ان العلاقات العربية الصينية هي محصلة تركيبة من العناصر التاريخية والثقافية والسياسية والمصالح المتبادلة والتعاون والتعاطف بين الطرفين، وقد تأثرت علاقة الطرفين سلباً وإيجاباً بالتطورات الاقليمية والدولية والدور الذي يمارسه كل منهما على الساحة الدولية، فضلاً عن تاريخ هذه العلاقات المتميزة بينهما والتي ترجع إلى فترة قديمة...
المقدمة:
أن العلاقات العربية – الصينية هي محصلة تركيبة من العناصر التاريخية والثقافية والسياسية والمصالح المتبادلة والتعاون والتعاطف بين الطرفين، وقد تأثرت علاقة الطرفين سلباً وإيجاباً بالتطورات الاقليمية والدولية والدور الذي يمارسه كل منهما على الساحة الدولية، فضلاً عن تاريخ هذه العلاقات المتميزة بينهما والتي ترجع إلى فترة قديمة ويمتد على مر التاريخ وحتى الوقت الراهن، كذلك تطورت العلاقات العربية – الصينية من خلال مساندة ودعم وتأييد الطرفينن لبعضهما في قضايا عدة من أجل تحقيق أهدافهما بمقارنة علاقات الصين مع المجموعات الاقليمية الأخرى، إذ يتسم بالمحدودية وتغلب معايير جديدة عليها آخذا في الاعتبار التطورات الدولية وأهداف الصين المستقبلية.
أولاً:- الأهداف العربية – الصينية المشتركة.
لم يؤدي الشعبان الصيني والعربي إلى إعادة وتطوير الاواصر الودية التاريخية بينهما فحسب، بل كانا يتبادلان المساندات والتعاون وثيق بينهما، إذ تقوم الدول العربية بدعم الاتجاه الصيني لتحقيق أهدافها والتي تتمثل في:-
1- الحصول على حليف قوي: ليشكل قطباً موازياً للولايات المتحدة الامريكية لكون الصين هي إحدى القوى الكبرى المعارضة للهيمنة الأمريكية في عالم الجنوب.
2- الحصول على شريك مؤيد للقضايا العربية: في ظل التحديات التي تواجهها المنطقة العربية حققت الدول العربية درجة عالية من هذا الهدف مثال على ذلك تأييد الصين مصر في مواجهة العدوان الثلاثي عام 1956.
3- الحصول على شريك لشراء السلاح: إذ عقدت الصين عدداً من صفقات الأسلحة مع بعض الدول العربية منها العراق، مصر، السعودية، الامارات وغيرها.
4- الحصول على شريك تجاري للاستثمار المتبادل: تؤكد الدول العربية على أن تكون الصين شريكاً تجارياً لها، إذ ارتفعت الاستثمارات بين الصين والعرب بشكل غير مسبق، إذ بلغت الاستثمارات الصينية في الدول العربية منذ عام 2003 نحو (3- 17) مليار دولار.
5- الحصول على شريك سياسي: ليحل كقوة موازية للهيمنة الدولية لاسيّما بعد انهيار القطبية الثنائية، إذ أن التعاون الصيني – العربي أخذ ابعاداً متطورة في المجال السياسي من خلال المنظمات الدولية كالأمم المتحدة والمنظمات الاقليمية.
بالمقابل فأن الصين تقوم بالتعاون مع الدول العربية لتحقيق أهدافها أيضاً والتي تتمثل في:-
1- النفط والغاز: تعتمد الصين بنسبة كبيرة على النفط العربي وتبرز الدول (السعودية – الامارات – السودان- عمان – اليمن – الكويت – ليبيا – قطر) كشريكات رئيسيات للصين، إذ تستورد منها ما يقارب الـ(50%) من احتياجاتها من اجمالي (60%) هي واردات الصين من نفط منطقة الشرق الأوسط كله.
2- التجارة واجتذابها رؤوس الأموال العربية للاستثمار في الصين: تم تعزيز التعاون التجاري والاستثماري بين الطرفين لاسيّما في مجال البتروكيميات ومصافي النفط.
3- الحصول على حصة رئيسة في مشروعات اعادة الإعمار في الدول العربية مثل الكويت والعراق.
4- الحصول على تأييد في المحافل الدولية والحصول على مجالات جديدة للعمال الفنيين.
5- أصبح الحفاظ على سلام واستقرار البيئة الدولية أحد الأهداف الرئيسية للسياسة الخارجية الصينية.
6- تعزيز التعاون السياسي والعلمي والتكنولوجي بين الصين والمنطقة العربية.
ثانياً:- الثوابت في المواقف العربية – الصينية.
تستند علاقات العرب والصين على عدد من الثوابت في مواقف كل طرف وهي أساس التعامل في الماضي وترسم آفاقه في المستقبل ولعل في مقدمة ثوابت المواقف العربية – الصينية ما يأتي:
1- مبادئ التعايش السلمي وعدم التدخل في الشؤون الداخلية فلا نجد سوابق للصين بالتدخل في الشؤون الداخلية لأي دولة عربية والأمر نفسه بالنسبة للدول العربية.
