q

قال "ديفيد إغناتيوس"، الكاتب بصحيفة "واشنطن بوست" الأمريكية: إن القوات الأمريكية أقامت تدريبات عسكرية في قاعدة وسط المستنقعات في الولايات المتحدة، في محاكاة لقرية أفغانية، وطبقت فيها الدرس العسكري للحرب ضد "داعش في سوريا والعراق"، وهو: "ساعد شركاءك للتغلب على أعدائك، ولكن لا تحاول القتال بنفسك". وكان الدرس يقول تعلم حروب الوكالة في الالفية الجديدة.

وزعم أن السماح للآخرين بالقتال في المعركة لم يكن يومًا الطريقة الأمريكية في العصر الحديث؛ لخيبة الآمال الوطنية الهائلة؛ فقد بات الجيش الأمريكي متعثرًا في العراق وأفغانستان، مثلما كان لديه جيل سابق في فيتنام، من خلال محاولة إعادة تشكيل المجتمعات بقوة النيران الأمريكية. وبالنسبة للجيش، فإن الدرس المستفاد من هذه المستنقعات هو التراجع للخلف، ومساعدة القوات المحلية بالتدريبات، والنصائح، والقوة الجوية.

ومن هنا (والحديث للكاتب) يظهر دور قاعدة "فورت بولك" التدريبية التي تعتبر الإحماء النهائي بالنسبة للكتائب المساعدة لقوات الأمن، كما أنها واحدة من التجارب العسكرية الأكثر ابتكارًا لإدارة ترامب، ويجري تدريب حوالي ألف جندي في هذا المكان قبل نشرهم في أفغانستان، وتركز التدريبات على الهدف الأساسي ذاته، المتمثل في "خطوة إلى الوراء، وألح على أن الشركاء يتخذون الخطوة الأولى للمواجهة".

وينقل الكاتب عن الجنرال "جوزيف فوتيل"، قائد القيادة المركزية الأمريكية، الذي يقول أن المحاكاة الأفغانية تجري بعناية في موقع تصوير النسخة العسكرية، فخلال أكثر من 14 يومًا من التدريبات، يتدرب الجنود مع شركائهم الأفغانيين على استعادة مركز شرطة في قرية "مارواندي" الخيالية من "طالبان"، كما تم القبض على ممول الحركة المحمي من السكان المحليين، وفي واحدة من التدريبات يتدرب الجنود على إنقاذ رفاقهم الذين تم القبض عليهم في المعارك القتالية، وتطبيق عملية إخراجهم وسحبهم إلى بر الأمان وعلاجهم.

وفي كل محطة من التدريبات، يستمع "فوتيل" إلى تكرار الجنود لعقيدتهم القتالية الجديدة: "ضع الجيش الوطني الأفغاني في الجبهة"، حسبما يقول رقيب في التدريبات الأفغانية، مضيفًا: "علينا إبعاد أنفسنا؛ لأنها ليست معركتنا". ويكرر "فوتيل" هذه الرسالة غير التقليدية إلى القوات خلال يوم طويل. كما يقول لأحد أفراد الفريق الاستشاري: "ما سنعتمد عليه حقًا هو قدرتك على التكيُف".

وعندما تنتقل الكتائب إلى أفغانستان خلال عدة أشهر، ستضم 36 فريقًا استشاريًا قتاليًا، يشارك فيها حوالي 12 عضوًا، مع الجيش الوطني الأفغاني في كل أنحاء البلاد، كما سيكون أعضاء الفريق قادرين على طلب دعم إطلاق النيران من الطائرات والطائرات بدون طيار والمدفعية المتقدمة، وستساعد فرق أخرى في المقر، وفي العمليات اللوجيستية، وسينضمون إلى أكثر من 10 آلاف جندي أمريكى موجودين بالفعل في أفغانستان.

