المنهج الرمزي يذهب إلى ان القرآن الكريم، بمجمله أو في مواطن كثيرة منه، يستخدم لغة رمزية لإيصال المعاني المجردة أو الغيبية أو الدقيقة أو العميقة أو العصيّة على الأفهام أو الغريبة على أذهان المتلقين من غير ان تكون تلك الرموز دالة على مداليلها اللغوية المعهودة...
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، بارئ الخلائق أجمعين، باعث الأنبياء والمرسلين، ثم الصلاة والسلام على سيدنا وحبيب قلوبنا أبي القاسم المصطفى محمد وعلى أهل بيته الطيبين الطاهرين الأبرار المنتجبين، سيما خليفة الله في الأرضين، واللعنة الدائمة الأبدية على أعدائهم إلى يوم الدين، ولا حول ولاقوه إلا بالله العلي العظيم.
قال الله العظيم في كتابه الكريم: (وَأَنْزَلْنا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ ما نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ)(1)
وقال جل اسمه: (وَما يَعْلَمُ تَأْويلَهُ إِلاَّ اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ)(2)
وقال جل وعلا: (نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمينُ * عَلى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرينَ * بِلِسانٍ عَرَبِيٍّ مُبينٍ)(3).
المنهج الرمزي
مناهج التفسير، كما سبق، هي أربعة عشر منهجاً، ومنها المنهج الهرمينوطيقي، وقد سبق بعض الكلام عنه، ونضيف: ان (المنهج الرمزي) يعدّ واحداً من أهم ألوان المنهج الهرمينوطيقي، بل قد يعدّ منهجاً آخر إلى جواره وإن استعان كل من المنهجين ببعض قواعد المنهج الآخر(4)، والمنهج الرمزي يذهب إلى ان القرآن الكريم، بمجمله أو في مواطن كثيرة منه، يستخدم لغة رمزية لإيصال المعاني المجردة أو الغيبية أو الدقيقة أو العميقة أو العصيّة على الأفهام أو الغريبة على أذهان المتلقين من غير ان تكون تلك الرموز دالة على مداليلها اللغوية المعهودة، وقد يكون ذلك الرمز شفرةً أو مجازاً أو كناية أو إشارة أو علامة بالمعنى الأعم، من دون إقامة قرينة حالية أو مقالية.
تعاريف الرمز والرمزية
ومن المهم جداً ان نستعرض تعاريف الرمز والرمزية ثم نحدد المراد منها بالضبط كي يتضح مورد النقض والإبرام ومحل الأخذ والرد ولا يتحول النقاش إلى (نزاع لفظي) أو إلى نقاش حول مفهوم غامض أو حول مصطلح يقصد به أحد الطرفين معنىً ويقصد به الطرف الآخر معنىً آخر، فقد يكون بمعنىً صحيحاً وبمعنى آخر باطلاً أو بمعنىً قطعياً وبمعنى آخر ظنياً وبمعنى ثالث محتملاً وبمعنى رابع ممتنعاً.. فنقول:
لقد فُسِّر (الرمز) ومن ثَمَّ (الرمزية) بتفسيرات عديدة وعرّف كل منها بتعريفات مختلفة:
فقد عرف الراغب في المفردات الرمز بـ(الرَّمْزُ: إشارة بالشّفة، والصّوت الخفيّ، والغمز بالحاجب، وعبّر عن كلّ كلام كإشارة بالرّمز، كما عبّر عن الشّكاية بالغمز)(5).
وعرّفه بعضهم بتعريف عام هو: (الرمز في اللغة هو الإشارة والعلامة) وبتعريف آخر سيكولوجي خاص: (والرمز معناه الإيحاء، أي التعبير غير المباشر عن النواحي النفسية المستترة التي لا تقوى اللغة على أدائها أو لا يراد التعبير عنها مباشرة).
وعُرّف بتعاريف أخرى مختلفة، وقد ارتأى بعض انه فن وارتأى آخرون انه علم فقيل بان الرمز هو: (علم يبحث عن أسرار الرموز المستعملة في النصوص الدينية) وقيل بان الرمز هو: (فن التعبير عن الأفكار والعواطف) وانه (رؤية فنية للواقع).
وقال بعض: (الرمز ليس علاقة طبيعية بالشيء وإنما هو تمثيل يحمل معنى ويهدف إلى استحضار اللامرئي بالاعتماد على المرئي) وان الرمز (يظهر في صور تحمل كثافة دلالية تقبل لتأويل لا متناهي) و(التفكير الرمزي المبني على الصور الإيحائية على خلاف التفكير المنطقي المبني على البنى المجردة) بل ذهب البعض إلى (ان العقل البشري لا يدرك إلا بالرموز ولا يعبر عن الأفكار إلا على نحو المجاز لا على سبيل الحقيقة) و(الرمز هو كل حد في سلسلة المجازات، يمثّل حداً مقابلاً في سلسلة الحقائق)
و(قد ذهب فروم(6) إلى التمييز بين ثلاثة أنواع من الرموز: الرمز الاصطلاحي والرمز العرضي والرمز الجامع...
إن الرمز الاصطلاحي هو الرمز المعروف لدينا على أفضل نحو لأننا نستعمله في كلامنا اليومي...أما الرمز العرضي فهو يقع موقع التضاد من الرمز الاصطلاحي، رغم أن الرمزين يتصفان بصفة مشتركة وهي أنهما لا ينطويان على صلة جوانية مع ما يرمزان إليه... وأما الرمز الجامع فهو يتصف بوجود صلة جوانية بين الرمز وما يمثله... الرمز العرضي الذي يقتصر من حيث طبيعته على كونه رمزا شخصيا وحسب، كما يميزه عن الرمز الاصطلاحي الذي يقتصر على فريق من الأفراد الذين يتداولون في ما بينهم بالاصطلاحات المجتمعية نفسها)(7).
(والفرق بين الإشارة والرمز إنما يرجع إلى أن الإشارة ليس لها معنى نستمده من تأملنا لها وإنما تستمد دلالتها من الشيء الذي نتفق علي أن نستعملها للإشارة إليه، أما الرمز فله في ذاته معنى خاص به ونستمده من تأملنا له والانفعال به فكأن الشكل والمضمون يكونان معا وحدة عضوية... من هنا تصبح الصلة بين الشكل والمضمون في العمل الفني صلة طبيعية وليست مصطنعة كالتي نجدها في الإشارة ومعناها. وبناء عليه نستطيع أن نستبدل إشارة بإشارة أخرى في نطاق علم معين بغير أن يتغير المعنى..)(8)
و(لقد انبثقت الرمزية عن نظرية الـمُثُل لدى أفلاطون، وهي نظرية تقوم على إنكار الحقائق الملموسة، وتعبّر النظرية عن حقائق مثالية، وتقول: إن عقل الإنسان الظاهر الواعي عقل محدود، وأن الإنسان يملك عقلاً غير واعٍ أرحب من ذلك العقل).
وبتفصيل أكثر قال بعضهم: (وهناك عنصر آخر يمكن أن يوصف أحياناً بأنه «الرمزية المتجاوزة أو الترانسندنتالية»، والتي تستخدم فيها الصور الملموسة، ليس كرموز لأفكار ومشاعر خاصة تعتمل داخل الشاعر، وإنما كرموز لعالم شاسع ومثالي يعتبر العالم الواقعي بالنسبة له شبيهاً غير متكافئ. وهذا التصور الخاص بوجود عالم مثالي يوجد فيما وراء العلم الحسي، والبحث عن سبل للهرب من عالم الواقع المبتذل وتجاوزه والحلم بحياة ومجتمع أفضل وأكثر عدلاً ترجع إلى كثير من الفلاسفة والمفكرين أمثال أفلاطون، وأوغسطين، والفارابي، وتوماس مور، وكانط.
ولذلك يمكن القول إن الرمزية هي محاولة لاختراق ما وراء الواقع وصولاً إلى عالم من الأفكار، سواء أكانت أفكاراً تعتمل داخل الفنان (بما في مشاعره) أو أفكار بالمعنى الأفلاطوني، بما تشتمل عليه، من عالم مثالي يتوق إليه الإنسان، وقد بدأت معالم الرمزية تتميز خلال عشرينات وثلاثينات القرن الماضي. ومن أبرز المؤلفات التي كتبت في هذا الشأن: كتاب أوجدين وريتشاردز «معنى المعنى» و«فلسفة الأشكال الرمزية» لأرنست كاسيرر، و«التركب المنطقي للغة» لرودلف كارناب و«الرمزية معناها وآثارها» لالفرد نورث وايتهد، و«أسس الإشارات» لتشارلز موريس.. إلخ).
وقد صرح بعضهم بـ: (أن "الفضاءين (الرامز والمرموز) منفصلان وغير قابلين للاتصال"، وترى أن وظيفة الرمز في بعده العمودي وظيفة حصر، أما في بعده الأفقي فتكمن وظيفته في الإفلات من المفارقة، فالفكر الأسطوري الذي يدور في حلقة الرمز يتجلى في الملحمة والحكايات الشعبية، يشتغل في وحدات حصر بالمقارنة مع الكونيات المرموزة كالبطولة والشجاعة والنبل والخيانة.
