التطورات الاخيرة التي تشهدها الأراضي الفلسطينية المحتلة، والتي جاءت بعد تزايد الممارسات التعسفية والانتهاكات المستمرة لسلطات الاحتلال الإسرائيلي، التي سعت الى تصعيد عملياتها الاجرامية ضد ابناء الشعب الفلسطيني ومقدساته يمكن ان تسهم وبحسب بعض المراقبين من تفاقم التوتر واتساع رقعة الصراع الذي قد يتحول الى انتفاضة فلسطينية جديدة، خصوصا بعد ان عمدت حكومة نتنياهو، الى اتخاذ بعض القرارات والاجراءات المتشددة ضد الفلسطينيين كما انها هددت بعزل مدينة القدس والأقصى واجتياح الضفة الغربية، وأقدمت القوات الإسرائيلية في الايام الاخيرة وبتفويض رسمي من رئيس الوزراء بقتل واعتقال العديد من المواطنين هذا بالإضافة الى حملات هدم المنازل وتهجير سكانها وهو ما قد يسهم بتأجيج الغضب الشعبي وتوسيع دائرة المواجهات.
وفي ما يخص بعض هذه التطورات فقد هدمت إسرائيل منزلين في القدس الشرقية لفلسطينيين لعائلات فلسطينيين نفذوا هجمات في القدس، بعدما أمر رئيس الوزراء بنيامين نتانياهو بتشديد القمع في مواجهة التصعيد في الضفة الغربية والقدس الشرقية المحتلتين. وقام الجيش الإسرائيلي لعائلتي الشابين الفلسطينيين غسان أبو جمل ومحمد الجعابيص، اللذين نفذا هجومين العام الماضي، وذلك بعدما كان صدر أمر بهدمهما.
تجدد أعمال العنف
من جانب اخر تجددت أعمال العنف في القدس الشرقية والضفة الغربية وإسرائيل ما أدى بالبيت الأبيض إلى دعوة كل الأطراف إلى الهدوء وتجنب الإقدام على "أفعال قد تؤجج التوتر". يأتي هذا بعد مقتل فلسطيني وإصابة آخرين في ثلاث هجمات وحوادث طعن. وعبر البيت الأبيض عن القلق الشديد من تصاعد العنف في القدس والضفة الغربية وحث الإسرائيليين والفلسطينيين على استعادة الهدوء بعد سلسلة من الهجمات. وقال جوش إيرنست المتحدث باسم البيت الأبيض في بيان "تدين الولايات المتحدة بأشد العبارات الممكنة العنف ضد المدنيين الإسرائيليين والفلسطينيين." وأضاف "ندعو كل الأطراف إلى اتخاذ خطوات إيجابية لاستعادة الهدوء والامتناع عن الأفعال والأحاديث التي قد تؤجج التوتر في تلك المنطقة من العالم".
ويأتي التصريح الأمريكي بعد مقتل فلسطيني وإصابة آخرين، في ثلاث هجمات في القدس وإسرائيل وخلال اشتباكات عنيفة في الضفة الغربية. وقالت الشرطة إن أحدث واقعة شهدت قيام فلسطيني بطعن إسرائيلي يهودي بالقرب من مركز للتسوق بشرق تل أبيب، مما أسفر عن تعرضه لإصابة متوسطة. وصرحت المتحدثة باسم الشرطة إنه تمت السيطرة على الجاني وتم اعتقاله.
وفي بلدة كريات جات بجنوب إسرائيل، قام فلسطيني بطعن وسرقة بندقية جندي إسرائيلي مما أدى إلى إصابة طفيفة للجندي في الرأس. واعتدى الفلسطيني على الجندي فور نزوله من حافلة، مما دفع الركاب الذين شهدوا الحادث إلى الصراخ. ثم فر الفلسطيني، وهو شاب في العشرينات من عمره، إلى مبنى سكني مجاور مع سلاح نصف آلي خاص بالجندي، إلا أن عناصر الشرطة الإسرائيلية اقتحموا المبنى وقتلوه.
