الشاكلة تترك بصماتها على نوع تفكير الإنسان وعلى كيفية فهمه للأحداث والنصوص والمعلومات، ولو بنحو المقتضي، بدرجة عليا أو دانية، شعورية أو لا شعورية، وقد تكون مسيطراً عليها أو غير مسيطر إذا ثبت ذلك فيتفرع عليه العنوان: اقرأ أفكار الناس ومواقفهم على ضوء شواكلهم النفسية...
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، بارئ الخلائق أجمعين، باعث الأنبياء والمرسلين، ثم الصلاة والسلام على سيدنا وحبيب قلوبنا أبي القاسم المصطفى محمد وعلى أهل بيته الطيبين الطاهرين الأبرار المنتجبين، سيما خليفة الله في الأرضين، واللعنة الدائمة الأبدية على أعدائهم إلى يوم الدين، ولا حول ولاقوه إلا بالله العلي العظيم.
قال الله العظيم في كتابه الكريم: (قُلْ كُلٌّ يَعْمَلُ عَلَى شَاكِلَتِهِ فَرَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَنْ هُوَ أَهْدَى سَبِيلاً)(1)
في هذه الآية الكريمة بصائر وعلى ضوء تلك البصائر عبر وحكم ومواعظ، فالبحث يقع في محورين:
المحور الأول: العمل على طبق الشاكلة أو الفهم على طبقها؟
قد يتساءل عن معنى قوله تعالى (قُلْ كُلٌّ يَعْمَلُ عَلَى شَاكِلَتِهِ) وانه لماذا اقتصر جل اسمه على (العمل على الشاكلة) ولم يستخدم كلمة أخرى تعمّ (الفهم) وتشمله أيضاً؛ وذلك لأن الكل يفهم على شاكلته وليس يعمل على شاكلته فقط، فمثلاً (العدو) يفهم مواقفك وأقوالك وأفعالك بشكل آخر، في كثير من الأحيان، فحتى إذا كانت نيتك خدمته والإحسان إليه فانه يترجم أعمالك في ذهنه ويفهمها بشكل سلبي ويؤطرها بإطار من التفسيرات القاتمة، كما اننا نصنع كذلك فان مجموعة من الفاسدين أخلاقياً أو من المنحرفين فكرياً أو من أذناب الاستعمار مثلاً لو أسسوا مدرسة أو مستشفى أو حتى ميتماً في بلدنا، فإننا عادة لا نحسن الظن بهم، ولا ينبغي ان نحسن بهم الظن، ولا نفهم ذلك على أساس انهم إنما يرومون الخدمة وانتشال ابناءنا من الفقر أو البطالة أو الجهل أو المرض، بل اننا (نفهم) – عادة – الميتم أو المصنع الذي أسسوه على انه آلية من آليات القوة الناعمة للسيطرة على أفكار شبابنا وللاستحواذ على مستقبل بلادنا، مع انه ليس بالضرورة كلما فعل العدو أو المنافس أمراً أن يكون قاصداً كلَّ ما نفسره به، لكن ذلك هو طبيعة فهمنا لحركته والذي قد يستند إلى الغلبة أو إلى شواهد سابقة أو إلى الحائطة والحذر المطلوب في حد ذاته.
وكذلك الحسود أو الحقود فانه يفسر حتى قيامك له واحترامك له تفسيراً سلبياً قد يكون معاكساً للواقع تماماً لكن شاكلته النفسية وهي الحسد أو الحقد أو غير ذلك تؤثر على فهمه لك ولمواقفك وتصرفاتك.
وعليه: لماذا اقتصرت الآية على (قُلْ كُلٌّ يَعْمَلُ عَلَى شَاكِلَتِهِ) مع ان (الكل يفهم على شاكلته أيضاً)؟
ويمكن الجواب عن ذلك بوجهين متعاكسين:
(العمل) هو المظهر الأجلى لتأثيرات الشاكلة
الوجه الأول: ان ذلك وإن كان لكذلك، لكن العمل خُصَّ بالذكر؛ لأنه الوجه الأبرز والمظهر الأجلى لتأثير الشاكلة فان تأثير الشاكلة على الأعمال الجوارحية ظاهر جلي(2) أما تأثيره على النوايا والأفهام والبواطن الجوانحية فمستتر خفي، فقد اقتصر على العمل لأنه الذي يشهده الكل ويتعرفه بوضوح، عالماً كان أم جاهلاً، حضرياً أم بدوياً، اما الفهم فمما لا يظهر تأثير الشاكلة عليه إلا لذوي الألباب وبالتدبر والتأمل، إضافة إلى ان تأثير الشاكلة على الأعمال أقوى من تأثيرها على الأفهام بمعنى ان الأفهام اعصى على الشواكل من ان تلوِّنها وتوجهها، من الأعمال.
