عمليات التطهير الواسعة التي تقوم بها السلطات التركية ضد المواطنين والعاملين في المؤسسات الحكومية، منذ محاولة الانقلاب العسكري الفاشل في الخامس عشر من يوليو/ تموز 2016، أسهمت وبشكل فاعل في زيادة معاناة الشعب التركي الذي أصبح يعاني تحت حالة الطوارئ من من أزمة داخلية خطيرة أثرت سلبا على الحقوق والحريات الفردية. حيث منحت حالة الطوارئ التي فُرضت نتيجة الانقلاب وكما نقلت بعض المصادر، صلاحيات واسعة للرئيس التركي بتشريع بعض المراسيم دون الرجوع الى البرلمان. وكان أول مرسوم تحت حالة الطوارئ هو زيادة فترة الاعتقال دون توجيه اتهام من أربعة أيام إلى ثلاثين يوماً، مما أشعل المخاوف بأن هذا التمديد سيقوّض من الحماية ضد أعمال التعذيب وسوء المعاملة وكذلك يحد من الحق في الحصول على محاكمة عادلة. وقد علقت العديد من الأحكام الأخرى الواردة في مراسيم الطوارئ بتركيا من إجراءات الوقاية الأساسية ضد التعذيب وسوء المعاملة بما في ذلك رفع أوجه الحماية للمحاكمات العادلة.
وقد زادت محاولة الانقلاب الفاشلة من الوضع المتفاقم لحقوق الإنسان في الدولة مما مهد الطريق أمام ممارسات التعذيب وسوء المعاملة التي لم يسبق لها. ونتيجة لذلك، وثّق المدافعون عن حقوق الإنسان الانتهاكات الواسعة الانتشار، بما في ذلك الحالات المزعومة من الإعدام دون محاكمة، والاعتقال التعسفي والتعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة، وكذلك الاختفاءات القسرية.
وقد وجهت العديد من الدول والمنظمات الحقوقية انتقادات كثيرة لتركيا وطالبتها بتخفيف إجراءاتها التعسفية ضد المواطنين، و قد حذر المجلس الأوروبي، وهو أعلى هيئة أوروبية تهتم بحقوق الإنسان، في وقت سابق من أن تركيا تسير "في مسار خطير"، وطالب الحكومة باستعادة استقلال الهيئات القضائية في البلاد. وتحدث تقرير أصدره المجلس عن هجمات على وسائل الإعلام، وقال إن قطاعا كبيرا من المجتمع تعرض "لمضايقات قضائية" ودعا التقرير إلى إجراء تغييرات ملحة فورا. وقال مفوض حقوق الإنسان الأوروبي، نيلس مويزينيكس، إن فقدان حرية وسائل الإعلام وحرية التعبير في تركيا بلغت "حدا خطيرا" بعد إعلان الدولة حالة الطوارئ عقب محاولة الانقلاب الفاشل في يوليو/ تموز.
وعبر المفوض الأوروبي أيضا عن القلق من التعديلات الدستورية التي سيصوت عليها في الاستفتاء، قائلا إنه "يتوقع المزيد من تقلص استقلال السلطة القضائية التركية مقابل السلطتين التشريعية والتنفيذية". ويرى منتقدو الحكومة أنها استغلت حالة الطوارئ لملاحقة جميع المناوئين لها.وقد قبض على نحو 41 ألف شخص منذ ذلك الوقت، بينما طرد أكثر من 100 الف موظف من وظائفهم الحكومية. كما أغلقت بالإضافة إلى ذلك مئات الشركات الإعلامية وهيئات المجتمع المدني، وسجن نحو 150 صحفيا وعشرات من البرلمانيين الموالين للأكراد.
تطهير مؤسسات الدولة
في هذا الشأن فصلت السلطات التركية أكثر من 90 ألف موظف عام لصلتهم المزعومة بمحاولة الانقلاب في يوليو تموز في إطار حملة تطهير يقول منتقدوها إنها اتسعت لتشمل أي معارضة سياسية للرئيس رجب طيب إردوغان. وقال وزير العمل محمد مؤذن أوغلو لصحفيين في مقابلة على طاولة مستديرة أذاعها التلفزيون إن 125 ألفا و485 شخصا من الخدمة العامة خضعوا لإجراءات قانونية بعد محاولة الانقلاب وفصل منهم 94 ألفا و867 شخصا حتى الآن. بحسب رويترز.
