تعد مجزرة سبايكر واحدة من أبشع الجرائم الدموية في العالم التي اترتكبتها عصابات داعش الاجرامية على اساس طائفي بعد ان تمكنت من السيطرة على مساحات واسعة من الاراضي العراقية، مستفيدا من جملة الازمات والمشكلات السياسية التي تعصف بالعراق، ووقعت هذه المجزرة بعد أسر طلاب القوة الجوية في قاعدة سبايكر في 12 يونيو (حزيران) 2014، بعد سيطرة تنظيم داعش على مدينة تكريت بالعراق، حيث عمد هذا التنظيم الاجرامي الى اعدام اكثر من 1700 بطرق مختلفة، وتعدّ حفلات الاعدام الجماعية، والتمثيل بالجثث وقطع الرؤوس كما تنقل بعض المصادر، احد الأساليب التي يعتمدها تنظيم القاعدة، لغرض زرع الخوف والرعب في قلوب الخصوم وسكان المناطق التي يحتلها.
ويرى بعض المراقبين ان هذه الجريمة البشعة التي تعتبر من اقسى جرائم العصر واشدها وحشية لاتزال وستبقى محط اهتمام كبير، خصوصا وان لهذه الجريمة فصول واحداث غامضة كشف بعضها بعد القاء القبض على مجموعة من المجرمين الذين شاركوا في هذه الجريمة، وتؤكد التقارير أن الحكومة العراقية تسعى لمحاكمة نحو 604 آخرين، مشتبه صلتهم بالمجزرة، كما اكد البعض ان هناك شخصيات واطراف سياسية وحزبية و القادة العسكريين، ربما قد تشاركت بهذه الجريمة من خلال تقديم المعلومات لعناصر التنظيم او احتضانهم، خصوصا وان المعلومات والوثائق تشير الى اشتراك العديد من أفراد العشائر من المنتمين إلى حزب البعث المنحل في محافظة صلاح الدين بهده المجزرة.
وقد أعلنت محكمة التحقيق المتخصصة بجرائم الإرهاب والجريمة المنظمة عن إلقاء القبض على عدد من المتهمين بجريمة معسكر "سبايكر"، واوضحت انهم اعترفوا باشتراكهم في الحادث، كما أشارت إلى صدور مذكرات قبض بحق العديد من المطلوبين عن القضية بعد أن تم التوصل إلى المعلومات الكاملة . وقال القاضي ماجد الاعرجي في بيان للسلطة القضائية الاتحادية انه تم إلقاء القبض مؤخراً على عدد من المتهمين بملف جريمة (سبايكر)"، موضحاً أن "التوصل إليهم حصل بناءاً على معلومات استخبارية دقيقة بمتابعة محكمة التحقيق المركزية التي تتولى التحقيق فيها وقد أصدرت بحقهم مذكرات قبض.
احكام قضائية
في هذا الشأن قال متحدث باسم السلطة القضائية إن محكمة عراقية قضت بإعدام 40 من أعضاء تنظيم داعش بعد إدانتهم بقتل مئات من الجنود أسرهم التنظيم عندما اجتاح شمال العراق في عام 2014. وأصبح ذبح 1700 جندي في قاعدة عسكرية أمريكية سابقة خارج مدينة تكريت الشمالية رمزا لوحشية تنظيم داعش وكراهيته الطائفية للأغلبية الشيعية في البلاد. وأصدرت محكمة جنايات بغداد الأحكام استنادا إلى ما قال القاضي عبد الستار البيرقدار المتحدث باسم مجلس القضاء الأعلى إنها إدانات في اتهامات بالإرهاب. وبرأت المحكمة ساحة سبعة متهمين وتم إطلاق سراحهم لعدم كفاية الأدلة.
واعتقلت قوات الأمن عشرات المشتبه بهم على خلفية عملية القتل الجماعي بعد استعادة تكريت من داعش العام الماضي. وأدين 24 شخصا وحكم عليهم بالإعدام في يوليو تموز وينتظرون قرارات بالاستئناف. وقالت مصادر قضائية إن هناك في الإجمال أكثر من 600 مشتبه بهم في هذه العملية. ونددت منظمة العفو الدولية ومقرها لندن بهذه المحاكمة ووصفتها بأنها "معيبة تماما" وأظهرت "تجاهلا فجا للعدالة وحياة البشر." وقالت المنظمة إن إجمالي عدد المحكوم عليهم بالإعدام في العراق حتى الآن هذا العام ارتفع إلى نحو مئة شخص.
