوي في تفسير القرآن الكريم، وتمهيداً لذلك لا بد من إيضاح الفرق بين المنهج والاتجاه فنقول:
(المنهج) هو: المصدر الذي يعتمد عليه المفسر في تفسيره للقرآن الكريم، والوسائل أي الأدوات التفسيرية التي يستخدمها في الوصول إلى المرادات الجدية منتقلاً إليها عبر جسر المرادات الاستعمالية، وبتعبير آخر: المنهج يرمز إلى (الحجة) التي تعني (الكاشف) الذي يلقي الضوء على معاني الآيات الكريمة وشتى دلالاتها.
ومصادر التفسير أو الحجج فيه، بحسب اختلاف الآراء، هي:
(العقل) وهو المسمى بالمنهج العقلي، الذي يعتمد على ما يتوصل إليه العقل البشري، والمراد به الأعم من المستقلات العقلية، كطريق إلى تفسير الآيات القرآنية.
و(النقل) وهو المعبّر عنه بالمنهج النقلي وهو على قسمين فقد يعتمد المفسر على القرآن نفسه كمفسر للقرآن أي بأن يفسر بعض آياته ببعض آياته الأخرى، فهو منهج نقلي – قرآني، وقد يعتمد المفسر على الروايات كمصدر لتفسير القرآن فهو منهج نقلي – روائي.
و(العلم) فيما يسمى بالمنهج العلمي في تفسير القرآن، والمنهج العلمي على نوعين وذلك بحسب نوع العلوم التي تستخدم في تفسير القرآن الكريم: العلوم الطبيعية، كالفيزياء والكيمياء والفلك، والعلوم الإنسانية: كعلم الاجتماع وعلم النفس وعلم السياسة والاقتصاد والتاريخ وفلسفة التاريخ، والقانون... ويلحق بالتفسير العلمي التفسير التجربي.
و(الكشف والشهود أو الذوق) أو نظائرها وهي المسماة بالمنهج الكشفي أو الشهودي أو الذوقي أو الإشاري أو الرمزي وما أشبه ذلك.
وأما (الاتجاه) فيقصد به أحد أمرين:
1- الطابع العام الغالب على التفسير، فقد يكون التركيز في التفسير بالأساس أو في الأكثر، على المسائل الكلامية أو الفقهية أو الأدبية أو الاجتماعية، فيقال تفسير كلامي، أو فقهي أو أدبي أو اجتماعي أو غير ذلك، أي انه يغلب عليه التركيز والاهتمام بإحدى تلك الجوانب، فتفسير التبيان مثلاً تفسير جامع لكن مع اتجاه فقهي واضح حيث انه يركز على آيات الأحكام، وتفسير الكشاف تفسير يغلب عليه الجانب الأدبي، وهناك تفاسير يغلب عليها الجانب الاجتماعي، كتفسير من هدى القرآن، أو العرفاني أو غيرهما.
2- وقد يقصد بالاتجاه اتجاه المفسر نفسه ويراد من اتجاهه: معتقداته، أو أذواقه وسلائقه.
وعلى هذا قد يكون اتجاه التفسير كلامياً وإن كان منهجه روائياً، إذا حاول استثمار الروايات واعتمد عليها في طرح مباحث علم الكلام في عملية التفسير، وقد يكون اتجاهه اجتماعياً ويكون منهجه استخدام العقل، أو ربما النقل، أو حتى العلوم كطريق لتكريس ذلك الاتجاه فيكون اتجاهه اجتماعياً ومنهجه عقلياً أو روائياً أو غير ذلك.
والحاصل: ان النسبة بين الاتجاه والمنهج هي العموم والخصوص من وجه، إذ قد يكون الاتجاه العام روائياً ويكون المنهج نقلياً فهي مادة الاجتماع وقد يفترقان من هذه الجهة أو تلك.
الاتجاه الاجتماعي – النهضوي في التفسير
والاتجاه الاجتماعي – النهضوي، من أهم الاتجاهات التفسيرية التي تتناغم من أجواء الشهر الفضيل، حيث أن شهر رمضان هو الشهر الذي أنزل فيه القرآن وقد قال تعالى: (شَهْرُ رَمَضانَ الَّذي أُنْزِلَ فيهِ الْقُرْآنُ هُدىً لِلنَّاسِ وَ بَيِّناتٍ مِنَ الْهُدى وَ الْفُرْقانِ) وقال تعالى: (وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ ما هُوَ شِفاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنينَ وَلا يَزيدُ الظَّالِمينَ إِلاَّ خَساراً) فالقرآن شفاء ورحمة.. والاتجاه الاجتماعي يستهدف استنطاق آياته الكريمة لاستكشاف الأمراض الاجتماعية والسياسية والاقتصادية والإدارية وغيرها، إضافة إلى الأمراض الشخصية والتعرف على طرق مكافحتها وسبل علاجها، وليس ذلك فحسب بل شهر رمضان هو الفرصة الملائمة بل والاستثنائية لاستنطاق القرآن الكريم والاستلهام منه في كيفية تحقيق نهضة شاملة للأمة الإسلامية.
