تمثل اتفاقية السيداو احدى المعاهدات الدولية المتخصصة في مجال حقوق المرأة وتسمى اختصاراً السيداو: وهي اسم الاتفاقية باللغة الانكليزية مأخوذاً من الحروف الاولى لكلمتها:(cedaw)(theconvetion on climination of all forms of discrimination agents woman) وتعني باللغة العربية (اتفاقية القضاء على جميع اشكال التمييز ضد المرأة).
وتعزيزا للدور الاممي اعتمدتها الجمعية العامة للأمم المتحدة وعرضتها للتوقيع والتصديق والانضمام بالقرار 34/180 في 18 ديسمبر 1979 ودخلت حيز التنفيذ في 3 سبتمبر 1981 تتألف الاتفاقية من (ثلاثين مادة).
عُنيت هذه الاتفاقية بما يتعلق بجوانب شؤون المرأة، ونواحي حياتها مساواتها، تنبثق من الايمان بأن القانون الدولي هو اداة فعالة لتحقيق العدالة الاجتماعية، والمساواة بين الرجل والمرأة، والمساواة امام القانون حيث كرست حماية دولية للمرأة في النزاعات الاسرية، وضمان حقوق المرأة ووقف التمييز ضدها كونه يشكل خطرا على وجودها، ومساواتها مع الرجل، اذ ترى الرجل يتبع اساليب العنف ضد زوجته او اخته او اقاربه، كونه الاب او الاخ او الزوج وبحكم مركزه الاجتماعي والادوار التي يؤديها.
هذه الاتفاقية مصدر من مصادر القانون الدولي التي ابدت اهتمامها بالمرأة وحماية كيانها من العنف والتمييز ومساواتها مع الرجل بالحقوق والواجبات، حتى ازداد وتنامى بالظهور واستفحل في كثير من المجتمعات مما خلق فجوة في التوازن البنيوي بين الرجل والمرأة، اذ بموجب هذه الاتفاقية هناك حماية دولية تلزم جميع الدول الموقعة على بنود الاتفاقية بالخضوع وتطبيق احكامها وتعديل قوانينها الوطنية بما تنسجم مع بنودها، هدفها الاساسي تكريس مفهوم المساواة بين كلا الجنسين في التشريعات المحلية والغاء النصوص القانونية التي تضفي طابعا تمييزا وعنصريا على المرأة، تسعى من وراء ذلك بتحقيق العدالة الاجتماعية والاقتصادية واعطاء الحريات للمرأة بممارسة دورها مع الرجل دون قيود او وصاية، دأبت الامم المتحدة من خلال الشرعة الدولية لحقوق الانسان لإعطاء اهمية في تطبيق مبدا المساواة وعدم التمييز على اساس الجنس، حتى اصدرت عدة اتفاقيات خاصة بقضايا النساء منها:
1ـ الاتفاقية الخاصة بالحقوق السياسية للمرأة عام 1952
2ـ الاتفاقية الدولية بشأن جنسية المرأة المتزوجة عام 1957
3ـ اتفاقية الرضا بالزواج والحد الادنى لسن الزواج عام 1962.
ودعوات اخرى جاءت بها الاتفاقية منها، منح المرأة الاهلية اللازمة لممارسة التصرفات وابرام العقود واعطاء الحرية اللازمة لحق السكن الملائم لها باختيارها والاقامة حيثما تجد ظروف العيش انسب لها وأفضل من غير الاماكن.