وقال البيرقدار إن جميع أحكام الإعدام تخضع للمراجعة في الاستئناف. ويكفل القانون العراقي استئنافا تلقائيا لجميع أحكام الإعدام والسجن مدى الحياة حتى لو لم يتقدم المتهم بطلب استئناف. وتعتبر تسجيلات مصورة نشرها تنظيم داعش لقتل مئات الجنود الشيعة ببنادق آلية أعنف وأكثر الأعمال المنفردة دموية في الحرب الطائفية المستعرة منذ عقد بشكل متقطع في العراق.
من جانب اخر أصدرت المحكمة الجنائية المركزية العراقية حكما بالإعدام شنقا على 24 متهما في قضية قتل مئات المجندين من قاعدة سبايكر العسكرية شمال مدينة تكريت العام الماضي، وأعلنت المحكمة أن الأدلة المتوافرة لديها "كافية لتجريم 24 مدانا في قضية إعدام الجنود الأسرى في قاعدة سبايكر داخل المنطقة الرئاسية"، في إشارة إلى مجمع القصور الرئاسية في تكريت (160 كلم شمال بغداد)، وعليه "قررت المحكمة إعدامهم شنقا حتى الموت". والمحكومون هم من أصل 28 متهما عرضوا على المحكمة التي أعلنت تبرئة الأربعة الآخرين لعدم كفاية الدليل.
وقال عبد الستار البيرقدار المتحدث باسم مجلس القضاء الاعلى إن المحكمة الجنائية المركزية أصدرت أحكاما بالإعدام بحق 24 شخصا أدينوا في مجزرة سبايكر استنادا إلى البند الرابع من قانون الإرهاب. وذكر أن كل من حوكموا وصدرت ضدهم أحكام مواطنون عراقيون. وأضاف أن 604 مشتبه بهم مطلوب القبض عليهم لصلتهم بالقتل ما زالوا هاربين. وقال طارق حرب وهو محام بارز في القضايا الجنائية حضر الجلسة إن الأحكام ستحال تلقائيا إلى محكمة أعلى في غضون شهر للتصديق عليها. بحسب رويترز.
واتهمت أسر الكثير من الجنود القادة العسكريين وأفراد العشائر السنية بعدم بذل ما يكفي من الجهد لمنع أعمال القتل وقالوا إن كبار الضباط أبلغوا الجنود أن بإمكانهم ترك المعسكر بأمان والتوجه إلى بيوتهم في جنوب العراق الشيعي. وبدلا من ذلك جرى أسرهم واقتيادهم إلى حتفهم. وشكك مسؤولون حكوميون في هذه الروايات وقالوا إنه لم يكن هناك أي وعد بضمان سلامة الجنود وإن الجنود تركوا القاعدة وهم عزل رغم الأوامر التي صدرت لهم بالبقاء.
صور مرعبة
من جانب اخر نشر تنظيم "داعش" سلسلة الفيديوهات الدعائية التي يبثها التنظيم عبر شبكة الانترنت، تتضمن مشاهد لم تنشر سابقا للمذبحة التي ارتكبها بحق المجندين في معسكر سبايكر بمحافظة صلاح الدين العراقية. والمذبحة تعود إلى عام 2014، والتي حدثت في شهر رمضان كما يشير المتحدث في الفيديو، ويظهر فيه صورا للمقاتلين خلال المعارك التي خاضها مقاتلو التنظيم ضد القوات العراقية والتي استولوا خلالها على مدينة تكريت.
مدة الفيديو 22 دقيقة، ويوثق لعمليات إعدام رميا بالرصاص، ودفن الجثث في مقابر جماعية، فيما نفذت بعض العمليات على شاطي نهر دجلة وتم إلقاء الجثث في النهر، وسط صيحات وتكبيرات وتعليقات عن تغير لون النهر إلى اللون الأحمر،من قبل عناصر التنظيم. وتضمن الفيديو بعض المحادثات مع المعتقلين قبل إعدامهم، أولهم تم تخييره بين الذبح بالسكين أو بالرصاص، وبدأ الشاب مذعورا قائلا بأنه يخاف من الطريقتين.