في حين أن غريماس يؤسس للرمز انطلاقا من منظور هيلمسلاف عندما يعتبره جزء من سيمياء السطح، ويبين أنه ليس علامة لكونه يدخل في نظام من المشاكلة ويرتبط عادة بسياق اجتماعي ثقافي؛ وهو عكس العلامة لا يقبل تحليلا تصويريا. وبالنسبة للاستعمالات غير اللسانية وغير السيميائية يقر غريماس بأن الرمز يعني بساطة شيء آخر، ولذا يبدو متعدد الأقطاب).
وقد استعرض آخر تاريخ نشوء المذهب الرمزي بقوله: (رغم أن استعمال الرمز قديم جداً، كما هو عند الفراعنة واليونانيين القدماء إلا أن المذهب الرمزي بخصائصه المتميزة لم يعرف إلا عام 1886م حيث أصدر عشرون كاتباً فرنسيًّا بياناً نشر في إحدى الصحف يعلن ميلاد المذهب الرمزي، وعرف هؤلاء الكتّاب حتى مطلع القرن العشرين بالأدباء الغامضين. وقد جاء في البيان: إن هدفهم "تقديم نوع من التجربة الأدبية تستخدم فيها الكلمات لاستحضار حالات وجدانية، سواء كانت شعورية أو لا شعورية، بصرف النظر عن الماديات المحسوسة التي ترمز إلى هذه الكلمات، وبصرف النظر عن المحتوى العقلي الذي تتضمنه، لأن التجربة الأدبية تجربة وجدانية في المقام الأول").
ولكن وفي المحصلة النهائية، فان النظرة الشمولية تقود إلى ما توصل إليه بعض بقوله: (من هذا المنطلق أضحى الرمز من المفاهيم التي تعرضت لاستعمالات يصعب حصرها في المجال الفني وذاك لكونه أوسع من كونه وسيلة من وسائل الأداء الشعري، وقد اختلفت مدلولاته من حقل معرفي إلى آخر، بل كثيرا ما تعددت معانيه داخل الحقل المعرفي الواحد. ويبدو أن كلمة رمز أصبحت مستهلكة في مجال البحوث السيميائية، وذلك لنضوب الوعي الرمزي الذي يعتمد على علاقة التشابه بشكل ما بينما أخذت النظرة التحليلية تعني بالعلاقات الشكلية بين الإشارات نفسها خارجة بذلك عن هذا الضمير الذي لم يكن يعنيه من الشكل إلا ما يدل عليه ومن ثمة فإن موقع العلامة في السياق اللغوي هو الذي يحدد قيمتها من الوجهة السيميولوجية).
فهذه بعض التعريفات والآراء والمدارس، ولا نتوقف في هذا البحث عند تقييمها ومناقشتها إذ ليس البحث معقوداً لذلك أصلاً، بل سوف نتوقف عند أحد المعاني الفلسفية فقط.
أنواع الرمز:
ولكي يتضح المعنى المقصود بالبحث ههنا (التفسير الرمزي للقرآن الكريم) أكثر وبشكل أدق لا بد ان نصنف الرمز إلى أنواعه المتعددة وهي: الرمز العادي، الرمز العلمي، والرمز الجمالي والرمز الاسطوري، والرمز الأمني، والرمز الفلسفي، أو بتعبير آخر الرمز لدواعي علمية، أو لدواعي أدبية جمالية، أو لدواعي أمنية، أو لأسباب فلسفية.
الرمز العادي
أ- فالرمز العادي هو ما تواضع عليه شخصان من صوت أو حركة أو منظر أو مشهد شيء ما، كدليل على معنى معين متفق عليه، كما لو اتفق معه على انه كلما وضع يده على اذنه دلّ ذلك على انه سيزوره غداً أو على ضرورة ان يخرج من المنزل فوراً.
الرمز العلمي والاسطوري
ب- والرمز العلمي، هو المستعمل في العلوم، كالرموز المستخدمة في الرياضيات أو الهندسة اختصاراً للمعادلات المختلفة في الجبر والمقابلة وغيرها، فمثلاً هذا الرمز (3)5 يرمز إلى (الأُس) وضرب العدد في نفسه خمس مرات طولية(9)، وفي علم الإدارة يرمز (S.W.O.T) إلى نقاط القوة والضعف والفرص والمخاطر، وقد قمت بتحويلها إلى العربية ولكن إلى رمز أكثر شمولية ودقة وفائدة فصارت (قف إمض) والقاف ترمز إلى نقاط القوة، والفاء إلى الفرص، والميم إلى المخاطر، والضاد إلى نقاط الضعف، واما الألف التي أضفناها فهي تشير إلى جانب هام لا يشير إليه رمز (سوات) وهو إدارة التوازن بين تلك الأربعة كلها، فان معرفة نقاط القوة والضعف والفرص والمخاطر لا يُجدي شيئاً إذا لم نحسن إدارة الموقف ونوازن بينها بكل دقة، كما ان رمزنا (قف إمض) يزيد فائدة على رمزهم (سوات) بان الكلمة التي ركبنا منها الحروف مفيدة في حد ذاتها إذ انه (قف) ترمز إلى ضرورة التوقف بين فترة وأخرى لدراسة الموقف كله، و(إمض) تدل على لزوم المضي بقوة وسرعة بعد اكتمال عملية التفكير والإعداد وعدم التباطؤ لأي سبب كان.
ولذلك نجد ان شارلز ويليامز موريس مثلاً يفرّق بين الرمز الفني وبين العلامات المستخدمة في العلم، فان العلوم تستعمل رموزا مختلفة أو إشارات نظير الحروف والأشكال والأعداد.
ج- واما الرمز الاسطوري فهو الرمز المستعمل في الأساطير، قد تكون لنا معه وقفة لاحقة.
الرمز الجمالي
د- واما الرمز الجمالي، فهو الذي يهتم برسم لوحة فنية جمالية خيالية رائعة عن الحقائق المادية أو المفاهيم المعنوية، فمثلاً لو عبّرت عن غروب الشمس بـ(مصرع الشمس الدامي) فانك اعتبرتها رمزاً لهذا المعنى غير الواقعي بالمرة إذ لا مصرع للشمس ولا موت ولا دماء ولا شبه ذلك، وإنما هو مجاز معه قرينته، وكذلك لو قلت (الضوء الضاحك) أو (الحديقة الهاربة) أو (الوجود الذي إلتهم العدم وابتلعه).
الرمز الأمني
هـ - واما الرمز الأمني، فهو ما يصطلح عليه في ظرف أمني خاصة، خوفاً من المتلصصين والجواسيس ومن أمثلته رمز (السمكة) فقد قيل: (ان سمكة المسيح هي رمز مسيحي قديم، بدأ خلال اضطهاد الرومان للمسيحيين. فكان الرمز يُستعمل كوسيلة لتمييز المسيحيين عن غيرهم، فإذا ما التقى اثنان من الغرباء لم يسبق أن تعرفا على بعض، فسيقوم الشخص الأول برسم قوس، ليدل على أنه مسيحي، وإن كان الشخص الآخر مسيحيًا فسيقوم برسم القوس الآخر تحته ولكن بشكل متقاطع معه في طرفيه ولكن التاريخ يقول بأن هذا الرمز كان مستخدماً قبل ظهور المسيحية، وذلك في الثقافات الوثنية، والذي كان يشير إلى أشياء مختلفة، منها رحم "الأم العظيمة") وعلى هذا الأخير لا يكون رمزاً أمنياً.
الرمز الفلسفي واحدى مدارسه
و- واما الرمز الفلسفي، فله تفسيرات عديدة مختلفة جداً، ننتخب هنا احدها، وهو مورد البحث في بحثنا هذا:
قال بعض الباحثين: يُعدّ التفسير الذي طرحه تيليش (1886-1965) حول مفهوم الرمز من الصياغات الهامة(10). فكما إنّ القول بوظيفيّة لغة الدين يرتبط بشكل أساس بفيتجنشتاين، فإنّ القول بالرمزية في لغة الدين له ارتباط وثيق بتيليش؛ فقد ترك رأيه في هذا المجال تأثيراً ملحوظاً على سائر اللاهوتيين المعاصرين(11). ويعتقد تيليش أنّنا نحتاج إلى لغات متعددة من أجل إدراك المستويات المختلفة للحقيقة؛ وفي هذا الإطار، تُعدّ اللغة الرمزية هي اللغة المستعملة في الدين(12).
رموز تتكأ على أذهاننا من دون ان تكون لها واقعية
ويُفيد التعبير الذي طرحه تيليش حول رمزية لغة الدين أنّ بنية الاعتقادات الدينية تعتمد على الإيمان الديني الشخصي(13) وليس على صدق هذه الاعتقادات؛ ويعتقد تيليش – الذي يعرض الإيمان الديني على شكل "همّ نهائي" – أنّ لغة الدين هي لغة الرموز(14)، رافضاً كلّ معيار في إثبات المعطيات الدينية(15))(16). و(فالمفاهيم الدينية في نظرية تيليش الرمزية هي عبارة عن مجرد رموز تتكئ على أذهاننا وتربطنا بالأمر القدسي، من دون أن تكون لها أيّ جذور واقعية؛ وبحسب هذه الرؤية، لا يُمكن حتى الحديث عن الوجود الخارجي لله إلى جانب وجود بقية الموجودات(17).