الفهم من مصاديق العمل وليس قسيماً له
الوجه الثاني: ويقع في الاتجاه المعاكس للوجه الأول تماماً، وهو ان الفهم من العمل وليس قسيماً له في مثل هذا الإطلاق فقوله تعالى (قُلْ كُلٌّ يَعْمَلُ عَلَى شَاكِلَتِهِ) يشمل الفهم والإدراك أيضاً فكما انه يعمل بجوارحه على ضوء شاكلته فكذلك هو يفهم على هَدْي شاكلته أيضاً.
وهذا الوجه هو الأرجح ظاهراً لجهتين:
الأولى: ان الفكر والفهم والإدراك، عمل من أعمال الجوانح، كما ان المشي والإبصار والسماع عمل من أعمال الجوارح، ولذلك قال القائل:
والفكر حركة من المبادي.....ومن مبادي إلى المرادي
فان الفكر انتقال وحركة من المقدم – مثلاً – إلى التالي ثم من رفع التالي إلى رفع المقدم أو من إثبات المقدم إلى إثبات التالي.
بل دلت على ذلك بعض الروايات أيضاً، وقد ورد في الكافي الشريف عن الإمام الصادق عليه السلام : ((...وَالنِّيَّةُ أَفْضَلُ مِنَ الْعَمَلِ أَلَا وَ إِنَّ النِّيَّةَ هِيَ الْعَمَلُ، ثُمَّ تَلَا قَوْلَهُ عَزَّ وَجَلَّ (قُلْ كُلٌّ يَعْمَلُ عَلى شاكِلَتِهِ) يَعْنِي عَلَى نِيَّتِهِ))(3).
الثانية: ان الآيات السابقة قد تشهد على تعميم العمل إلى الأعم من عمل الجوارح وشموله حتى للصفات النفسية أيضاً، قال تعالى: (وَإِذَآ أَنْعَمْنَا عَلَى الإِنسَانِ أَعْرَضَ وَنَأَى بِجَانِبِهِ وَإِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ كَانَ يَؤُوسًا)(4) ومن الواضح ان اليأس – عند الابتلاء – صفة نفسية تتبع الشاكلة النفسية للناس فعلى طبق شاكلته النفسية يتلقى المرء ما يمسه من خير أو شر فإذا أنعم الله تعالى عليه أعرض ونأى بجانبه، ولا يراد بالإعراض الإعراض البدني الجارحي فقط ولا النأي الحقيقي ببدنه بل الأعم إذ انه يعرض بقلبه عن الله وبنيته عن الإخلاص له وبروحه عن التوجه إليه فبدل ان يشكره على نعمائه ينسى أو يتناسى ويهمل أو قد يعقد نيته على الخضوع والطاعة، فشاكلة الإنسان بما هو هو تقتضي إعراضه بقلبه وبجوارحه عن شكر المنعم وعن الانقياد فكراً وقلباً وقالباً له، كما ان الإنسان شاكلته تقتضي أن يكون يؤوساً قنوطاً عند أي بلاء أصابه.
ثم بعد ذلك قال تعالى: (قُلْ كُلٌّ يَعْمَلُ عَلَى شَاكِلَتِهِ...) فشاكلة الإنسان اقتضت النأي والإعراض الفكري القلبي كما اقتضت اليأس – وهو العمل الذي كان على طبق شاكلته النفسية – إضافة إلى النأي والإعراض العملي والتعامل الجوارحي السلبي ضمن دائرة الأعمال الجوارحية.
المحور الثاني: أقرأ أفكاره عبر قراءة شاكلته
وعلى ضوء ما سبق وإذا ثبت انه بحسب نوع الشاكلة يختلف تعاطي الناس مع نِعَم الله أو بلائه بل وفهمهم لها، وان الشاكلة تترك بصماتها على نوع تفكير الإنسان وعلى كيفية فهمه للأحداث والنصوص والمعلومات، ولو بنحو المقتضي، بدرجة عليا أو دانية، شعورية أو لا شعورية، وقد تكون مسيطراً عليها أو غير مسيطر (وكل تلك حالات وأنواع والناس إليها منقسمون)، إذا ثبت ذلك فيتفرع عليه العنوان الآتي وهو: اقرأ أفكار الناس ومواقفهم على ضوء شواكلهم النفسية ولو في الجملة.
وذلك لا يعني بالضرورة خطأ تلك الأفكار أو صوابيتها، بل يعني ان الشاكلة النفسية قد تمنح الأفكار قوةً وقد تزيدها ضعفاً وقد تكون على الحياد غير مؤثرة سلباً ولا إيجاباً؛ وذلك على حسب نوعية الشاكلة فإن كانت الشاكلة شاكلة حسنة مهندسة على أسس سليمة أعطت الأفكار والمواقف شاهد صدق وكانت عامل قوة مساعداً وإن لم يكن نهائياً بالطبع، على العكس مما لو كانت الشاكلة سيئة مبنية على قاعدة قاتمة مظلمة فانها تتسرب إلى الأفكار كما يتسرب النخر إلى جذوع الأشجار والسوس إلى أنواع الثمار والتلوث إلى مياه الأنهار.
