يبدو أن تسمية الأشجار قد تؤثر على مصيرها؛ إذ إننا لا نستطيع حماية ما لا يمكننا تسميته، إن تحديد الأنواع وتسميتها أمرٌ بالغ الأهمية لفهم التنوع البيولوجي على هذا الكوكب والحفاظ عليه، لذا يجب إعادة تسمية الأشجار، ونرى أن الوقت قد حان للنظر في دمج الأسماء التي أطلقها السكان الأصليون...
بقلم: سمر أشرف
منذ أكثر من 200 عام، عرف العالم نبات "المارانج"، الذي يُعرف أيضًا باسم"المادنج"، وهو نوع من الأشجار المثمرة الموجودة في "جزيرة بورنيو" ودولة الفلبين، ويوصف هذا النبات، الذي يُعرف علميًّا باسم (Artocarpus odoratissimus)، باعتباره أشجارًا دائمة الخضرة يصل ارتفاعها إلى 25 مترًا تقريبًا، ويتراوح طول أوراق أشجاره من 16 إلى 50 سم وعرضها من 11 إلى 28 سم.
عرف شعب الإيبان –وهو مجموعة عرقية تسكن الجزء الماليزي من جزيرة بورنيو، التي تنقسم بين ماليزيا وإندونيسيا وبروناي- أن لهذه الشجرة نوعين مختلفين أطلقوا عليهما "لوموك" (lumok) و"بينجان" (pingan).
فعلى الرغم من أن هذين النوعين يختلفان في حجم الثمار وشكلها، إلا أن علماء النبات الغربيين ذهبوا إلى أن لهذه الشجرة نوعًا واحدًا فقط، وهو ما نفته دراسة نشرتها دورية "كارانت بيولوجي" اليوم "الإثنين"، 6 يونيو، مؤكدةً أن "السكان الأصليين كانوا على حق، وأنهم الأكثر درايةً بأشجار جزيرتهم".
لتحديد التصنيف الصحيح للشجرة -التي تنتمي إلى جنس الأشجار التي تنتج ثمار "الكاكايا" أو "الجاك فروت"- أخذ العلماء عينات الحمض النووي من الأشجار في الجزء الماليزي من جزيرة بورنيو، وكذلك من بعض العينات العشبية المحفوظة في المتاحف والحدائق، وأظهرت التحليلات الوراثية للحمض النووي أن النوعين "لوموك" و"بينجان" يرتبطان ارتباطًا وثيقًا ويتشابهان إلى حدٍّ كبير، إلا أنهما نوعان متمايزان وراثيًّا.
ووفق معرفة السكان الأصليين، يمكن تمييز شجرة "لوموك" من خلال أوراقها الكبيرة والأغصان السميكة والفواكه الحلوة الكبيرة ذات اللب الكثيف والشعر القصير على البراعم والأغصان الصغيرة، أما شجرة "بينجان" فأوراقها أصغر ولها أغصان رفيعة وفواكه أصغر وأقل حلاوة، وقد يكون لها شعرٌ طويلٌ على بعض أجزائها.
وتشير الدراسة التي أجراها باحثون من جامعة فلوريدا الدولية الأمريكية إلى أن "السكان الأصليين يُعدون رعاةً مهمين للتنوع البيولوجي؛ إذ يعيشون على مقربة من النظم البيئية المختلفة ولديهم معرفة وثيقة بها، وقد يكونون على دراية جيدة ببعض الأنواع الجديدة".
وعلى الرغم من أن العلماء يسعون للاستفادة من معرفة السكان الأصليين منذ فترة طويلة، إلا أن هذه المعرفة لا تؤخذ في عين الاعتبار، مثل نظام لينيوس، وهو نظام تصنيف للكائنات الحيَّة سُمِّيَ نسبةً إلى عالِم النبات السويدي كارولوس لينيوس، ويعتمد على شكل الكائن الحي وسلوكه في بيئته، ويعتقد الفريق البحثي أن "تصنيف لينيوس يقدم إطارًا واسعًا للمقارنات العالمية، ولكنه يفتقر إلى الرؤى المحلية التفصيلية التي تمتلكها الشعوب الأصلية".
يقول إليوت إم جاردنر -عالِم النبات في جامعة فلوريدا الدولية، والباحث الرئيسي في الدراسة- في تصريحات لـ"للعلم": تسلط دراستنا الضوء على أهمية النظر في الأسماء التي يطلقها السكان الأصليون على النباتات في هذا النوع من الدراسات؛ إذ إن معرفتنا بهذه الأسماء هي التي جعلتنا نتعرف على هاتين السلالتين المتميزتين عند تفسير نتائج تحليل الحمض النووي.
وتوضح الدراسة كيف يمكن للاستفادة من المعرفة المحلية للسكان الأصليين وإشراكهم في جميع مراحل العملية العلمية أن تحسِّن علوم التنوع البيولوجي وتعزِّز بقاء الأنواع المختلفة وحفظها.
ويرى الباحثون أن "النهج التعاوُني بين العلم ومعرفة السكان الأصليين مناسبٌ بشكل خاص لدراسة الأقارب البرية للمحاصيل، والتي تُعد أولويةً دوليةً للأمن الغذائي في مواجهة تغيُّر المناخ، ويشير مصطلح الأقارب البرية للمحاصيل إلى النباتات البرية التي ترتبط ارتباطًا وثيقًا بالنباتات المستأنسة، وهي مورد مهم لتحسين الإنتاج الزراعي".
يضيف "جاردنر": يبدو أن تسمية الأشجار قد تؤثر على مصيرها؛ إذ إننا لا نستطيع حماية ما لا يمكننا تسميته، إن تحديد الأنواع وتسميتها أمرٌ بالغ الأهمية لفهم التنوع البيولوجي على هذا الكوكب والحفاظ عليه، لذا يجب إعادة تسمية الأشجار، ونرى أن الوقت قد حان للنظر في دمج الأسماء التي أطلقها السكان الأصليون على الأنواع المختلفة في البحث التصنيفي.
ويتابع: من المهم أن نتخذ خطواتٍ سريعةً في سبيل الاستفادة من معرفة السكان الأصليين؛ إذ إن هذه المعرفة مهددة بالتغيير المجتمعي، وقد يعوق تطور المجتمعات والتغيرات الاقتصادية انتقال المعرفة الأصلية من جيل إلى آخر، خاصةً وأن الشباب يبتعدون عن المجتمعات الصغيرة القريبة من الغابات ويتجهون إلى المدن الكبرى حيث تتوافر فرصٌ اقتصادية أفضل، وعن خطواتهم المستقبلية، يقول "جاردنر": نواصل دراسة تنوُّع عائلة أشجار التين والتوت في جزيرة بورنيو مع مراعاة التصنيف العلمي ومعرفة السكان الأصليين.
اضف تعليق