ففي بحثنا عن القضايا الدينية، ينبغي ألّا نقيسها على مثيلاتها في العلوم البشرية، ونسعى إلى ملاحظة انطباقها (أو عدم انطباقها) على الواقع الخارجي، بحيث لا يكون حتى الإيمان بالمسيح مرتبطاً بالوجود الواقعي لعيسى الناصري بشخصه(18)؛ فليس بوسع كل من الحقيقتين العلمية والتاريخية نفي (أو إثبات) حقيقة الإيمان، مثلما أنّ حقيقة الإيمان ليس بوسعها أيضاً نفي (أو إثبات) الحقيقتين العلمية والتاريخية(19).
ويعتقد تيليش أنّ الرموز تُشكّل بالنسبة إلينا أرضية للتجربة الدينية، لكنها لا تدل على أي واقعية إلهية.
ويعتمد هذا الرأي على المبنى الذي يقول إنّه لا توجد بين القضايا الرمزية أيّ علاقة منطقية نظير التناقض والنفي والاستلزام، فلا يمكننا بالتالي البحث عن صدقها وكذبها الحقيقي. وعليه، من شأن القضايا المتناقضة – من قبيل "الله محبة" و"الله كره" – أن تكون ف=ذات مغزى أو صادقة مادام الإنسان في مواجهة للأمر القدسي(20))(21)(22).
والكلام يدور الآن حول الرمز الفلسفي الذي يُعنى به، في بعض مدارسه، وكما سبق: (مجرد رموز تتكئ على منظومة ذهن المتكلم وليس إلى الحقائق الخارجية أي من دون ان تكون لها جذور واقعية) وانه (يحمل كثافة دلالية تقبل لتأويل لا متناهي) إذا أريد به بدون قرينة دالة على كل تلك التأويلات و(ان الرمزية تعبر عن نظرية المثل الافلاطونية) و(الرمزية الترانسندنتالية) و(ان بنية الاعتقادات الدينية تعتمد على الإيمان الديني الشخصي وليس على صدق هذه الاعتقادات) و(رفض كل معيار في إثبات المعطيات الدينية) و(لا تدل الرموز الدينية على أي واقعية إلهية) و(لا توجد أية علاقة منطقية بين الرموز فلا يمكننا البحث عن صدقها أو كذبها الحقيقي).
نموذج للتفسير الرمزي للقرآن الكريم
إذا عرفت ذلك فلننطلق إلى بعض التطبيقات للتفسير الرمزي للقرآن الكريم:
قال بعضهم: (بل إن للرمز مجموعة من المهمات الأخرى منها:
1- إيجاد الناحية الجمالية.. كما حدث في الرمز الشعري.
2- مدّ اللغة الإنسانية البسيطة العاجزة بقدرة الرمز على التعبير.
3- إيجاد الطريقة المثلى للتعبير عن فكرة أكثر تعقيداً مما تحتمل اللغة العادية.
.. وأنا عندما بدأت بدراسة الرمز في القرآن كنت أضع نصب عيني المهمة الثالثة لهذه الوحدة اللغوية، فالله لا يمكن أن يوصف بالعجز، ولكن اللغة العربية يمكن أن توصف بالعجز مثل أية لغة بشرية أخرى.. والقرآن الذي اختار هذه اللغة أداة للتعبير عن العالم العظيم، لا بدّ أن يحتاج إلى وحدة الرمز لتغطية العجز البشري في إيجاد أقرب الوسائل وأكثرها فعالية في أداء الحقائق عبر الألفاظ. هذا هو الرمز الذي أعرف أن القرآن يستخدمه لكي يظل كما يقول الفقهاء: صالحاً لكل زمان ومكان)(23).
رمزية شفاء الأكمه والأبرص وخلق الطين كهيئة الطير
وقد مثّل لذلك بقوله: (أما شفاء الأكمه والأبرص فأنا أعتقد أن الرمز هنا للإنسان الأعمى الذي لا يستطيع أن يرى آيات الله في العالم من حوله. أما الموتى فهم العاجزون كليةً عن الارتباط بالعالم الروحي، هذا يعني أن كلمة الأعمى وكلمة الموتى تُستعملان في القرآن للرمز إلى أولئك الناس العاجزين عقلياً عن الارتباط بالعالم العلوي.. وعيسى المسيح جاء لشفاء هذا المرض الروحي وليس لشفاء أمراض الجسد؛ لأن ذلك في الواقع ليس من مهمة الأنبياء.
أما قوله إني أخلق لكم من الطين كهيئة الطير.. فالطين رمز للمادة المرتبطة بالأرض أي للإنسان المرتبط بعالمه المادي، والطير رمز للسمو الروحي.. وعيسى المسيح الذي جاء لنقل الإنسان البسيط من عالم التراب والمادة إلى عالم الله الرحب.. كان في الواقع يؤدي مهمة أكثر تعقيداً من مجرد صناعة الدمى الطائرة.
هذا لا يعني أن الله عاجز عن تحقيق المعجزة.. ولكنه يعني أن الله يحترم العقل الإنساني ويعطيه فرصته لكي يكتشف طريقه بقدرته وحدها بعيداً عن عالم المعجزة الغامض)(24).
رمزية (يكفل مريم)
و(وأرجو أن تلاحظ أن كلمة (يكفل) تعني في اللغة العربية يرعى ويعول.. فإذا عرفت أن مريم كانت قد بلغت سن الرشد، وأن الثابت تاريخياً أن رهبان المعبد قد أجروا القرعة فيما بينهم لكي يحددوا من منهم يتزوج مريم.. وإذا لاحظت أن زكريا الذي عهد إليه بكفالة مريم كان ما يزال حياً، وأن كلمة (يكفل) التي وردت للمرة الثانية يمكن لغوياً أن تعني أيضاً يتزوج.. أحسست معي أن ميلاد المسيح الذي ورد في الآية التالية مباشرة لم يكن في الواقع معجزة غير عادية، ذلك لا يعني أن الله عاجز عن خلق المسيح بدون أب.. ولكنه يعني بالضبط الآيات القرآنية الواردة بشأن المسيح في سورة آل عمران يمكن تفسيرها أيضاً تفسيراً عقلياً عادياً)(25).
المناقشات
أقول: وكلامه وتفسيره وأمثلته وشواهده، تفصح عن عدم الموضوعية وعدم الدقة العلمية أيضاً:
قوله (3- إيجاد الطريقة المثلى للتعبير عن فكرة أكثر تعقيداً مما تحتمل اللغة العادية... وأنا عندما بدأت بدراسة الرمز في القرآن كنت أضع نصب عيني المهمة الثالثة لهذه الوحدة اللغوية) الغريب أن أمثلته تناقض فكرته هذه تماماً أي ان المقدّم لا ينسجم مع التالي أبداً وان هذه المقدمة الثالثة تقود إلى نقيض تفسيره للآية؛ إذ الزواج (في قضية مريم) فكرة واضحة بديهية لا تعقيد فيها أصلاً وهي أوضح جداً من الكلمة الأخرى (يكفل) التي ارتأى انها ترمز عن يتزوج، وكان من الأوضح لو أراد القرآن الكريم التعبير عن الزواج ان يقول (يتزوج) لا ان يقول (يكفل) إذ ليس الزواج فكرة أكثر تعقيداً مما تحتمله اللغة العادية حتى يستعاض عنها بـ(يكفل)!(26)
وكذلك ليست هذه المفاهيم: (الأعمى الذي لا يرى آيات الله) و(الموتى أي العاجزون عن الارتباط بالعالم الروحي) و(المادة المرتبطة بالأرض أي للإنسان المرتبط بعالمه المادي، والطير رمز للسمو الروحي.. وعيسى المسيح الذي جاء لنقل الإنسان البسيط من عالم التراب والمادة إلى عالم الله الرحب) معاني معقدة لا تحتملها اللغة العادية حتى يضطر الله إلى استخدام تعبير آخر هو (شفاء الأكمه والأبرص) أو (أخلق لكم من الطين كهيئة الطير).
ثم انه يقول: (ولكن اللغة العربية يمكن أن توصف بالعجز مثل أية لغة بشرية أخرى.. والقرآن الذي اختار هذه اللغة أداة للتعبير عن العالم العظيم، لا بدّ أن يحتاج إلى وحدة الرمز لتغطية العجز البشري في إيجاد أقرب الوسائل وأكثرها فعالية في أداء الحقائق عبر الألفاظ. هذا هو الرمز الذي أعرف أن القرآن يستخدمه لكي يظل كما يقول الفقهاء: صالحاً لكل زمان ومكان) فكيف عجزت اللغة العربية عن إفادة المعاني التي ذكرها (يتزوج، الأعمى الذي لا يستطيع أن يرى آيات الله، الإنسان المرتبط بعالمه المادي، السمو الروحي، و...) مع انه هو استخدم اللغة العربية لينقل لنا هذه المعاني؟ هذا كله إضافة إلى انها معاني سهلة يفهمها كل حضري وبدوي.