وتعمل تركيا على تطهير مؤسساتها من أتباع رجل الدين فتح الله كولن المقيم في الولايات المتحدة والذي تتهمه باختراق مؤسسات الدولة والتخطيط للإطاحة بالحكومة. وينفي كولن الذي يعيش في منفى اختياري في بنسلفانيا منذ عام 1999 هذه الاتهامات وندد بمحاولة الانقلاب. وألقي القبض على نحو 40 ألفا من الشرطة والجيش والقضاء والأجهزة المدنية ونظام التعليم لتقديمهم للمحاكمة لصلتهم المزعومة بمحاولة الانقلاب التي قتل خلالها 240 شخصا على الأقل.
من جانب اخر أوضح مرسوم أن تركيا أقالت أكثر من 4400 موظف بينهم معلمون ورجال شرطة وأكاديميون للاشتباه في صلتهم بمنظمات إرهابية. ووفقا للمرسوم الذي نشر في الجريدة الرسمية فإن من بين من أقيلوا إبراهيم كابو أوغلو أستاذ أستاذ القانون الدستوري الكبير الذي أبدى معارضته للتعديلات الدستورية التي تمنح الرئيس رجب طيب إردوغان صلاحيات تنفيذية أ.
ومن بين 4464 موظفا أقيلوا خبراء في الكمبيوتر وأثارت الإقالات انتقادات على وسائل التواصل الاجتماعي وقال سزجين تانريكولو البرلماني من حزب الشعب الجمهوري على تويتر إن الجامعات التركية العريقة يجري تدميرها.
وتقول الحكومة إن الإجراءات التي تتخذها لها ما يبررها بسبب طبيعة التهديد للدولة. ولم تذكر الجريدة الرسمية سببا للإقالة التي شملت موظفين وجنودا ومسعفين سوى "الانتماء إلى أو وجود صلات مع تنظيمات إرهابية أو جماعات تتصرف ضد مصلحة الأمن الوطني." وتقول جماعات حقوقية وبعض الدول الأوروبية إن إردوغان يستغل حالة الطوارئ الحالية في البلاد لقمع المعارضة وتقول أنقرة إن الإجراءات لازمة للقضاء على مؤيدي محاولة الانقلاب الفاشلة وإرهابيين آخرين. وأقيل 330 أكاديميا بينهم من وقعوا على التماس العام الماضي ينتقد الإجراءات العسكرية ضد المقاتلين الأكراد في جنوب شرق تركيا المضطرب. وكان إردوغان قال إن الأكاديميين سيدفعون ثمن "خيانتهم."
كما ذكرت وكالة أنباء الأناضول الرسمية إن السلطات التركية أمرت باعتقال 177 من أفراد الشرطة في توسيع لحملة قمع ضد من تتهمهم بصلات بمحاولة انقلاب فاشلة وقعت في يوليو تموز. وقالت الوكالة إن السلطات تسعى لاعتقال المشتبه بهم من 25 إقليما للاشتباه في استخدامهم تطبيقا على الهواتف الذكية يسمى (بايلوك). ومن بين المشتبه بهم الذين أمرت السلطات باعتقالهم أفراد شرطة فصلوا من قبل بسبب صلات مزعومة بشبكة كولن وفقا للأناضول. وأضافت الوكالة أن بعض المشتبه بهم اعتقلوا بالفعل ونقلوا إلى أنقرة للاستجواب. وأعلن الرئيس رجب طيب إردوغان الحكم بحالة الطوارئ عقب محاولة الانقلاب الفاشلة مما مكن الحكومة من تخطي البرلمان في تفعيل قوانين جديدة والحد من أو تعليق الحقوق والحريات متى ارتأت ضرورة.
الهروب من تركيا
في السياق ذاته اعلن مصدر في الشرطة اليونانية عن ضبط ستة اتراك تسللوا عبر الحدود البرية بين البلدين وقالوا انهم ارادوا طلب اللجوء في اليونان، في طريقة سبق ان اعتمدها حوالى مئة من مواطنيهم بعد محاولة الانقلاب في تركيا. واوضح المصدر ان الوافدين الجدد هم رجلا اعمال وزوجتاهما وحماة ونجل احدهما، مشيرا الى انهم اكدوا تسديد الف يورو مقابل تهريب كل منهم عبر الحدود.