مرجعية القرآن الكريم لحل المعضلات والنهضة بالأمة
والروايات الكريمة تؤكد على مرجعية القرآن الكريم للشفاء من شتى الأدواء ولكشف الغمم وقشع الـظُلَم ودفع البلاء والتصدي للأعداء.
عن طلحة بن زيد عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: (إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ فِيهِ مَنَارُ الْهُدَى وَمَصَابِيحُ الدُّجَى فَلْيَجْلُ جَالٍ بَصَرَهُ وَيَفْتَحُ لِلضِّيَاءِ نَظَرَهُ فَإِنَّ التَّفَكُّرَ حَيَاةُ قَلْبِ الْبَصِيرِ كَمَا يَمْشِي الْمُسْتَنِيرُ فِي الظُّلُمَاتِ بِالنُّورِ)(1) والمنارة هي التي تُشيّد في وسط البحر وعلى قمتها نيران متوهجة أو أضواء كاشفة، كي تهتدي إليها في ظلام الليل البهيم، السفنُ التي ضلت في عرض البحر.
وعن السكوني عن أبي عبد الله عن آبائه (عليهم السلام) قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): (... فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ وَمَا دَارُ الْهُدْنَةِ؟ قَالَ: دَارُ بَلَاغٍ وَانْقِطَاعٍ، فَإِذَا الْتَبَسَتْ عَلَيْكُمُ الْفِتَنُ كَقِطَعِ اللَّيْلِ الْمُظْلِمِ فَعَلَيْكُمْ بِالْقُرْآنِ فَإِنَّهُ شَافِعٌ مُشَفَّعٌ، وَمَاحِلٌ مُصَدَّقٌ، وَمَنْ جَعَلَهُ أَمَامَهُ قَادَهُ إِلَى الْجَنَّةِ، وَمَنْ جَعَلَهُ خَلْفَهُ سَاقَهُ إِلَى النَّارِ، وَهُوَ الدَّلِيلُ يَدُلُّ عَلَى خَيْرِ سَبِيلٍ...)(2) وذلك يعني أنّ من ترك مثلاً الاستشارة والمشورة والشورى حيث يقول تعالى: (وَشاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلينَ) (سورة آل عمران: الآية 159) و(وَأَمْرُهُمْ شُورى بَيْنَهُمْ وَمِمَّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ) (سورة الشورى: الآية 38) فقد اعرض عن القرآن الكريم وجعله خلفه بدل أن يجعله أمامه فيسوقه حينئذٍ إلى النار.
وكذلك الحال والمقال فيمن جزّأ الأمة الإسلامية وقطّعها قِطَعاً عبر الحدود الجغرافية وفرض الجواز والجنسية والإقامة والرسوم الجمركية، وفرّق بذلك وغيره بين المؤمنين، حيث عارض قوله تعالى: (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ) (سورة الحجرات: الآية 10) (إِنَّ هذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً واحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ) (سورة الأنبياء: الآية 92) وهكذا وهلم جرّا.
وفي نهج البلاغة: (وَاعْلَمُوا أَنَّهُ لَيْسَ عَلَى أَحَدٍ بَعْدَ الْقُرْآنِ مِنْ فَاقَةٍ وَلَا لِأَحَدٍ قَبْلَ الْقُرْآنِ مِنْ غِنًى فَاسْتَشْفُوهُ مِنْ أَدْوَائِكُمْ وَاسْتَعِينُوا بِهِ عَلَى لَأْوَائِكُمْ فَإِنَّ فِيهِ شِفَاءً مِنْ أَكْبَرِ الدَّاءِ وَهُوَ الْكُفْرُ وَالنِّفَاقُ وَالْغَيُّ وَالضَّلَالُ)(3)
(ثُمَّ قَالَ لَهُ وَيْحَكَ يَا هَمَّامُ (إلى أن قال) أَمَّا اللَّيْلَ فَصَافُّونَ أَقْدَامَهُمْ تَالِينَ لِأَجْزَاءِ الْقُرْآنِ يُرَتِّلُونَهُ تَرْتِيلًا يُحَزِّنُونَ بِهِ أَنْفُسَهُمْ وَيَسْتَنِيرُونَ بِهِ)(4).
والاتجاه الاجتماعي في تفسير القرآن الكريم يستهدف استثارة دواء أدوائنا الاجتماعية وأمراضنا العامة بالرجوع إلى القرآن الكريم.
