q

أزمة اللاجئين والمهاجرين بين أوروبا وتركيا لاتزال تحظى باهتمام واسع، خصوصا في اوروبا التي اصبحت تعاني من مشكلات وازمات متفاقمة بسبب ازدياد اعداد المهاجرين، ويرى بعض المراقبين ان تركيا اصبحت اليوم تستغل هذه الأزمة التي تعيشها أوروبا بعد وصول أكثر من مليون مهاجر غير شرعي الى أراضيها عبر الاراضي التركية لتحقيق أقصى مكاسب ممكنة، حيث استخدمت أنقرة وكما تنقل بعض المصادر، موقعها الجغرافي من اجل ابتزاز الاوروبيين والضغط عليهم، عبر فتح حدودها ومن ثمّ المطالبة ببعض المكاسب والتنازلات المهمة، منها الحصول على مساعدات مالية وصلت الى أكثر من 5 مليارات دولار على أكثر من دفعة، فيما كشفت بعض المصادر عن مطالبة تركيا الاوروبيين بدفع حوالي 20 مليار من اجل إغلاق حدودها، يضاف الى ذلك المكاسب الاخرى المتمثلة بإقامة منطقة عازلة داخل الاراضي السورية وتسريع عملية انضمام تركيا الى الاتحاد الاوربي الذي وقع مع أنقرة في نوفمبر الماضي اتفاقا لمحاولة الحد من تدفق المهاجرين الذين يبحرون من سواحل تركيا إلى اليونان، ومقابل ثلاثة مليارات يورو وتحريك عملية انضمامها إلى الاتحاد، وقد هدد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بإغراق أوروبا باللاجئين.

وقد نشرت التايمز موضوعا لمراسلها في تركيا أليكساندر ميللر عن ازمة اللاجئين، قال فيه إن محاضر الاجتماعات التي جرت مؤخرا بين الرئيس التركي رجب طيب إردوغان وقادة الدول الاعضاء في الاتحاد الاوروبي تشهد على ضغط تركيا على الاتحاد للحصول على كل المكاسب الممكنة من هذه الازمة. ويضيف أن جان كلود يونكر رئيس المفوضية الاوروبية تمتم في نهاية إحدى الجلسات قائلا “لقد عاملناك كأمير في بروكسل” موجها كلامه لإردوغان الذي كان قد هدد قبل دقائق بنقل المهاجرين في حافلات عبر الحدود مع اليونان وبلغاريا إلى داخل الاتحاد الاوروبي إذا لم تحصل بلاده على 3 مليارات يورو لدعمها في إعالة المهاجرين.

ويوضح ميللر أن إردوغان رد قائلا “بالطبع …كأمير؟..أنا لست قائدا لإحدى دول العالم الثالث. وأزمة المهاجرين وطريقة التعامل التركي معها تجعل إردوغان يبدو أقوى على الصعيد السياسي الداخلي في تركيا ويشير ميللر إلى أن موقف يونكر يلقى تأييدا من عدد آخر من قادة الاتحاد الاوروبي الذين يرون ان الاتحاد يبيع قيمه ومبادئه الديموقراطية لحساب هذه الصفقة مع قائد سلطوي قامت قوات الامن في بلاده قبل أيام بالهجوم على مقر صحيفة معارضة وحولها إلى بوق أخر من أبواق السلطة.

الاتحاد يتودد لتركيا

في هذا الشأن قال رئيس المجلس الأوروبي دونالد توسك إن دول الاتحاد الأوروبي تتجه لتجاوز خلافاتها والبدء في مواجهة أزمة الهجرة المستمرة منذ عام. وقال أيضا إن رئيس الوزراء التركي أحمد داود أوغلو أبلغه استعداد تركيا لقبول عودة كل المهاجرين الذين تم احتجازهم في المياه الإقليمية التركية. ويطالب الاتحاد الأوروبي أنقرة بالسيطرة على تهريب البشر وقبول عودة كل المهاجرين غير الشرعيين من شواطئها الذين لا يستوفون شروط اللجوء في الاتحاد.

ويحاول الاتحاد الأوروبي إغلاق حدوده الخارجية التي يسهل اختراقها وتغيير حسابات الفارين من الحرب والفقر في الشرق الأوسط بعرض المساعدة عليهم إذا بقوا في أماكنهم. وبينما كان توسك يعقد محادثات مع الرئيس التركي رجب طيب إردوغان أعلنت المفوضية الأوروبية أول دفعة من المساعدات المالية البالغة ثلاثة مليارات يورو لمساعدة أنقرة على إبقاء نحو 2.5 مليون لاجئ سوري على أراضيها.

