تتواصل الجهود والدراسات المهمة، التي يقوم بها علماء الفضاء في مختلف دول العالم، من اجل الوصول الى نتائج واسرار جديدة تخص عالم الفضاء والكواكب والنجوم المحيطة بكوكب الارض، ومنها كوكب بلوتو الذي أصبح محط اهتمام خاص من قبل الباحثين خصوصا بعد الحصول على معلومات مهمة ومثيرة غيرت الكثير من الحقائق والفرضيات السابقة، فبعد تسع سنوات ونصف من الإطلاق، وربع قرن منذ البدء في تبلور فكرة هذه المهمة، وصلت مركبة ناسا "نيو هورايزنس" وكما تنقل بعض المصادر لأداء تحليقها التاريخي الأول بالقرب من كوكب بلوتو. وكشفت وكالة NASA عن معلومات مهمة ومثيرة من خلال الصور التي التقطتها مركبتها الفضائية للكوكب القزم البعيد وأقماره، وكشفت الصور عن أشكال تضاريسية محيرة على سطح قمره "شارون"، تبدو مثل الأودية والفوهات البركانية التي اثارت الكثير من الاسئلة.
وقد أطلقت المركبة "نيو هورايزونس" في شهر يناير كانون الثاني عام 2006 بتكلفة بلغت 723 مليون دولار، لجمع المعلومات والبيانات عن هذا الكوكب، الذي ظل غامضا منذ اكتشافه عام 1930، لأنه صغير نسبيا وبعيد جدا عن كوكب الأرض، وهو يبعد عن الشمس حوالي 39 ضعف المسافة بين الأرض والشمس. وتحمل المركبة نيو هورايزونس، 7 أجهزة علمية مختلفة لدراسة كوكب بلوتو وأكبر أقماره "شارون" و - بصورة أقل أهمية - أيضا دراسة الأربعة أقمار الأخرى التابعة له، وكلها صغيرة الحجم بالمقارنة بالقمر شارون، حيث أن شارون يبلغ قطره نصف قطر بلوتو نفسه؛ حتى أن العديد من الباحثين يعتبرون الزوج كنظام كوكبي "ثنائي".
وبلوتو هو كوكب قزم يبعد عن الشمس لدرجة أّنّها لا ترى منه إلاّ كنجم نيّر، كما أنه كان أصغر كواكب المجموعة الشمسية التسعة. ولكن الاتحاد الفلكي الدولي قام بإعادة تعريف للمصطلح "كوكب" في 24 أغسطس 2006م، واعتبر بلوتو كوكباً قزماً، ليصبح عدد كواكب المجموعة الشمسية ثمانية.
اكتشاف مذهل
وفي هذا الشأن فقد واصلت وكالة الفضاء الأمريكية (ناسا) في نشر بيانات وصور جديدة عن الكوكب القزم "بلوتو" إثر تحليق مسبار "نيو هورايزنز" بمحاذاته، وبات العلماء منشغلين حاليا بتحليل صور تظهر سهولا متجمدة عملاقة غداة اكتشاف جبال جليدية. وتصل الصور المرسلة من المسبار الفضائي بوتيرة بطيئة للغاية إلا أن أفراد طاقم مهمة "نيو هورايزنز" مذهولون إزاء البيانات الجديدة الواردة التي باتت توفر إجابات عن بعض الأسئلة كما تطرح الكثير من التساؤلات الأخرى.
ومن بين البيانات الجديدة التي كشفت عنها ناسا، يهتم خبراء وكالة الفضاء الأمريكية بسهل متجمد ضخم واقع في "منطقة تومبو"، وهو الاسم الذي أعطي لهذه المنطقة الواسعة على شكل قلب. وقال "جيفري مور" أحد العلماء في هذه المهمة إن "هذه المنطقة لا يمكن تحليلها بسهولة. لا نرى فوهات ارتطام حديثة وبالتالي فإن سطح هذه المنطقة حديث إذ لا يصل عمره إلى مئة مليون عام. هو لا يزال على الأرجح في حال تحول بفعل عملية جيولوجية". وأضاف مور "اكتشاف هذا السهل الواسع الحديث العهد نسبيا والخالي من فوهات الارتطام في بلوتو يفوق كل توقعاتنا".