ولنمثل لذلك بأمثلة فقهية واقتصادية وثقافية:
شاكلة الأصولي وشاكلة الاخباري
المثال الفقهي: ان شاكلة الأصولي تختلف عن شاكلة الاخباري، وقد يفهم الاخباري أفكار الأصولي واجتهاداته لا كما هي هي بل على ضوء سوء ظنه العام بالأصولي، والعكس بالعكس تماماً فقد يفهم الأصولي اجتهاد الاخباري على ضوء تقييمه العام لشخصيته العلمية والفكرية والفقهية..
وهذا يعني ان الأصولي إذا أراد ان يقيّم رأي الاخباري في مسألة من المسائل، فعليه، لكي يضمن الدراسة الموضوعية لرأيه على ضوء الآيات والروايات والقواعد، ان يلاحظ من جهةٍ كونه اخبارياً وأن منهجه العام قد يكون دخيلاً في استنباطه، كما عليه من جهة أخرى ان يقطع النظر عن كونه اخبارياً ويدرس نظره ورأيه بما هو هو، وذلك أشبه بالجمع بين النقيضين لكنه ليس هو هو، بل المراد ان يدرسه تارة بهذا اللحاظ ثم يدرسه مرة أخرى باللحاظ الآخر، وحينئذٍ وبهذا المجموع المركب يكون أقرب للموضوعية، وكذا حال الاخباري بالنسبة للأصولي.
وكذلك حال الرجعي بالنسبة للثوري وبالعكس وحال الحوزوي بالنسبة للجامعي وبالعكس وحال المثقف بالنسبة للعامي وبالعكس، وحال العادل بالنسبة للفاسق وبالعكس.. على اختلاف واقعي بين تلك الثنائيات ونظائرها مما قد يحتاج إلى بحث مستقل.
تقييم بعض الاخباريين للفقهاء بانهم يعملون بالقياس!
ولنضرب مثلاً من مدخلية الشاكلة الاخبارية في تقييم مجموعة من آراء الأصوليين حيث سيثبت لنا بهذا المثال ان شاكلة بعض الاخباريين حيث كانت سلبية تجاه الأصوليين أو تجاه العلماء في البُعد الآتي، لذا فسروا بعض آراء الفقهاء بانها قياس أو استحسان، مع انها لدى التجرد عن هذه النظرة العامة القاتمة لم تكن أبداً قياساً ولا استحساناً.
قال في كتاب هداية الأبرار إلى طريق الائمة الأطهار: (فأعلم أنه وقع للمتأخرين غفلات وأغاليط، لو ذكرناها لطال الكلام حتى أنهم ربما عملوا "بالقياس والاستحسان والرأي" من حيث لا يشعرون وربما طرحوا الأخبار الصحيحة عندهم، أو ترددوا في العمل بها كذلك.
ونحن نذكر أنموذجاً من ذلك يستدل به على غيره. ويعلم أنه لا نجاة من الحيرة إلا بالتمسك بكلام أئمة الهدى عليهم السلام) و(ومن ذلك: أن أكثر الإلحاقات التي ذكرها المتأخرون داخلة في القياس، نحو ما روي (أن الأرض تطهر أسفل النعل والقدم) فألحقوا به خشبة الأقطع وأسفل العصا وسكة الحرث ونحوها... وكل ذلك قياس لا ينكره إلا من لا يعرف معنى القياس)(5).
الجواب: بل انهم يعملون بإطلاقات الروايات، لا القياس
وقد أجبنا عن ذلك في بعض المباحث بالتفصيل وان مستند الكثير من العلماء في التعميم والالحاق لم يكن القياس أبداً بل كان هو الروايات التي وجدوها ظاهرة في الدلالة على التعميم، ولنقتطف ههنا بعض ما قلناه هنالك:
(والنادر العمل بالقياس غفلةً، والمعهود التمسك بالإطلاقات
ثانياً: ان عمل الفقهاء بالقياس، لو فرض، فهو قليل بل قليل جداً بل نادر فلعلك لا تجد بين كل ألف مسألةٍ مسألةً عمل بها الفقهاء بالقياس، والجواد قد يكبو، والذي نضيفه هنا: ان كثيراً من الموارد التي اتهم فيها الفقهاء بالعمل بالقياس لم يكن من ذلك أبداً، بل كان مستندهم أدلة أخرى كالإطلاقات والعمومات وسائر الأدلة الاجتهادية أو الاصول العملية العامة، نعم ربما ذكروا الملاك للتقريب لذهن المخالف أو باعتباره مؤيداً لا دليلاً، أو فيما إذا قطعوا به مما يسمى بتنقيح المناط القطعي فيكون المرجع حجية القطع لا حجية الظن القياسي، والقطع حجيته ذاتية كما قالوا ولذا يجب عقلاً على القاطع إتباعه مادام قاطعاً وإن حصل له القطع من منشأ غير عقلائي، غاية الأمر انه غير معذور لو قصّر في المقدمات.