اولا/ تحفظ العراق على بنود الاتفاقية:
رغم مصادقة العراق عليها الا انه ابدى تحفظه عليها بعد دراسة الاتفاقية بما تنسجم مع القوانين النافذة ووضع تحفظه على (المادة 2) وخاصة الفقرتين (و+ز) في تموز عام 2000، حيث ورد هذا التحفظ على هذه المادة والتي تعد من المواد ذات الاهمية في وجودها، اذ نصت المادة المذكورة اعلاه على ما يلي:
* تشجب الدول الاطراف جميع اشكال التمييز ضد المرأة وتوافق على ان تنهج بكل الوسائل المناسبة دون ابطاء سياسة القضاء على كل اشكال التمييز ضد المرأة، وتتعهد بالقيام بما يلي واختصاراً نذكر الفقرتين (ز+و) من (المادة 2):
و- اتخاذ جميع التدابير المناسبة بما في ذلك التشريعية لتعديل او الغاء القوانين و الانظمة والاعراف والممارسات القائمة التي تشكل تمييزاً ضد المرأة .
ز- الغاء جميع احكام قوانين العقوبات الوطنية التي تشكل تمييزاً ضد المرأة.
أيضا تحفظ العراق على (المادة 9) وهي من النصوص الاساسية الاتفاقية، وتحدد طريقاً واضحا للقضاء على التمييز بين الرجل والمرأة في شؤون الاسرة حيث نصت المادة على ما يلي:
أ- تمنح دول الاطراف المرأة حقاً مساوياً لحق الرجل في اكتساب جنسيتها او الاحتفاظ بها او تغييرها تضمن بشكل خاص، ان لا يترتب على الزواج من اجنبي او تغيير جنسية الزوج اثناء الزواج، ان تتغير تلقائياً جنسية الزوجة او ان تصبح بلا جنسية او تُفرض عليها جنسية الزوج .
تمنح دول الاطراف المرأة حقاً مساوياً لحق الرجل فيما يتعلق بجنسية اطفالها.
مع كل هذا ظل واضعا تحفظاته على هذه النصوص المذكورة انطلاقا من عدم الملائمة مع الوسط الاجتماعي والقوانين النافذة آنذاك.
ثانيا/ تمايز الاتفاقية مع الشريعة الاسلامية والتشريعات الداخلية:
1ـ ورد بالاتفاقية بنداً يتعلق باستقلال السكن بالنسبة للزوجة عن الرجل واختيارها بكل حرية لمحل السكن الذي تراه مناسبا مع ضرفها ووضعها الاجتماعي لكن بالمقابل هناك تعارض مع محل سكن الزوجة المحدد في نظر الشرع المقدس بمحل سكن الزوج، وهذا أمر مثبت في القرآن الكريم بقوله تعالى{أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنتُم مِّن وُجْدِكُم} (6) سورة الطلاق، فالآية تخاطب الأزواج وتحثهم توفير السكن للزوجة وفق مقتضى المقدرة والاستطاعة وهو حق يقع على عاتق الزوج تجاه الزوجة، تكمن من اعطاء هذا الحق للزوج دون المرأة حتى لا يكون هناك تنازعا بالاختيار يؤثر على الحياة الزوجية، وتأثير وانتقاص من قوامة الرجل، التي ذكرت في النصوص الشرعية الواردة في موضوع القوامة، قال تعالى: {الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاء بِمَا فَضَّلَ اللّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنفَقُواْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ} (34) سورة النساء. فضلا عن استئذان المرأة لزوجها عند خروجها لكن حينما تخرج المرأة دون إذن زوجها وعلمه، يعد ذلك خروجا وتعسفا عن طاعة الزوج وحكمها شرعاً النشوز.
2ـ اما قانون الأحوال الشخصية العراقي رقم 188 لسنة 1959. استمد اغلب احكامه من الشريعة الاسلامية فقد نصت المادة (25) منه (لا نفقة للزوجة في الاحوال الاتية):
(اذا تركت بيت زوجها بلا اذن، وبغير وجه شرعي).
الزوجة مطبقة لأوامر زوجها ونفتها عليه ولاتخرج من دار الزوجية الا بأذنه او بعذر مشروع، بالمقابل هناك انصاف لها وفق القانون في حق السكنى، الذي الزم الزوج بتوفير مسكن لها، والغاية من ذلك ان كثيرا من الزوجات بعد الطلاق يصبحن بلا مأوى ومسكن، خصوصا اذا لم يتوفر لها معيل من اهلها، لذا فان الامر والعدالة تقتضب حق البقاء في الدار او الشقة التي تسكنها مع زوجها مدة تكفيها لتهيئة مسكن يأويها وحددت المدة بثلاثة سنوات تكون كافية لتهيئة المسكن المستقل الخاص بها.