وقالت المفوضية أيضا إن تركيا تحقق تقدما نحو تحقيق تحرير تأشيرات الدخول لمواطنيها في الاتحاد الأوروبي وهو هدف سعت أنقرة لتحقيقه بجدية. وقال مبعوث الاتحاد الأوروبي إلى تركيا هانس يورج هابر للصحفيين في اسطنبول إن 400 مليون يورو صرفت على مساعدات إنسانية وخدمات تعليمية للمهاجرين. وخلال لقاء في باريس اتفق الرئيس الفرنسي والمستشارة الألمانية على أن اللاجئين الفارين من الحرب في سوريا يجب أن يبقوا في المنطقة وقالا إن هدفهما المشترك هو إعادة العمل باتفاقية حرية التنقل عبر الحدود (شينجن).

وفي تقرير سابق للقمة مقدم لقادة الاتحاد الأوروبي قدرت المفوضية أن انهيارا تاما لنظام التنقل دون جواز السفر في 26 دولة في منطقة شينجن يمكن أن يكلف الاقتصاد الأوروبي ما يصل إلى 18 مليار يورو (19.8 مليار دولار) في العام. وستقع أغلب هذه التكلفة على عاتق المتنقلين عبر الحدود وقطاعي النقل والسياحة. لكن بنك الاستثمار جي.بي. مورجان تشيس قال إن التأثير قصير المدى على إجراءات مختارة للتحكم في الحدود من المرجح أن يكون "صغيرا بمفاهيم دورة رأس المال".

وفرضت ثماني دول في منطقة شينجن قيودا مؤقتة وطارئة للتحكم في الحدود للسيطرة على تدفق المهاجرين بما يعرض للخطر أحد أهم إنجازات أوروبا. وقال معهد إحصاءات الاتحاد الأوروبي (يوروستات) إن أكثر من 1.2 مليون شخص تقدموا بطلبات لجوء لدول في الاتحاد الأوروبي العام الماضي بينهم 363 ألف سوري و178 ألف أفغاني. وأضاف المعهد أن نحو 442 ألف طلب لجوء قدمت في ألمانيا وهي الوجهة الأكثر تفضيلا للاجئين والمهاجرين تليها المجر بنحو 174 ألف طلب لجوء التي نصبت أسوارا من الأسلاك الشائكة واستخدمت قوات الأمن لإبعاد المهاجرين ثم تليهما السويد بنحو 156 ألف طلب لجوء. بحسب رويترز.

وقالت السويد التي اعتبرت لوقت طويل أكثر دول الاتحاد الأوروبي كرما مع اللاجئين إنها ستلغي دفع المساعدات اليومية للمهاجرين الذين رفضت طلبات لجوئهم في أحدث محاولة لاحتواء تدفق اللاجئين. وأظهر استطلاع نشرته صحيفة دي فيلت اليومية الألمانية أن أقل من خمس الألمان يعتقدون أن الاتحاد الأوروبي سيتفق على نهج مشترك للتعامل مع أزمة اللاجئين ويريد نحو 48 بالمئة من برلين تحسين حماية حدود ألمانيا. وقال 56 بالمئة إن على ألمانيا خفض مساهماتها للاتحاد الأوروبي إذا فشلت قمة الاثنين بشأن سبل التعامل مع أزمة اللاجئين.

وفي الوقت الذي تدفع فيه بروكسل وبرلين نحو استجابة أوروبية للأزمة تتزايد الدول المتشككة وتلجأ للحلول الفردية. وقال دبلوماسي من إحدى دول الاتحاد في بروكسل "المفوضية لن تعلن أبدا انتهاء شينجن... هذه ستكون ضربة سياسية كبرى لهم والتراجع الأول الحقيقي في عملية التكامل الأوروبي بشكل عام. سيكون مثلما لو أعلن البابا أن الله غير موجود."

معضلة اللاجئين غير السوريين

من جانب اخر اكد رئيس الوزراء الهولندي مارك روتي في بروكسل ان الاتحاد الاوروبي ينتظر من تركيا ان تستعيد "كل اللاجئين غير السوريين" وتفعل ما بوسعها لوقف انطلاق المهاجرين السوريين من سواحلها. وادلى روتي بهذه التصريحات عند وصوله الى قمة يفترض ان تنشط التعاون بين دول الاتحاد الاوروبي في مجال الهجرة. وقد حضر اجتماعا تنسيقيا مع المستشارة الالمانية انغيلا ميركل ورئيس الوزراء التركي احمد داود اوغلو.