وكانت المتحدثة باسم الشرطة الإسرائيلية قد قالت في وقت سابق إن فتاة فلسطينية (18 عاما) طعنت إسرائيليا في ظهره بحي الواد بالبلدة القديمة، لكنه تمكن من إخراج سلاحه وأطلق النار عليها فأصيبت هي بجروح خطيرة بينما إصابة الإسرائيلي طفيفة. ونقل الاثنان إلى مستشفى بالقدس، حيث اعتقل أحد أفراد أسرة الفتاة بتهمة الاعتداء المزعوم على ضابط شرطة. بيد أن مصادر فلسطينية أكدت أن الفتاة لم تكن تحمل سكينا ولم تحاول طعن أحد، بل المستوطن هو الذي اعتدى عليها. وأضافت أن القوات الإسرائيلية أغلقت مداخل البلدة القديمة في القدس الشرقية من باب العامود وباب الساهرة وباب الأسباط، ودفعت بتعزيزات عسكرية كبيرة إلى المنطقة.
وفي جنوب الضفة الغربية، بالقرب من بلدة بيت ساحور الفلسطينية، اشتبك شبان فلسطينيون ملثمون مع مستوطنين وجنود إسرائيليين. وفي وسط الضفة الغربية، بالقرب من رام الله، قام جنود إسرائيليون سريون، يرتدون ملابس مثل المدنيين الفلسطينيين ووجوههم مغطاة، بتفريق مظاهرة بعنف كانت تضم 350 شابا، يلقون قنابل المولوتوف والحجارة على قوة الجيش الإسرائيلي التي تحرس مستوطنة مجاورة. وأكدت متحدثة باسم الجيش الإسرائيلي أن القوة أبلغت عن سماع طلقات نارية وأطلقت النار على "المحرض الرئيسي" للاحتجاج. وأظهرت لقطات الجنود السريين وهم يسيطرون على الفلسطيني بعنف ويركلوه بأرجلهم. وتم نقل المتظاهر الفلسطيني الذي أصيب بعيار ناري، وكان ينزف إلى مستشفى إسرائيلي وهو رهن الاعتقال. وقالت المتحدثة باسم الهلال الأحمر الفلسطيني إن 274 فلسطينيا أصيبوا في اشتباكات في الضفة الغربية، تسعة منهم بالرصاص الحي، و86 بالرصاص المطاطي والبقية بالغاز المسيل للدموع.
صلاحيات واسعة
من جانب اخر هدد رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو باستخدام "القبضة الحديدية" ضد هجمات الفلسطينيين، وأضاف أنه لا حدود لتحركات قوات الأمن الإسرائيلية، وأن إسرائيل ليست مستعدة لمنح الحصانة لأي شخص. وتأتي هذه التصريحات بعد مقتل أربعة إسرائيليين في هجمات لفلسطينيين، واعتقال الجيش الإسرائيلي و"الشين بيت" لخمسة أشخاص، قالوا إنهم ينتمون إلى حماس وإنهم تورطوا في مقتل زوجين إسرائيليين، حسب بيان رسمي.
وقال رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو إنه سيستخدم "القبضة الحديدية" ضد هجمات الفلسطينيين، التي أدت إلى مقتل أربعة إسرائيليين. وأضاف نتانياهو الذي يسعى إلى القضاء على الموجة المتصاعدة من الاضطرابات في الأراضي الفلسطينية، في كلمة متلفزة "نحن لسنا مستعدين لمنح الحصانة لأي شخص، أو أي مثير للشغب (..) أو أي إرهابي في أي مكان، ولذلك فلا حدود لتحركات قوات الأمن".
من جانبها أعلنت الشرطة الإسرائيلية منع الفلسطينيين من دخول البلدة القديمة بعد مقتل إسرائيليين اثنين في هجومين نفذهما فلسطينيان، قتلا بعدها بيد الشرطة. وأعلن الهلال الأحمر إصابة 77 فلسطينيا بالرصاص الحي والمطاطي مع اندلاع موجة جديدة من المواجهات مع الشرطة الإسرائيلية. وقالت الشرطة الإسرائيلية إنها قررت منع الفلسطينيين من دخول البلدة القديمة بالقدس الشرقية ليومين، أوضحت الشرطة أن هذا الإجراء الاستثنائي يشمل الغالبية الكبرى من فلسطينيي القدس الشرقية المحتلة غير المقيمين في البلدة القديمة.
وتابعت الشرطة أنه على مدى يومين لن يسمح بالدخول سوى للإسرائيليين والمقيمين في البلدة القديمة والسياح وأصحاب المحلات والتلاميذ. وقالت متحدثة باسم الشرطة إن هذا الإجراء سيمنع الغالبية الكبرى من فلسطينيي القدس الشرقية المحتلة المقيمين خارج البلدة القديمة من دخولها، مشيرة إلى أنه سيكون بوسع عرب إسرائيل الدخول. بحسب فرانس برس.