وأما الاتجاه النهضوي في تفسيره فانه يستهدف استثارة دواء داء التخلف في الأمة الإسلامية كما يبحث عبر نور القرآن ومرآة الآيات الكريمة عن طرق النهضة بالأمة والعودة بالمسلمين إلى مصاف الأمم المتقدمة.
ومن الضروري أن نمثل لكل من الاتجاهين بمثال من الآيات القرآنية الكريمة:
مرجعية القرآن في معضلة العزوبة
أولاً: مشكلة العزوبية والعنوسة وكثرة العزاب والعازبات في المجتمع الإسلامي، حيث ان الله تعالى وجّه الخطاب الصريح للمجتمع بقوله: (وَأَنْكِحُوا الْأَيامى مِنْكُمْ وَالصَّالِحينَ مِنْ عِبادِكُمْ وَإِمائِكُمْ إِنْ يَكُونُوا فُقَراءَ يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ) (سورة النور: الآية 32) والخطاب بـ(أَنْكِحُوا) موجّه إلى المجتمع كما هو واضح، والسبب في ذلك هو أن الشاب والشابة لا يمكنهما عادة، إما لضيق ذات اليد أو لغلبة الحياء والخجل، التصدي للزواج بشكل مباشر، لذا فإن المجتمع هو المكلف بتزويج العزاب والعازبات وهو واجب كفائي وحيث لم يقم به من فيه الكفاية فقد أثم الجميع.
والغريب أن تحكم الثقافة الغربية والجاهلية المجتمع الإسلامي بدل الثقافة القرآنية، حيث ترى أن سنّ الزواج آخذ في الارتفاع يوماً بعد يوم أكثر فأكثر وذلك بعد أن كان سن الزواج هو البلوغ أو ما يقاربه، بحسب فطرة جميع الأمم كما تشهد بذلك ملاحظة حال كافة المجتمعات من مختلف الملل والنحل قبل غزو الثقافة الغربية لها سواء في القرى والأرياف أم في الصحارى والفيافي والقفار أم في المدن والحواضر أم في القبائل والعشائر، وكما تدل على ذلك الروايات وتدعو إليه السنن الإلهية.
بينما ذلك كله لكذلك وإذا بك ترى الثقافة العلمانية المعاصرة تشترط التخرج من الجامعة ثم التوظف من بعد ذلك كشرطين أساسيين في الزواج، مع أن الشباب في الجامعة يعيشون أخطر مراحل النضج الجنسي، ولكن الثقافة الغربية السائدة تحرمهم من الزواج المبكر بعذر وآخر مما يعني توفير أرضية خطيرة تمهد للوقوع في حبائل الشيطان وتدفع الكثير من الشباب إلى أحضان الفساد دفعاً..
ثم تجد الثقافة السائدة تشترط مهراً غالياً وبناء منزل أو استئجاره وتأثيثه بالكامل كشرط ثالث في الزواج ورابع، مما يعني المزيد والمزيد من التأخير، وهكذا تجد أن سن الزواج الذي كان يتراوح حول سن السادسة عشرة للشباب.. تأخر حتى وصل إلى سن العشرين.. ثم سن الخامسة والعشرين.. ولا زال في ارتفاع ولعله بلغ في بعض المجتمعات سن الثلاثين بل والخامسة والثلاثين بل والأربعين أيضاً.. ويقرب من ذلك بفاصل قليل حال الفتيات أيضاً..
والحل الإسلامي فطري - بسيط وإنساني، وهو المهر المخفّف الذي يتجسد في مهر السنة، والزواج المبكر، مع تبسيط مراسم الزواج وطقوسه فلا المنزل شرط ولا التأثيث شرط ولا التخرج ولا التوظف ولا غير ذلك.. وكان السيد الوالد (قدس سره) يقول: يكفي لكي يتزوج الشاب أو الشابة، أن تخصص لهما غرفة واحدة في بيت والد الزوج أو والد الزوجة.. بهذه البساطة.. وهكذا يستمران في الحياة الزوجية وهما يدرسان.. وإلى أن يحصل على وظيفة.. ثم حتى يبني بيتاً أو يمكنه أن يستأجره ويؤثثه.. ثم ينتقل الزوجان إليه.. وربما يكونا حينئذٍ قد أنجبا طفلاً أو اثنين أو ثلاثة.. وبذلك تتمتع الحياة الزوجية بالبساطة وتتميز بالعفوية إذا تثقفت الأسرة الإسلامية على هذه الثقافة السهلة الميسرة (يُريدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُريدُ بِكُمُ الْعُسْرَ) (سورة البقرة: الآية 185).