وقال روتي "من المهم جدا ان تكون تركيا مستعدة اولا لاستعادة كل اللاجئين غير السوريين". واضاف رئيس الوزراء الذي تتولى بلاده الرئاسة الدورية للاتحاد "لكن هذا لا يكفي، في نهاية الامر نريد ان نرى آفاقا لوقف نهائي لتدفق اللاجئين السوريين (انطلاقا من السواحل التركية) وسنرى اي الاجراءات يمكن اتخاذها".

وفي الوقت نفسه وردا على سؤال عن "تنازلات" يمكن ان تقدمها تركيا الى الاتحاد الاوروبي، عبر روتي عن "بعض التفاؤل". والاتحاد بحاجة ملحة لتعاون تركيا من اجل خفض عدد المهاجرين الذين يصلون الى السواحل اليونانية ويمكن ان يرتفع عددهم كثيرا من جديد مع تحسن الاحوال الجوية. ويأمل الاوروبيون في ان تطبق انقرة اعتبارا من حزيران/يونيو كما وعدت اتفاقا لإعادة قبول كل المهاجرين لاسباب اقتصادية وكل طالبي اللجوء الذين ترفضهم اوروبا بعد وصولهم من تركيا التي سيكون عليها اعادتهم الى بلدانهم الاصلية. بحسب فرانس برس.

لكن هذه المطالب التي تحدث عنها روتي وتتعلق خصوصا بطالبي اللجوء العراقيين والاريتريين والافغان تثير تحفظات المنظمات غير الحكومية والامم المتحدة بشأن شرعيتها بموجب القانون الدولي. وقال رئيس الوزراء الهولندي ان تركيا والاتحاد الاوروبي "متفقان على ضرورة استعادة السيطرة على الوضع على مراحل وهذا ينطبق على اللاجئين غير السوريين واللاجئين السوريين في نهاية المطاف". واضاف "انه فعلا طموحنا المشترك بوضع حد لمهربي البشر ورحلات العبور الخطيرة" في بحر ايجه. وقال روتي "ارى اليوم آفاقا لتحقيق تقدم (...) لكن بحذر".

كما اعلن وزير الخارجية التركي مولود جاوش اوغلو ان بلاده مستعدة لاعادة استقبال طالبي لجوء يتم ترحيلهم من اليونان شرط الا يكونوا من سوريا. وقال الوزير التركي في مؤتمر صحافي عقده مع نظيره اليوناني نيكوس كوتزياس "بدأنا درس امكانية اعادة استقبال طالبي لجوء خصوصا من دول المغرب وباكستان وافغانستان". وتابع "لدينا اتفاق اعادة استقبال موقع مع اليونان وبلغاريا ودول اخرى ونعمل على توقيع اتفاقات مماثلة مع دول اخرى".

واوضح الوزير التركي ان نحو "860 طلب اعادة استقبال من اليونان سلمت الى تركيا وتم قبول 99% منها". وتم الاربعاء مجموعة من 300 مهاجر من دول المغرب العربي من اليونان الى تركيا، وهو الامر الذي اعتبره مصدر حكومي يوناني طلب عدم الكشف عن اسمه "خطوة اولى نحو تطبيق بروتوكول اعادة الاستقبال" الموقع بين انقرة واثينا منذ العام 2002 من دون ان يطبق فعليا.

وحسب المصدر نفسه فان اليونان تتفاوض مع تركيا لوضع "اجراءات تضمن استقبالا سريعا لمهاجرين في تركيا، تكون مكملا لبروتوكول اعادة الاستقبال الموقع بين البلدين عام 2002". وجاء في تقرير اوروبي يتعلق بخطة العمل المشتركة بين الاتحاد الاوروبي وتركيا الموقع في تشرين الاول/اكتوبر 2015 ، ان المفاوضات بين اليونان وتركيا تشمل ايضا نشر ضباط اتراك في نقاط التسجيل الخمس للمهاجرين في الجزر اليونانية في بحر ايجه (هوتسبوتس) وزيادة عدد الاماكن في تركيا المخصصة لاعادة استقبال هؤلاء المهاجرين. وكان رئيس الحكومة اليونانية الكسيس تسيبراس اعلن "في حال عدم وجود تنسيق مع تركيا لن نتوصل الى نتائج ملموسة حول خفض تدفق المهاجرين".