2- تأييد متبادل للمواقف من دون تدخل كبير، هناك في العادة تأييد صيني لكثير من المواقف والقضايا العربية، إلا أن ذلك يبقى تأييداً من حيث المبدأ من دون الدخول في كثير من التفاصيل وتظهر المساندة الصينية عادة في البيانات المشتركة آبان الزيارات الثنائية المتبادلة، أو في اجتماعات "منتدى التعاون الصيني العربي" ومثال على ذلك إدانة الهجوم الاسرائيلي ضد لبنان عام 2006 وضد غزة عام 2008 ؛ وبالمقابل نجد أن الدول العربية تدعم الموقف الصيني الرافض لانضمام تايون بصفتها دولة إلى منظمة الأمم المتحدة وغيرها من المنظمات الدولية.
3- مبدأ المصلحة المتبادلة الذي يظهر في المجالين الاقتصادي والتجاري والاستثمارات لاسيّما مع تقديم الاقتصاد على السياسة.
ثالثاً:- معوقات العلاقات العربية – الصينية.
على الرغم من التطورات التي تشهدها العلاقات الثنائية بين العرب والصين، إلا انها لا تخلو من اختلاف وجهات النظر، أو بعض العقبات التي تحد من تطورها، إذ تعد العقبات اللغوية والثقافية احدى العقبات التي تواجه الطرفين، فمثلاً نجد أن إسرائيل لها تأثير كبير في أوضاع المنطقة العربية فيبرز في علاقات الصين وإسرائيل الجانبان الأمني والعسكري على نحو خاص، فقد كانت إسرائيل الأولى التي اعترفت بجمهورية الصين الشعبية بعد شهور قليلة من اعلانها في 9 كانون الثاني عام 1950 وفي أوائل الثمانينات من القرن العشرين وبروز حاجة البلاد إلى التكنولوجيا خاصة العسكرية جرت اتصالات سرية مع إسرائيل أسفرت عن عقد العديد من الصفقات في مختلف القطاعات العسكرية الاسرائيلية واقترنت حاجة الصين وإسرائيل إلى بعضهما من أجل تعزيز التعاون بينهما في الجوانب الضرورية منها:-
1- حاجة الصين إلى التقنية المتقدمة لدى اسرائيل.
2- حاجة الصين إلى تحديث الجيش والإفادة من الخبرة الاسرائيلية في هذا الشأن.
3- المعلومات المتعلقة بالعقيدة الاسرائيلية والخبرة القتالية التي تملكها إسرائيل.
4- نظم المعلومات التي تمتلك اسرائيل مستوى متطور منها.
5- الطاقة النووية حيث تعتمد الصين بالدرجة الرئيسة على قدراتها الذاتية للحذر الأمريكي وقبله السوفيتي من تطورات القدرات النووية الصينية في حين تستطيع إسرائيل أن تدخل في مجال التعاون لتطوير التقنية والخبرة النووية الصينية.
6- الصناعات الأخرى ذات الأهمية ومنها ذات العلاقة بالطاقة والزراعة والصناعة ومنها تحول الصين بفضل الخبرة الاسرائيلية إلى دولة مصدرة للقطن منذ عام 1985 بعد أن كانت مستودرة له.
ومن هنا يتضح أن العلاقات الصينية – الاسرائيلية تطورت بشكل خاص في الجوانب التقنية، ولاسيّما في مجال الصواريخ وتحديث الطائرات العربية، فضلاً عن الالكترونيات والتقنيات ذات التكلفة الأقل، لهذا نعتقد على ما تقدم أن العلاقات الصينية – الاسرائيلية في الوقت الحاضر مستمرة في التطور وأن عناصر الجذب حتى الآن هي أقوى من عناصر التنافر، إذ أرى هناك تعديل واضح في السياسة الخارجية الصينية تجاه القضايا المرتبطة بإسرائيل بحيث أصبحت الصين تسعى إلى تخفيف اللهجة الانتقادية ضد إسرائيل.
رابعاً:- العلاقات الخليجية – الصينية (أنموذجاً).
نظراً لأهمية المنطقة العربية بصورة عامة والخليج العربي خاصة بالنسبة للصين لما تحتويه هذه المنطقة العربية من ثروة نفطية ، هناك عدد من المصالح الحيوية يمكن أن تربط بين الصين ومنطقة الخليج العربي على نحو إستراتيجي لاسيّما من الناحية الاقتصادية وهو ما يمكن إجماله بالنقاط الآتية:-
1- حاجة الدول الخليجية إلى توزيع المصادر المستوردة لنفطها وغازها مما جعلها تعطي للصين أهمية كبرى في حساباتها الاستراتيجية لكونها سوقاً استهلاكية كبيرة للطاقة بشكل عام وضمنها النفط والغاز.
