ملف الحقوق والحريات الأساسية في مصر يشهد انهيار وتراجع كبير، حيث سعت السلطات المصرية بعد انقلاب يوليو/تموز 2013، الذي أطاح بالرئيس محمد مرسي المنتمي الى جماعة الاخوان المسلمين، الى تشديد قوانينها واجراءاتها القمعية بحق المعارضين والصحفيين، واشارت بعض التقارير التي نشرتها عدد من منظمات المجتمع المدني المصرية كما نقلت بعض المصادر، إلى اعتقال أكثر من 40000 مواطنًا منذ منتصف عام 2013، وحتى النصف الأول من عام 2014، وأكدت منظمة العفو الدولية الأرقام المنشورة في بيان أرسلته إلى لجنة تقصي حقائق ما بعد 30 يونيو، استنكرت فيه تفشى التعذيب والاعتقال التعسفي، مشيرة إلى اعتقال ما يقارب 40 ألف مواطن بين يوليو 2013 الى مايو 2014 ، مما يشير إلى تراجع كارثى في حالة حقوق الإنسان في مصر.
وفريق الاعتقال التعسفي بالأمم المتحدة عن اعتقال "القُصَّر" في مصر، لم يحدد رقماً محدداً لحجم ظاهرة الاعتقالات في مصر منذ 30 يونيو 2013 حتى نهاية مايو 2015، لكنه وصف ما يجري بأنه اعتقالات ممنهجة وواسعة الانتشار" مشيراً إلى اعتقال أكثر من 3200 طفلًا تحت سن الـ 18، تعرضوا جميعًا للتعذيب والضرب المبرح داخل مراكز الاحتجاز المختلفة.
كما رصدت التقارير وجود42 صحفيًا، بين محبوس ومهدد بالحبس، خلال عام 2015، بينهم 20 صحفيًا محتجزًا في قضايا تتعلق بممارسة المهنة، بخلاف صدور أحكام غيابية وأولية بحبس 7 صحفيين، وإحالة 8 آخرين للجنايات، بعد بلاغات بارتكاب جرائم نشر، ونشر أخبار كاذبة، واتهامات أخرى تتعلق بإهانة السلطة القضائية، والتشهير والقذف.
ورصدت لجنة الحريات بنقابة الصحفيين ايضا 782 انتهاكًا ضد الصحفيين، خلال 2015، تنوعت ما بين الحبس بأحكام، أو الاحتياطي، والتوقيف، واقتحام المنازل للقبض، وتلفيق التهم، وإصدار أحكام شديدة القسوة، والمنع من مزاولة المهنة وتكسير المعدات والكاميرات، والمنع من الكتابة أو وقف المقالات، والمطاردة القانونية واقتحام مقار صحف أو مواقع إخبارية، وتعطيل طباعة عدد من الصحف، في وقت تصدرت فيه وزارة الداخلية والجهات الأمنية قائمة المعتدين على الصحفيين، بنسبة تتجاوز الـ 45 % من الانتهاكات التي يتعرض لها الصحفيون. هذا الواقع عبر أكدته التقارير الدولية عن أوضاع الحريات الصحفية والتي جاءت لتصنف مصر باعتبارها ثاني أكثر الدول سجناَ للصحفيين في العالم. وأرقام قريبة لما رصدته لجنة حريات الصحفيين وثقها، مرصد "صحفيون ضد التعذيب" مشيرا إلى وقوع 720 انتهاكاً ضد الحريات الصحفية و الإعلامية في مصر خلال 2015.
ووتيرة الانتهاكات استمرت خلال عام 2016 وسجل مرصد صحفيون ضد التعذيب 222 حالة انتهاك ضد الصحفيين، خلال الربع الأول من العام، كما وثق 243 حالة انتهاك مختلفة خلال أبريل الماضي، وقعت في حق الصحفيين أثناء تأدية مهام عملهم، إلى جانب 80 انتهاكًا تم رصدهم خلال شهر مايو.
التعذيب والاختفاء القسري
في هذا الشأن قالت منظمة العفو الدولية في تقرير إن عناصر أمنية مصرية خطفت وعذبت "مئات الأشخاص على الأقل" من بينهم أطفال لا تزيد أعمارهم على 14 عاما في ارتفاع لم يسبق له مثيل في حالات الاختفاء القسري في محاولة لترهيب المعارضين. وجاء في التقرير الذي استند إلى 70 مقابلة مع محتجزين سابقين وأسر لمحتجزين ومحامين وآخرين إن هناك ارتفاعا حادا ملحوظا في استخدام الاختفاء القسري في مصر منذ تعيين مجدي عبد الغفار وزيرا للداخلية في مارس آذار 2015 إذ تشير تقارير إلى حدوث ذلك بمتوسط ثلاثة إلى أربعة أشخاص يوميا.