وكانت تركيا قد اعلنت انها على استعداد لتوقيع اتفاق اعادة قبول مهاجرين على اراضيها مع 14 بلدا من اجل الحد من انتقال المهاجرين بين سواحلها والاتحاد الاوروبي. واقترحت انقرة توقيع مثل هذا الاتفاق "مع 14 بلدا هي مصدر الهجرة غير الشرعية"، بحسب ما اعلن المتحدث باسم وزارة الخارجية التركية تانجو بيلجيتش من دون ان يفصح عن اسماء هذه الدول.

واضاف ان "توقيع مثل هذه الاتفاقات يمكن ان يتم من خلال قرارات اتخذتها هذه الدول بعد مناقشات". وشدد على انه "من غير المعقول وقف الهجرة غير الشرعية على الفور. ليس لدينا عصا سحرية بين يدينا (...) نحن بحاجة للوقت والتصدي بحزم لهذه الظاهرة". واكد بيلجيتش ان تدفق المهاجرين شهد "تراجعا كبيرا" منذ مطلع العام مضيفا ان بلاده اوقفت 24 الف طالب لجوء و93 مهربا بين الاول من كانون الثاني/يناير و15 شباط/فبراير.

فرصة اردوغان

في السياق ذاته هدد الرئيس التركي رجب طيب اردوغان الذي تلقى اتصالات كثيرة تدعوه الى فتح الحدود التركية للاجئين السوريين الجدد، بأن يرسل الى اوروبا مئات الالاف منهم الموجودين في تركيا، فيما قرر حلف شمال الاطلسي اطلاق عملية بحرية في بحر ايجه للحد من تدفق اللاجئين. وقال اردوغان الذي بدا متوترا في كلمة القاها في انقرة، "ان كلمة اغبياء ليست مكتوبة على جبيننا. لا تظنوا ان الطائرات والحافلات متواجدة هنا بدون سبب. سنقوم بما يلزم".

وبعيد هذه الكلمة للرئيس التركي الذي انتقد بشدة دعوات الامم المتحدة والاتحاد الاوروبي للسماح بدخول اللاجئين السوريين الذين فروا من معركة حلب (شمال سوريا) الى تركيا، اعلن الامين العام للحلف الاطلسي ينس ستولتنبرغ في بروكسل، ان مجموعة بحرية للحلف بقيادة المانية ستتوجه "بسرعة" الى بحر ايجه "للمساعدة في مكافحة تهريب البشر" الذي يمارسه مهربو المهاجرين. وقد طالب بهذه الخطوة كل من اليونان وتركيا اللتين يفصل بينهما بحر ايجه، احد ابرز الطرق التي يسلكها المهاجرون لدخول اوروبا، ويعرضون خلالها حياتهم للخطر احيانا.

واذا ما ابصرت هذه العملية لمراقبة الحدود النور، فستكون الاولى للحلف الاطلسي الذي رفض حتى الان التورط مباشرة في اسوأ ازمة هجرة الى اوروبا منذ 1945. واكد الرئيس التركي من جهة اخرى، صحة تسريبات صحافية عن حديث دار بينه وبين رئيس المفوضية الاوروبية جان كلود يونكر ورئيس المجلس الاوروبي دونالد توسك حول مصير المهاجرين، حيث هدد اردوغان باغراق الدول الاوروبية بالمهاجرين في حال لم تتسلم بلاده المبلغ الكافي لايوائهم على اراضيها.

وقال اردوغان "انا فخور بانني قلت ذلك. دافعنا عن حقوق تركيا واللاجئين وقلنا لهم (الاوروبيين): نحن آسفون سنفتح الابواب وسنقول وداعا للمهاجرين". وهذا الحديث الذي جرى في تشرين الثاني/نوفمبر الماضي على هامش قمة لمجموعة العشرين في انطاليا (جنوب تركيا)، اورده موقع يوروتوداي اليوناني الذي تحدث عن "تهديدات فظة" وجهها ارودغان الى الاوروبيين. بحسب فرانس برس.

واضاف الموقع ان اردوغان وصف مبلغ الثلاثة مليارات يورو التي اقترحها الاتحاد الاوروبي بأنه "زهيد"، وذكر بأن بلاده انفقت ثمانية مليارات يورو على مخيمات اللاجئين فقط. ووافق الاتحاد الاوروبي في 3 شباط/فبراير على تمويل صندوق مساعدات بقيمة ثلاثة مليارات يورو لقرابة 2,7 مليون لاجىء سوري يقيمون على الاراضي التركية مقابل الحصول على مساعدة انقرة لوقف تدفق المهاجرين الى اوروبا.