وكان التنظيم قد استولى على المعسكر الذي يضم متطوعين جدد في الجيش، حيث وقع المجندون الجدد في قبضته وعددهم نحو 1700 مجند تم إعدامهم. وتمت عمليات الإعدام داخل حفر تم حفرها مسبقا لتكون قبورا جماعية، ووضع الجنود الأسرى لدى التنظيم داخلها ليتم إطلاق النار على رؤوسهم، وتظهر جرافة في صور ليلية وهي تجرف أكواما من الجثث. كما تم إعدام بعضهم في السيارات التي حملتهم من المعسكر الذي استولى عليه داعش. بحسب CNN.
ومن بين المحادثات التي أجراها عناصر التنظيم مع أحد المجندين ادعى خلالها المجند أنه سني، ليقوم أحد العناصر باختباره في الصلاة، إن كان يصلي مثل السنة أم لا، وتم سحبه بعد التكبير للصلاة وقتله باعتبار أنه فشل في الاختبار. كما حاول أحدهم استعطاف مقاتل وهو ملقى على وجهه داخل القبر الجماعي، بأن استغاب بزوجة الرسول "عائشة"، فسأله محاوره إن كانوا يطعنون بها فأجاب بالنفي، لكن ذلك لم يمنع من تلقيه رصاصة في راسه.
خارج العراق
في السياق ذاته اعلنت الشرطة الفلندية انها اعتقلت عراقيا بشبهة التورط في جرائم حرب ارتكبت في تكريت الربيع الفائت خلال استعادة الجيش العراقي المدينة من تنظيم داعش. وقال رئيس وحدة الشرطة الجنائية المركزية آري كارفونين في تغريدة على تويتر ان "الشرطة الجنائية المركزية تشتبه في ارتكاب رجل يبلغ من العمر 23 عاما جرائم حرب. ستعقد جلسة بشأن تمديد احتجازه امام محكمة في تامبيري" (جنوب غرب).
من جهته اوضح متحدث آخر باسم الشرطة لشبكة "ام تي في" التلفزيونية الاخبارية تفاصيل هذه القضية، مشيرا الى ان الموقوف كان يقاتل في صفوف الجيش العراقي في تكريت حين وقعت جرائم الحرب المشتبه بتورطه فيها. وهو رابع عراقي يعتقل في فنلندا بتهمة ارتكاب جرائم حرب، علما بأن الثلاثة السابقين اعتقلوا ايضا في منطقة تامبيري. وفي تشرين الثاني/نوفمبر اعتقلت الشرطة الفنلندية عراقيا يبلغ من العمر 29 عاما بشبهة ارتكاب جرائم حرب في تكريت، ولكن من دون ان تحدد في اي معسكر كان يقاتل. وفي كانون الاول/ديسمبر اعلنت الشرطة الفنلندية اعتقال شقيقين توأمين عراقيين يبلغان من العمر 23 عاما بشبهة مشاركتها في مجزرة ارتكبها تنظيم داعش في حزيران/يونيو 2014 في تكريت وراح ضحيتها مئات الجنود العراقيين النظاميين. بحسب فرانس برس.
ومثل الشقيقان أمام محكمة في تامبيري في جلسة مغلقة. وأشار المكتب الوطني للتحقيقات إلى أن "محكمة تامبيري قررت، وبطلب من المكتب الوطني للتحقيقات، توقيف التوأمين المشتبه بارتكابهما 11 عملية قتل والصلة بتنظيم إرهابي، على ذمة التحقيق". وقال المفوض المسؤول عن التحقيق إن المشتبه بهما أعلنا أنهما بريئان من التهم الموجهة إليهما. وتم الاعتماد في الاتهام على شريط فيديو للمجزرة نشره تنظيم داعش. وأوضح راتي أنه "لم يتم إخفاء" وجهي التوأمين لدى قيامهما بإعدام الضحايا واحدا تلو الآخر. وقد وصلا الى فنلندا في ايلول/سبتمبر الماضي، الا ان الشرطة لم تؤكد ما اذا كانا طلبا اللجوء.
مزار جديد
على صعيد متصل تحول موقع اعدام مئات المجندين العراقيين عند ضفاف نهر دجلة في مدينة تكريت، مزارا "مقدسا" يستذكر فيه العشرات "مجزرة سبايكر"، احدى اسوأ عمليات القتل الجماعية التي نفذها تنظيم داعش. ووضع في المكان نصب تذكاري رمزي احيط بالشموع والورود المصنوعة من البلاستيك، تخليدا لذكرى مئات من المجندين، غالبيتهم من الشيعة، ابان هجوم كاسح شنه في العراق في حزيران/يونيو، وسيطر خلاله على مساحات واسعة في الشمال والغرب.