كما أكدت المجموعة انها فرت من اجراءات القمع التي تستهدفهم في تركيا حيث ينفذ النظام حملة تطهير واسعة النطاق بعد محاولة الانقلاب في 15 تموز/يوليو. تابعت الشرطة ان المهاجرين اعترضوا اثناء دورية مراقبة على نهر ايفروس الحدودي بين البلدين، بعد عبورهم على متن زورق مطاطي قاده شخصان، تونسي في الـ38 ومغربي في الـ21 من العمر، يشتبه في انهما مهربان. بحسب فرانس برس.
واعلن مسؤول في شرطة المنطقة ان حوالى مئة مواطن تركي اغلبهم من الجامعيين تسللوا عبر الحدود بعد الانقلاب ساعين الى طلب اللجوء في اليونان. وفي 26 كانون الثاني/يناير رفض القضاء اليوناني طلب انقرة تسليم ثمانية عسكريين في الجيش التركي فروا بالمروحية الى اليونان غداة الانقلاب. كذلك طلب الكثير من العسكريين وبينهم ضباط في الحلف الاطلسي، والموظفين الاتراك اللجوء في مختلف الدول الاوروبية منذ 15 تموز/يوليو.
من جهة اخرى أعلن رئيس المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان أن أكثر من 5300 تركي لجأوا إلى المحكمة على خلفية حملة التطهير التي طالتهم إثر محاولة الانقلاب في تموز/يوليو الفائت، حيث أوضح غيدو ريموندي في مؤتمر صحفي في ستراسبورغ أن هذه الشكاوى البالغة 5363 تشكل وحدها أكثر من عشرة في المئة من مجمل الشكاوى التي تلقتها المحكمة طوال العام 2016 من الدول البالغ عددها 47 الأعضاء في مجلس أوروبا. وإذا أضيفت إليها 2945 شكوى مصدرها تركيا لكنها غير متصلة بحملة التطهير يصبح العدد الإجمالي للشكاوى التركية 8308، ما يفوق بأربعة أضعاف شكاوى 2015.
وذكر ريموندي بأن على الشاكين قبل أن يلجأوا إلى المحكمة الأوروبية أن يتوجهوا أولا إلى المحكمة الدستورية التركية للاعتراض على أي تدابير بحقهم، وأضاف القاضي الإيطالي "المطلوب إذن ترك السلطات التركية تقوم بعملها". مشيرا إلى أن "هذا المنطق الازدواجي لا يمكنه أن يستمر إذا أعلنت المحكمة الدستورية (التركية) عدم اختصاصها. وفي حال مماثلة، فإن محكمة ستراسبورغ ستكون أمام عشرات آلاف القضايا".
احكام مشددة
الى جانب ذلك طلب ممثلو إدعاء أتراك أحكاما بالسجن لعشرات السنين لزعيمي حزب معارض مؤيد للأكراد بتهم من بينها إدارة منظمة إرهابية وفقا للائحة إتهام قدمت إلى المحكمة. وألقت السلطات التركية القبض على زعيمي حزب الشعوب الديمقراطي المؤيد للأكراد في إطار تحقيق بشأن الإرهاب قوبل بإدانة دولية قوية بسبب ما تقول جماعات حقوقية إنها حملة موسعة للتضييق على المعارضة تحت حكم الرئيس رجب طيب إردوغان.
ويسعى ممثلو الادعاء إلى عقوبة السجن لمدة تصل إلى 142 عاما لصلاح الدين دمرداش ولمدة تصل إلى 83 عاما لشريكه فيجن يوكسيكداج. ووجهت إلى الاثنين أيضا اتهامات بالتحريض على العنف ونشر دعاية لدعم منظمة إرهابية. وتقول السلطات إن حزب الشعوب الديمقراطي -وهو ثالث أكبر حزب في البرلمان- فرع لحزب العمال الكردستاني الذي تعتبره تركيا والولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي منظمة إرهابية. بحسب رويترز.