وقال فيليب لوثر مدير برنامج الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بمنظمة العفو الدولية في بيان صدر برفقة التقرير "لقد أصبح الاختفاء القسري أداة رئيسية من أدوات سياسة الدولة في مصر. فمن يجرؤ على رفع صوته يصبح مهددا في ظل استخدام مكافحة الإرهاب كذريعة لاختطاف واستجواب وتعذيب كل من يتحدى السلطات." وقالت منظمة العفو الدولية إن طبيعة الاختفاء القسري تجعل من الصعب ذكر رقم محدد لكن تقارير لمنظمات مصرية غير حكومية وجماعات حقوقية تشير إلى أن هناك "عدة مئات من الحالات على الأقل" منذ بداية عام 2015.
واحتسبت المنظمة الحالات التي ألقى فيها الأمن القبض على أفراد واحتجزهم لمدة 48 ساعة على الأقل دون إحالتهم إلى النيابة ونفت فيها السلطات أن يكونوا محتجزين لديها عندما سألت عنهم أسرهم. وقالت وزارة الخارجية المصرية في بيان إنها لن تعلق على التقرير. وأضافت "مصر سبق وأعلنت أكثر من مرة رفضها لتقارير تلك المنظمة غير الحيادية التي تحركها مواقف سياسية لها مصلحة خاصة في تشويه صورة مصر."
وقال مسؤول في وزارة الداخلية رفض نشر اسمه إنه لا يوجد ما يسمى بالاختفاء القسري في مصر. وأضاف أن الوزارة درست كل الحالات المشتبه بها وثبت في كل الحالات أن الأشخاص موضع التساؤل احتجزوا بناء على قرارات صادرة من النيابة. واستعرض تقرير العفو الدولية تفاصيل 17 حالة "لأشخاص تعرضوا للاختفاء القسري وتم إيداعهم بمعزل عن العالم الخارجي لمدد تتراوح بين عدة أيام وعدة أشهر مع حرمانهم من الاتصال بمحاميهم أو أهاليهم."
وقالت المنظمة إن الكثير من المختفين قسريا "محتجزون بمقر الأمن الوطني في لاظوغلي" وهو مجمع تابع لقطاع الأمن الوطني بوسط القاهرة. وتضمن التقرير شهادات لسبع ضحايا على الأقل وردت أسماؤهم أو لأقاربهم وقالوا فيها إن المحتجزين في مجمع لاظوغلي يتعرضون لصدمات كهربائية وللعنف والانتهاك الجنسي "بغرض انتزاع اعترافات".
وذكرت المنظمة أن تقريرها خلص إلى وجود "تطابق" بين الإصابات التي لحقت بالطالب الإيطالي جوليو ريجيني -الذي اختفى في القاهرة يوم 25 يناير كانون الثاني وعثر على جثته بعد ذلك بتسعة أيام وبها آثار تعذيب شديد - و"إصابات المصريين الذي ماتوا داخل أماكن الاحتجاز". وقال مسؤولو مخابرات مصريون ومصادر بالشرطة إن الشرطة ألقت القبض على ريجيني في اليوم الذي اختفى فيه ونقلته إلى مجمع تابع للأمن الوطني. ونفت وزارة الداخلية إلقاء الشرطة القبض عليه. وقالت وزارة الداخلية أيضا إن انتهاكات رجال الشرطة حالات فردية وتعهدت بالتحقيق في أي مزاعم. بحسب رويترز.
واتهم تقرير العفو الدولية النيابة العامة بعدم التحقيق بصورة ملائمة في مزاعم التعذيب وبتوجيه اتهامات بناء على "اعترافات منتزعة بالإكراه". وقال مسؤول قضائي رفض نشر اسمه نظرا لأنه غير مخول بالحديث لوسائل الإعلام إن أعضاء النيابة العامة يقومون بزيارات تفتيشية مفاجئة لمقار الشرطة "للتأكد من صحة وقانونية احتجاز المتهمين". وأضاف المسؤول "أي شكاوى تستقبلها النيابة العامة يتم التحقيق فيها."
