يقول الله سبحانه تعالى في محكم كتابه الكريم:
(وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ)[1].
جرى البحث في أن مؤسسات المجتمع المدني -الإنساني أو الإيماني كما هو الأولى في التسمية- لها مسؤولية أخرى تجاه المؤسسات التي تهدف إلى تحطيم البلد واقتصاده، أو أخلاقه وفضيلته وتقواه، أو فكره ودينه، وذلك لأن هذه المؤسسات القائمة على الفساد والإفساد لا تشارك في علمية بناء المجتمع المدني، بل هي معاول هدم للمجتمع المدني، وكان الأحرى ببعض علماء الاجتماع أن يخرجوا هذا النمط من المؤسسات من عنوان مؤسسات المجتمع المدني، بدلاً من أن يخرجوا منه العشائر أو العوائل أو ما أشبه ذلك.
وعلى سبيل المثال فإن تنظيم القاعدة -وهو تنظيم عالمي- لا نستطيع أن نعده من مؤسسات المجتمع المدني؛ لأنه يهدف إلى تخريب المجتمع المدني، إلى الفساد والإفساد، بالتفجير والإرهاب والتخويف والإفساد بمختلف ألوانه.
إن مؤسسات المجتمع المدني هي تلك المؤسسات التي تسهم في بناء البلاد أولاً، وفي خدمة العباد ثانياً، وفي الحيلولة دون طغيان واستكبار واستبداد السلطات الجائرة والعصابات المسلحة والتنظيمات الإرهابية ثالثاً.
الموقف الشرعي الحازم تجاه الجهات الهدامة:
وقد تم البحث في هذا الصدد، ونضيف إلى ذلك أن الروايات الشريفة تؤكد على لزوم اتخاذ موقف حازم، سواء من قبل الأفراد أم الجماعات أم المجموع أم الدولة إزاء المافيات الاقتصادية، وشبكات تهريب المخدرات، ومجاميع الإضلال الفكري والعقدي، والشبكات التي تهدف إلى بث ونشر الانحلال الخلقي عبر الأفلام الفاسدة والمنحلة وغيرها، بل وكذلك شبكات الرشوة التي لا نعتبرها من مؤسسات المجتمع المدني، والتي يجب أن يتخذ منها موقف حازم؛ لأن هنالك شبكات مهمتها رشوة المسؤولين لتمرير برامج ومشاريع ومخططات معينة، وهي ترتبط بأجندة خارجية أو داخلية، فترشي المسؤولين وتوقعهم في حبالها بمختلف الألوان والأشكال، مما يطول بحثه في هذا المقام.
النقمة الإلهية لا تختص بالمنحرفين والمخربين:
وسنتعرض الآن إلى باقة عطرة من الروايات الشريفة ليكتمل ما أنهينا به بحثنا الماضي، فقد أوردنا رواية[2] عن الإمام أبي الحسن (عليه السلام) حيث عاتب الجعفري كونه يزور خاله، مع أنه رَحِمُهُ؛ وذلك لأنه كان يقول في الله سبحانه وتعالى قولاً عظيماً، مما يعني إنه كان مبتلى بانحراف فكري عقدي في أصول الدين، فالجعفري حيث سأل الإمام عن وجه الإشكال في أن يزور خاله لكونه يعتقد برأي، وخاله اعتقد برأي آخر (فقلت: هو يقول ما يشاء، فأي شيء علي منه إذا لم أقل ما يقول، فإنني لا أقول الذي يقوله، فأنا حر وهو حر)!، فقال الإمام أبو الحسن (عليه السلام): (أما تخاف أن تنزل به نقمة فتصيبكم جميعاً).