3ـ وكذلك النصوص الجزائية في قانون العقوبات رقم 111 لسنة 1969 المعدل: اشارت بوضوح نص المادة (41): (لا جريمة اذا وقع الفعل استعمالا لحق مقرر بمقتضى القانون، ويعتبر استعمالا للحق تأديب الزوج لزوجته في حدود.... ما هو مقرر شرعا وقانونا وعرفا).
هذه النصوص الجزائية لها دلالات في تغليب دور الرجل على المرأة، من خلال اعطاء الحق للزوج بممارسة العنف والضرب في حالة اساءة الزوجة لحق من حقوقه في الوسط الاجتماعي المقررة قانونا، كثيرا من الحالات الزوج يتعسف في استعمال هذا الحق، كان يتمادى في ضرب زوجته ضربا مبرحاً مما يشكل انتهاك لسلامتها ووضعها الاجتماعي، وتقليل ذلك من قيمتها امام ابنائها ضمن الاسرة.
ان الدستور العراقي لعام 2005 جاء بعض مواده متطابقة مع هذه الاتفاقية منها احكام المادة (14) من الدستور العراقي الصادر عام (2005) نصت على: (العراقيون متساوون امام القانون دون تمييز بسبب الجنس....)، وكذلك احكام المادة (16) من الدستور التي تقول بأن تكافؤ الفرص مكفول لجميع العراقيين، والمادة (20) منه القائلة: (للمواطنين رجالا ونساء حق المشاركة في الشؤون العامة، والتمتع بالحقوق السياسية، بما فيها حق التصويت والانتخاب والترشيح)، ما يعني ان هناك اشارة واضحة مع الاتفاقية في المساواة امام القانون والتساوي بالحقوق دون تمييز بسبب الجنس اذ حسب الدستور لا قيمة للتحفظات السابقة التي وضعها العراق مع تعديل القوانين التي تم ذكرها بما لا تتعارض مع نصوص الدستور ويحق لمن لديه مصلحة قانونية الطعن بعدم دستورية هذه القوانين امام المحكمة الاتحادية، بغية الحصول على قرار قضائي يدعم تغيير القوانين التي لم تتوافق مع الدستور، وبالتالي يتحقق ما جاءت به هذه الاتفاقية من المطالبة لإنصاف المرأة مع الرجل من خلال تعديل التشريعات الوطنية.
لكن لو تمعنا اكثر في هذه الاتفاقية نجد انها تفرض منطق القوة والاجبار والرضوخ للإرادة الدولية والالتزام بقرارات المجتمع الدولي، من شان ذلك يقوض بعض المفاهيم التي لا تناسب ما هو معتاد وسائد من الاعراف والشريعة الاسلامية السمحاء، وتضاربها معها في التطبيق من جميع النواحي، اذ ليس كل المجتمعات هي متشاركة في العادات والتقاليد وبمستوى متساوي لدور المرأة مع الرجل، بل هناك تفاوت من جوانب كون ان الزوج هو المكلف والمعيل للزوجة ومسؤول عن حاجات الاسرة ورعايتها، اضافة الى الاختلاف في مسائل الارث والتكليف الشرعي في الشريعة الاسلامية،
حقيقة ممكن تطبيق القيم الاسلامية التي تدعو الى التعايش وفق قيم التسامح بين كلا الجنسين، وتجنب اتباع الرجل وسائل العنف والاكراه ضد المرأة، مع توظيف المكانة الاجتماعية لكل منهما، وتعزيز الثقة المتبادلة والاحترام والتفاهم المشترك بين الرجل والمرأة بما ينعكس ذلك على الاسرة والابناء.
اضف تعليق