إن الكتيبة الجديدة التي تشمل عددًا من المتطوعين تعد محاولة للتعامل مع ثلاث قضايا تؤرق "البنتاجون" بعد أكثر من 15 عامًا من الإحباط: ما الذي يجدي نفعًا؟ كيف يمكن الحفاظ على التكتيكات الناجحة؟ وكيف يمكن أن تنتشر مهارات التدريب والمساعدة لقوات العمليات الخاصة – الذين كانوا لاعبين ناجحين في العراق وأفغانستان وسوريا – عبر الجيش؟

قد يبدو هذا العمل في الاستراتيجية الامريكية الجديدة (وهي في الواقع قديمة)، قد يبدو ممتازا، اذ انه يسهم في بناء الجيوش الوطنية للدول التي دمرتها حروب واشنطن نفسها، أي انها تبني ما هدمته قبل عدة سنوات، ورغم الشكوك التي تحوم حول جدية هذه البرامج ومصداقية النوايا، لكن الحال مختلف عندما يتعلق بمحاولة انشاء جماعات مسلحة جديدة في دول الشرق الاوسط ما يزيد من غلة الصراع وتصعيد حالة اشعال الحرائق في منطقة لا يبدو ان فيها مكانا يصلح للاشتعال، فسوريا تحولت الى كومة من الركام والعراق احرقته الحروب منذ السبعينيات وحتى الان، وفلسطين لم تعد مكانا للعيش السكان الاصليين والمحتلين معا.

كاتب التقرير يعرج على خطط واشنطن في الشرق الاوسط، اذ تفسر الكتيبة الجديدة العملية الأوسع لتشكيل الخطط العسكرية للشرق الأوسط التي قدر لها أخيرًا الاجتذاب إلى إدارة ترامب بعد عام من التأجيل والمناقشة، ولهذا قد أوضح ريكس تيلرسون، وزير الخارجية، هذا الأسبوع في جامعة ستانفورد، أن سوريا جزء من هذا الإطار الاستراتيجي، وأن الولايات المتحدة يجب أن تحتفظ بقوات التدريب في شمال شرق سوريا للمساعدة على تحقيق الاستقرار هناك، مضيفًا: "إن الابتعاد عن مناطق الصراع كان خطأ في الماضي، ولكن الولايات المتحدة تحاول توجيه الإدارة المحلية من خلال بناء الدولة".

يختم إغانتوس مقالته قائلًا: "يجب الإنهاء بعبارة لتوماس إدوارد لورنس، الذي أوضح أنه يجب على شعوب الشرق الأوسط القتال في معاركهم الخاصة، وعلى الرغم من أن هذه الفكرة تبدو بسيطة، إلا أنها أساسية، كما أنها في نفس الوقت باتت صعبة بالنسبة للبنتاجون؛ مما يوضح جليًا أن واشنطن لم تستطع الخروج من البوتقة التي وضعت نفسها فيها، وظهرت بشدة منذ أيام الرئيس الأمريكي السابق، باراك أوباما، الذي شدد على ضرورة خروج واشنطن من معارك منطقة الشرق الأوسط".

استراتيجية امريكا الجديدة ليست كذلك، وتعني تراجعا للخلف اكثر من كونها قيادة من الخلف، وتنبيئ بكوارث جديدة في الدول التي تستهدفها، انها تعني تدريب مجموعات مسلحة لمحاربة خصوم الولايات المتحدة، دون التفكير بعواقب هذه السياسة، فالسوفيت في افغانستان تم طردهم بواسطة تنظيم القاعدة الا ان نفس التنظيم تحول الى غول عالمي ضرب الجميع بما فيهم الولايات المتحدة.

في سوريا والدول التي تحولت الى ساحات للصراع الدولي ستكون ارضا خصبة لولادة تنظيمات مسلحة جديدة وبتدريب وتسليح امريكي، وحينما تحقق اهدافها يتم التخلي عنها بغض النظر عن المخاطر على المجتمعات المحلية، وهي في المجمل تعني ان المنطقة غير مسموح لها بالاستقرار وبناء الانظمة السياسية وفق اسس الديمقراطية.

اضف تعليق