والحاصل: ان الفقيه إذا قطع بالملاك وأولويته في الالحاقات وغيرها فلا وجه للاعتراض عليه بانك عملت بالقياس وذلك لأنه – فيما يرى – عمل بالقطع لا بالظن القياسي، نعم يمكن مناقشته لزحزحة قطعه فان تزحزح وبقي له مجرد الظن بالملاك فانه حينئذٍ لا يقوم بتعدية الحكم من الأصل إلى الفرع قطعاً إذ يجده قياساً محضاً)(6).
(التحقيق: إلحاق خشبة الاقطع بالخفّ إنما هو للإطلاق لا للقياس
اما إلحاق خشبة الاقطع وشبهه فالمستظهر انه كان مستنداً إلى إطلاق الروايات، لا إلى تنقيح المناط وقياس خشبة الأقطع وغيرها على الخف والرجل، وتوضيحه:
ان الروايات الورادة في مطهرية الأرض، بعضها خاص بالخف أو الرجل فلا تصلح للاستدلال بها على تعميم الحكم إلى العصا وخشبة الاقطع إلا بالقياس كما قيل، ولكن وجه التعميم ليست هذه الروايات بل روايات أخرى مطلقة تشمل كل تلك الملحقات (خشبة الاقطع، أسفل العصا، سكة الحرث ونحوها) بإطلاقها فكان المرجع للتعميم هو إطلاق الرواية لا تنقيح المناط والقياس)(7).
(واما الروايات العامة فكثيرة نقتصر على بعضها:
صحيح الحلبي عن الإمام الصادق عليه السلام قال: ((نَزَلْنَا فِي مَكَانٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَ الْمَسْجِدِ زُقَاقٌ قَذَرٌ، فَدَخَلْتُ عَلَى أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام فَقَالَ: أَيْنَ نَزَلْتُمْ؟ فَقُلْتُ: نَزَلْنَا فِي دَارِ فُلَانٍ، فَقَالَ: إِنَّ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ الْمَسْجِدِ زُقَاقاً قَذَراً، أَوْ قُلْنَا لَهُ: إِنَّ بَيْنَنَا وَبَيْنَ الْمَسْجِدِ زُقَاقاً قَذَراً، فَقَالَ: لَا بَأْسَ، الْأَرْضُ تُطَهِّرُ بَعْضُهَا بَعْضاً...))(8))(9).
(وجه التعميم قوله عليه السلام ((الْأَرْضَ يُطَهِّرُ بَعْضُهَا بَعْضاً))
فالاستدلال هو بإطلاق قوله عليه السلام ((الْأَرْضَ يُطَهِّرُ بَعْضُهَا بَعْضاً)) والمورد لا يخصص الوارد كما هو من بديهيات الأصول خاصة مع صراحة تعليله عليه السلام في حسن المعلى بن خنيس وما سبقه ((فَلَا بَأْسَ؛ إِنَّ الْأَرْضَ تُطَهِّرُ بَعْضُهَا بَعْضاً)) بل ومع إطلاق السؤال في صحيح الحلبي إذ لم يخص السائلُ السؤالَ عن الرجل بل أطلق السؤال عن ما لو كان بينهم وبين المسجد زقاق قذر ومن المعلوم ان الوصول للمسجد عبر الزقاق القذر عام يشمل الحافي والمنتعل واللابس خفاً والممسك بعصا وغير ذلك فتخصيصه بالأولين بلا وجه.. والأقوى من ذلك إطلاق تلك الصحاح وتوضيحه:
ان قوله عليه السلام ((الْأَرْضَ يُطَهِّرُ بَعْضُهَا بَعْضاً)) فيمن لصقت برجله نداوة البول كما في رواية المستطرفات أو مشى حافياً على أرض تنجست بماء سال من الخنزير كما في حسن المعلى أو مطلق من مرّ إلى المسجد وبينه وبين المسجد زقاق قذر كما في صحيح الحلبي، يحتاج إلى بعض التدبر لفهم معناه فبعد وضوح ان المراد من ((الْأَرْضَ يُطَهِّرُ بَعْضُهَا بَعْضاً)) ليس ان الأرض النجسة تطهّر الأرض المجاورة لها((10)) إذ مراد الإمام عليه السلام تطهير رجل المصلي مثلاً، فالمراد أحد أمرين:
الأول: ان الرِجل يعلق بها التراب النجس عندما يمشي الشخص على الأرض النجسة ثم انه إذا مشى على الأرض الطاهرة طهّرت الأرضُ الطاهرة الترابَ النجس الذي علق برِجله ثم ان لازم ذلك بحسب ما يفهم من الرواية ومصبّها، عرفاً، ان الرِجل تطهر بالتبع؛ فان السؤال بالأساس كان عن طهارة الرِجل لأنه يريد الصلاة بل قد يغفل بعضهم عن التراب أو النداوة نفسها خاصة انها تجف عادة سريعاً ويمكن إزالة التراب بالنفض ولكن تبقى نجاسة الرِجل.