وينفي الحزب أن له صلات بالجماعة المحظورة ويقول إنه يريد أن يرى عودة إلى محادثات السلام بين الحكومة وحزب العمال الكردستاني الذي يشن تمردا مضى عليه ثلاثة عقود في منطقة جنوب شرق تركيا التي تسكنها غالبية كردية. وعبًرت الولايات المتحدة عن قلقها العميق من القبض على الاثنين بينما استدعت ألمانيا والدنمرك دبلوماسيين أتراكا. وذكر دمرداش في السابق أنه لن يتردد في أن يمثل أمام "هيئة قضائية نزيهة ومحايدة" لكنه يرفض أن يكون "ممثلا في مسرحية قضائية" قال إن إردوغان أمر بها.
الى جانب ذلك اتهم نائب نمساوي معارض تركيا بإدارة شبكة جواسيس عبر سفارتها في فيينا وقال إنها تستهدف منتقدي الرئيس رجب طيب إردوغان وتروج لسياساته وتتلقى أموالا من أنقرة. وقال بيتر بيلتس من حزب الخضر النمساوي إنه أرسل للشرطة وثائق تشمل تفاصيل بشأن أنشطة منظمة إيه.تي.آي.بي وهي منظمة شاملة يرأسها الملحق الديني في سفارة تركيا وتشرف على عشرات المساجد في النمسا.
وقال بيبلتس في مؤتمر صحفي "منظمة إيه.تي.آي.بي هي أداة للسياسات الصعبة والقاسية ومن وجهة نظري غير المقبولة قانونيا للحكومة التركية في النمسا." ورفضت المنظمة ووزارة الخارجية التركية اتهامات بيلتس. وحثت الوزارة فيينا على الامتناع عن أي إجراءات قد تضر بالعلاقات الثنائية بين البلدين المتوترة بالفعل بسبب معارضة النمسا طلب تركيا الانضمام للاتحاد الأوروبي.
من جانبها دعت محكمة تابعة للأمم المتحدة تركيا إلى الإفراج عن قاض بالأمم المتحدة اعتُقل أثناء الحملة التي أعقبت محاولة الانقلاب قائلة إن سجن أيدين صفا أكاي يمثل خرقا لحصانته الدبلوماسية ومبدأ استقلال القضاء. وأكاي -وهو قاض ودبلوماسي- واحد من بين 40 ألف مسؤول تركي تم تجديد حبسهم بسبب صلاتهم المزعومة بالانقلاب العسكري الفاشل الذي ألقت السلطات بالمسؤولية فيه على أتباع رجل الدين فتح الله كولن الذي يعيش في المنفى.
وقال تيودور ميرون رئيس آلية الأمم المتحدة للمحاكم الجنائية الدولية إنه يتعين على تركيا وقف كل الإجراءات المقامة ضد أكاي حتى يتمكن من الاضطلاع بمهامه في قضية تخص سياسي رواندي مشتبه به في جرائم إبادة جماعية. وقال ميرون "الحصانة الدبلوماسية ركن أساسي لأي هيئة قضائية دولية مستقلة." وأضاف أن تغيير أكاي على منصة القضاة بسبب اعتقاله سيكون له تأثير سلبي على استقلال القضاء لأنه يجعل إستبدال القضاة أمرا يبدو سهلا.
وقالت صحيفة حريت التركية إن أكاي اعتُقل بسبب تطبيق تراسل على هاتفه المحمول زُعم أن متآمرين كثيرين استخدموه. وتجاهلت تركيا طلبات استدعاءات للمشاركة في إجراءات محكمة الأمم المتحدة بخصوص أكاي. وكان من المقرر أن يستمع أكاي لدفاع محامي أوجوستين نجيراباتواري وهو سياسي رواندي يقضي عقوبة السجن 30 عاما بتهمة التحريض على الإبادة الجماعية. ويقول محاموه إنهم توصلوا إلى أدلة تبرئ ساحة موكلهم. والآلية هي البديل القانوني الحالي للمحاكم التي نظرت في الجرائم التي ارتكبت أثناء الحروب في يوغوسلافيا السابقة والإبادة الجماعية في رواندا.
اضف تعليق