النقمة تعم الأصدقاء والجلساء!:
إن هذه الرواية ليست محدودة بالأقوام السابقة، أو بحالات شاذة فردية، بل هي رواية عامة لكل الأزمان ولكل البلاد، الأفراد، و المجاميع، فقد يكون في مجلس ما اجتماع لبعض الذين يستهترون بالمقدسات، أو بالأخلاقيات والفضائل، فإن الجالس معهم في ذلك المجلس، وإن لم يشاركهم المعتقد، ستنزل به نقمة، وليس بالضرورة أن تكون رجزاً من السماء، بل قد تكون سلب توفيق أو بركة أو حرمان رزق، أي قد ينظر الله تعالى إليهم فيكتب عليهم جميعاً، بأن تشل أمورهم من الناحية الاقتصادية، بعد أن كان المقرر – فرضاً- لذلك الجالس في مجلسهم أن يوسع الله عليه من الناحية المادية، ولكن بحضوره في هذا المجلس فإنه يدمّر مستقبله الاقتصادي، فشركته- مثلاً- قد تتحطم وهو لا يدري من أين أصابه البلاء، وقد يسبب ذلك المجلس انحراف أبنائه، بينما لو أنه لم يشترك في ذلك المجلس، ويجالس ويصادق أولئك الجمع، فإن أبناءه كانوا بلطف الله سيبقون أبناءً خيرين.
عليه، فإن النقمة ليست مجرد عذاب أو رجس أو صخور أو نيران تنزل من السماء، بل إن أنماطها مختلفة ومتنوعة (أما تخاف أن تنزل به نقمة(فتصيب ذاك الظالم، وتصيب جميع من معه (أما علمت بالذي كان من أصحاب موسى(عليه السلام)) وهذه قصة تحمل أكبر العبر، فإن الإمام (عليه السلام) يحدثنا عن الذي كان من أصحاب موسى (وكان أبوه من أصحاب فرعون) هو المهتدي وأبوه الظالم، فلما لحقت خيل فرعون بموسى (عليه السلام) تخلف هذا الابن عن موسى وبقي إلى جنب أبيه لينصحه ويسحبه إلى جيش موسى، كي لا يهلك، إذن كانت نيته صالحة، ولكن النية الصالحة قد لا تنفع لدفع البلاء، فإنه إذا انخسف السقف فحتى الإنسان الصالح سيجرح أو يموت، (فلما لحقت خيل فرعون بموسى تخلف عنه) ذلك الابن (ليعظه) أي يعظ أباه، فيُلحِقه بموسى، فمضى أبوه وهو يراغمه ويعانده، وكان يناقش أباه نقاشاً وافياً (فادركه موسى وأبوه يراغمه، حتى بلغا طرف البحر) إلى أن تجاوز موسى البحر (فغرقا جميعاً، فأتى موسى الخبر) أن هذا الصالح هلك مع والده الطالح (فسأل جبرئيل عن حاله فقال له هو في رحمة الله، ولكن النقمة إذا نزلت لم يكن لها عمن قارب المذنب دفاع) لأن نيته كانت بالفعل صالحة، وكان يحاول أن ينقذ أباه من الظلام والضلال فهو في رحمة الله، لكن العقوبة إذا نزلت بقوم لا تستثني الصالح، ما دامت الجغرافيا تجمعهم.
إن الذين يصادقون مَنْ يشربون الخمر، في الوظيفة أو الجامعة، أو الذين يصادقون مَنْ يتحرش بالفتيات، أو يتعاطى المخدرات نعوذ بالله من ذلك، أو يصادقون من يحمل أفكاراً هدامة، أو تشكيكات بالعقائد، هم في معرض الخطر؛ إذ (من حام حول الحمى أوشك ان يقع فيه) فعلى المؤمن أن يجتنب أولئك؛ لأنهم سيؤثرون عليه، بل حتى لو فرض أنه محصن، فإنه إذا نزل البلاء على ذلك الصديق المنحرف فسوف ینزل عليه أيضاً.