ويزور عشرات المقاتلين يوميا الرصيف الضيق الملاصق للنهر، والواقع داخل مجمع القصور الرئاسية الشاسع في تكريت، والذي شيد في عهد الرئيس الاسبق صدام حسين المتحدر من قرية مجاورة لتكريت. كما يزور الموقع اقارب لمجندين لم يتم العثور على جثثهم بعد في المقابر الجماعية التي وجدت في المجمع، قادمين من مناطق مختلفة في العراق، اضافة الى وفود من رجال الدين والطلاب والفنانين.
واثارت هذه "المجزرة" التي فقد خلالها ما يصل الى 1700 شخص، سخطا وغضبا عارمين لا سيما لدى الشيعة، وشكلت احد ابرز الاسباب التي دفعت عشرات الآلاف منهم لحمل السلاح والقتال الى جانب القوات الامنية، لاستعادة السيطرة على المناطق التي سقطت بيد الجهاديين. وتحمل الزيارات الى الموقع مزيجا من مشاعر التضحية والفخر بالضحايا. ويقول الشيخ ضرغام الجبوري "في هذا المكان سطرت دماء الشهداء"، ولذلك يجب ان يصبح "رمزا للشهادة، رمزا للتضحية من اجل هذه التربة العظيمة". ويضيف "يجب ان يكون هذا المكان متحفا لجميع العراقيين".
وبكى هذا الشيخ الذي لف رأسه بعمامة بيضاء وارتدى عباءة سوداء، وهو ممثل لوكيل المرجع الشيعي الاعلى السيد علي السيستاني في بغداد، تأثرا وهو يتلو الفاتحة عن ارواح الضحايا قرب النصب التذكاري الرخامي. ويقارن الجبوري بين قتل المجندين في تكريت، وواقعة مقتل الامام الحسين في كربلاء على يد جيش يزيد بن معاوية في القرن السابع ميلادي، مرددا قول الامام الحسين خلال تلك المعركة "هيهات منا الذلة".
وقبل ايام من زيارة الجبوري، شدد معين الكاظمي وهو قيادي في "منظمة بدر" التي يعد جناحها العسكري من ابرز الفصائل الشيعية المقاتلة الى جانب القوات الحكومية، على اهمية الحفاظ على الموقع. وقال من المكان نفسه كالجبوري "ستستمر هذه الزيارات، وسنؤهل هذه المنطقة لتكون رمزا للجريمة التي ارتكبها هؤلاء الداعشيون (في اشارة الى عناصر التنظيم الذي يعرف باسم داعش) ومن تحالف معهم (...) لتكون على مر التاريخ وصمة عار في جباه هؤلاء".
وبين زوار المكان ايضا، كاظم عبد الحسن الذي فقد في مجزرة سبايكر، احد اقاربه الذي كان مجندا في القاعدة، دون ان يعرف مصيره حتى الآن. ويقول عبد الحسن انه تلقى اتصالا هاتفيا من قريبه في حزيران/يونيو يبلغه فيه انه نقل الى مجمع القصور الرئاسية، قبل ان ينقطع الاتصال به. وبعد سيطرة داعش على مساحات واسعة من البلاد، انضم عبد الحسن الى "كتائب جند الامام"، وهي فصيل شيعي يقاتل الى جانب القوات الامنية لاستعادة المناطق التي يسيطر عليها التنظيم. بحسب فرانس برس.
ويتولى هذا الشاب المولود في العام 1985، مراقبة الموقع الذي يعتبره "مقدسا". ومن على شرفة مطلة على النصب، تطارد الذكريات عبد الحسن الحامل رشاشا من نوع "كلاشينكوف" يوجهه نحو النهر. ويقول "اتذكرهم (الضحايا) واقضي بعض الليل بالبكاء لانه منظر مؤلم، امر ليس سهلا. 1700 شخص... ودمهم لا يزال موجودا امامنا". وعلى رغم قيام العشرات بزيارة الموقع، يرى عبد الحسن ان العدد يجب ان يكون اكبر من ذلك. ويقول "يجب ان تكون الوفود اكثر، وان تعطى اهمية لهذا المكان اكثر باضعاف لانه مكان مقدس"، آملا في احضار عائلته واطفاله للزيارة. ويضيف "هذا المكان ترك في قلوب جميع العراقيين جرحا عميقا لا يشفى الى ابد الدهر"، متابعا بتأثر "المكان سيبقى بداخلي حتى نهاية حياتي".
اضف تعليق