وكان السيد الوالد يقول أيضاً: بل يكفي أن يتزوجها ويعيش كل منهما في منزل والده، ويلتقيان يوماً في الأسبوع أو يومين أو كل يوم حيثما شاءا.. فتكون له بذلك زوجة تحرز له دينه ويكون لها زوج يحفظ لها دينها وقد قال (صلى الله عليه وآله): (مَنْ تَزَوَّجَ فَقَدْ أَحْرَزَ نِصْفَ دِينِهِ فَلْيَتَّقِ اللَّهَ فِي النِّصْفِ الْبَاقِي)(5) ثم بمرور الزمن ومع توفر المكنة المالية يستأجران مكاناً أو يبنيان أرضاً.. أفهذا أفضل.. أم الفساد المستشري في المنازل والجامعات والشركات وغيرها فحيث أن الشاب والشابة يمنعان، بحسب التقاليد والثقافة السائدة، من الزواج بألف عذر وعذر، فان الشيطان يسدد إليهما سهامه السامة ويُزيّن لهما الحرام حيث منعا من الحلال؟
وبذلك يظهر لنا جانب من الحكمة الإلهية في قوله تعالى: (وَأَنْكِحُوا...) وذلك لأن المجتمع هو الذي يحول في حالات كثيرة من زواج الأبناء والبنات والشباب والشابات، فوجب توجيه الخطاب لهم بنحو الوجوب الكفائي بأن يتحملوا مسؤوليتهم في تزويج الأيامى وذلك هو صريح قوله تعالى (وَأَنْكِحُوا الْأَيامى).
معنى الأيّم
واللطيف في مفردة الايّم انها جاءت لمعاني ثلاثة:
الأول: المرأة التي لا بعل لها، والرجل الذي لا مرأة له، سواء أكانت باكراً أم مطلقةً أو متوفى عنها زوجها، ومن الخطأ ما يتوهمه بعض من أن الايّم هي خصوص المرأة المتوفى عنها زوجها أو المطلقة.
الثاني: الدخان.
الثالث: الحيّة وقيل الجانّ من الحيات.
وفي معجم مقاييس اللغة: ان هذه المعاني ثلاثة أصول متباينة(6).
والتدبر في فقه اللغة يكشف لنا عن وجود نوع من التناغم في المعنى العام أو الدلالات العامة لهذه المعاني الثلاثة، فإن الشاب غير المتزوج يكاد أن يشبه الدخان في انه، من حيث انه أعزب، يضر ولا ينفع، فانه لا ينفع حيث لم يكوّن أسرة ولم يبنِ حياة ولم ينجب أطفالاً فلم يقع في دورة الإنتاج الإنسانية.. وأما أنه مضر فلان غير المتزوج كثيراً ما يشكل خطراً على نفسه أو على غيره فانه إن كبت شهوته الجنسية تضرر وإن أطلق لها العنان اضرّ.
كما أن غير المتزوج يكاد أن يشبه الحيّة فان الحيّة تسعى هنا وهناك وتضرب هذا أو ذاك.. ويكاد حال كثير من العزاب أن يقرب من ذاك!
مرجعية القرآن في مشكلة الاستبداد
ثانياً: مشكلة الاستبداد والاستئثار والتفرد باتخاذ القرار.. ولقد أضحت هذه ظاهرة عامة في حياة الأمة الإسلامية حيث ترى المعلم يستنكف عن استشارة تلميذه والرجل يستعلي عن استشارة زوجته أو ابنائه ومدير الشركة يتجنب استشارة الموظفين والعمال.. وذلك كله فضلاً عن الرؤساء والوزراء والمسؤولين والحكام والولاة والمحافظين الذين اتخذوا الاستبداد ديدناً والاستئثار منهجاً.
والسر في تفوق الغرب علينا هو تمسكهم النسبي بنظام الشورى والمشورة والاستشارة والانتخاب والانتخابات.. ومن الصحيح أن ديمقراطيتهم ناقصة أو مشوهة وانها ليست شورية محضة.. إذ لمراكز الضغط واللوبيات، والقوى الخفية تأثير كبير على مسار عملية اتخاذ القرار.. ولكن ومع ذلك فانهم يتفوقون علينا بنفس النسبة التي يلتزمون بها من الشورية والاستشارة...