منهج التشكيك:
وعوداً على ما ذكرناه في المبحث الماضي، نقول: إن (منهج التشكيك) هو من أهم أسلحة أعداء المجتمع المدني الإيماني ومن مخرباته الأساسية، ولا بأس بالتأكيد عليه مرة أخرى، فقد ثبت أن خطره على مؤسسات المجتمع المدني الهادفة لصلاح العباد والبلاد، لهو أكبر من خطر الاستعمار ومن خطر الظالمين معاً؛ لأنه ينخر في جسم الأمة من الداخل، ولأن خطر التشكيك يشمل الجانب الفكري إضافة للجانب الأخلاقي والديني، بل وحتى الجانب الاقتصادي، فإن بعض المؤسسات و مراكز الدراسات، وبعض أساتذة الجامعة والمفكرين وبعض دور النشر نجدها متخصصة كلياً أو جزئياً بطباعة الكتب أو المقالات أو الدراسات التي تحطم البنى الفكرية أو الأخلاقية أو العقدية، فينبغي الحذر منها أشد الحذر.
وقد نقلت وسائل الإعلام خبراً عن امرأة ارتدت عن الإسلام في أمريكا، وحسب التحقيق، فإن السبب كان هو إنها كانت شاذة أخلاقياً، وهو عمل حرام في الإسلام وفي كل الأديان، فارتدت عن الإسلام حتى تفعل الفاحشة بمثلها، ثم بعد ذلك ولأن الشيطان لا يترك الشخص حتّى يدخله في جهنم، ولا يخرجه من واد إلا إلى واد أعمق، ومن حفرة إلا إلى حفرة أعمق، ارتبطت هذه المرأة بعد ارتدادها بجهة مشبوهة معادية للإسلام، وكما تقول هي فإنها استشارت بعض مراكز الدراسات عن الذي عليها فعله، بعد أن اتهمت بالارتداد لمواجهة هجمة المسلمين ضدها، فأشار عليها مركز الدراسات بخطة شيطانية، وهي أن تثير الشبهات ضد الإسلام يميناً وشمالاً، ولا حاجة بعدها لان تدافع عن نفسها!
أي أن تثير شبهات في الاقتصاد الإسلامي، وفي السياسة الإسلامية، والاجتماع الإسلامي، والحدود والتعزيرات، وفي وجود الله سبحانه وتعالى، أن ترمي الشبهات ولا تفعل أكثر من ذلك، وهذا منهج شيطاني بامتياز!
وكما أن الشخص الذي يصاحب ويصادق السرّاق مثلاً سيصير- على احتمال كبير- سارقاً والعياذ بالله، كذلك الذي يصاحب المشكِّك ومثير والشبهات، فإنه حتّى إن سلمت عقيدته، شخصياً فرضاً، فإن من الممكن أن تتأثر زوجته أو ابنه أو شركته أو جماعته أو منظمته، (فالنقمة إذا نزلت لم يكن لها عمن قارب المذنب دفاع).
اجتماعات الجاحدين يحضرها عشرة أضعافهم من الشياطين!:
وفي رواية رائعة أخرى من كتاب الوسائل، يقول الإمام الصادق (عليه السلام) في حديث: (وما اجتمع ثلاثة من الجاحدين إلا حضرهم عشرة أضعافهم من الشياطين، فإن تكلموا تكلّم الشياطين بنحو كلامهم، وإذا ضحكوا ضحكوا معهم، وإذا نالوا من أولياء الله نالوا معهم، فمن ابتلى من المؤمنين بهم فإذا خاضوا في ذلك فليقم ولا يكن شرك شيطان ولا جليسه، فإن غضب الله عزّ وجل لا يقوم له شيء ولعنته لا يردها شيء)، ثم قال (عليه السلام): (فإن لم يستطع فلينكر بقلبه وليقم ولو حلب شاة أو فواق ناقة).
إن الجاحد هو الذي ينكر وجود الله سبحانه وتعالى، أو الذي ينكر رسول الله(صلى الله عليه وآله)، أو الذي ينكر ولاية أمير المؤمنين (عليه السلام)، والجاحد أيضاً هو الذي ينكر وجوب الصلاة مثلاً، أو وجوب الحجاب، أو أية شعيرة من الشعائر[3].