وقوله: (وعيسى المسيح جاء لشفاء هذا المرض الروحي وليس لشفاء أمراض الجسد.. لأن ذلك في الواقع ليس من مهمة الأنبياء) مغالطة واضحة، وجوابه واضح إذ لم يقل أحد بأن عيسى المسيح بعث لشفاء أمراض الجسد كمهمة أساسية، بل انه اتخذ ذلك وسيلة لهدايتهم، أي لإقناعهم بانه رسول من الله حقاً ومرتبط بإله الكائنات بدليل إجراء هذه المعجزات على يديه، إذاً فهو رسول الله حقاً فعليهم ان يتبعوه ويصدقوه في كل ما ينقله عن الله تعالى من التعاليم والدساتير والمناهج، على انه ما المانع من القول بان بعض الأنبياء كعيسى المسيح مثلاً كانت له مهمتان: الأولى أساسية وهي شفاء الأمراض الروحية والرقي بالإنسان إلى عالم الملكوت، والأخرى ثانوية وهي شفاء أجسادهم من الأمراض التي عجز عنها الطب، أَوَ ليست هذه خدمة إنسانية عظمى في حد ذاتها فكيف إذا اعتضد ذلك بان صارت هي الوسيلة لهدايتهم إلى سبيل الرشاد؟.
وبذلك اتضح ان استهزائه من معجزات عيسى بـ(مجرد صناعة الدمى الطائرة) ليس بعلمي ولا موضوعي إذ هي كانت معجزة حيّة (وليست مجرد دمية طائرة) واين صناعة دمية طائرة من خلق طير حقيقي يطير بإذن الله ليشهد على ان هذا رسول الله حقاً؟ ذلك ان الدمية الطائرة يمكن ان يصنعها كل أحد أما خلق حيوان ذي روح فلا يعقل إلا من رسول يستمد قدرته من السماء.
هدفية المعجزات وغايتها الحَكَمِية
بل قد صرح القرآن الكريم على لسان عيسى المسيح بانه يتخذ هذه المعجزات دليلاً على حقانيته وطريقاً إلى هدايتهم، قال: (أَنِّي قَدْ جِئْتُكُمْ بِآيَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ أَنِّي أَخْلُقُ لَكُمْ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ فَأَنْفُخُ فيهِ فَيَكُونُ طَيْراً بِإِذْنِ اللَّهِ وَأُبْرِئُ الْأَكْمَهَ وَالْأَبْرَصَ وَأُحْيِ الْمَوْتى بِإِذْنِ اللَّهِ وَأُنَبِّئُكُمْ بِما تَأْكُلُونَ وَما تَدَّخِرُونَ في بُيُوتِكُمْ إِنَّ في ذلِكَ لَآيَةً لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنينَ)(27) فهي إذاً آية وعلامة ليصدقوا انه رسول الله فيذعنوا برسالته السماوية.
ومن الغريب أيضاً قوله: (وأن الثابت تاريخياً...) ولم يثبت ذلك في التاريخ أبداً، ولم يتجشم هو عناء ان يذكر لنا هذه (الأدلة التاريخية)! بل الثابت عكس ذلك تماماً.
كما ان قوله (ولكنه يعني أن الله يحترم العقل الإنساني ويعطيه فرصته لكي يكتشف طريقه بقدرته وحدها بعيداً عن عالم المعجزة الغامض) مغالطة أخرى إذ المعجزة إنما هي فقط لإثبات ان هذا المدعي للنبوة متصل فعلاً بإله الكائنات وإلا فكيف نعرف انه رسول الله حقاً؟ إن قلت: من نبوغه العلمي؟ قلت: وكم يوجد نوابع تذهل علومهم البشرية لكنهم ليسوا رسلاً لله فلو ادعى أحدهم (كانشتاين أو اديسون أو ابن سينا) انه رسول الله فكيف ندرك انه صادق أو كاذب؟
بل انه تعالى أكرم العقل بان عرّفه رسله ثم أوكل إليه عملية الاجتهاد في مفاتيح العلوم التي منحونا إياها.
بل نقول (ان عالم المعجزة الغامض) هو الذي يستثير العقل البشري ويحرّكه ويستنهضه للتفكير والتحقيق حوله، كما ان الطبيعة الغامضة كانت هي المحرك الأول للعقل البشري لكل من ينطلق ويبحث ويحقق ليكتشف كل يوم سراً جديداً من أسرارها.
هذا كله إضافة إلى ان من الواضح ان العقل البشري غير مكتمل عادة، وإلا لما وجدت هذه الخلافات العلمية والعملية المذهلة بين مختلف عقلاء البشر وفلاسفتهم وحكمائهم على مرّ التاريخ!
فهذا بعض الكلام عن التفسير الرمزي للقرآن الكريم، وسنعود إليه مرة أخرى بإذن الله تعالى.
تفسير القرآن بالقرآن
المنهج الآخر في تفسير القرآن الكريم هو: تفسير القرآن بالقرآن، وقد اختلف المفسرون والعلماء فيه إلى طوائف ثلاثة: بين مُفرِط ومفرِّط ومعتدل: فبعض الاخباريين ذهبوا، فيما نسب إليهم، إلى أن القرآن الكريم لا حجية لظواهره بل الحجة فقط هي روايات أهل البيت عليهم السلام في تفسيره، وذهب بعض المعاصرين، في المقابل، إلى استغناء القرآن عن التفسير بالمأثور وان المنهج الصحيح هو تفسير القرآن بالقرآن فقط لأن القرآن مستغنٍ عن غيره لأنه نور وتبيان لكل شيء، والصحيح المشهور هو المنهج الوسط حيث لا ينكرون ان بعض القرآن يفسر بعضه فيما نفهمه نحن على اختلاف درجات الفهم، ولكن بعضه مما لا تناله أفهامنا بل هو بحاجة إلى تفسير من نزل عليه الوحي وهو الرسول العظيم صلى الله عليه واله وسلم إنطلاقاً من صريح الآيات التالية: (وَأَنْزَلْنا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ ما نُزِّلَ إِلَيْهِمْ) و(وَما يَعْلَمُ تَأْويلَهُ إِلاَّ اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ) و(وَما أَنْزَلْنا عَلَيْكَ الْكِتابَ إِلاَّ لِتُبَيِّنَ لَهُمُ الَّذِي اخْتَلَفُوا فيهِ وَهُدىً وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ)(28) وان الرسول صلى الله عليه واله وسلم هو الشارح للقرآن والمفسر له عن الله تعالى، وكذلك أهل بيته عليهم السلام إذ ((أَنَا مَدِينَةُ الْعِلْمِ وَعَلِيٌّ بَابُهَا))(29) ولمتواتر الروايات الدالة على انهم أوتوا علم الكتاب دون غيرهم كما سيأتي.
ويكفينا في هذه العجالة نصّ الآية الكريمة (وَأَنْزَلْنا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ ما نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ) فهي واضحة الدلالة على ان الرسول صلى الله عليه واله وسلم يبين للناس ما نزل إليهم، و(ما) موصولة تشمل الظاهر(30) والباطن والتنزيل والتأويل، وتخصيصه بالتأويل بدون مخصص بل الدليل قائم على خلافه كما سيأتي.
الميزان: كيف يكون القرآن هدى ونوراً مبيناً ولا يكفيهم في احتياجهم إليه!
وممن قيل انه ذهب إلى الرأي الثاني النادر من المفسرين، وهو العلامة الطباطبائي حسب ظاهر عبارته الآتية في تفسير الميزان قال: (وثانيهما: ان نفسر القرآن بالقرآن ونستوضح معنى الآية من نظيرتها بالتدبر المندوب إليه في نفس القرآن، ونشخص المصاديق ونتعرفها بالخواص التي تعطيها الآيات، كما قال تعالى: (وَنَزَّلْنا عَلَيْكَ الْكِتابَ تِبْياناً لِكُلِّ شَيْءٍ)(31). وحاشا أن يكون القرآن تبياناً لكل شيء ولا يكون تبياناً لنفسه، وقال تعالى: (هُدىً لِلنَّاسِ وَبَيِّناتٍ مِنَ الْهُدى وَالْفُرْقانِ)(32). وقال تعالى: (وَأَنْزَلْنا إِلَيْكُمْ نُوراً مُبيناً)(33). وكيف يكون القرآن هدى وبينة وفرقاناً ونوراً مبيناً للناس في جميع ما يحتاجون ولا يكفيهم في احتياجهم إليه، وهو اشد الاحتياج! وقال تعالى: (وَالَّذينَ جاهَدُوا فينا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنا)(34). وأي جهاد أعظم من بذل الجهد في فهم كتابه! وأي سبيل أهدى إليه من القرآن!. والآيات في هذا المعنى كثيرة سنستفرغ الوسع فيها في بحث المحكم والمتشابه في أوائل سورة آل عمران)(35).