فإذا كان هذا هو مراد الإمام عليه السلام فالجواب عام إذ التراب اللاصق بخشبة الاقطع والعصا.. الخ مصداق للرواية فتفيد الرواية حكماً عاماً يشمل كل الموارد إذ تصرح بان الأرض تطهر التراب النجس ويلزمه تطهير محله وهو الرجل أو الخشبة أو غيرهما. فأين التخصيص في الرواية؟ خصوصاً وان السؤال لا يخصص الجواب، على ان بعضها لم يكن السؤال فيها خاصاً كما سبق.
الثاني: ان المراد من ((الْأَرْضَ يُطَهِّرُ بَعْضُهَا بَعْضاً)) هو التطهير لنفس المتنجس بالأرض من أول الكلام وبدون التوسيط السابق في الوجه الأول، فكما يقال ان الماء يطهِّر الدم أو البول ولا يقصد به انه يطهره بل المقصود انه يطهّر موضعه (بعد إزالته أي بعد إزالة عين النجاسة) فكذلك عندما يقول عليه السلام ((الْأَرْضَ يُطَهِّرُ بَعْضُهَا بَعْضاً)) أي انها تطهر الموضع الذي أصابته النجاسة، وهو كما ترى عام غير خاص بالرجل والخف وشبهها.
وقد صرح بذلك في جواهر الكلام فلا يتوهم انه اختراع منّا لتوجيه قياس العلماء خشبة الاقطع ونحوه على الرِجل ونحوها، قال:...)(11)
كيف نقرأ العولمة واللبرلة؟
المثال الاقتصادي: العولمة واللبرالية
ان شاكلة الاستعمار السيكولوجية والثقافية والتاريخية والاقتصادية، لا شك انها تقف وراء الكثير (إن لم يكن كل) من المواقف والآراء التي تتبناها مؤسساتهم الرسمية ومراكز دراساتهم بل وحتى الكثير من مفكريهم وعلمائهم.
والغريب ان البعض يتعامل بسذاجة مع الأفكار الوافدة من مفكري الغرب أو الشرق، ويتلقاها ببساطة على انها من بنات أفكار ذلك العالم الذي يتحرى الموضوعية والحق والحقيقة فقط وفقط والذي لا تتدخل العوامل الذاتية ولا الشاكلة النفسية له كفرد وكجزء من حضارة مهيمنة على العالم، في أصل نظريته أو رؤيته أو فكرته أو في بعض تفاصيلها أو في كيفية عرضها أو في الاستنتاج منها وفي مجمل مخرجاتها.
ولنمثل لذلك بمثال معاصر ملأ أسماع العالم بل انه هيمن على مجمل السياسات العامة لأكثر الدول طوال عقود من الزمن.. فقد رفع الغرب، فيما بدا كونه من منطلقات إنسانية تماماً، راية (العولمة) و(اللبرلة)، وهاتان الفكرتان، حسبما طرحتا، بدتا غاية في الإنسانية والتقدم والتحضر والإنصاف ولكن الواقع كان شيئاً آخر تماماً:
العولمة: إنسانية وخدمة وتطوير ونهضة!
فلقد بشرت مراكز دراساتهم وجامعاتهم ومفكروهم وسياسيوهم أيضاً بان عهود العنصريات والقوميات والتفرقة بين بني البشر على أساس الجغرافيا واللون والعقيدة وشبهها قد انتهت وأن العالم كله يجب ان يكون كقرية صغيرة بل كأسرة واحدة وبيت واحد، وان من أكبر عوامل تمزيق البشرية وحرمانها، وضع الحواجز الاقتصادية والمالية بين بني البشر.. وان من كمال الإنسانية ومن الإنصاف ان تكون البضائع المصنّعة في أي بلد من بلاد العالم متاحةً للجميع بدون ضرائب وجمارك تثقل كاهل المستهلك، ولذلك يجب إلغاء الضرائب على الاستيراد والتصدير أو تخفيضها إلى أقصى حد ممكن..