يقول أحد أصدقائنا من الفضلاء: ذهبت إلى مركز إسلامي في إحدى بلاد الغرب لكي ألقي عليهم محاضرات، وإذا بي أجد كبيرهم- وهو دكتور- يدعو النساء ليخلعن الحجاب، والمفروض إنه إنسان مؤمن مسلم؛ لذا فإن أكثرهنّ في المركز كنّ غير محجبات رغم إنهن كنَّ من النساء المسلمات، فعندما رأيت هذه الظاهرة صعدت على المنبر في أول يوم، رغم أن ذلك الدكتور كان سيد المكان، وبدأت حديثاً مفصلاً عن الحجاب، مستدلاً بآية قرآنية، هي: (وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ)[4]، لأن ذلك الدكتور كان قد أخبر الناس أن لا آية قرآنية تدعو للحجاب، ثم ذكرت لهم أن إجماع الفقهاء على ذلك، وإن الكثير من الروايات تؤكد ذلك، وإذا بذلك الدكتور تثور ثائرته ويقاطعني ويحتج، لكنه حيث لم يكن يملك المنطق، فإن كثيراً من النساء اقتنعن وتحجبن بعد هذا الكلام البسيط.
إن بعض الناس مولع بإلقاء الشبهات، وهناك مراكز للدراسات متخصصة في إلقاء الشبهات، فينبغي علينا أن نلتفت إلى ذلك، وأن نقوم في مقابل ذلك بإنشاء مركز (متعدد الأبعاد) أيضاً، وسأشير لاحقاً إلى ما أعنيه بمتعدد الأبعاد.
ولنرجع إلى كلام الإمام: (عليه السلام) (ما اجتمع ثلاثة من الجاحدين إلا حضرهم عشرة أضعافهم من الشياطين) فإن إطلاقه يشمل ما إذا كان الاجتماع في مركز للدراسات، أو في هيئة تعليمية، أو في شركة اقتصادية أو في غيرها، فإن كان المجتمعون ثلاثة فسيحضرهم عشرة شياطين؛ لأن الشياطين يوحون إلى أوليائهم، كما أن الملائكة يوحون للمؤمنين ويسددونهم، فالكفار والمنافقون والظالمون والطغاة والمستبدون كل أولئك، فإن الشياطين يوحون إليهم زخرف القول غروراً (إلا حضرهم عشرة أضعافهم من الشياطين فإن تكلموا تكلم الشياطين بنحو كلامهم) ولعله لمزيد التلقين وإيجاد التموجات، (وإذا ضحكوا ضحكوا معهم، وإذا نالوا من أولياء الله نالوا معهم، فمن ابتلي من المؤمنين بهم فإذا خاضوا في ذلك فليقم).
وعلى ذلك فلو وجد الطالب في الجامعة- مثلاً- أن الأستاذ يطعن في الدين فعليه أن يقوم، ويحتج ويعترض، لا أن يسكت خوفاً على درجاته في الامتحان؛ وذلك لأنه عندما يتخاذل هذا الطالب ويتخاذل زيد وعمر وبكر وهكذا، فإن الظلال والظلام يستولي ويخيم؛ ولذا فإن على الشخص المعني أن يتخذ موقفا صريحاً وبشجاعة فائقة.
وكذلك الأمر في الإذاعة والتلفزيون، وفي الدولة أو في أي مؤسسة أخرى، (فمن ابتلي من المؤمنين بهم فإذا خاضوا في ذلك فليقم ولا يكن شرك الشيطان) وهناك احتمالان في (شرك الشيطان) الأول: أن يكون شريك الشيطان في عمله، الثاني: أن يكون شركاً من شراكه (ولا يكن شرك الشيطان ولا جليسه، فإن غضب الله لا يقوم له شيء ولعنته لا يردها شيء)؛ لأن الله سبحانه وتعالى، سيلعن هذا الجاحد، بمعنى إنه سيطرده من رحمته، وقد يسلب منه إيمانه بالتدريج.
