q
لا شيء يثبّت مكانة أيّ دولة في العالم، في عقول الناس، مثل الإنجازات في الفضاء. ربّما هي طبيعة المكان الغامضة، وكثرة الأسئلة التي تستنزف الأدمغة بمجرّد النظر إلى الأعلى. هكذا، يصبح الفضاء امتداداً طبيعياً لأيّ دولة تريد الارتقاء على الأرض. وحيث إن البشرية لا تفكّر كعِرق واحد...

لا شيء يثبّت مكانة أيّ دولة في العالم، في عقول الناس، مثل الإنجازات في الفضاء. ربّما هي طبيعة المكان الغامضة، وكثرة الأسئلة التي تستنزف الأدمغة بمجرّد النظر إلى الأعلى. هكذا، يصبح الفضاء امتداداً طبيعياً لأيّ دولة تريد الارتقاء على الأرض. وحيث إن البشرية لا تفكّر كعِرق واحد، بل كمجموعات منفصلة يتسيّدها الأقوى، يتحوّل الفضاء إلى مشهد من سلسلة أفلام "حرب النجوم"، حيث يتصارع لوردات "السيث" و"الجداي" على النفوذ.

وإذا كان الحفاظ على المكانة العالمية أصعب من الحصول عليها، فإن الولايات المتحدة أكثر مَن يجدر بها أن تقلق اليوم، تماماً كما كانت عندما أرسل الاتحاد السوفياتي أوّل قمر اصطناعي «سبوتنيك» إلى الفضاء في العام 1957، وعندما أصبح يوري غاغارين أوّل إنسان يشاهد الأرض من خارجها.

آنذاك، صُرفت مليارات الدولارات حتى نجحت وكالة الفضاء الأميركية، «ناسا»، في إرسال بشر إلى القمر عام 1969، لتستشعر الولايات المتحدة بعد ذلك، وخصوصاً مع انهيار الاتحاد السوفياتي، بعض الراحة، وتُخفّض قيمة التمويل الحكومي لمشاريع الفضاء. لكن صعود الصين، العملاق الآسيوي، في المجالات كافة، وبهذه السرعة، أعاد الفضاء ملعباً للصراع ومساحة تعكس المقدرة والتفوّق على الأرض.

الشهر الماضي، هنّأ مدير «ناسا»، بيل نيلسون، الصين على نجاح هبوط مركبة جوالة على سطح المريخ تابعة لها اسمها «زورونغ»، لكن تهنئته تَرافقت مع إرسال تحذيرات إلى الكونغرس من تهديد الصين التنافسي للقيادة الأميركية في رحلات الفضاء البشرية؛ إذ أخذ نيلسون يلوّح بإحدى صور «زورونغ» على المريخ، ويقول: «أريدكم أن تروا هذه الصورة. إن الهبوط دليل على أن الصين كانت جادّة بشأن إرسال مركبات فضائية إلى كلّ من القمر والمريخ، بما في ذلك، في النهاية، بعثات بشرية".

وتابع: «أعتقد أن هذا يضيف الآن عنصراً جديداً حول ما إذا كنّا نريد أن نكون جادّين (...) في إنزال البشر على سطح القمر مرّة أخرى»، والذي تعتقد الولايات المتحدة أنه سيعيد إليها شيئاً من الـ«برستيج» الذي خسرته. في الـ30 من أيار من العام الماضي، أُطلق الصاروخ «فالكون 9» التابع لشركة «سبايس إكس»، من قاعدة «كينيدي» في فلوريدا، إلى "محطّة الفضاء الدولية"، وعلى متنه كبسولة «كرو دراغون»، حاملةً رائدَي الفضاء روبرت بنكن ودوغ هورلي.

كانت تلك الرحلة الفضائية المأهولة الأولى لشركة خاصة، والأولى التي تنطلق من أراضي الولايات المتحدة بعد توقّفٍ دام 9 سنوات، دأبت «ناسا» فيها على شراء مقاعد على متن صواريخ «سويوز» الروسية، التي ترسل بدورها روّاد الفضاء الأميركيين من القواعد الصاروخية في كازاخستان إلى "محطة الفضاء الدولية"، بكلفة 80 مليون دولار للمقعد الواحد. يومذاك، حاول الرئيس الـ45 للولايات المتحدة، دونالد ترامب، استغلال الحدث للتشجيع على ضرورة استعادة أمجاد بلاده، حيث قال: «لا يمكن أن تكون الرقم واحد على الأرض، إذا كنت الرقم اثنين في الفضاء.

ولن نكون الرقم اثنين في أيّ مكان... أصدرتُ تعليمات بفتح المجالات كافة أمام شركات الفضاء المبتكرة الخاصة مثل سبايس إكس. ووقّعت الشهر الماضي على أمر تنفيذي يحدّد سياسة الولايات المتحدة لجلب الموارد الفضائية والمعادن واستخدامها». كما وقّع ترامب في العام 2019 قانون إنشاء «قوّة الفضاء»، فرع القوات المسلّحة السادس.

اليوم، تُعوّل الولايات المتحدة على مشروع «آرتميس» (في الميثولوجيا اليونانية هو اسم آلهة الصيد والقمر، وهي أخت الإله أبولو)، الهادف إلى إرسال أوّل امرأة وأوّل رجل ملوّن البشرة إلى سطح القمر بحلول عام 2024 (ربّما التفوق هنا عبر تصدير الصوابية السياسية إلى القمر)، وإنشاء محطّة فضائية صغيرة لتدور حوله، وتفعيل التعاون مع الشركات الخاصة من أجل بناء عربات ومعدّات مهمّتها بناء مساكن دائمة للبشر هناك، كما التعاون مع عدّة شركات خاصة أميركية ذات خبرة في مجال صنع معدّات الحفر، من أجل استخراج المعادن من باطن القمر.

وقد حصلت شركة «سبايس إكس» بالفعل على جزء من تلك العقود الحكومية. كما انضمّت إلى «آرتميس» 12 دولة، من بينها كندا والمملكة المتحدة واليابان وإيطاليا وأستراليا والبرازيل. على خطّ موازٍ، تجتهد الولايات المتحدة في شيطنة القدرات التكنولوجية الصينية.

فهي تارة تتّهم شركات عملاقة من مثل «هواوي» بأنها تتنصّت على مستخدمي هواتفها لصالح "الحزب الشيوعي الصيني"، وتمنع دول العالم من استخدام منظومة "الـ5G" الخاصة بها، كما تحظر عليها حق الوصول إلى تكنولوجيات من قبيل جهاز صنع الشرائح الإلكترونية البالغة الدقة، والخاص بالشركة الهولندية «ASML»؛ وتارة أخرى تجعل من كلّ تقدّم صيني في الفضاء، خطراً يحيط بالبشرية.

وهذا ليس بالغريب عن إمبراطورية قال رئيسها رونالد ريغان في العام 1985: «اسمحوا لي أن أسرق عبارة من فيلم، إن القوة معنا». وهي العبارة الشهيرة نفسها التي تُردّدها جماعة "الجداي" (الأخيار وحافظو السلام) من سلسلة "حرب النجوم"!

.............................................................................................
* الآراء الواردة في المقال قد لا تعبر بالضرورة عن رأي شبكة النبأ المعلوماتية.

اضف تعليق