أقول: هذا الكلام بظاهره، مما لا يمكن القبول به، والأدلة التي تضمنها كلامه الآنف غير تامة، ومناقشاتنا الآتية محورها هذا النص الآنف، وإن كنا سنحاول في البحث الآتي ان نصرف ظواهر ألفاظه هذه عن دلالاتها الظاهرية بقرائن أخرى من كلامه في مواضع متفرقة(36) وندعي بان مقصوده لم يكن الإطلاق الظاهر من كلامه، على انه كان غير موفق في اختياره لأدلته على المدعى وطريقةِ بيانها التي قد يفهم منها انها لا تقبل التخصيص، (لاحظ مثلاً قوله: (وكيف يكون القرآن هدى وبينة وفرقاناً ونوراً مبيناً للناس في جميع ما يحتاجون ولا يكفيهم في احتياجهم إليه، وهو اشد الاحتياج!) فهو صريح في كونه (نوراً مبيناً للناس) وليس للرسول صلى الله عليه واله وسلم وأهل بيته عليهم السلام الراسخين في العلم فقط، ولاحظ صريح قوله: (في جميع ما يحتاجون) ولم يقل (في بعض ما يحتاجون) مع انهم يحتاجون إليه في ألوف المسائل الفقهية والأصولية وألوف المسائل الفلسفية والكلامية والتاريخية والحقوقية والسياسية والاقتصادية وغيرها التي لم يكفنا القرآن (حسبما نفهمه منه) في احتياجنا إليه؛ ولذا اختلف فيها أشد الاختلاف؛ ولذلك أيضاً لم نعرف كيف نستخرج تلك المسائل من القرآن الكريم بل استخرجنا بعضها فقط بالظن أو الظني؛ بل ولذلك اختلف المفسرون أنفسهم في تفسير القرآن كثيراً بل وجهلوا كيفية استخراج كثير من المفاهيم أو المصاديق منه، كما سيأتي. وعلى أي فليس المقصود الإشكال على هذا المفسر القدير رحمه الله تعالى، بل القصد نقد ظاهر هذه العبارة والفكرة، والقصد أيضاً، بالمآل، نفي قوله بذلك وان وَشَتْ عبارته به، وان الاستدلال قد يكون غير صحيح لعدم مطابقته مع المستدل عليه إذ أريد بالمستدل عليه أمر(37) وكان مفاد الاستدلال أمر آخر نسبته معه من وجه أو مطلقاً. فتدبر جيداً.
المناقشات
وكلامه هذا مناقش بوجوه:
1- (وَأَنْزَلْنا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ ما نُزِّلَ إِلَيْهِمْ)
الوجه الأول: ان القرآن الكريم صريح في رده إذ قال تعالى: (وَأَنْزَلْنا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ ما نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ)(38) والذكر هو القرآن الكريم بلا شك كما يعترف به هو أيضاً، ولا يصح قوله: (وحاشا أن يكون القرآن تبياناً لكل شيء ولا يكون تبياناً لنفسه) إذ الآية صريحة في ان الرسول يبين هذا القرآن (الذي هو تبيان لكل شيء) كما لا يصح قوله (وكيف يكون القرآن هدى وبينة وفرقاناً ونوراً مبيناً للناس في جميع ما يحتاجون ولا يكفيهم في احتياجهم إليه، وهو اشد الاحتياج!) فان القرآن هدى وبينة وفرقان ونور ومع ذلك لم يغنهم ذلك عن الرسول صلى الله عليه واله وسلم ولم يكفهم في احتياجهم إليه بشهادة الوجدان وبشهادة (لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ ما نُزِّلَ إِلَيْهِمْ).
واما قوله تعالى (وَالَّذينَ جاهَدُوا فينا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنا) لا شك فيه ولكن كيف نجاهد في الله في فهم كتابه؟ انه عبر الرجوع إلى الرسول صلى الله عليه واله وسلم (ليبين لنا ما نزل إلينا) بصريح الآية (وَأَنْزَلْنا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ ما نُزِّلَ إِلَيْهِمْ) وبعبارة أخرى كلامه من التمسك بالعام في الشبهة المصداقية والعام هو (وَالَّذينَ جاهَدُوا فينا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنا) والخاص هو تطبيقه على (فهم القرآن بالقرآن حصراً، فيما يفهم من ظاهر العبارة).
نعمن يمكن ان نوجّه كلامه بما سيأتي في البحث القادم فإذا قبلنا التوجيه الآتي (بالقرائن التي سنذكرها له) فيجب تقييد كلامه وصرفه عن ظاهره كما سيتضح، وإلا فانه مما لا يمكن ان يلتزم به أحد.
2- تفسير الميزان بنفسه ناطق بعدم صحة هذه الفكرة!
الوجه الثاني: ان تفسيره للقرآن هو بنفسه يهتف بأعلى صوته بعدم صوابية هذه الفكرة، أو فقل انه مناقض لكلماته ههنا؛ إذ ان القرآن تبيان لكل شيء فكيف لا يكون تبياناً لنفسه ويحتاج إلى تفسير كتفسير الميزان وغيره؟ وكيف نقول: (فما بال النور يستنير بنور غيره! وما شأن الهدى يهتدى بهداية سواه! وكيف يتبين ما هو تبيان كل شيء بشيء دون نفسه!)(39) و(ولازم ذلك (كما أومأنا إليه في أوائل الكلام) أن يكون القرآن الذي يعرف نفسه بأنه هدى للعالمين ونور مبين وتبيان لكل شئ مهدياً إليه بغيره ومستنيراً بغيره ومبيناً بغيره(40)، فما هذا الغير! وما شأنه! وبماذا يهدي إليه! وما هو المرجع والملجأ إذا اختلف فيه! وقد اختلف واشتد الخلاف)(41) فكيف نقول انه كذلك وانه هدى وفرقان لا يمكن ان يحتاج في تفسيره إلى غيره، ثم نحتاج في تفسيره إلى تفسير الميزان أو غيره؟ خاصة وانه رحمه الله في أول المقدمة عرّف التفسير بـ(التفسير: وهو بيان معاني الآيات القرآنية والكشف عن مقاصدها ومداليلها)(42).
بعبارة أخرى: ما هو نور وبينات وهدى لا يحتاج في أي مستوى من المستويات إلى مبيّن ومنير وهادٍ، إلا ان نقول بانه ببعض مستوياته نور ومبين دون بعضها الآخر، وهذا مما ينفيه إطلاق كلامه، على ان النور نور ولا يعقل ان يكون ببعض مستوياته مظلماً خاصة القرآن الكريم الذي هو في أعلى درجات النورية.
بعبارة أخرى: القواعد العقلية غير قابلة للتخصيص وإذا فسر القرآن ب(النور) كما هو صريح القرآن نفسه فلا يعقل ان يكون ظاهراً بنفسه مظهراً لغيره في مستوى دون مستوى، أو ظاهراً في تنزيله دون تأويله أو في بعض آياته دون آيات أخرى، إذ كلها نور بلا شك. فلا بد إذاً من البحث عن جواب لذلك لا البناء عليه كما يقتضيه ظاهره، وهو ما يتكفل به الوجه الثالث والرابع الآتيان.
3- تبيان لكل شيء في مرحلة العِلّة الفاعلية
الوجه الثالث: - وهو وجه حلّي - ان القرآن الكريم لا شك في كونه (تِبْياناً لِكُلِّ شَيْءٍ) لكن هذا في مرحلة الفاعل دون مرحلة القابل فان كون النور نوراً والقرآن نوراً وتبياناً تام صحيح، ولكن لا يستلزم ذلك رؤية الشخص له واستبانته له وإحاطته بمضمونه، وذلك لكونه اما أعمى البصر أو أعمى البصيرة أو لضعف في قابليته، فان عدم رؤية الأعمى للنور لا ينفي نورية النور وكونه ظاهراً بنفسه مظهراً لغيره، كما ان عدم رؤية القلب المحجوب أو القابل غير التام القابلية(43) لبيانات القرآن لا ينفي كونها بياناً وتبياناً، بعبارة أخرى: قد تكون فاعلية الفاعل في حد ذاتها تامة، ولكن قابلية القابل تكون ناقصة، والمعلول يتبع في تحققه تحقق مجموع العلل الأربع: الفاعلية، الغائية، المادية والصورية.