ثم قال: (عليه السلام) (فإن لم يستطع) ولم يقدر حقيقةً وبأي وجه من الوجوه، (فلينكر بقلبه وليقم) أي ليخرج من هناك إن لم يمكنه أن يناقش الأستاذ، أو أن يواجه هذه الفئة الضالة المضلة، فليقم ليخرج من المجلس، أو من قاعة الدرس، أو من ذاك الاجتماع الحزبي، الذي يخطط بما لا يرضي الله سبحانه وتعالى لضرب جماعة أخرى منافسة مثلاً لا لسبب إيماني، بل لمصالح أنانية، (وليقم ولو حلب شاة) أي حتى بهذا المقدار أن يخرج ولو بمقدار حلب الشاة، والذي لا يستغرق وقتاً طويلا (أو فواق ناقة) وهو الصوت الذي تخرجه مثل الشهيق والزفير، نظير ذلك، وهي فترة قصيرة جداً، وقد تكون لثانية أو ثانيتين، فليخرج من المجلس بعذر أو آخر ولو بهذا المقدار، فإنه نوع تبرير.
مجالسة المنحرفين ومدحهم كفر:
وفي رواية أخرى عن الإمام الصادق (عليه السلام) يقول: (من جالس لنا عائباً أو مدح لنا قالياً، أو وصل لنا قاطعاً، أو قطع لنا واصلاً، أو والى لنا عدواً، أو عادى لنا ولياً فقد كفر بالذي أنزل السبع المثاني والقرآن العظيم).
فبعنوان الأخوة والصداقة يجالس أحدهم من يعيب على أهل البيت (عليهم السلام)، كلا.. ليس له الحق في ذلك؛ لأن الحق أحق أن يتبع (من جالس لنا عائباً أو مدح لنا قالياً (فلا تجوز مجالسة المبغض للرسول (صلى الله عليه وآله) أو لأهل البيت (عليهم السلام)، وليكن من أعلم العلماء، ليكن الفخر الرازي أو كيسنجر أو نظائرهما، فكيف بالترويج لهم وامتداحهم!
ومن الغريب أن نجد الكثير من المؤمنين - ومع الأسف- يمتدح هؤلاء الأعداء!
إن المتميز في الإدارة أو الاقتصاد أو السياسة أو الفيزياء أو الكيمياء إذا كان مبغضاً للرسول أو لأهل البيت (عليهم السلام) فلا يصح أن نمدحه؛ إذ عندما نمدحه فإننا نصنع منه نموذجاً عالمياً، ونعطيه الشرعية بذلك.
والغريب إن اليهود هم أكثر الناس نشاطاً في حقل تلميع الوجوه وصناعة الأبطال و(النمذجة)، ومن الملاحظ إن قسماً كبيراً من العلماء المعروفين على مستوى البسيطة، هم من الذين روج لهم اليهود أكثر مما يستحقون، ولا بُعد أن يكون له وزن علمي، لكن الإعلام العالمي طبّل حوله وزمر إلى رمز أو أسطورة، أما إذا كان شيعياً فلا أحد يتحدث عنه، أو يكون الحديث عنه بشكل هامشي مقتضب ولا غير.
(من جالس لنا عائباً) وهذا مرض خطير (أو مدح لنا قالياً) وهو المبغض لأهل البيت (عليهم السلام) ومن المدح أن تقول: إن خطاباته جميلة، أو إنه يمتلك ذهناً وقاداً، أو له أفكار نيرة؛ إذ عندما يسمع الناس هذا الكلام سيتأثرون به؛ إذ ليس الكل ممن يستطيع أن يميّز بين الغث والسمين، فقد يجرّه ذلك إلى الانحراف، وكذلك فإن كل إنسان ليس محصّناً.
وإليكم هذا المثال والشاهد الحي، فإن بعض المفكرين المنحرفين- وهم من المتأثرين بجامعة السوربون أو غيرها- بدأوا الدعوة إلى النسبية، نسبية المعرفة، أو نسبية اللغة، أو نسبية الحقيقة المسماة بـ(الهرمنيوطيقا).