2- حاجة الصين للنفط والغاز تفرض عليها البحث عن شركاء يتمتعون باستقرار في تصدير النفط لدول الخليج العربي.
3- رغبة الدول الخليجية في الاستثمار المالي في قطاع الطاقة في الصين وهو قطاع بحاجة إلى رأس المال والتكنولوجيا المناسبة لنوعية النفط الذي تصدره معظم الدول الخليجية.
4- رغبة دول الخليج العربية في تنويع جهات استثماراتها بعيداً عن الاعتماد على الولايات المتحدة الأمريكية واوروبا ومنها الصين التي تعد سوقاً استثمارية واعدة لدول الخليج العربية.
5- رغبة الصين في ايجاد اسواق استثمارية لشركاتها العاملة في مختلف المجالات، ولاسيمّا المتعلقة منها بالبنية التحتية التي تعمل دول الخليج العربي بجد لتطويرها.
خامساً:- مستقبل العلاقات العربية – الصينية.
أن العلاقات العربية – الصينية أمامها مستقبل واعد لوجود مصالح مشتركة بين الطرفين، إلا أن ذلك له حدود إذ أن الصين دولة صعبة في التفاوض الدولي، إلا أن الموقف العربي الراهن يتلاقى مع الموقف الصيني في فصل الاقتصاد عن السياسة وذلك يتوافق مع المصالح الصينية وأمام العرب فرصة أخرى في تطوير استفادتهم من العلاقات مع الصين باقناعها بثلاثة أمور:-
الأول:- نقل تكنولوجيا صينية إلى الدول العربية خاصة في مجال صناعة السلاح.
الثاني:- الحصول على امتيازات للاستثمار العربي في الصين.
الثالث:- منح امتيازات للاستثمارات الصينية وتطوير القوانين الخاصة بذلك، وعلى الرغم من كون الصين احدى الدول القلائل التي ليس لها طموحات الهيمنة ولا الرغبة في التدخل بالشؤون الداخلية للدول الاخرى يمكن أن تكون شريكاً مناسباً للدول العربية في القرن الجديد إذا ما أحسن الجانبين ادارة العلاقات بينهما بالشكل الذي يعظم مصالحهما المشتركة معاً، إلا أنه يجب البدء منذ الآن في اعادة ترتيب أولويات العلاقات بينهما ووضع خطط وأساليب تنفيذ هذه الأولويات للوصول إلى الشراكة المنشودة وهذا يتطلب:
1- إعادة النظر في أساليب المشاورات السياسية بين الجانبين لتركز في المقام الأول على دفع وتعزيز العلاقات الثنائية بين الصين والدول العربية على التقوية الثنائية مع كل دولة على حدة وعلى المستوى الجماعي في اطار جامعة الدول العربية.
2- اعادة النظر في عمليات التعاون الاقتصادي والتجاري وفتح مجالات جديدة للتعاون دون الاقتصار على سياسات انتهاز الفرص والاغراق والمصلحة المنفردة (وهي السمة الغالبة على أساليب التعاون بين الجانبين في هذا المجال).
3- توسيع قوى التعاون العلمي والتكنولوجي بين الجانبين.
4- صنع مجالات تعاون بين الجانبين في مناطق أخرى الأمر الذي يعزز المصالح وربما تكون القارة الأفريقية أحد هذه المناطق المرشحة للتعاون العربي – الصيني في ضوء الخبرات والتجارب العربية والمصرية على وجه التحديد في دول القارة.
5- توسيع مجالات التعاون الأكاديمي والتعليمي بين الجانبين وتدريب الكوادر، وذلك لتحقيق التقارب الفكري الذي يساهم بدوره في الارتقاء بمستوى العلاقات بين الجانبين.
الخاتمة:
أن العلاقات العربية – الصينية تتمثل بكونها علاقات ذات تقارب وثيق ومنذ أمد بعيد، فهي علاقات تقوم على أساس الاحترام والتعاون والمنفعة المتبادلة لكلا الطرفين من العرب والصين، وفي الجوانب الاقتصادية والسياسية والدبلوماسية كافة وفق ثوابت تحددها مواقفها في قضايا عدة، إذ يتفق الطرفان على تقديم الاقتصاد على السياسة وتبادلان المساندات والزيارات والتأييدات الدائمة لتحقيق أهداف ومصالح كلا الطرفين، بالرغم من المعوقات التي تواجه علاقتهما، إلا أن الصين تتبع سياسة خارجية واضحة تقوم على التعاون لا على الصراع ، فهي من الدول القليلة التي ليس لها طموحات الهيمنة ودليل ذلك علاقاتها مع العرب خاصة التعمق بالعلاقة مع الخليج العربي وهي بذلك تمثل علاقات وثيقة الأسس تطمح إلى آفاق مستقبلية متطورة.
اضف تعليق