منسي في السجن
الى جانب ذلك ومن وراء حاجز زجاجي بقفص اتهام مكتظ بإسلاميين قال المصور الصحافي المصري محمود عبد الشكور انه يشعر بانه "منسي" في السجن منذ ثلاث سنوات. وقبض على المصور الحر المعروف باسم "شوكان" خلال فض قوات الامن اعتصام الاسلاميين في 14 اب/اغسطس 2013 بالقاهرة. وبعد عامين ظل خلالهما محبوسا احتياطيا من دون توجيه اتهامات رسمية اليه، احيل شوكان (29 عاما) للمحاكمة في قضية عنف مرتبطة بفض الاعتصام مع مئات الاسلاميين.
ويؤكد شوكان ان محاميه قدم مستندات تثبت انه كان في مهمة عمل صحافية اثناء فض الاعتصام الذي نظمه انصار الرئيس الاسلامي السابق محمد مرسي احتجاجا على عزله من قبل الجيش في الثالث من تموز/يوليو 2014. وقد ادى تدخل قوات الامن يومذاك الى مقتل مئات الاسلاميين. ومن وراء الحاجز العازل للصوت، كان شوكان يصرخ محاولا التحدث خلال رفع جلسة محاكمته قائلا "اشعر بانني منسي في السجن كما اشعر باليأس والعجز. فالزمن يمر وما زلت في السجن". واضاف شوكان الذي يؤكد انه يقبع منذ اشهر في زنزانة سيئة التهوية لا تدخلها الشمس الا نادرا في سجن طرة، جنوب القاهرة، "تتضاءل امالي كل يوم".
وفي منزل العائلة قرب احدى صوره داخل اطار بني اللون زجاجه مشروخ بجوار سريره، تقول والدته رضا محروس (60 عاما) وسط الدموع "اشعر بالظلم والقهر. لا استطيع ان انام لان ابني مظلوم". واضافت رضا التي تضع سوارا اخضر حول معصمها صنعه ابنها في سجنه "اقوم بترتيب سريره يوميا وانتظر ان يطرق الباب (...) لكن هذا لا يحدث". وشوكان متهم مع 738 اخرين معظمهم من الاسلاميين ب"القتل والشروع في القتل ومقاومة السلطات وارهاب المواطنين وحيازة اسلحة" اثناء فض الاعتصام. وهذه الاتهامات قد تصل عقوبتها للاعدام في حال الادانة.
الا ان محاميه المتطوع كريم عبد الراضي قال في قاعة المحكمة "لا توجد اي ادلة اتهام ضده بالعكس هناك ما يثبت انه يعمل كصحافي بشكل مستقل". واضاف "كل ما في القضية ضده هي تحريات الامن التي لا تشكل دليلا كافيا". ومحنة شوكان المستمرة اكسبته جائزتين خلال صيف 2016 الاولى من نادي الصحافة الوطني الاميركي والاخرى من لجنة حماية الصحافيين الدولية.
الا ان شوكان قال مبتسما انه يشعر تجاه ذلك "بمعضلة كبيرة. اود ان اعبر عن سعادتي لكنني لا اعرف كيف"، مضيفا "اعطوني حريتي وخذوا الجائزة". وشوكان مصاب بالتهاب الكبد الوبائي وتقول اسرته انه يحتاج لرعاية صحية ملائمة غير متوافرة في السجن. ولازالت اسرته تأمل ان يحظى ابنها بعفو رئاسي مثل صحافيي محطة الجزيرة القطرية الثلاثة الاسترالي بيتر غريست والكندي محمد فهمي والمصري باهر محمد. الا ان والده عبد الشكور ابو زيد (68 عاما) قال "ابني يدفع ثمن عدم وجود مؤسسة خلفه تسانده".
من جهته، يقول مايك جيغليو مراسل "النيوزويك" الذي قبض عليه مع شوكان واطلق سراحه حينها بعد ساعات "قبض علينا اثناء تواجدنا للتغطية في الجهة التي تواجدت فيها الشرطة وليس ناحية المتظاهرين". بدوره، يقول جمال عيد مدير الشبكة العربية لمعلومات حقوق الانسان ان "شوكان نموذج يوضح العداء لحرية الصحافة واستخدام الحبس الاحتياطي كعقوبة في مصر". واستمرار حبس شوكان لثلاث سنوات يعتبر جزءا من معضلة اكبر يتعرض لها الصحافيون المصريون، بحسب حقوقيين.