وهذه النظرية منتشرة في كثير من الجامعات، ومضمونها أن الحقيقة نسبية أو المعرفة نسبية، أو اللغة نسبية، وأن لا شيء مطلق وفق هذا الفكر، وقد حللنا في كتاب (نقد الهرمنيوطيقا ونسبية اللغة والحقيقة والمعرفة ((النسبية) إلى خمسة عشر معنى، ومدارس عديدة تتفرع إليها هذه الفلسفة، والهدف الأساس من (الهرمنيوطيقا) ببعض مذاهبها هو تحطيم البنى العقدية والفكرية لكل دين، فهل يصح أن نمدح أحدَ هؤلاء، لأن كتاباته مثلاً قوية؟! مع أن من يستمع إلى هذا الرأي قد يتأثر به بسبب امتداحها، ولو لا شعورياً.
(أو وصل لنا قاطعاً أو قطع لنا واصلاً، أو والى لنا عدواً أو عادى لنا ولياً، فقد كفر بالذي أنزل السبع المثاني والقرآن العظيم) والسبع المثاني هي سورة الحمد.
ولا يخفى أن الكفر درجات، وهذه إحدى درجاته.
الخطط المركبة:
ثم إن مواجهة هذه المؤسسات الهدامة لا يمكن إلا من خلال وضع خطة مركبة، أو منوعة من الأفراد والجماعات والجهاز الحاكم أيضاً.
أ- ففي المؤسسات الحكومية لابد من انتهاج منهج الحزم، فإن المشاهد في كثير من الدول الإسلامية، في الوزارات ومختلف مرافق الدولة، أنه يجري التستر على الفساد مع أن الشخص المرتشي أو المخادع أو الفاسد أو المقصِّر، لا يحق لحزبه أن يدافع عنه، بل يجب أن يعاقب أو تجمّد عضويته أو أن يُقال من موقعه، وذلك يُعدّ من الفروق بين الحكم الديمقراطي والدكتاتوري، ففي البلاد الديمقراطية - وإن كانت ديمقراطيتها نسبية - لا يجري التستّر فيها على المفسد إلا بحدود معينة، خوفاً من الإعلام والرأي العام، ولذلك تراهم مضطرين لإقالته أو عزله أو استجوابه أو محاكمته، أو شبه ذلك، في أي موقع كان، وهذا من أسرار قوتهم النسبية.
أما في بلادنا، فإذا كان أحدهم في موقع قيادي، في حزب أو شركة أو له منصَب في الدولة ثم ارتكب جرماً، كأن أخذ رشوة، أو أهمل شؤون الموظفين، أو أخلّ وتكاسل بالخطة التنموية التي كان ينبغي أن يسير عليها، فالملحوظ أن الحزب أو الدولة أو الجماعة تحاول أن تتستر عليه، وهذا خطأ فادح، بينما ينبغي أن يحصل العكس، بأن تتخذ الدولة أو الحزب، موقفاً حازماً مع أمثالهم، كما صنع أمير المؤمنين (عليه الصلاة وأزكى السلام) مع ذلك القاضي لا لجريمة ارتكبها، بل لمجرد إنه كان يعلو صوته صوت الخصمين !!فأمر الإمام بعزل أبي الأسود الدؤلي؛ لأنه (كان يعلو صوتك صوت الخصمين).
والغريب أن نجد بعض الحكومات، وبعض الجهات تتستر على مَنْ شارك في قتل الناس، أو من ساهم فكرياً أو مالياً في دعم تنظيم ارهابي، كتنظيم البعث أو القاعدة، بل وتدافع عنهم!
إن غضب الله إذا نزل سينزل عليهم وعلينا أيضاً إذا سكتنا عنهم، أعاذنا الله وإياكم من ذلك.
ب - قد تكون معالجة الموقف بـ(الاحتواء)، فالشاب الذي بدأ ينحرف عليك أن تحتويه (فكرياً) بالكتب والمقالات والحوار والحديث وما أشبه ذلك، و(وتنظيمياً) بإشراكه في هيئات وأنشطة وبرامج دينية متنوعة، وفي (تجمعات إيمانية) أو اتحادات ونقابات وشبهها، و(عملياً) بحل بعض مشاكله، فإن هذا الشاب عندما ينحرف لسبب ما فلابد من معالجة السبب، وتلبية احتياجاته الطبيعية، وذلك لمحاصرة الانحراف عملياً أيضاً، وذلك كأن يجري تزويجه، مثلاً، أو توفير فرصة عمل له أو ما أشبه ذلك.