ويقع الكوكب القزم في "حزام كايبر" وهو سحابة هائلة من الأجرام الصغيرة خارج مدار نبتون، وهو بالتالي يتعرض عادة باستمرار لاصطدامات من كويكبات. ولذلك كان العلماء يتوقعون اكتشاف عدد كبير من دوائر الارتطام على سطح بلوتو، وهو ما لم تظهره على ما يبدو الصور الأولية المرسلة. وأطلق فريق مهمة "نيو هورايزنز" على هذا السهل المتجمد اسم "سهل سبوتنيك" نسبة إلى اسم أول قمر اصطناعي أرسله الاتحاد السوفييتي إلى الفضاء. بحسب فرانس برس.
وفي اكتشاف آخر، لاحظ العلماء أن الغلاف الجوي لبلوتو المؤلف بشكل رئيسي من النيتروجين يتسرب من الكوكب القزم بوتيرة كبيرة "تقارب 500 طن في الساعة" نظرا لضعف الجاذبية على سطحه، بحسب العالمة في المهمة "فران باغينال" التي أبدت أملها في فهم هذه العملية بشكل أفضل مع الصور والبيانات المستقبلية المرسلة من المسبار. وكان مسبار "نيو هورايزنز" مر بمحاذاة الكوكب القزم والتقط صورا وبيانات ثم أرسلها إلى كوكب الأرض ليتلقاها العلماء تباعا، في عملية أثارت قلقهم من أن يصطدم المسبار بجسم صلب من تلك الأجرام الصغيرة التي تسبح في جوار بلوتو، في ما يعرف باسم حزام "كايبر".
بلوتو يفيض شبابا
الى جانب ذلك وفي وقت سابق قال آلان ستيرن كبير الباحثين في معهد بحوث (ساوث ويست) في بولدر بولاية كولورادو "لم تكن لدينا أي فكرة عن ان بلوتو سيكون له هذا السطح الذي يفيض شبابا من الناحية الجيولوجية. إنها مفاجأة مثيرة". والهدف من مهمة المسبار هو رسم خريطة لسطح بلوتو وتشارون أكبر أقماره وتحديد المواد المكونة لهما فضلا عن دراسة الغلاف الجوي لبلوتو.
وأطلق (نيو هورايزونز) في يناير كانون الثاني من عام 2006 وقطع مسافة 4.88 مليار كيلومتر حتى أصبح عند أقرب نقطة من الكوكب. ولم ينقل المجس (نيو هورايزونز) الى الارض سوى نحو واحد في المئة فقط من معلومات حجمها 50 جيجابايت سجلت على مدى عشرة ايام منذ اقترابه من الكوكب القزم. ولا تزال النتائج الأولية توضح ان بلوتو المتجمد -حيث تصل درجة حرارة سطحه الى 240 درجة تحت الصفر- يتحدى نظريات تتحدث عن كيف ان أجساما متجمدة يمكنها ان تولد حرارة تكفي لاعادة تشكيل معالم أسطحها.
وكانت باكورة النتائج التي تمخضت عنها رحلة المسبار متوجا رحلته التي استغرقت تسع سنوات ونصف السنة اكتشاف منخفضات وصخور ووديان وجبال شاهقة على بلوتو -يصل ارتفاع أطولها الى 3350 مترا أي ما يعادل ارتفاع جبال روكي في كندا- بعد ان أصبح على مسافة 12550 كيلومترا من الكوكب النائي وأقماره الخمسة.
ويتجه المسبار الآن إلى اعماق حزام كويبر الذي اكتشف عام 1992 وهو منطقة متجمدة تدور بها كويكبات صغيرة في أفلاكها حول الشمس بعد كوكب نبتون ويعتقد أن هذه المنطقة تخلفت عن نشأة المجموعة الشمسية قبل 4.6 مليار عام. وحزام كويبر آخر منطقة مجهولة على أطراف مجموعتنا الشمسية وتم اكتشاف أكثر من 40 جرما فلكيا في نطاقه. واللغز المحير الآخر هو كيف احتفظ بلوتو بهذا الوجه الشاب إذ كان يعتقد ان هذا الجرم المتجمد -الذي يبدو حجمه أصغر من القمر الذي يدور حول الارض- حافلا بالحفر والوهاد نتيجة لاصطدام صخور حزام كويبر بسطحه والكتل الصخرية الأخرى التي انهمرت عليه على مر العصور.
وبدلا من ذلك أوضح المسبار ان سطح بلوتو متجدد النشاط وهي الظاهرة التي قد تكون مرتبطة بوجود محيط تحت سطحه أو جبال بركانية جليدية او مظاهر جيولوجية أخرى تنبعث منها الحرارة. وفيما كان بلوتو يعتبر مجرد كوكب قزم متجمد إلا انه ظهرت بوادر أنشطة جيولوجية على سطحه بما في ذلك تحركات محتملة سابقة وحالية للكتلة البنائية للقشرة الخارجية او ما يسمى بالحركات التكتونية.