4- تبيان لكل شيء للراسخين في العلم لا للناس كافة
الوجه الرابع: ان القرآن تبيان لكل شيء بلا شك، ولكن علم كل ما فيه مما لا يمكن لأحد ان يدعيه إلا الرسول صلى الله عليه واله وسلم وآله الأطهار عليهم السلام فهو تبيان بالفعل لكل شيء ولكن للرسول الأعظم صلى الله عليه واله وسلم وآل بيته عليهم السلام الذين نزل القرآن في بيوتهم فلاحظ قوله تعالى: (وَأَنْزَلْنا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ ما نُزِّلَ إِلَيْهِمْ) ولاحظ قوله تعالى: (وَنَزَّلْنا عَلَيْكَ الْكِتابَ تِبْياناً لِكُلِّ شَيْءٍ) فقد نزّله تعالى عليه صلى الله عليه واله وسلم تبياناً لكل شيء ولم ينزله علينا تبياناً لكل شيء، أي كونه تبياناً بقول مطلق شامل، إنما هو له صلى الله عليه واله وسلم وليس تبياناً مباشرة لنا، ويدل على قوله تعالى (وَتَعِيَها أُذُنٌ واعِيَةٌ) وكما سيأتي في الرواية، ولو شكك مشكك في ظهور ذلك فيكفي دليلان: أولاً بداهة اننا لا ندرك من القرآن كل شيء بل ان أعظم مفسر من مفسري الشيعة والسنة لا يدعي انه أمكنه أو حتى يمكنه ان يعرف من القرآن بالقرآن كل شيء من المفاهيم والمصاديق. وقد ورد كلاهما في كلامه الآنف، و(كل شيء) يشمل كل العلوم والأخبار والأحداث وذلك صريح آيات أخرى كـ(ما فَرَّطْنا فِي الْكِتابِ مِنْ شَيْءٍ) و(وَما مِنْ غائِبَةٍ فِي السَّماءِ وَالْأَرْضِ إِلَّا فِي كِتابٍ مُبِينٍ) بل هو أقوى في العموم من قوله تعالى: (وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْماءَ كُلَّها)(44) نظراً لفرق (الشيء) عن (الاسم) فتدبر.
فلاحظ الروايات التالية:
متواتر الروايات يفيد اختصاصهم عليهم السلام بعلم ذلك كله
عن يعقوب بن جعفر قال: ((كُنْتُ مَعَ أَبِي الْحَسَنِ عليه السلام بِمَكَّةَ فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ إِنَّكَ لَتُفَسِّرُ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ مَا لَمْ تَسْمَعْ بِهِ؟ فَقَالَ أَبُو الْحَسَنِ عَلَيْنَا نَزَلَ قَبْلَ النَّاسِ وَلَنَا فُسِّرَ قَبْلَ أَنْ يُفَسَّرَ فِي النَّاسِ فَنَحْنُ نَعْرِفُ حَلَالَهُ وَحَرَامَهُ وَنَاسِخَهُ وَمَنْسُوخَهُ وَسَفَرِيَّهُ وَحَضَرِيَّهُ وَفِي أَيِّ لَيْلَةٍ نَزَلَتْ كَمْ مِنْ آيَةٍ وَفِيمَنْ نَزَلَتْ وَفِيمَا نَزَلَتْ فَنَحْنُ حُكَمَاءُ اللَّهِ فِي أَرْضِهِ وَشُهَدَاؤُهُ عَلَى خَلْقِهِ))(45) ولا يوجد مفسر يمكنه ان يدعي بان يعرف كل ذلك (سَفَرِيَّهُ وَحَضَرِيَّهُ) (وَفِي أَيِّ لَيْلَةٍ نَزَلَتْ كَمْ مِنْ آيَةٍ) و(فِيمَنْ نَزَلَتْ وَفِيمَا نَزَلَتْ) أي بتفصيله الشامل الوافي، وإن عرفوا بعضه بروايات معتبرة أو غير معتبرة، بل لا يمكن لأحد إدعاء انه يعلم ويعرف كل حلاله وحرامه وناسخه ومنسوخه، إلا بأدلة ظنية قد يصيب بعضها وقد يخطئ بعضها، أما هم عليهم السلام فلهم حق العلم وعين المعرفة واليقين لا (العلمي) و(الظني).
وعن أمير المؤمنين عليه السلام: ((فَمَا نَزَلَتْ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه واله وسلم آيَةٌ مِنَ الْقُرْآنِ إِلَّا أَقْرَأَنِيهَا وَأَمْلَاهَا عَلَيَّ فَكَتَبْتُهَا بِخَطِّي وَعَلَّمَنِي تَأْوِيلَهَا وَتَفْسِيرَهَا وَنَاسِخَهَا وَمَنْسُوخَهَا وَمُحْكَمَهَا وَمُتَشَابِهَهَا وَخَاصَّهَا وَعَامَّهَا وَدَعَا اللَّهَ أَنْ يُعْطِيَنِي فَهْمَهَا وَحِفْظَهَا فَمَا نَسِيتُ آيَةً مِنْ كِتَابِ اللَّهِ وَلَا عِلْماً أَمْلَاهُ عَلَيَّ وَكَتَبْتُهُ مُنْذُ دَعَا اللَّهَ لِي بِمَا دَعَا...))(46) فلاحظ قوله عليه السلام (وَعَلَّمَنِي تَأْوِيلَهَا وَتَفْسِيرَهَا) فمع ان القرآن تبيان لكل شيء ونور وهدى إلا انه احتاج إلى تعليم الرسول صلى الله عليه واله وسلم لمثل أمير المؤمنين عليه السلام (وَعَلَّمَنِي تَأْوِيلَهَا وَتَفْسِيرَهَا...).
وقال هشام: ((مِنْ أَيْنَ وَرِثْتُمْ مَا لَيْسَ لِغَيْرِكُمْ وَرَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه واله وسلم مَبْعُوثٌ إِلَى النَّاسِ كَافَّةً؟! وَذَلِكَ قَوْلُ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: (وَلِلَّهِ مِيراثُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ.. )(47) إِلَى آخِرِ الْآيَةِ، فَمِنْ أَيْنَ وَرِثْتُمْ هَذَا الْعِلْمَ وَلَيْسَ بَعْدَ مُحَمَّدٍ نَبِيٌّ وَلَا أَنْتُمْ أَنْبِيَاءُ؟
فَقَالَ مِنْ قَوْلِهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى لِنَبِيِّهِ صلى الله عليه واله وسلم (لا تُحَرِّكْ بِهِ لِسانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ)(48) الَّذِي لَمْ يُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَهُ لِغَيْرِنَا أَمَرَهُ اللَّهُ أَنْ يَخُصَّنَا بِهِ مِنْ دُونِ غَيْرِنَا... وَلَمْ يَكُنْ عِنْدَ أَحَدٍ تَأْوِيلُ الْقُرْآنِ بِكَمَالِهِ وَتَمَامِهِ إِلَّا عِنْدَ عَلِيٍّ عليه السلام ))(49).
وقوله: ((فَالَّذِي أَبْدَاهُ فَهُوَ لِلنَّاسِ كَافَّةً، وَالَّذِي لَمْ يُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَهُ أَمَرَ اللَّهُ أَنْ يَخُصَّنَا بِهِ مِنْ دُونِ غَيْرِنَا، فَلِذَلِكَ كَانَ يُنَاجِي أَخَاهُ عَلِيّاً مِنْ دُونِ أَصْحَابِهِ وَأَنْزَلَ اللَّهُ بِذَلِكَ قرآن [قُرْآناً] فِي قَوْلِهِ (وَتَعِيَها أُذُنٌ واعِيَةٌ) فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه واله وسلم لِأَصْحَابِهِ سَأَلْتُ اللَّهَ أَنْ يَجْعَلَهَا أُذُنَكَ يَا عَلِيُّ))(50).
فلاحظ قوله تعالى: (وَتَعِيَها أُذُنٌ واعِيَةٌ) واستناد الإمام عليه السلام إلى الآية الكريمة، فقابلية القابل شرط لأن يستنير بنور القرآن ولأن يكون القرآن له بالفعل تبياناً لكل شيء.
وعن الإمام الباقر عليه السلام: ((فَكَذَلِكَ لَمْ يَمُتْ مُحَمَّدٌ إِلَّا وَ لَهُ بَعِيثٌ نَذِيرٌ، قَالَ فَإِنْ قُلْتُ: لَا، فَقَدْ ضَيَّعَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه واله وسلم مَنْ فِي أَصْلَابِ الرِّجَالِ مِنْ أُمَّتِهِ!
قَالَ: وَمَا يَكْفِيهِمُ الْقُرْآنُ؟ قَالَ: بَلَى إِنْ وَجَدُوا لَهُ مُفَسِّراً، قَالَ: وَمَا فَسَّرَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه واله وسلم؟! قَالَ: بَلَى، قَدْ فَسَّرَهُ لِرَجُلٍ وَاحِدٍ وَفَسَّرَ لِلْأُمَّةِ شَأْنَ ذَلِكَ الرَّجُلِ، وَهُوَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ عليه السلام قَالَ السَّائِلُ: يَا أَبَا جَعْفَرٍ! كَانَ هَذَا أَمْرٌ خَاصٌّ لَا يَحْتَمِلُهُ الْعَامَّةُ، قَالَ أَبَى اللَّهُ أَنْ يُعْبَدَ إِلَّا سِرّاً))(51). فلاحظ صراحة قوله: (وَمَا يَكْفِيهِمُ الْقُرْآنُ؟ قَالَ: بَلَى إِنْ وَجَدُوا لَهُ مُفَسِّراً) فقد احتاج القرآن في تفسيره إلىغيره وهو الثقل الثاني ((إِنِّي تَارِكٌ فِيكُمُ الثَّقَلَيْنِ مَا إِنْ تَمَسَّكْتُمْ بِهِمَا لَنْ تَضِلُّوا بعدي كِتَابَ اللَّهِ وَعِتْرَتِي أَهْلَ بَيْتِي فإِنَّهُمَا لَنْ يَفْتَرِقَا حَتَّى يَرِدَا عَلَيَّ الْحَوْضَ))(52).