ثم ان من الواجب أيضاً، خدمةً للبشرية وتطويراً للبلاد النامية، ان ترفع الحواجز التي تحول دون حرية حركة الأيدي العاملة والخبراء والكفاءات ورأس المال وما إلى ذلك، كما ان من صالح الدول الأخرى ان تسمح لنا ببناء المعامل والمصانع فيها وقالوا: اننا بتشييدنا المعامل والمصانع في بلادكم خاصة البلاد الفقيرة، نقدم أكبر خدمة لشعبكم ولاقتصادكم إذ أولاً: نوفر فرص عمل كثيرة للعاطلين من عمّالكم، وثانياً: ندرّبهم ونعلمهم المهارات المطلوبة، وثالثاً: نزيد من النمو العام لاقتصاد بلدكم ونرفع من مستواه بالتدريج من بلد متخلف إلى بلد نام ثم إلى بلد صناعي متطور.
وهكذا نجد ان (العولمة) كما طرحوها وصوروها هي أكثر من رائعة وان (الاستعمار) ليس كما نتوهم أمراً بغيضاً قاتماً مصاصاً للدماء وللثروات، بل ان الدول العظمى هي الرائدة في خدمة الشعوب الأخرى وتطوير اقتصادها وهي الأحرص على مصالحنا منا نحن!
العولمة: ذراع الاستعمار القوية!
ولكن الواقع مختلف تماماً عن ذلك، إذ لم تكن (العولمة) إلا الذراع القوية التي استهدفت تطوير اقتصادياتهم واستثمار سائر الشعوب ليكونوا الوقود الذي يسرّع حركة قطار حضارتهم وصناعتهم واقتصادهم مع بعض الفتات الضئيل الذي يصل للشعوب الأخرى كمخدّر لها وكرشوة للحكام كي يتجاهلوا النتائج المأساوية المرّة للعولمة على بلادهم إذ جعلتها الحظيرة الخلفية والبقرة الحلوب التي تدرّ عليهم بدل اللبن ذهباً خالصاً!
والدليل على ذلك انهم عندما أحسوا بان العولمة وصلت إلى مرحلة تضر باقتصادياتهم الوطنية اعرضوا عنها بكل وقاحة ورفعوا راية الحمائية فاشتعلت الحرب التجارية بين مثل أمريكا والصين وأوروبا وغيرها.
وموجز القول في الوجه الآخر للعولمة: ان الدول العظمى باقتصاداتها القوية وبالبضائع الوفيرة التي تنتجها فان أكبر هدف لها كان هو إلغاء أو تخفيف الجمارك والضرائب المفروضة بين بلاد العالم لأنها تريد تصدير الملايين من منتجاتها إلى بلادنا فإذا فرضت عليها الضرائب كان معنى ذلك تضاؤل قدرة شعوبنا على شراء بضائعهم نظراً لغلائها فلو انها بيعت بسعر التكلفة ولنفرضها 80 دولاراً مع فارق الربح التجاري ولنفرضه 20 دولاراً لكانت البضاعة مثلاً بمائة دولار لكنها مع الضريبة تكون 150 دولاراً أو أكثر أو أقل وهذا يعني، بالمحصلة النهائية، انهم بدل ان يبيعوا مليار بضاعة (منوعة) بالعام الواحد سيبيعون أقل من ذلك بكثير.. مما يعني أرباحاً أقل ومما يعني بطالة في بلادهم أكثر ومما يعني تقليص إنتاج معاملهم أكثر..
وفي المقابل تراهم لا يخافون من المعاملة بالمثل من جهة بلادنا.. إذ انهم وإن خففوا أو حتى ألغوا الضرائب على بضاعتنا المصدرة إليهم، حسب الاتفاق على نسبة التخفيف، ولكن الفارق بين صادراتنا إلى بلادهم وصادرات بلادهم إلينا، مذهل إذ تراهم يصدرون ما لا يحصى من البضائع بشتى أنواعها وأسعارها مما تبلغ قيمتها مئات المليارات من الدولارات، ولكننا ما الذي نصنّعه لكي نصدره إليهم؟ ولكن حيث نافستهم الصين واوروبا مثلاً في التصدير.. رفعوا اليد عن (العولمة) بهذا القدر ورفعوا مقابل ذلك شعار (الحمائية) فاشتعلت الحرب التجارية بين أمريكا وأوروبا من جهة وبين أمريكا والصين من جهة أخرى.. والمعركة طويلة مستمرة تحركها – بالأساس – المصالح الاقتصادية، و(العولمة) سلاح مادام يخدم اقتصاد بلادهم، حتى إذا تحول إلى حبل مشنقة لاقتصادهم اعتبروها الشيطان نفسه!