من جهة اخرى اقترح الرئيس التركي رجب طيب أردوغان فكرة بناء مدينة في شمال سوريا، بهدف استيعاب بعض اللاجئين الفارين من الحرب الأهلية في البلاد، وفقا لمعلومات صحافية. ونقلت وكالة أنباء الأناضول التركية الرسمية عن أردوغان قوله "أريد أن قول لكم شيئا. ما هو الحل؟ أن نبني مدينة في شمال سوريا (...) لإعادة اللاجئين إليها". وبحسب أردوغان، يمكن بناء هذه المدينة على مقربة من الحدود التركية بمساعدة المجتمع الدولي. وأضاف "تحدثنا مع (الرئيس الأميركي باراك) أوباما وحتى أننا حددنا الموقع، ولكن لم يتم حتى الآن الانتهاء من المشروع" من تحديد الوقت اللازم لتنفيذه. وتسعى تركيا، التي تستضيف 2,7 مليون لاجئ سوري، منذ فترة طويلة لإنشاء ممر إنساني في سوريا، يكون محميا بمنطقة حظر جوي. لكن هذه هي المرة الأولى التي تقترح فيها أنقرة بناء مدينة للاجئين.

الاقتصاد التركي

ربما يشكل السوريون اللاجئون في تركيا وعددهم 2.6 مليون ضغطا على المساكن والوظائف لكنهم في الوقت نفسه يحفزون النمو الاقتصادي. ويتحدث مسؤولون اقتصاديون وحكوميون أتراك عن أثر إيجابي على الاقتصاد للسوريين الذين يشكلون أكبر تجمع للاجئين في العالم. وربما يكون اللاجئون أحد أسباب ارتفاع مفاجئ في النمو خلال الربع الثالث من 2015 وتوقعات بمعدلات نمو قوية في 2016.

وجلب المهاجرون الفارون من الحرب الأهلية الدائرة في سوريا منذ خمس سنوات بضائع كالثلاجات والمواقد بالإضافة لزيت الطهي والخبز والطحين ومواد البناء. ورغم أن كثيرا من السوريين لم يحصلوا على تصاريح عمل وينتهى بهم الأمر للعمل بطريقة غير قانونية فإن المال الذي ينفقونه يغذي الاقتصاد. وتقول الحكومة التركية أيضا إنها أنفقت منذ بداية الصراع أكثر من عشرة مليارات دولار على معسكرات اللاجئين وضخت مزيدا من المال على بضائع وخدمات.

وحتى الآن تركز معظم الجدل في تركيا عند مناقشة الأثر الاقتصادي لتدفق اللاجئين حول جوانب سلبية بينها التسبب في زيادة المنافسة في سوق العمل بسبب توفر أيد عاملة رخيصة في بلد يتجاوز معدل البطالة فيه عشرة بالمئة. ويؤثر ذلك أيضا على أسعار الغذاء وإيجارات المساكن. وستمثل أي مؤشرات على أثر إيجابي للاجئين في النمو الاقتصادي وخلق وظائف محتملة على المدى البعيد أنباء جيدة للحكومة التركية التي تكافح لاستيعاب المهاجرين وتسعى للوفاء بوعودها للسيطرة على تدفق المهاجرين على أوروبا مقابل مساعدات مالية من الاتحاد الأوروبي وإحياء مباحثات انضمامها إليه.

وقال معمر قموروش أوغلو المحلل الاقتصادي بشركة (آي.إس إنفستمنت) "لدينا حقائق وأدلة وجيهة على أن الإنفاق سواء من جهة 2.6 مليون لاجئ سوري أو من جهة الحكومة كان أحد العوامل الرئيسية وراء المفاجأة الإيجابية في النمو الاقتصادي لعام 2015." وقال مسؤول اقتصادي بارز إن اللاجئين السوريين يدعمون النمو من خلال الإنفاق الاستهلاكي. ووصف نائب رئيس الوزراء محمد شيمشك تحقيق نمو بواقع 4 بالمئة خلال الربع الثالث بأنها "مفاجأة إيجابية." وبعد صدور أرقام الربع الثالث عدّلت الحكومة توقعاتها للنمو في 2016 إلى 4.5 بالمئة عوضا عن 4 بالمئة.

