مع إستمرار الصراعات والحروب والمشكلات الاقتصادية الكبيرة في العديد من دول العالم، تفاقمت معاناة اللاجئين والنازحين الذين ازدادت اعدادهم بشكل كبير جدا، وهو ما اثر سلبا على الاوضاع الانسانية لملايين اللاجئين والنازحين، خصوصا مع ضعف دور المنظمات والمؤسسات الحقوقية والإنسانية الدولية، التي عجزت عن مساعدتهم في ظل غياب الدعم قلة الامكانيات الدولي وتخلي لدول المانحة للوفاء بالتزاماتها المالية والانسانية، يضاف الى ذلك الاجراءات والقوانين المتشددة، التي اتخذتها بعض الدول بهدف الحد من تزايد اعداد المهاجرين التي وصلت الى مستويات قياسية.
وقد حذرت الامم المتحدة من ان ملايين اللاجئين في كل انحاء العالم يواجهون خطر التشرد اذا لم تتلق المنظمات الانسانية مزيدا من التمويل، داعية جميع الاطراف والجهات لتقديم المساعدة بما فيهم القطاع الخاص. حيث اطلقت المفوضية العليا للامم المتحدة لشؤون اللاجئين حملة بعنوان "لا احد يترك في الخارج" تدعو القطاع الخاص الى مساهمة اكبر في احتياجات المنظمة الاممية، متحدثة عن حاجتها الى نصف مليار دولار للمساعدة على ايواء نحو مليوني لاجئ بحلول عام 2018. وقالت المفوضية في بيان ان "الحملة تستهدف الافراد والشركات والمؤسسات وفاعلي الخير في كل انحاء العالم"، مشيرة الى ان القطاع الخاص لم يساهم في العام 2015 سوى بثمانية في المئة من التمويل العام للمفوضية.
وأعلنت المفوضية العليا للاجئين التابعة للأمم المتحدة أن عدد النازحين واللاجئين الذين فروا من النزاعات وحملات الاضطهاد في العالم سجل مستوى قياسيا بلغ 65,3 مليون شخص في 2015. وأفاد تقرير الإحصاء السنوي للمفوضية أنها المرة الأولى التي يتجاوز فيها عدد اللاجئين والنازحين في العالم الستين مليون شخص، أي ما يعادل عدد سكان بريطانيا. ويشكل العدد ارتفاعا كبيرا بالمقارنة مع العام 2014 عندما كان 59,5 ملايين شخص.
وصرح المفوض السامي لشؤون اللاجئين فيليبو غراندي خلال عرضه التقرير "نعيش في عالم يفتقد إلى المساواة" يشهد حروبا ونزاعات "لذلك بحث الناس عن أماكن أكثر أمانا أمر حتمي". واعتبر يان ايغلاند الأمين العام للمنظمة غير الحكومية المجلس النروجي للاجئين وهو من المساهمين في إعداد التقرير، أن اللاجئين "ضحايا الشلل العام" للحكومات في العالم التي "ترفض تحمل مسؤولياتها".
وقال غراندي إن غالبية الازمات التي تحمل المهجرين على دروب المنفى هي نفسها من عام إلى آخر وفي مقدمتها سوريا. إلا أن العام 2015 شهد بروز أوضاع طارئة في "بوروندي وجنوب السودان وافغانستان". وتابع غراندي إن الأفغان يشكلون اليوم ثاني مجموعة من اللاجئين في العالم بعد السوريين الذين يقارب عددهم خمسة ملايين نسمة. وأضاف "حتى الافغان اللاجئين منذ سنوات إلى إيران باتوا يتوجهون اليوم إلى أوروبا" لطب اللجوء.
وارتفع عدد اللاجئين أي الأشخاص الذين غادروا بلادهم الى 21,3 ملايين شخص، وعدد النازحين أي الذين غادروا منازلهم لكنهم لا يزالون في بلدهم الى 40,8 ملايين شخص. كما أحصي 3,2 مليون طالب لجوء إلى الدول الصناعية في العام 2015 . وتابع تقرير المفوضية أن "واحدا من كل 113 شخصا في العالم مشرد وهو إما طالب لجوء أو نازح أو لاجئ". واعتبر المفوض الأعلى للاجئين فيليبو غراندي الذي تولى مهامه في مطلع العام 2016 أن "العوامل المهددة للاجئين تتزايد". وشدد غراندي على أن "عددا مخيفا من اللاجئين والمهاجرين يقضون في البحار كل عام، وفي البر الفارون من النزاعات عاجزون عن مواصلة رحلتهم بسبب إغلاق الحدود". وطغت قضية اللاجئين في أوروبا في العام 2015 إلا أن التقرير يعتبر أن "الغالبية العظمى من اللاجئين في العالم هم في أماكن أخرى"، في دول قريبة من مناطق النزاعات.