ومن الطريف أن نذكر هنا: انّ الشركات الغربية تعتمد غالباً على نظام مجلس الأمناء ومجلس الإدارة، والأول يجتمع سنوياً لرسم السياسات العامة، بينما يجتمع مجلس الإدارة دورياً، أسبوعياً أو غير ذلك لاتخاذ القرار بشكل شوري أو ما يقارب ذلك، وذلك معروف إلا أن غير المعروف أن العديد من الشركات طورّت نظام المشورة لديها حتى لم تعد مقتصرة على التشاور داخل مجلس الإدارة.. بل انهم زادوا على استشارة الخبراء والمهندسين، استشارة الموظفين في الشركة وحتى العمال والباعة الصغار وغير ذلك.. فإذا استجدت مشكلة في الإنتاج أو التسويق أو ووجهت الشركة بتحد كبير من شركة منافسة.. استدعوا عيّنات مختلفة من مختلف مستويات الموظفين والعمال في الشركة وطلبوا مشورتهم منطلقين من مبدأ ان العامل البسيط والبائع في نافذة متجر عادي قد يرى ما لا يرونه وانه (قد يوجد في الاسقاط ما لا يوجد في الاسفاط).
الواجبات السبعة على الأمة في الشورى والمشورة
والأحاديث النبوية والعلوية وغيرها تؤكد على دور الاستشارة والمشورة المفتاحي في شؤون الحياة كلها.. وقد ذكرنا في كتاب (شورى الفقهاء والقيادات الإسلامية) ان الأحكام التي تتعلق بشؤون الشورى والمشورة سبعة – (وهي: وجوب الإشارة، عدم جواز منع المشير منها، وجوب ردع الأمة مانعها، وجوب سعي المشير لتطبيق محتواها، وجوب طلبها، وجوب العمل على طبقها.
وأيضاً ـ وهي سابقة رتبة على بعض المسائل السابقة ـ: وجوب الفحص عن صحة رأي وتشخيص وموقف الفقيه من الحوادث الواقعة، أو عدم الصحة قصوراً أو تقصيراً بما ينافي العدالة أو لا.
ويمكن أن يستدل لذلك بأدلة عديدة... الدليل الثاني: الروايات الكثيرة المتنوعة وهي كثيرة جداً، وتواترها الإجمالي محرز لا ريب فيه، إضافة إلى صحة سند بعضها(7)، فمنها:
فلا تكفوا عن مقالة بحق
1: قوله (عليه السلام): (فَلا تَكُفُّوا عَنْ مَقَالَةٍ بِحَقٍّ أَوْ مَشُورَةٍ بِعَدْلٍ، فَإِنِّي لَسْتُ فِي نَفْسِي بِفَوْقِ أَنْ أُخْطِئَ وَلا آمَنُ ذَلِكَ مِنْ فِعْلِي، إِلاّ أَنْ يَكْفِيَ اللَّهُ مِنْ نَفْسِي مَا هُوَ أَمْلَكُ بِهِ مِنِّي)(8)، وهي واضحة في النهي عن عدم الإشارة(9) بالعدل، أو المقالة بحق(10).
والمراد من الكف الترك، لا خصوص منع النفس وصرفها، ولو بقرينة مناسبة الحكم والموضوع، وعدم وجود خصوصية في ما هو أخص من مطلق الترك، معللاً ذلك باحتمال الخطأ في المشار عليه(11) ـ في غير المعصوم ـ الدال على أن علة وجوب الإشارة احتمال الخطأ، فكيف في صورة العلم به، فتأمل.
لا يقال: تفيد الرواية وجوب الإشارة عند العلم بالخطأ وما هو الحق أو العدل أو ما هو بمنزلته، وأما صورة احتمال الخطأ فخارج عن مدلولها المطابقي أو الالتزامي، غاية الأمر وجوب الفحص لكونها أمراً خطيراً ولو كانت بدوية، فتأمل.
وأما عدم الكون فوق الخطأ وعدم الأمان منه فهو ـ في غير المعصوم ـ في المشار عليه لا في المشير، أي إنه محتمل للخطأ في فعله، أما أن المشير محتمل أو عالم فهو أمر آخر.
إذ يقال: دلالته عرفاً عليه لكون مساق الكلام نفياً للبناء على الصحة في كل ما يقوم به الحاكم، إضافة إلى الإطلاق في الرواية.
وبعبارة أخرى، المفاد: حيث يأمن الخطأ من نفسه فعليهم المقالة بالحق والمشورة بالعدل، وهو أعم من صورتَي العلم بالخطأ أو قيام العلمي عليه، أما في صورة الشك، أي شك المشير فحيث احتمل الخطأ في المشار إليه وجب الفحص، فتأمل.