وهناك صعوبة في الوصول لأرقام عن مساهمات المهاجرين السوريين الذين يقيمون خارج مخيمات اللجوء لأن بعض إنفاقهم على الأقل يتم ويتركز في قطاعات اقتصادية غير رسمية. ويقول اقتصاديون إن إحدى الطرق لتقدير ذلك تتمثل في استخدام "خط الجوع" الذي وضعه اتحاد النقابات المهنية التركية ويمثل الحد الأدنى الذي قد يحتاج شخص عادي لإنفاقه لتجنب الجوع وهو 346 ليرة (117 دولارا) في الشهر. وبناء على ذلك فإن التقديرات تدور حول إنفاق كل لاجئ سوري 346 ليرة شهريا أي أن 2.6 مليون لاجئ ينفقون ما يعادل 0.5 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي.

وستزيد مساهمة إنفاق اللاجئين السوريين في الناتج المحلي الإجمالي إلى 1.7 بالمئة إذا أجريت التقديرات على أساس "خط الفقر" البالغ 1128 ليرة شهريا وهو أقل مبلغ يحتاجه المرء شهريا لتجنب الفقر ويشمل قدرته على الحصول على أشياء تعتبر أساسية كالملابس والكهرباء والمواصلات الأساسية. لكن تدفق اللاجئين يتسبب في زيادة الأسعار خاصة أسعار الغذاء وإيجارات السكن في مناطق بها كثافة عالية من اللاجئين.

وارتفعت الأسعار الاستهلاكية السنوية إلى 9.48 بالمئة في يناير كانون الثاني في عموم تركيا لكن المعدلات بلغت 10.67 بالمئة في مناطق حدودية مثل غازي عنتاب وأديامان وكلس. وقال قمروش أوغلو "لا توجد وجبات مجانية في الاقتصاد. هذه المفاجأة بالنمو الإيجابي لها تكلفة على صعيدي التضخم والبطالة." وقال شيمشك إن التحدي الاقتصادي الأساسي هذا العام هو مواجهة التضخم وهي مهمة أصبحت أكثر صعوبة بسبب زيادة الحد الأدنى للأجور بواقع 30 بالمئة الذي بدأ تطبيقه هذا العام.

لم يكن القانون التركي يتيح للاجئين العمل حتى الفترة الأخيرة. والآن هناك قانون جديد يمنحهم تصاريح بموجب قيود معينة تتعلق بالأماكن والقطاعات التي يمكنهم العمل فيها. وبالإضافة لذلك يحظر أن تتجاوز نسبة العمالة السورية في أي شركة عشرة بالمئة. بعض اللاجئين الموسرين أسسوا شركاتهم الخاصة لدى وصولهم إلى تركيا لكن هناك اعتقاد بأن كثيرين غيرهم يعلمون بطريقة غير رسمية وهؤلاء يقدر عددهم بنحو 300 ألف. وتسبب هذا في انخفاض أجور بعض المهن وفي خروج بعض العمال الأتراك من سوق العمل.

وقال البنك الدولي في ورقة عمل صدرت في الفترة الأخيرة إن زيادة حجم العمالة غير الرسمية من اللاجئين السوريين تؤدي لخروج العمال الأتراك بنسب كبيرة من قطاع العمل غير الرسمي بواقع خروج ستة عمال أتراك مقابل كل عشرة لاجئين. لكن ينبغي أن تساعد تكاليف الإنتاج المنخفضة على تعزيز الطاقة الإنتاجية وزيادة الطلب على العمالة الرسمية وأن يؤدي لتوظيف ثلاثة أتراك إضافيين لكل عشرة لاجئين. بحسب رويترز.

وأكد مسؤول اقتصادي بارز أن وجود 2.5 مليون لاجئ قد عزز النمو الاقتصادي من خلال الإنفاق الاستهلاكي وقال إنه يأمل أن تؤدي زيادة أعداد العمالة المنتجة الفعلية في الاقتصاد إلى خفض التضخم. وأضاف المسؤول الاقتصادي "ظل المهاجرون من سوريا في خانة المستهلكين فقط حتى الفترة الأخيرة فقط. تسبب هذا في زيادة التضخم. "الآن يحصلون على الحق في العمل وسيتسبب هذا في زيادة البطالة لكنه سيخفض التضخم لأنهم سيدخلون في دورة الإنتاج."

اضف تعليق