الدول الفقيرة
من جانب اخر افاد تقرير للبنك الدولي ان اللاجئين باتوا يطرحون تحديا كبيرا للدول النامية التي تستقبل 95% من الفارين من عشرات النزاعات المستمرة بمعظمها منذ ربع قرن. وقال كزافييه دفيكتور صاحب التقرير ان وجود هؤلاء الاشخاص المحرومين "يؤثر على آفاق تطور البلدان التي تستقبلهم" و"ينمي ايضا ردود فعل معادية للاجانب حتى في الدول الغنية". ودعا البنك الدولي البلدان المتطورة الى تقديم مزيد من القروض والهبات الى الدول التي تستقبل لاجئين. ويعيش 65 مليون شخص او 1% من سكان العالم "في هجرة قسرية" وبينهم 24 مليون لاجىء وطالب لجوء عبروا الحدود و41 مليون نازح داخل بلدانهم.
وخلال السنوات الخمس والعشرين الماضية تسببت النزاعات نفسها تقريبا بفرار معظم هؤلاء الاشخاص من افغانستان والعراق وسوريا وبوروندي وجمهورية الكونغو الديموقراطية والصومال والسودان وكولومبيا والقوقاز ويوغوسلافيا السابقة. وسوريا البلد الوحيد الذي تحول اكثر من 25% من سكانه الى نازحين او لاجئين. ونصف النازحين مشردون بعيدا عن مواطنهم منذ اكثر من اربع سنوات وفق التقرير الذي كشف انه بشكل عام تصل حركة فرار السكان الى ذروتها بعد اربع سنوات من بدء النزاع.
ولا يعود سوى ربع النازحين (27%) الى المناطق التي غادروها اذ يستقر عدد كبير منهم في المناطق المدنية في كابول وجوبا في جنوب السودان ولواندا في انغولا ومونروفيا في ليبيريا. وبين 15 دولة تستقبل العدد الاكبر من اللاجئين تستقبل تركيا ولبنان والاردن الدول المجاورة لسوريا 27% من مجمل اللاجئين في العالم. وتستقبل باكستان وايران المجاورتان لافغانستان 16% من اللاجئين. وتستقبل اثيوبيا وكينيا المجاورتان للصومال وجنوب السودان 7% منهم. بحسب فرانس برس.
يضاف الى ذلك الدول التي تتعرض لحركة نزوح داخل حدودها مثل كولوميبا والعراق ونيجيريا واوكرانيا وجمهورية الكونغو الديموقراطية. واضاف التقرير ان بعض الدول الغنية في منظمة التعاون والتنمية الاقتصادية "فتحت ابوابها لكن معظمها يتردد في تحمل المسؤوليات الدولية بمستوى كبير". ويدعو البنك الدولي الى تطبيق سياسات مساعدة من شانها ان تسمح للاجئين والنازحين بالعمل وكسب المال وتطوير مهاراتهم لان المساعدة الانسانية التي قدرت ب22 مليار دولار في 2015 لم تكن كافية. وتعتمد الدول الغنية برامج دمج بطيئة ومتفاوتة النتائج. فاذا كان اللاجىء يحتاج في الولايات المتحدة الى اقل من 10 سنوات لايجاد عمل، فالامر يستغرق اكثر من 15 عاما في الاتحاد الاوروبي.
40 مليونا نازح
على صعيد متصل بلغ عدد النازحين جراء الحرب في العالم عام 2015 رقما قياسيا قدره 40 مليون شخص، اكثر من نصفهم من سوريا واليمن والعراق، وافاد مرصد اوضاع النزوح الداخلي في تقريره ان العام الماضي سجل 8,6 ملايين من النازحين الجدد بسبب النزاعات المسلحة، 4,8 ملايين منهم في الشرق الاوسط وشمال افريقيا، ليصل العدد الاجمالي الى 40,8 مليون نازح. وتعد سوريا واليمن والعراق اكثر من نصف النازحين جراء النزاعات في 2015، تليها افغانستان وافريقيا الوسطى وكولومبيا وجمهورية الكونغو الديموقراطية ونيجيريا وجنوب السودان واوكرانيا.
وجاء في التقرير السنوي ان حركة النزوح "تسارعت منذ بدء الربيع العربي في نهاية 2010 وظهور تنظيم داعش". وقال الامين العام للمجلس النروجي من اجل اللاجئين يان ايغيلاند، احد موقعي تقرير المرصد الذي يتخذ مقرا له في جنيف، مبديا اسفه ان "هذا هو اعلى رقم يسجل في التاريخ ويمثل ضعف عدد اللاجئين في العالم". وهي رابع سنة على التوالي يصل فيها عدد النازحين داخل بلادهم الى رقم قياسي.