فهذا كله من جهة ومن جهة أخرى فان (العولمة) كانت البلسم الشافي لزيادة ثرواتهم وتطوير شركاتهم وتقليص نفقاتها إلى أبعد الحدود، وذلك لأن اليد العاملة في بلادهم مُكلِفة جداً عكس اليد العاملة في البلاد الفقيرة كبعض الدول الأفريقية ودول أمريكا الجنوبية وغيرها فإذا كانت أجرة العامل في أمريكا ثلاثة آلاف دولار – مثلاً – فإن أجرته في البلاد الفقيرة ثلاثمائة دولار – مثلاً – أو أقل وهكذا كان من مصالح شركاتهم تأسيس معاملهم ومصانعهم في الدول الفقيرة والغرض تعظيم المنافع والأرباح لأنهم أولاً سيحصلون على المواد الخام من ذلك البلد رخيصة جداً ولأنهم ثانياً سيدفعون عُشر الأجور الكلية حينئذٍ فتنخفض التكاليف عليهم بنسبة كبيرة جداً فيكون بمقدورهم زيادة هامش الربح من عشرة بالمائة إلى خمسين بالمائة مثلاً ومع ذلك تبقى البضاعة أرخص بكثير مما لو صنعوها في بلادهم، وبذلك يمكنهم بيع أعداد أكبر جداً من بضائعهم إلى العالم فتزداد الأرباح بشكل مذهل.
لكن ذلك ليس هو الذي يطرح على الشعوب الأخرى أبداً، بل الذي يطرح:
أولاً: عنوان براق كالعولمة وحرية حركة العمال والخبراء ورؤوس الأموال.
ثانياً: عنوان حضاري – إنساني آخر وهو: ان تأسيس الشركات في بلادكم خطوة هامة جداً نحو النهوض ببلادكم من الفقر إلى الغنى ومن التخلف إلى التقدم ومن المجتمع الزراعي إلى الصناعي، مع انهم، وكما سبق، يشترون المواد الخام من بلاد الفقراء بأرخص الأثمان وأبخسها ثم يعيدون تصديرها بعد تصنيعها بأضعاف مضاعفة، ولو كانوا حقاً يريدون تقدم هذه البلاد لعلموهم الاكتفاء الذاتي وتأسيس المصانع واستثمار المواد الخام بأنفسهم ثم تصديرها حسب الأسعار المناسبة عالمياً إلى بلادهم وسائر بلاد العالم!
ولكن ومن جهة أخرى: حيث دارت الدائرة عليهم إذ ازدادت نسبة البطالة في بلادهم بذلك وإذ تعلمت بعض الدول الفقيرة سابقاً، كالصين والهند، التكنولوجيا، فعادت تنافسهم في العديد من الصناعات، ارتفعت أصوات الحمائية عالياً ونسوا أو تناسوا القيم الإنسانية العليا التي دفعتهم باتجاه رفع راية العولمة بكل قوة وحماس!.
(حقوق الإنسان) رافعة سياسية – حزبية بامتياز!
المثال الثقافي: ان المتتبع الخبير يجد ان كثيراً من حملة راية حقوق الإنسان في العالم هم من روّاد الحركة الصهيونية أو اليهود أو الماسونية وشبه ذلك، والغريب انه يجد انهم يستخدمون منصة (حقوق الإنسان) كقاعدة لإطلاق الصواريخ على الدين الإسلامي وتشويهه في أذهان العالم والمسلمين أنفسهم، إذ تجد ان (حقوق الإنسان) كما يسوّقون لها وينظّرون، يمنحونها اتجاهاً قوياً ينتج، شعورياً ولا شعورياً، في أنفس أهل العالم ان الإسلام هو العدو الأول لحقوق الإنسان: المرأة، الأقليات، الآخر، وغير ذلك.
والغريب انهم تحت راية حق الإنسان يرفعون شعار حرية المعتقد والرأي والتعبير بكل قوة وبذلك يفسحون المجال للكلام حتى ضد الله تعالى وكافة الرسل تحت ذريعة انها حرية مقدسة، ولكنهم لا يسمحون بتاتاً لأي شخص ان يتكلم ضد اليهود والصهيونية بل ان من تجرأ على نقدهم والكلام عليهم فانه يتهم فوراً بمعاداة السامية والعنصرية وشبهها، ويكون مصيره التشهير أو الفصل من العمل أو التسقيط الاجتماعي أو حتى السجن، ولو بتهم ملفقة أخرى، وهذا يعني ان (حقوق الإنسان) لدى أكثرهم ما هي إلا رافعة سياسية – حزبية بامتياز: بها تضرب بيد من حديد أعدائك وبها تحمي أعوانك وأحزابك!!