وكون المتعلق (المشورة بالعدل والمقالة بالحق) لا يدل إلا على لزوم الإشارة بما لو قامت لديه الحجة على أنه عدل أو حق أي ما هو عدل وحق إثباتاً، ولا يرتهن الأمر بالعدل والحق الثبوتيين وفي نفس الأمر حتى يقال بعدم علم أحد من المجتهدين بأن ما يراه حقاً هو الحق ثبوتاً كي يشمله هذا الخطاب، وذلك لأنه وإن كانت الأسماء أسماء لمسمياتها الواقعية والأحكام متعلقة بالعناوين الثبوتية فالنهي عن ترك ما هو مصداق (المشورة بعدل) ثبوتاً، إلا أنه حيث كان العلم والعلمي طريقين عقلائيين لإحراز المعنونات والمتعلقات، كان المحمول ثابتاً لكل ما قامت الحجة على أنه من أفراد الموضوع، فمن قامت عنده الحجة يرى الواقع هو هذا فيرتب المحمول، وإلا لم يستقر حجر على حجر، ولم يثبت محمول لموضوع، بل إنّ قصر الأمر على العلم لا وجه له لما بيّن مفصلاً في وجه حجية العلمي، كما أن حصر (الخطأ) في ما هو مسلّم الخطأ وما هو بالضرورة خطأ غير تام وبعيد عن بناء العقلاء وطريقتهم، كما لا يخفى.
مشاورة ذوي الرأي واتباعهم و...
2: ومنها قوله (عليه السلام): (أَعْقَلُ النّاسِ مَنْ أَطَاعَ الْعُقَلاءَ)(12)، إرشاد إلى ما في إطاعتهم من العقل والسداد والعقال عن الخطأ والزلل، ونظيرها:
3: قول الصادق (عليه أفضل الصلاة وأزكى السلام): (قِيلَ يَا رَسُولَ اللَّهِ (صلى الله عليه وآله) مَا الْحَزْمُ؟ قَالَ: مُشَاوَرَةُ ذَوِي الرَّأْيِ وَاتِّبَاعُهُم)(13).
وليس المراد من (أَعْقَلُ النّاسِ مَنْ أَطَاعَ الْعُقَلاءَ) و(مُشَاوَرَةُ ذَوِي الرَّأْيِ وَاتِّبَاعُهُم) إطاعة العقلاء فيما لو أجمعوا، لكون ذلك حملاً له على الفرد النادر، بل:
ألف: الأعم منه.
ب: ومما ارتضاه أكثريتهم ومشهورهم فيما لم يكفِ فيه عرفاً استشارة الواحد.
ج: ومما ارتضاه أحدهم فيما كفى فيه عرفاً ذلك.
كما يظهر ذلك بوضع (من أطاع الأطباء) مثلاً مكان الموضوع، وبملاحظة (حشر مع الناس عيد) حيث إن المراد حشر مع أكثريتهم ومشهورهم لا جميعهم.
وحديث عدم شمول أدلة الحجية للمتعارضين قد أشكلنا عليه في موضع آخر من الكتاب مفصلاً.
4: وقول الإمام الكاظم (عليه صلوات المصلين): (يا هشام... مُشَاوَرَةُ الْعَاقِلِ النَّاصِحِ يُمْنٌ وَبَرَكَةٌ وَرُشْدٌ وَتَوْفِيقٌ مِنَ اللَّهِ، فَإِذَا أَشَارَ عَلَيْكَ الْعَاقِلُ النَّاصِحُ فَإِيَّاكَ وَالْخِلَافَ، فَإِنَّ فِي ذَلِكَ الْعَطَبَ)(14).
5: وقال (صلى الله عليه وآله): (الحَزمُ أن تَستَشِيرَ ذا الرَّأيِ وتُطِيعَ أمرَهُ)(15)
6- وقال (صلى الله عليه وآله): (إِذَا أَشَارَ عَلَيْكَ الْعَاقِلُ النَّاصِحُ فَاقْبَلْ، وَإِيَّاكَ وَالْخِلَافَ عَلَيْهِمْ فَإِنَّ فِيهِ الْهَلَاكَ)(16)
7: وقال (صلى الله عليه وآله): (اِستَرشِدُوا العَاقِلَ تَرشُدوا، ولا تَعصوهُ فَتَندَموا)(17)
8: وقال علي (عليه السلام): (شَاوِرْ ذَوِي الْعُقُولِ تَأْمَنِ الزَّلَلَ وَ النَّدَمَ).(18)
9: وقال الصادق (عليه السلام): (مَا يَمْنَعُ أَحَدَكُمْ إِذَا وَرَدَ عَلَيْهِ مَا لَا قِبَلَ لَهُ بِهِ أَنْ يَسْتَشِيرَ رَجُلًا عَاقِلًا لَهُ دِينٌ وَوَرَعٌ، ثُمَّ قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ (عليه السلام): أَمَا إِنَّهُ إِذَا فَعَلَ ذَلِكَ لَمْ يَخْذُلْهُ اللَّهُ، بَلْ يَرْفَعُهُ اللَّهُ وَرَمَاهُ بِخَيْرِ الْأُمُورِ وَأَقْرَبِهَا إِلَى اللَّهِ).(19)
10: وعنه (عليه السلام): (اسْتَشِرِ الْعَاقِلَ مِنَ الرِّجَالِ الْوَرِعَ، فَإِنَّهُ لَا يَأْمُرُ إِلَّا بِخَيْرٍ، وَإِيَّاكَ وَالْخِلَافَ فَإِنَّ خِلَافَ الْوَرِعِ الْعَاقِلِ مَفْسَدَةٌ فِي الدِّينِ وَالدُّنْيَا).(20)
11: وقال الصادق (عليه السلام): (اسْتَشِرْ فِي أَمْرِكَ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ).(21)
12: وقال (صلى الله عليه وآله): (مَنْ جَاءَكُمْ يُرِيدُ أَنْ يُفَرِّقَ الْجَمَاعَةَ وَيَغْصِبَ الْأُمَّةَ أَمْرَهَا وَيَتَوَلَّى مِنْ غَيْرِ مَشُورَةٍ فَاقْتُلُوهُ، فَإِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ قَدْ أَذِنَ فِي ذَلِكَ)(22).