وتتهم منظمات حقوقية دولية نظام الرئيس عبد الفتاح السيسي بمحاولة اسكات كافة اطياف المعارضة والقضاء على حرية الراي والتعبير الا ان السيسي يقول ان "مصر تشهد حرية إعلام غير مسبوقة ولا يوجد أي ضغوط تمارس على حرية التعبير". وتصاعدت المخاوف اخيرا عقب احالة نقيب الصحافيين يحي قلاش واثنين من اعضاء مجلس النقابة الى المحاكمة بتهمة التستر على صحافيين اثنين مطلوبين للعدالة، في سابقة من نوعها منذ تاسيس النقابة قبل 75 عاما.
كما يقول شريف منصور مدير قسم الشرق الاوسط في لجنة حماية الصحافيين الدولية ان "هذا اسوأ عصر يمكن للمرء ان يكون صحافيا فيه حتى مقارنة بعهد(الرئيس الاسبق حسني) مبارك". وفي تموز/يوليو الفائت، صدر حكم غيابي بالسجن 15 عاما بحق مصور صحافي يدعى بلال دردير ادين بالانتماء لجماعة غير قانونية في اشارة لجماعة الاخوان المسلمين المحظورة والمشاركة في تظاهرة غير مرخصة. بحسب فرانس برس.
وحلت مصر في المرتبة الثانية بعد الصين على قائمة الدول التي لديها اكبر عدد من الصحافيين المسجونين، بحسب تقرير للجنة حماية الصحافيين التي احصت 23 صحافيا مسجونا في مصر بنهاية كانون الاول/ديسمبر 2015. وعلى الجدار المجاور لسرير شوكان، ملصقان يدعوان للتظاهر ضد الرئيس الاسلامي السابق محمد مرسي. ويقول شوكان "لا افهم لماذا يحدث كل هذا الظلم معي. انا من الداعمين ل30 يونيو فكيف يحصل هذا معي"؟ وكان يشير الى التظاهرات التي شارك فيها ملايين المصريين في 30 حزيران/يونيو 2013 للمطالبة برحيل مرسي والتي فتحت الطريق امام الجيش لعزله بعدها بثلاثة ايام في الثالث من تموز/يوليو.
ترحيل المذيعة ليليان داود
على صعيد متصل قالت مصادر في مطار القاهرة إن السلطات المصرية رحلت مذيعة التلفزيون اللبنانية المشهورة ليليان داود بعد ساعات من إعلانها إنهاء تعاقدها مع قناة (أون تي في) التلفزيونية المصرية الخاصة. وقالت المصادر إن رجال أمن جاءوا بها إلى المطار من منزلها واستقلت طائرة شركة مصر للطيران المتجهة إلى بيروت. وجاء ترحيل داود التي كانت تقدم برنامج (الصورة الكاملة) الحواري الذي يناقش قضايا سياسية ضمن حملة متصاعدة على وسائل الإعلام شهدت إلقاء القبض على عشرات الصحفيين ومحاكمتهم والحكم على عدد منهم.
وتوقف بث برنامج الصورة الكاملة على شاشة قناة (أون تي في) بعد أن باعها رجل الأعمال البارز نجيب ساويرس في مايو أيار. وبعد احتجازها قال رئيس تحرير البرنامج عامر تمام "هذه حملة ضد الإعلام المحترم وضد الصحافة الحرة... كل ما فعلناه أننا كنا نقدم إعلاما محترما نحترم فيه عقل المشاهد ونمجد فيه مبادئ الأخلاقيات والمهنية والحياة.. كنا نعمل شيئا بشكل محترم." وقال تمام عقب ترحيلها "قالت لي قبل أن تستقل الطائرة إنهم خيروها بين السفر إلى بريطانيا التي تحمل جنسيتها أيضا وبين السفر إلى بيروت وإنها اختارت بيروت." بحسب رويترز.
ولاقى برنامج (الصورة الكاملة) إشادة كما لاقى انتقادات له لتغطيته المثيرة للجدل للقضايا السياسية المصرية التي نادرا ما تتناولها برامج التلفزيون الموالية للحكومة على هذا النحو. وقالت مصادر أمنية إن شرطة الجوازات اصطحبت داود من منزلها إلى المطار قائلة إن تأشيرة الإقامة الخاصة بها انتهت بعد إنهاء تعاقدها مع القناة. وكانت داود قد كتبت في حسابها على تويتر تقول "أعلن إنهاء تعاقدي رسميا مع (أون تي في مصر) بعد 5 سنوات بدأناها يونيو (حزيران) 2011".
اضف تعليق