وجاء في حِلْيَةُ أَبِي نُعَيْمٍ وَوَلَايَةُ الطَّبَرِيِّ: قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه واله وسلم: ((يَا أَنَسُ! اسْكُبْ لِي وَضُوءاً، ثُمَّ قَالَ فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ قَالَ يَا أَنَسُ يَدْخُلُ عَلَيْكَ مِنْ هَذَا الْبَابِ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ وَسَيِّدُ الْمُسْلِمِينَ وَقَائِدُ الْغُرِّ الْمُحَجَّلِينَ وَخَاتَمُ الْوَصِيِّينَ.
قَالَ أَنَسٌ: قُلْتُ اللَّهُمَّ اجْعَلْهُ رَجُلًا مِنَ الْأَنْصَارِ، وَكَتَمْتُهُ، إِذْ جَاءَ عَلِيٌّ، فَقَالَ: مَنْ هَذَا يَا أَنَسُ! قُلْتُ: عَلِيٌّ، فَقَامَ مُسْتَبْشِراً وَاعْتَنَقَهُ، ثُمَّ جَعَلَ يَمْسَحُ عَرَقَ وَجْهِهِ بِوَجْهِهِ! فَقَالَ عَلِيٌّ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! لَقَدْ رَأَيْتُكَ صَنَعْتَ بِي شَيْئاً مَا صَنَعْتَهُ بِي قَبْلُ! قَالَ: وَمَا يَمْنَعُنِي وَأَنْتَ تُؤَدِّي عَنِّي وَتُسْمِعُهُمْ صَوْتِي، وَتُبَيِّنُ لَهُمْ مَا اخْتَلَفُوا فِيهِ، وَهَذَا مِنْ قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: (وَما أَنْزَلْنا عَلَيْكَ الْكِتابَ إِلَّا لِتُبَيِّنَ لَهُمُ الَّذِي اخْتَلَفُوا فِيهِ) فَأَقَامَ عَلِيّاً لِبَيَانِ ذَلِكَ))(53).
ومن البديهي ان المفسرين (وغيرهم كالأصوليين والفقهاء) اختلفوا في تفسير الكثير من الآيات، فلم يكن القرآن تبياناً لهم بالفعل في تلك القضايا ولا كان نوراً وهادياً لهم بالفعل (لاستحالة صوابية التفسيرات المتناقضة أو المتضادة أو المتعارضة) ولذا احتاج الكتاب إلى ان ينزل على من يبين لهم الذي اختلفوا فيه (وَمَا يَمْنَعُنِي وَأَنْتَ تُؤَدِّي عَنِّي وَتُسْمِعُهُمْ صَوْتِي، وَتُبَيِّنُ لَهُمْ مَا اخْتَلَفُوا فِيهِ) سواء في ذلك تفسير مفاهيمه أو تحديد بعض مصاديقه.
وعن أبي جعفر محمد بن علي بن الحسين عن أبيه عن جده علي بن طالب: قال رسول الله صلى الله عليه واله وسلم: ((لَمَّا أُسْرِيَ بِي إِلَى السَّمَاءِ ثُمَّ مِنَ السَّمَاءِ إِلَى السَّمَاءِ ثُمَّ إِلَى سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى أُوقِفْتُ بَيْنَ يَدَيْ رَبِّي عَزَّ وَجَلَّ فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ فَقُلْتُ: لَبَّيْكَ رَبِّي وَسَعْدَيْكَ، قَالَ قَدْ بَلَوْتُ خَلْقِي فَأَيَّهُمْ وَجَدْتَ أَطْوَعَ لَكَ؟ قَالَ: قُلْتُ: رَبِّ! عَلِيّاً، قَالَ: صَدَقْتَ يَا مُحَمَّدُ! فَهَلِ اتَّخَذْتَ لِنَفْسِكَ خَلِيفَةً يُؤَدِّي عَنْكَ وَيُعَلِّمُ عِبَادِي مِنْ كِتَابِي مَا لَا يَعْلَمُونَ؟ قَالَ: قُلْتُ: اخْتَرْ لِي فَإِنَّ خِيَرَتَكَ خَيْرٌ لِي، قَالَ: قَدِ اخْتَرْتُ لَكَ عَلِيّاً، فَاتَّخِذْهُ لِنَفْسِكَ خَلِيفَةً وَوَصِيّاً وَنَحَلْتُهُ عِلْمِي وَحِلْمِي))(54) فلاحظ قوله تعالى: (وَيُعَلِّمُ عِبَادِي مِنْ كِتَابِي مَا لَا يَعْلَمُونَ؟) رغم ان الكتاب تبيان لكل شيء وهدى ونور وفرقان، لكنه احتاج إلى معلم، وسيأتي ان المعلّم أعم من المفسر.
وعنه عليه السلام في ضمن رواية: ((فَيَقُولُ اللَّهُ لِمُحَمَّدٍ: فَهَلِ اسْتَخْلَفْتَ فِي أُمَّتِكَ مِنْ بَعْدِكَ مَنْ يَقُومُ فِيهِمْ بِحِكْمَتِي وَعِلْمِي، وَيُفَسِّرُ لَهُمْ كِتَابِي وَيُبَيِّنُ لَهُمْ مَا يَخْتَلِفُونَ فِيهِ مِنْ بَعْدِكَ حُجَّةً لِي وَخَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ.
فَيَقُولُ مُحَمَّدٌ: نَعَمْ يَا رَبِّ! قَدْ خَلَّفْتُ فِيهِمْ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ أَخِي وَوَزِيرِي وَوَصِيِّي وَخَيْرَ أُمَّتِي وَ نَصَبْتُهُ لَهُمْ عَلَماً فِي حَيَاتِي وَدَعَوْتُهُمْ إِلَى طَاعَتِهِ وَجَعَلْتُهُ خَلِيفَتِي فِي أُمَّتِي إِمَاماً يَقْتَدِي بِهِ الْأُمَّةُ بَعْدِي إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ))(55) فلاحظ صريح قوله تعالى: (وَيُفَسِّرُ لَهُمْ كِتَابِي).
وعن الإمام الرضا عن آبائه عليهم السلام عن النبي صلى الله عليه واله وسلم عن جبرئيل عن ميكائيل عن إسرافيل، عن الله جل جلاله انه قال: ((أَنَا اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا خَلَقْتُ الْخَلْقَ بِقُدْرَتِي فَاخْتَرْتُ مِنْهُمْ مَنْ شِئْتُ مِنْ أَنْبِيَائِي، وَاخْتَرْتُ مِنْ جَمِيعِهِمْ مُحَمَّداً حَبِيباً وَخَلِيلًا وَصَفِيّاً، فَبَعَثْتُهُ رَسُولًا إِلَى خَلْقِي وَاصْطَفَيْتُ لَهُ عَلِيّاً، فَجَعَلْتُهُ لَهُ أَخاً وَوَصِيّاً وَوَزِيراً وَمُؤَدِّياً عَنْهُ بَعْدَهُ إِلَى خَلْقِي، وَخَلِيفَتِي عَلَى عِبَادِي، لِيُبَيِّنَ لَهُمْ كِتَابِي، وَيَسِيرَ فِيهِمْ بِحُكْمِي، وَجَعَلْتُهُ الْعَلَمَ الْهَادِيَ مِنَ الضَّلَالَةِ وَبَابِيَ الَّذِي أُوتَى مِنْهُ))(56).
فلاحظ صريح قوله تعالى (لِيُبَيِّنَ لَهُمْ كِتَابِي) مع ان الكتاب بنفسه كما قال عنه تعالى (هذا بَيانٌ لِلنَّاسِ)(57) و(تِبْياناً لِكُلِّ شَيْءٍ) ومضمون الرواية كالآية (وَأَنْزَلْنا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ ما نُزِّلَ إِلَيْهِمْ).
وعن الإمام الباقر عليه السلام عن أبيه عليه السلام قال: ((مَا بَعَثَ اللَّهُ نَبِيّاً إِلَّا أَعْطَاهُ مِنَ الْعِلْمِ بَعْضَهُ مَا خَلَا النَّبِيَّ صلى الله عليه واله وسلم فَإِنَّهُ أَعْطَاهُ مِنَ الْعِلْمِ كُلَّهُ فَقَالَ: (تِبْياناً لِكُلِّ شَيْءٍ) ))(58) ((وقال الله تعالى لمحمد صلى الله عليه واله وسلم: (وَجِئْنا بِكَ شَهِيداً عَلى هؤُلاءِ وَنَزَّلْنا عَلَيْكَ الْكِتابَ تِبْياناً لِكُلِّ شَيْءٍ) ))(59) فلاحظ صراحة كلام الإمام عليه السلام في ان القرآن تبيان لكل شيء لكن لا لكل شخص بل للنبي صلى الله عليه واله وسلم وفرق واضح بين (كل شيء) و(كل شخص) فهو تبيان لكل شيء وليس تبياناً لكل شخص.