إلى غير ذلك من الروايات الواردة من طرق الخاصة.
وقد ذكرنا قسماً آخر منها في موضع آخر من الكتاب، وأما روايات العامة في ذلك فكثيرة لا داعي لذكرها الآن.
وإذا كان العقل والحزم، وإطاعة العقلاء(23)، والرشد فيها(24)، أي في المشورة، وكانت الرفعة فيها(25)..
وكان في خلافها العطب(26)، والهلاك(27)، والندم(28)، والزلل(29)، والخذلان(30)، ومفسدة الدين والدنيا(31)، كان اتباعهم في الأمور الخطيرة واجباً عقلاً دون ريب(32).
هذا، ويستفاد من قوله: (مشاورة ذوي الرأي واتباعهم...)، و(أن تستشير ذا الرأي وتطيع أمره) أن الاستشارة أمر مغاير للعمل بمقتضاها، لظهور العطف في بينونة المعطوف عن المعطوف عليه، وبُعد كونه تفسيرياً، فلا يكفي على هذا إثبات وجوب الاستشارة ـ كما سبق في آية (وَشَاوِرْهُمْ)(33) ـ بنفسه لإثبات وجوب الاتباع ووحدة الحكم غير وحدة الموضوع، فينبغي في الآية الشريفة الرجوع إلى الأجوبة الأخرى غير دلالة لفظ (شاورهم)(34)، فليلاحظ)(35).
الفرق بين الإنزال والتنزيل
وأخيراً لنتوقف عند بعض البصائر في الآية القرآنية الكريمة: (وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ ما هُوَ شِفاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنينَ):
1- التنزيل غير الإنزال فإن ظاهر الإنزال هو الإنزال دفعة واحدة (لَوْ أَنْزَلْنا هذَا الْقُرْآنَ عَلى جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خاشِعاً مُتَصَدِّعاً مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ) (سورة الحشر: الآية 21) و(شَهْرُ رَمَضانَ الَّذي أُنْزِلَ فيهِ الْقُرْآنُ هُدىً لِلنَّاسِ وَبَيِّناتٍ مِنَ الْهُدى وَالْفُرْقانِ) (سورة البقرة: الآية 185) فانه أنزل دفعة واحدة على قلب النبي المصطفى (صلى الله عليه وآله) ليلة القدر، وأما التنزيل فان ظاهره أمران: (التدرّج) و(التجدّد) فإن قوله تعالى: (وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ ما هُوَ شِفاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنينَ وَلا يَزيدُ الظَّالِمينَ إِلاَّ خَساراً) ظاهره:
أولاً: تدرجية نزول الشفاء والرحمة.. على امتداد الأزمان وعلى حسب تزايد قابلية القابل، وليس ان آيات القرآن تنزل دفعة واحدة بالشفاء والرحمة ثم ينتهي كل شيء.
ثانياً: تجدّد الشفاء والرحمة، وذلك بحسب تجدد الأمراض والأعراض والأوبئة الاجتماعية والسياسية والشخصية والأسرية وغيرها، وبحسب تجدّد / تكثّر المصائب والمحن والفتن والرزايا والخطوب والملمّات والدواهي.. فكلما استجد داء كان المرجع في العثور على البلسم الشافي والعلاج الكافي هو القرآن الكريم مع بيان الرسول العظيم (وَأَنْزَلْنا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ ما نُزِّلَ إِلَيْهِمْ) (سورة النحل: الآية 44) وأهل بيته الكرام فانها الثقلان وقد قال (صلى الله عليه وآله): (إِنِّي تَارِك فِيكمْ أَمْرَينِ إِنْ أَخَذْتُمْ بِهِمَا لَنْ تَضِلُّوا - كتَابَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَأَهْلَ بَيتِي عِتْرَتِي أَيهَا النَّاسُ اسْمَعُوا وَقَدْ بَلَّغْتُ إِنَّكمْ سَتَرِدُونَ عَلَيّ الْحَوْضَ فَأَسْأَلُكمْ عَمَّا فَعَلْتُمْ فِي الثَّقَلَينِ، وَالثَّقَلَانِ كتَابُ اللَّهِ جَلَّ ذِكرُهُ وَأَهْلُ بَيتِي...)(36).