وموطن الشاهد: ان من الحكمة ان يقيّم الإنسان أية فكرة وافدة من مفكر شرقي أو غربي على ضوء قراءة شاكلته النفسية وشخصيته الفكرية أيضاً، ولا يعني ذلك رفض الفكرة أو قبولها فوراً لمجرد انها من بنات أفكار هذا المفكر أو ذاك، بل يعني ان يضع الإنسان شخصية المتكلم وخلفياته المعرفية والفكرية والنفسية، نصب العين، فلعلها تمنحه فكرة أوضح عن العوامل التي دفعته لاتخاذ هذا الموقف أو لانتهاج هذا المنهج أو لارتضاء هذه النظرية.
موقف العلماء المهادن للظالمين أو الثائر عليهم
المثال السياسي: ولنمثل بمثال آخر هام جداً: وهو ان موقف العلماء على مرّ التاريخ من سلاطين الجور كان مختلفاً جداً، وموطن الشاهد اننا لو وجدنا فقيهاً استند في موقفه المهادن لدولة الظلم والضلال والاستبداد بل والمتعاون معها إلى حدّ ما، إلى الآيات والروايات، أو على العكس من ذلك لو رأينا فقيهاً استند في مواقفه الثورية ضد الحكومات المستبدة والداعي إلى إسقاطها بأية طريقة كانت ولو بتقديم قرابين كثيرة ولو من دون وضوح البديل الأصلح نظرياً والمجرب عملياً.
أقول: لو رأينا فقيهاً أو مفكراً من النمط الأول أو الثاني فانه لا يكفي لتقييم آراءه دراستُها من حيث هي هي فحسب، بل اللازم دراسة شخصيته أيضاً فإذا كان الأول الداعي إلى مهادنة الحاكم الجائر جباناً جداً أو كان الثاني الداعي إلى الثورة ضد الحاكم مهما كلف ذلك، جربزياً ومتهوراً جداً، فان ذلك يشكل نقطة استفهام في (قراءته) للنصوص وانه لعل أغفل – شعورياً أو لا شعورياً – أدلة أخرى معارضة أقوى أو توهم الانصراف من غير وجه له أو لم ير الانصراف رغم وضوح وجهه، أو انه، بدافع من ضغط نفسه، رفع المؤيد إلى مستوى الدليل أو خفض الدليل إلى مستوى المؤيد أو شبه.. ويكفي مثال بئر العلامة الحلي شاهداً موضحاً لذلك.
القصف بصواريخ الشبهات وتحطيم المناعة الذاتية
المثال العقائدي: قلت للعديد من العلماء والمفكرين بان من الخطأ الكبير ان يطالع حتى العالم والمفكر الشبهات شبهة بعد أخرى بشكل متواتر قبل ان يحلل الشبهة الأولى ويفكّكها ويجيب عنها بعد تفكير متروٍ ومفاوضة مع سائر العلماء، فيما استدعى ذلك، ثم إذا حلّلها وأجاب عنها انتقل إلى مطالعة شبهة ثانية فثالثة وهكذا.. ولكن من الخطأ الكبير ان يتنقّل الإنسان بين الشبهات وان يقفز من مطالعة شبهة أو الاستماع إليها إلى شبهة أخرى فثالثة وهكذا من دون ان يعطي نفسه الفرصة لتفكيك الشبهة والجواب عنها.. وذلك لأن الحصانة والمناعة في المفكرين والعلماء على درجات، وقد سُمّيت الشبهة شبهةً لأنها تشبه الحق، فلعله يتأثر بتواتر الشبهات عليه ولعله تتزعزع قناعاته من غير وجهٍ حق بل لمجرد انه عرّض نفسه لموجات التشكيك والشبهات أكثر من مدى طاقته الفكرية والنفسية.. مع انه كثيراً ما يؤدي ذلك إلى الانجراف والانحراف دفعة واحدة أو شيئاً فشيئاً..
ومثال ذلك من يعرّض نفسه لأمواج من الفيروسات والبكتيريا والأوبئة والأمراض فان البدن قد يكون بمقدوره ان يقاوم الفيروس الأول ثم إذا تغلب عليه وارتفعت مناعته يكون أقوى على مواجهة الفيروس الثاني وهكذا.. ولكن لو تعرّض البدن في وقت واحد لهجوم أنواع مختلفة من الأمراض والجراثيم فانه قد لا يتحمل ذلك كله فينهار تحت وطأة الهجوم المتواتر المتواصل.. وكذلك عالَم الفكر والعقيدة تماماً.
ولا يتوهم أحد ان الضليع في علم الاصول أو الفقه محصّن تماماً من الشبهات، إذ الرسوخ في علم الفقه والأصول أمر والتضلع في علم الكلام والعقائد أو الفلسفة أمر آخر، وقد يكون مستوى الأصولي مثلاً في احدى هذه العلوم كمستوى سائر الناس، فمن أين تأتيه المناعة والحصانة؟
وآخر دعوانا ان الحمد لله رب العالمين وصلى الله على محمد واله الطيبين الطاهرين
اضف تعليق