ويدور بلوتو حول الشمس مرة كل 248 سنة في مدار يتغير ويتبدل مع تغير الفصول والمواسم. ويقترب بلوتو في دورانه حول الشمس على مسافة أقل من تلك التي يقترب بها كوكب نبتون. وبعد اطلاق المسبار بستة أشهر وفيما كان في طريقه للكوكب حرم الاتحاد الدولي الفلكي بلوتو من لقب كوكب ومن كونه الكوكب التاسع من كواكب المجموعة الشمسية وبات كوكبا قزما بعد أن اكتشف أكثر من ألفين من أمثاله منذ اكتشافه ضمن حزام كويبر ضمن ما يقدر بمئات الآلاف من الأجرام الفلكية.
وأمام المسبار في رحلته التي تعادل الدوران حول الارض 120477 مرة- نحو 16 شهرا لينقل الى الارض آلاف الصور والقياسات التي جمعها وخلال ذلك يكون المسبار قد سبح الى مسافات اعمق داخل حزام كويبر وربما سافر في مهمة لاحقة لاحد الاجرام القريبة من بلوتو. ومنذ اكتشافه عام 1930 لا يزال بلوتو لغزا محيرا ويرجع ذلك في جزء منه لكونه صغير الحجم بالمقارنة بالكواكب الاخرى. بحسب رويترز.
ويبذل العلماء جهدا خارقا في تفسير كيف أن كوكبا قطره لا يتجاوز 2302 كيلومتر يمكن أن يستمر في الوجود وسط كواكب عملاقة مثل المشترى وزحل واورانوس ونبتون. ويعتقد العلماء ان حزام كويبر يحتفظ بحفريات منذ نشأة المجموعة الشمسية. ولا يحمل المسبار كما كافيا من قوة الدفع التي تمكنه من إبطاء سرعته لاتخاذ مسار له حول بلوتو في منطقة حزام كويبر. وجاذبية بلوتو ضعيفة للغاية لدرجة أن أي مركبة فضائية ستستهلك كما كبيرا من الوقود لاستخدام مكابحها واتخاذ مدار.
أكبر مما كان متوقعا
على صعيد متصل قال علماء إن بلوتو الغامض يبدو أكبر من التوقعات وقال مديرون في مركز التحكم بمهمة (نيو هورايزونز) وموقعه في معمل الفيزياء التطبيقية بجامعة جون هوبكنز في بالتيمور إن المسبار الذي يعمل بالطاقة النووية يتخذ موضعا يتيح له عبور مركز وهمي لمنطقة مستهدفة تبعد نحو 97 إلى 145 كيلومترا بين مداري بلوتو وقمره الرئيسي تشيرون.
وقال جلين فونتين مدير المشروع للصحفيين إنه بعد رحلة طولها 4.88 مليار كيلومتر فإن ضبط هذه العملية يبدو أقرب بلاعب جولف يقف في نيويورك ليسدد الكرة في حفرة في لوس أنجليس. وخلال الانطلاق لمدة 30 دقيقة أمام بلوتو وأقماره الخمسة سينفذ (نيو هورايزونز) سلسلة من المناورات المحسوبة بدقة بالغة ليضع كاميراته وأجهزته العلمية للقيام بمئات من عمليات الرصد.
ويعرف العلماء بالفعل أن بلوتو الذي اعتبر يوما تاسع كواكب المجموعة الشمسية أكبر مما يعتقد بمحيط يبلغ نحو 2370 كيلومترا أي أكبر بنحو 80 كيلومترا من التقديرات السابقة. وبات بلوتو رسميا أكبر الآن من إيريس وهو واحد من مئات آلاف الكويكبات والأجسام التي تشبه المذنبات تدور خلف كوكب نبتون في منطقة تسمى حزام كويبر. بحسب رويترز.
وللحجم أهميته حتى بالنسبة لكوكب قزم. فهذه الزيادة المقدرة في حجم بلوتو تعني أنه يتكون بالأساس من كمية أكبر قليلا من الثلج وأقل قليلا من الصخور عما كان متوقعا وهو أمر مهم للعلماء الذين يرسمون تفاصيل الكيفية التي تشكل بها بلوتو وبقية النظام الشمسي. وقال جون جرانسفيلد كبير العلماء في ناسا "نظام بلوتو عبارة عن أحفورة تحكي بدايات نظامنا الشمسي. سنعرف المزيد من ذلك".
اضف تعليق