مرجعية الآيات الحيوية في القرآن الكريم
والحاصل: انه إذا استجدّت معضلة كمعضلة تفكك العوائل وتزايد حالات الطلاق بشكل مذهل وكمعضلة المخدرات التي استشرت في مجتمعاتنا بشكل رهيب، فالدواء هو القرآن الكريم.. وإذا تكاثرت الحروب واستفحلت الصراعات والنزاعات وازدادت الأمة الإسلامية تأخراً على تأخر، فالعلاج في القرآن والعترة الطاهرة.
ولكن كيف؟ الجواب: عبر الرجوع إلى الآيات الحيوية في القرآن الكريم ففيها يكمن الحل أو هي المرشد إلى طريق الحل.. ولقد فصّل السيد الوالد الكلام عن الآيات الحيوية في كتاب (الصياغة الجديدة، لعالم الإيمان والحرية والرفاة والسلام) و(ممارسة التغيير لإنقاذ المسلمين) و(السبيل إلى إنهاض المسلمين) كما ذكرنا تلك الآيات الكريمة في كتاب (ملامح العلاقة بين الدولة والشعب) و(معالم المجتمع المدني في منظومة الفكر الإسلامي) والآيات هي:
آية الأمة الواحدة (إِنَّ هذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً واحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ) (سورة الأنبياء: الآية 92).
آية الاعتصام بحبل الله (وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعاً وَلاَ تَفَرَّقُواْ) (سورة آل عمران: الآية 103).
آية الاخوة الإسلامية (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ) (سورة الحجرات: الآية 10).
آية العدل والإحسان (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ) (سورة النحل: الآية 90).
آية الشورى والاستشارة (وَأَمْرُهُمْ شُورى بَيْنَهُمْ) (سورة الشورى: الآية 38) (وَشاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ) (سورة آل عمران: الآية 159).
آية الحريات (وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلَالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ) (سورة الأعراف: الآية 157) (لا إِكْراهَ فِي الدِّينِ) (سورة البقرة: الآية 256).
آية التعددية (وَفِي ذَٰلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ) (سورة المطففين: الآية 26) / (وَلَوْ لا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَواتٌ وَمَساجِدُ يُذْكَرُ فيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثيراً وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزيزٌ) (سورة الحج: الآية 40) (وَلَوْ لا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الْأَرْضُ وَلكِنَّ اللَّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعالَمينَ) (سورة البقرة: الآية 251).
آية المسارعة وإستباق الخيرات (وَسارِعُوا إِلى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّماواتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقينَ) (سورة آل عمران: الآية 133) و(لِكُلٍّ جَعَلْنا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهاجاً وَلَوْ شاءَ اللَّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً واحِدَةً وَلكِنْ لِيَبْلُوَكُمْ في ما آتاكُمْ فَاسْتَبِقُوا الْخَيْراتِ إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ جَميعاً فَيُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ فيهِ تَخْتَلِفُونَ) (سورة المائدة: الآية 48).
آية التعاون والتعارف (وَتَعاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوى وَلا تَعاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوانِ) (سورة المائدة: الآية 2) و(إِنَّا خَلَقْناكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثى وَجَعَلْناكُمْ شُعُوباً وَقَبائِلَ لِتَعارَفُوا) (سورة الحجرات: الآية 13).
آية السلم والسلام (يا أَيُّهَا الَّذينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً) (سورة البقرة: الآية 208) إلى غير ذلك، ومع ذلك كله هل تبقى مشكلة غير قابلة للحل؟
2- ومن الرائع أيضاً أن نسلط الضوء على الدقة في اختيار المفردات القرآنية حيث قال تعالى: (وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ ما هُوَ شِفاءٌ وَرَحْمَةٌ) ولم يقل (ما هو دواء) ولعل السر في ذلك يعود إلى أن الدواء قد يؤدي إلى الشفاء وقد لا يؤدي، أما الشفاء فهو المحصلة النهائية والمعنى الاسم مصدري والمطلوب الأساسي، فالقرآن شفاء وليس مجرد دواء قد يصل بك إلى مرحلة الشفاء وقد لا يصل!
وآخر دعوانا ان الحمد لله رب العالمين وصلى الله على محمد واله الطيبين الطاهرين
اضف تعليق