قال أبو جعفر عليه السلام: ((إِنَّ اللَّهَ جَلَّ ذِكْرُهُ أَنْزَلَ عَلَى نَبِيِّهِ كِتَاباً بَيَّنَ فِيهِ مَا كَانَ وَمَا يَكُونُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ فِي قَوْلِهِ: (وَنَزَّلْنا عَلَيْكَ الْكِتابَ تِبْياناً لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدىً وَمَوْعِظَةٌ لِلْمُتَّقِينَ) وَفِي قَوْلِهِ: (كُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْناهُ فِي إِمامٍ مُبِينٍ) وَفِي قَوْلِهِ: (ما فَرَّطْنا فِي الْكِتابِ مِنْ شَيْءٍ) وَفِي قَوْلِهِ: (وَما مِنْ غائِبَةٍ فِي السَّماءِ وَالْأَرْضِ إِلَّا فِي كِتابٍ مُبِينٍ) وَأَوْحَى اللَّهُ إِلَى نَبِيِّهِ عليه السلام أَنْ لَا يُبْقِيَ فِي غَيْبِهِ وَسِرِّهِ وَمَكْنُونِ عِلْمِهِ شيء إِلَّا يُنَاجِي بِهِ عَلِيّاً، فَأَمَرَهُ أَنْ يُؤَلِّفَ الْقُرْآنَ مِنْ بَعْدِهِ))(60).
وعن أبي الحسن الأول عليه السلام: ((.. ثُمَّ قَالَ (ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنا مِنْ عِبادِنا) فَنَحْنُ الَّذِينَ اصْطَفَانَا اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ وَ أَوْرَثَنَا هَذَا الَّذِي فِيهِ تِبْيَانُ كُلِّ شَيْءٍ))(61).
وعن الإمام علي عليه السلام: ((وَلَمْ يَتْرُكْهُمْ سُدًى وَمَهْمَا عَجَزُوا عَنْهُ رَدُّوهُ إِلَى الرُّسُلِ وَ الْأَئِمَّةِ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ وَ هُوَ يَقُولُ: (ما فَرَّطْنا فِي الْكِتابِ مِنْ شَيْءٍ) وَيَقُولُ (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي) وَيَقُولُ سُبْحَانَهُ فِيهِ تِبْيَانُ كُلِّ شَيْءٍ))(62).
والرواية ناطقة بمقدمات ثلاث: 1- كل شيء موجود في القرآن (ما فَرَّطْنا فِي الْكِتابِ مِنْ شَيْءٍ). 2- انهم يعجزن عن فهم أمور كثيرة فيجب ان يرجعوا إلى الرسول صلى الله عليه واله وسلم والأئمة عليهم السلام. 3- ان الأئمة عليهم السلام يأخذون علم ذلك من الكتاب.
وعن أبي عبد الله الصادق عليه السلام: ((قَدْ وَلَدَنِي رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه واله وسلم وَ أَنَا أَعْلَمُ كِتَابَ اللَّهِ وَ فِيهِ بَدْءُ الْخَلْقِ وَ مَا هُوَ كَائِنٌ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَ فِيهِ خَبَرُ السَّمَاءِ وَ خَبَرُ الْأَرْضِ وَ خَبَرُ الْجَنَّةِ وَ خَبَرُ النَّارِ وَ خَبَرُ مَا كَانَ وَ خَبَرُ مَا هُوَ كَائِنٌ أَعْلَمُ ذَلِكَ كَمَا أَنْظُرُ إِلَى كَفِّي إِنَّ اللَّهَ يَقُولُ فِيهِ تِبْيَانُ كُلِّ شَيْءٍ))(63).
وعنه عليه السلام: ((قَدْ وَلَدَنِي رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه واله وسلم وَعَلِمْتُ كِتَابَ اللَّهِ وَفِيهِ تِبْيَانُ كُلِّ شَيْءٍ بَدْءِ الْخَلْقِ وَأَمْرِ السَّمَاءِ وَأَمْرِ الْأَرْضِ وَأَمْرِ الْأَوَّلِينَ وَأَمْرِ الْآخِرِينَ وَأَمْرِ مَا كَانَ وَأَمْرِ مَا يَكُونُ كَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَى ذَلِكَ نُصْبَ عَيْنِي))(64) أقول: وهل يمكن ان يدعي ذلك أحد من المفسرين؟
وعنه عليه السلام: ((وَاللَّهِ إِنِّي لَأَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَأَعْلَمُ مَا فِي الْأَرْضِ وَأَعْلَمُ مَا فِي الدُّنْيَا وَأَعْلَمُ مَا فِي الْآخِرَةِ فَرَأَى تَغَيُّرَ جَمَاعَةٍ فَقَالَ: يَا بُكَيْرُ! إِنِّي لَأَعْلَمَ ذَلِكَ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى إِذْ يَقُولُ: (وَنَزَّلْنا عَلَيْكَ الْكِتابَ تِبْياناً لِكُلِّ شَيْءٍ) ))(65).
وعنه عليه السلام: ((إِنِّي لَأَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَأَعْلَمُ مَا فِي الْجَنَّةِ وَأَعْلَمُ مَا فِي النَّارِ وَأَعْلَمُ مَا كَانَ وَمَا يَكُونُ. قَالَ ثُمَّ مَكَثَ هُنَيْئَةً فَرَأَى أَنَّ ذَلِكَ كَبُرَ عَلَى مَنْ سَمِعَهُ مِنْهُ فَقَالَ: عَلِمْتُ ذَلِكَ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ يَقُولُ فِيهِ تِبْيَانُ كُلِّ شَيْءٍ))(66).
وعنه عليه السلام: ((نَحْنُ وَاللَّهِ نَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَمَا فِي الْجَنَّةِ وَمَا فِي النَّارِ وَمَا بَيْنَ ذَلِكَ فَبُهِتُّ أَنْظُرُ إِلَيْهِ.. قَالَ فَقَالَ يَا حَمَّادُ: إِنَّ ذَلِكَ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ ثُمَّ تَلَا هَذِهِ الْآيَةَ (وَيَوْمَ نَبْعَثُ فِي كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيداً عَلَيْهِمْ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَجِئْنا بِكَ شَهِيداً عَلى هؤُلاءِ وَنَزَّلْنا عَلَيْكَ الْكِتابَ تِبْياناً لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدىً وَرَحْمَةً وَبُشْرى لِلْمُسْلِمِينَ) إِنَّهُ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ فِيهِ تِبْيَانُ كُلِّ شَيْءٍ فِيهِ تِبْيَانُ كُلِّ شَيْءٍ))(67).
وعن أمير المؤمنين عليه السلام: ((فَجَاءَهُمْ بِنُسْخَةِ مَا فِي الصُّحُفِ الْأُولَى، وَتَصْدِيقِ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلِ الْحَلَالِ مِنْ رَيْبِ الْحَرَامِ ذَلِكَ الْقُرْآنُ فَاسْتَنْطِقُوهُ وَلَنْ يَنْطِقَ لَكُمْ أُخْبِرُكُمْ عَنْه))(68) إذاً القرآن (لن ينطق لنا بكل شيء) بل يحتاج إلى مفسر وشارح.
وعن أمير المؤمنين عليه السلام - لما بويع بالخلافة -: ((يَا مَعْشَرَ النَّاسِ! سَلُونِي قَبْلَ أَنْ تَفْقِدُونِي... فَوَ الَّذِي فَلَقَ الْحَبَّةَ وَبَرَأَ النَّسَمَةَ لَوْ سَأَلْتُمُونِي عَنْ آيَةٍ آيَةٍ لَأَخْبَرْتُكُمْ بِوَقْتِ نُزُولِهَا وَفِيمَ نَزَلَتْ وَأَنْبَأْتُكُمْ بِنَاسِخِهَا مِنْ مَنْسُوخِهَا وَخَاصِّهَا مِنْ عَامِّهَا وَمُحْكَمِهَا مِنْ مُتَشَابِهِهَا وَمَكِّيِّهَا مِنْ مَدَنِيِّهَا))(69).
عن أمير المؤمنين عليه السلام: ((أُوتِيتُ فَهْمَ الْكِتَابِ وَفَصْلَ الْخِطَابِ وَعِلْمَ الْقُرْآنِ))(70).
عنه عليه السلام: ((إِنِّي أُعْطِيتُ عِلْمَ الْمَنَايَا وَالْبَلَايَا، وَفَصْلَ الْخِطَابِ، وَاسْتُودِعْتُ عِلْمَ الْقُرْآنِ، وَمَا هُوَ كَائِنٌ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، وَمُحَمَّدٌ صلى الله عليه واله وسلم أَقَامَ الْحُجَّةَ حُجَّةً لِلنَّاسِ، وَصِرْتُ أَنَا حُجَّةَ اللَّهِ))(71).
وهناك روايات أخرى كثيرة ستأتي لاحقاً بإذن الله تعالى.
وللكلام صلة وتتمة وتعليقات مهمة فأنتظر ولا تعجل، والله الهادي إلى سواء السبيل وهو المستعان.
وآخر دعوانا ان الحمد لله رب العالمين وصلى الله على محمد واله الطيبين الطاهرين
اضف تعليق