الصورة التي ترسم عن العراق على انه بلد غني بالموارد الطبيعية، ابرزها النفط الذي تتمنى اغلب دول العالم لو تمتلك ربع مخزونه النفطي، بالاضافة الى مواد معدنية وأخرى تدخل في عالم التصنيع لم تكتشف او تستخرج بعد، كما يمتلك البلد مساحات زراعية كبيرة اغلبها لم يستثمر لحد الان، اما على مستوى الموارد البشرية فيكفي تفحص عدد من يملكون شهادات جامعية أولية او شهادات عليا لم يحصلوا على فرضة عمل. انهم بالالاف او اكثر من ذلك. لكن كل ذلك لم يستثمر بالشكل الذي يجعل المواطن يعيش في \"جنة شرق أوسطية\" على اقل تقدير...
الصورة التي ترسم عن العراق على انه بلد غني بالموارد الطبيعية، ابرزها النفط الذي تتمنى اغلب دول العالم لو تمتلك ربع مخزونه النفطي، بالاضافة الى مواد معدنية وأخرى تدخل في عالم التصنيع لم تكتشف او تستخرج بعد، كما يمتلك البلد مساحات زراعية كبيرة اغلبها لم يستثمر لحد الان، اما على مستوى الموارد البشرية فيكفي تفحص عدد من يملكون شهادات جامعية أولية او شهادات عليا لم يحصلوا على فرضة عمل. انهم بالالاف او اكثر من ذلك. لكن كل ذلك لم يستثمر بالشكل الذي يجعل المواطن يعيش في "جنة شرق أوسطية" على اقل تقدير.
ليس النفط والزراعة والموارد البشرية هي ما يملكها العراق، فهذه مقومات الامن القومي الداخلي، انما هناك فائض اخر من الحلفاء لم تستثمرهم الحكومة من اجل الاستفادة من الموارد الداخلية المهدورة، فلا يوجد للعراق أي أعداء باستثناء إسرائيل، وحتى هذه الدولة يمكن تجنبها عبر دول أخرى مثل الولايات المتحدة الامريكية او بريطانيا لو تم توظيف العلاقات بالشكل الأمثل، وفهم طبيعة مطالب الدول الأخرى ومرتكزات علاقاتها الخارجية.
لو بدأنا على المستوى الداخلي فان العراق لا يعاني من نقص في الروح الوطنية لأبنائه التي تدفعهم لتقديم اقصى ما يمكنهم تقديمه، وما ادل على ذلك من مشاركتهم الواسعة في تحرير الأراضي من تنظيم داعش، والهبة الوطنية الكبرى لمساعدة النازحين، والمشاركات المليونية في التظاهرات المطالبة بإصلاح الوضع السياسي والاجتماعي العام وتحقيق العدالة من جميع المواطنين، بالإضافة الى مشاركتهم الفاعلة في جميع الدورات الانتخابية منذ عام 2004 وحتى عام 2014 باستثناء الانتخابات الأخيرة التي أراد الشعب معاقبة نوابه في البرلمان والحكومة.
اما خارجيا فالدولة العراقية هي قبلة للدول الكبرى والصغرى، فهي مصدر للموارد_ كما أشرنا انفا_ التي تفتقدها الدول الأخرى، وبتعزيز علاقاتها مع العراق يمكنها ضمان امنها القومي خشية ان يتحكم به اعداؤها، وفي الجانب الاخر يمثل العراق سوقا كبيرة يمكن ان تصدر لها كميات هائلة من البضائع، فالمواطن يفتقد لمختلف السلع والخدمات نتيجة الإهمال المستمر وبالتالي فهو لم يصل الى مرحلة الاشباع من تلك السلع، وأجهزة الدولة ووزاراتها تمثل سوقا كاملة بحد ذاتها.
لم تستغل الحكومات العراقية المتعاقبة هذه الميزات التي يمتلكها البلد وفرطت بكل شيء الا ما يتعلق بمصالحها، لذلك اتخذ الشعب قراره بمعاقبتها على فعلتها حيث اعادت العراق الى اول التاريخ، فامتنع عن المشاركة في الانتخابات ليقول انه قادر على الفعل، واذا لم يتم له ما يريد فانه قد يلجأ الى طرق اشد قسوة على السياسيين.
لكن ما بال الساسة الذين لا يعون ولا يسمعون جعجعة التغيير، فعادوا لنفس الطريق التي رفضها الشعب، فمعركة الانتخابات لم تنتهي فصولها بعد، والتلاعب بصوت الناخب بدأ باشعال حرائق الصناديق الانتخابية ولم ينتهي بإعادة الفرز يدويا، اما مفاوضات تشكيل الحكومة فتجري على عكس ما يريد المواطن.
يجري الحديث اليوم عن مرشحين لرئاسة الحكومة والبرلمان ورئاسة الجمهورية لا على أساس برنامجهم الوطني، بل على أساس إرضاء الدول الخارجية، ولا يتحدث احد عن متطلبات المواطن اطلاقا حتى في وسائل الاعلام التي يفترض ان تكون ميدانا للمجاملات يتداول الساسة أفكارهم حول كيفيه اختيار المرشح التوافقي للفاعلين الخارجيين.
لم يتعزز لحد الان شعور لدى السياسي العراقي ان خدمة الوطن هي المعيار لنجاحه، ولا يريد أي سياسي ان يكون تابعا لوطنه ويمكنه ان يخدم حلفائه عن طريق خدمة مواطنيه، اذ لا تتعارض خدمة الوطن مع التحالفات الخارجية، فهذه أساس العلاقات الدولية ولا يمكن لاحد انكار فائدتها التي يجنيها المواطن والمسؤول معا، الا ان السياسي العراقي لا يفكر ابعد من قاعة الاجتماع مع حليفه ويحاول ان يقدم له بلده على طبق من الطاعة والولاء، اما الحديث عن استراتيجيات وتخطيط طويل او قصير الأمد فلا وجود لها في قاموس الأحزاب الحاكمة.
افتقد المسؤول للتخطيط ففرط بالموارد الطبيعية وجعلها عرضة للهدر، وغابت رفاهية المواطن عن تفكير الحكومة فوجد الشباب المتخرج من الجامعة أنفسهم في جيوش البطالة، وخضعت الأحزاب للقرار الخارجي فضاعت بوصلة تشكيل الحكومة، وهذه الأخيرة يتوقع ان تكون الأضعف في القرن الحادي والعشرين لانها لن تكون حكومة بقدر ما تكون عبارة عن أشلاء لجسد المصالح الخارجية على الأرض العراقية.
اضف تعليق