كما يشير التقرير الى نزوح 19,2 مليون شخص عام 2015 بسبب الكوارث الطبيعية، مع تسجيل اكبر اعداد في الهند والصين والنيبال. وتسببت النزاعات والكوارث الطبيعية معا بـ27,8 مليون نازح جديد داخل بلادهم عام 2015 كعدد اجمالي. وقال ايغيلاند "هذا الرقم يوازي تعداد سكان نيويورك ولندن وباريس والقاهرة معا، وهم لا يأخذون معهم لدى فرارهم، وغالبا وسط الذعر، سوى الاغراض القليلة التي يمكنهم حملها، وينطلقون في رحلة محفوفة بالغموض. وبكلام آخر، اضطر 66 الف شخص الى مغادرة بيوتهم يوميا عام 2015". بحسب فرانس برس.
وما يبعث على اليأس ان حالة النزوح تبقى مستقرة بدون ان تسجل تحسنا. وتاكيدا على ذلك، فان خمس دول هي افريقيا الوسطى وكولومبيا والعراق وجنوب السودان والسودان بقيت منذ العام 2003 بين الدول العشر التي تسجل اكبر عدد من النازحين. وقالت مديرة المرصد الكسندرا بيلاك "هذا يثبت مرة جديدة ان الضحايا يستمرون في حالة النزوح سنوات، بل حتى عقودا، ما لم يحصلوا على مساعدة". واورد التقرير السنوي لاول مرة عدد النازحين جراء الجريمة المنظمة وعنف العصابات. وفي كانون الاول/ديسمبر 2015، بلغ عددهم مليون شخص في سالفادور وغواتيمالا وهندوراس والمكسيك، بحسب المرصد.
مخاطر وقرارات
في السياق ذاته اعلنت الامم المتحدة ان حوالى 204 آلاف مهاجر ولاجئ وصلوا هذا العام الى الاتحاد الاوروبي عابرين البحر المتوسط، فيما قضى اكثر من 2500 اخرين في الرحلة بينهم 880 في اسبوع واحد. وصرح المتحدث باسم المفوضية العليا للاجئين وليام سبيندلر في لقاء صحافي في جنيف ان "العام 2016 يبدو دمويا بشكل خاص، مع مقتل حوالى 2510 اشخاص" في الاشهر الخمسة الاولى منه، مقابل 1855 للفترة نفسها في العام الفائت. وقضى في وقت قريب 880 شخصا في غرق عدد من المراكب المتجهة الى ايطاليا.
ووصل حوالى 204 الاف مهاجر ولاجئ منذ مطلع العام الجاري الى اراضي الاتحاد الاوروبي، دخل 75% منهم من اليونان قبل نهاية اذار/مارس. مذاك تم كبح توافد المهاجرين الى اليونان بشكل كبير، مع اتفاق بروكسل وانقرة على اعادة اي مهاجر يصل اليونان بعد 20 اذار/مارس لم يقدم طلب لجوء او رفض طلبه، الى الاراضي التركية. اما حركة الهجرة نحو ايطاليا فسجلت 46714 مهاجرا ولاجئا منذ كانون الثاني/يناير، في عدد يوازي تقريبا عددهم في العام الفائت بحسب المفوضية العليا.
بالتالي حافظ دفق الهجرة انطلاقا من ليبيا على ثباته نسبيا منذ العام الفائت، مع اختلافه عن حركة الهجرة عبر البلقان، نظرا الى تحدر اغلبية المهاجرين الواصلين الى ايطاليا من دول افريقيا دون الصحراء. لكن "الطريق من شمال افريقيا الى ايطاليا اكثر خطورة بكثير" بحسب سبيندلر الذي اوضح ان "2119 من القتلى المسجلين هذا العام حتى الان سقطوا على هذه الطريق".
الى جانب ذلك حذر وزير الهجرة الأسترالي بيتر داتون من توطين لاجئين "أميين يجهلون الحساب"، ومن أن ذلك سيزيد الضغط على شبكة الضمان الاجتماعي وعلى الوظائف بأستراليا، مسلطا بهذه التصريحات الضوء على أمن الحدود والهجرة في حملته الانتخابية لعام 2016 . ويعتبر أمن الحدود وشؤون الهجرة من القضايا السياسية الساخنة في أستراليا التي أثرت على الانتخابات من قبل. ووفقا لسياسة توافق عليها حزبان في أستراليا يجري إرسال طالبي اللجوء الذين يصلون بقوارب إلى مخيمات احتجاز في ناورو وبابوا غينيا الجديدة بالمحيط الهادي ويعتبرون غير مؤهلين لإعادة التوطين.