ج - وقد تكون معالجة المعضلة بما يسمى بـ(الاحتواء المزدوج)، فجزء منه ضغط، وجزء منه ترغيب، وجزء منه ترهيب، وجزء منه فكر إلى غير ذلك، لكن الموقف يحتاج إلى دراسة وتقييم متواصلين.
ومن جهة أخرى فإن مؤسسات المجتمع المدني، من حوزة علمية أو جامعة أو هيئة أمناء مسجد أو حسينية أو عشائر أو عوائل، أو أية مؤسسة أخرى، إذا شاهدت أي خلل فكري أو أخلاقي، ولو كان بسيطاً في تصرف عضو، أو تصرف شخص أو مؤسسة، فعليهم أن يعلنوا حالة الاستنفار القصوى، وذلك لأن من الخطأ الفادح إذا انحرف أحدهم أن نقول: إن هذه ليست مشكلة جادة، أو أن انحرافه مجرد انحراف بسيط؛ إذ (ومعظم النار من مستصغر الشرر)، وكل سيل من الانحراف بدأ بخطوة أو حركة أو قرار، ثم لعله يقضي على البلد بأكمله.
وأؤكد مرة أخرى إذا رأت إحدى الجماعات في حزب أو نقابة أو عشيرة أو في ميتم، أو مسجد أو في حسينية، أن انحرافاً قد حصل فيها، وأن زيداً من الناس ظهرت عليه بوادر الاستبداد، أو الاستهانة بحقوق الآخرين، فإذا أعلن الجميع حالة الاستنفار القصوى تجاه أي انحراف، ولو كان بسيطاً، فإن ذلك التنظيم أو تلك العشيرة أو المسجد والحسينية ستكون بألف خير.
وكذلك إذا شاهد الأب ابنه- مثلاً- يستخدم الإنترنت في المواقع غير الأخلاقية، فعليه أن يعاتبه ويراقبه، بل عليه أن يستنفر كل القوى المتاحة، ويبحث عن جذور المشكلة ليعالجها، ويكتشف الأبعاد الأخرى للقضية، فقد يكون وراء الأكمة ما وراءها، قد يكون الفراغ هو السبب، أو أصدقاء السوء، أو العزوبية، أو بعض الأستاذة في الجامعة، أو فقدان الرعاية الأبوية الكافية، أو كل ذلك، أو غير ذلك، فإذا استنفر الإنسان كل طاقاته منذ البداية، فإن بمقدوره أن يحول دون انهيار البيت والبناء بأكمله، أما إن لم يستنفر الإنسان طاقاته فمن الطبيعي أن الأمر سينجر إلى ما لا تحمد عقباه.
والخلاصة: إنه تجب معالجة الموقف بهذا الشكل، فمن جهة أن تكون خطة مركبة متعددة الأبعاد، من ضغط و ترغيب و ترهيب، وفكر، واحتواء، ومن جهة ثانية ينبغي استنفار كل الطاقات لمواجهة المؤسسات الفاسدة، بل ولمواجهة بوادر الانحراف، فإذا وجدنا إحدى الصحف نشرت مقالة نالت من جانب من الجوانب، فلا يصح أبداً أن نمر عليها، فإنها البداية وستليها مقالات وسيبدأ السيل منها، وكذلك الحال في برامج القنوات الفضائية، أو محتويات الشبكة العنكبوتية.
إذا استنهض الجميع طاقاتهم عند أُولَيات البوادر فسنقضي على الفساد وهو في مهده، وسنقف أمام الضلال وأمام الانحراف قبل أن يتسع الخرق على راقعه، والبحث في هذا الحقل طويل، ونكنفي بهذا القدر، وسينصرف البحث القادم إلى موقف الجماعات ومسؤوليتها تجاه الجميع، وسنطرح رؤية جديدة حول هذا الموضوع، إن شاء الله.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين،
وصلاة الله على محمد وآله الطاهرين.
اضف تعليق