ويذكر أن حكومة المحافظين تعهدت العام الماضي باستقبال 12 ألف لاجئ من سوريا إضافة إلى حصتها السنوية البالغة 13750 لاجئا. ويقول حزب العمال المعارض الممثل لتيار يسار الوسط إنه سيضاعف الحصة السنوية إلى 27 ألفا بحلول عام 2025 إذا فاز في الانتخابات المقررة في الثاني من يوليو تموز. وقال داتون ردا على سؤال عن الزيادة المقترحة في الحصة السنوية للاجئين "هم أميون ولا يعرفون الحساب بلغتهم فماذا عن الإنجليزية؟ هؤلاء الناس سيحصلون على وظائف في أستراليا دون شك. "كثيرون منهم ممن سيبقون دون عمل سيصطفون في طوابير العاطلين... لذلك ستكون هناك تكلفة ضخمة وليس هناك معنى للكلام المعسول عن ذلك. هذا هو السيناريو." بحسب رويترز.
وأثارت تصريحاته ردود فعل حادة من حزب العمال وحزب الخضر المعارض الممثل لتيار اليسار والذي يدعو إلى زيادة الحصة السنوية إلى 50 ألف شخص. وانتقد بيل شورتون زعيم حزب العمال داتون ورئيس الوزراء مالكولم ترنبول للتدني بنبرة الحوار عن الانتخابات. وقال للصحفيين "لم يُهن السيد داتون اللاجئين فقط بهذه التصريحات وإنما أهان ملايين المهاجرين الذين ساهموا في بناء هذه الدولة العظيمة بحق."
أكبر مخيم للاجئين
من جهة اخرى قال وليام روتو نائب الرئيس الكيني إن كينيا ستغلق أكبر مخيم للاجئين في العالم هذا العام لأن المخيم الذي يؤوي صوماليين شردتهم الحروب المستمرة منذ عقود يشكل "خطرا وجوديا". وحذرت الأمم المتحدة ودول غربية من الترحيل القسري لنحو 350 ألف صومالي ما زالوا يقيمون في مخيم داداب مترامي الأطراف في شمال شرق كينيا. وقالوا إن هذا ينتهك الالتزامات الدولية لكينيا.
لكن روتو قال خلال قمة الأمم المتحدة الإنسانية في اسطنبول إن المجتمع الدولي خذل الصومال الذي ما زال يكافح للتعافي من الفوضى التي بدأت في التسعينيات. وقال روتو "يشكل مخيم اللاجئين تهديدا أمنيا وجوديا لكينيا." وأضاف أن الهجمات التي شملت استهداف مركز وستجيت التجاري في عام 2013 ومذبحة جامعة جاريسا في عام 2015 وأسفرت عن مقتل المئات جرى التخطيط لها في داداب. وقال إن هؤلاء المتطرفين يشكلون خطرا عالميا الآن. وأضاف "هناك عناصر متطرفة في المخيم تحث على التطرف وتستهدف الشباب على نحو خاص.. (إن) تجنيدهم في شبكات إرهابية تشمل (حركة) الشباب والقاعدة هو تهديد للعالم.. إنه المسار الذي أوجد (الدولة الإسلامية)."
وعبر روتو -الذي من المقرر أن يلتقي مع بان جي مون أمين عام الأمم المتحدة في قمة اسطنبول- عن إحباطه لتقاعس الدول الأخرى عن الوفاء بتعهداتها لإعادة بناء الصومال. وقال إن كينيا أنفقت سبعة مليارات دولار على مخيم داداب على مدار الخمسة وعشرين عاما الماضية. وقال "ندرك التزاماتنا الدولية جيدا. لكن لسوء الحظ لا نرى أي تحمل مشترك للمسؤولية تجاه الصومال. نحن لا نخاطر فقط بالتخلي عن الصومال نحن نخاطر بنسيان الصومال تماما." وتريد كينيا أن يقوم المجتمع الدولي ببناء مدارس وغيرها من البنية التحتية عبر الحدود لإغراء اللاجئين للعودة لبلدهم. بحسب رويترز.
وأشار روتو إلى أن الحكومة هددت في السابق بطرد اللاجئين لكنها ستلتزم في هذه المرة بمهلة تنتهي خلال ستة شهور اتفق عليها مع الصومال والأمم المتحدة. وقالت المفوضية العليا لشؤون اللاجئين التابعة للأمم المتحدة في يناير كانون الثاني إنها قد لا تحقق هدف عام 2016 بترحيل 50 ألف لاجئ لأن الحكومة الصومالية تقاتل حركة الشباب المتشددة ولا توفر سوى القليل من الخدمات العامة. وتجري إعادة بناء الصومال ببطء ومن المقرر انتخاب برلمان جديد في أغسطس آب. وقال روتو إن المناطق المعزولة تحتاج لانتعاش مضيفا أنه "سيكون من المستحيل العمل بشكل شامل لتحقيق السلام والمصالحة والاستقرار دون مشاركة نحو مليون لاجئ يعيشون حاليا في بلدنا."
اضف تعليق