ومن أصل المسلمين الذين يسمح لهم بدخول البلدة القديمة أفادت المتحدثة أنه يمنع على الرجال الفلسطينيين ما دون الخمسين من العمر الدخول إلى باحة المسجد الأقصى، وفق إجراء غالبا ما تفرضه إسرائيل في فترات التوتر. وتشهد باحة المسجد الأقصى والمسجد نفسه منذ منتصف أيلول/سبتمبر مواجهات بين الفلسطينيين وقوات الأمن الإسرائيلية خصوصا بسبب إصرار بعض المتشددين اليهود على الصلاة داخل المسجد.
دعوة لحمل السلاح
على صعيد متصل دعا القيادي البارز في حركة "حماس" محمود الزهار الفلسطينيين إلى "حمل السلاح" دفاعا عن المسجد الأقصى، وقال "الحل الوحيد للدفاع عن المسجد الأقصى ومنع المخططات الإسرائيلية هو أن يحمل أهل الضفة والقدس السلاح". وأضاف "للأسف الشديد حتى هذه اللحظة السلاح متوفر لحماية المستوطنين والمحتلين وبالتالي الظروف أصعب، لكن في ذات الوقت لا يمكننا إغفال المخزون البشري الحقيقي في الضفة الغربية الذي يمكن أن يتحرك في أي لحظة".
وفيما التوتر على أشده في القدس، يشجع حاخامات قوميون الزيارات إلى الحرم القدسي الذي يشهد توترا كبيرا منذ أسابيع. ويسمح لليهود وغير المسلمين بزيارة المسجد الأقصى خمسة أيام في الأسبوع من الساعة السابعة والنصف صباحا وحتى الحادية عشر صباحا. وتابع محمود الزهار قائلا إن "الخطوات الحقيقية لا بد أن تكون في الضفة الغربية لأن غزة تخرج عن بكرة أبيها وبأطيافها كافة نصرة للمسجد الأقصى خاصة أبناء الحركة الإسلامية"، مضيفا "إن صورة التصدي الزاهية التي يقوم بها أبناء الضفة والمقدسيون بالحجر وبالزجاجات الحارقة آلمت الاحتلال، وبدأوا بالتفكير في سن قوانين لها".
ووجه الزهار انتقادات للرئيس الفلسطيني محمود عباس مقارنا بين ظروف انتفاضة الأقصى عام 2000 والوضع الحالي. وقال إن انتفاضة الأقصى قامت "لأنه كانت هناك فرصة شعبية للقيام بها، وهذه الفرصة متوفرة وبصورة أشد، لكن القوة الأمنية للسلطة الفلسطينية للأسف الشديد في الظرف الحالي هي الآن أقوى مما كانت عليه في العام ألفين". وأضاف أنه آنذاك كان الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات "يريد لهذه الانتفاضة أن تحسن شروط التفاوض، اليوم محمود عباس يريد توظيف القوة الأمنية لقهر الانتفاضة ولتمرير مخططات العدو الإسرائيلي في المسجد الأقصى".
والحرم القدسي الذي يضم المسجد الأقصى وقبة الصخرة، هو أولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين لدى المسلمين. ويعتبر اليهود حائط المبكى (البراق) الواقع أسفل باحة الأقصى، آخر بقايا المعبد اليهودي (الهيكل) الذي دمره الرومان في العام 70 ميلادية، وهو أقدس الأماكن لديهم.
من جانب اخر حذر الرئيس الفلسطيني محمود عباس من احتمال اندلاع انتفاضة فلسطينية جديدة إذا لم ينحسر العنف عند المسجد الأقصى ولم تستأنف محادثات السلام. وقال "ما يحصل خطير جدا" وحذر من احتمال اندلاع "انتفاضة لا نريدها". وطالب عباس رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بأن يصدر أمرا بإنهاء الاعمال الإسرائيلية في مدينة القدس القديمة حيث المسجد الاقصى وان يوقف النشاط الاستيطاني في الضفة الغربية المحتلة والعودة الى طاولة المفاوضات.
وقال الرئيس الفلسطيني إنه يرى أن التفاوض هو السبيل الوحيد للتوصل إلى السلام. وانهارت المحادثات بين الجانبين في أبريل نيسان 2014 . ويرى عباس أن الأعمال الإسرائيلية عند الأقصى محاولة لتغيير الوضع القائم الذي يسمح بدخول اليهود لكن دون صلاتهم فيه. وقال مكتب نتنياهو في وقت سابق إن إسرائيل ملتزمة بالوضع القائم وان أحدا لن يمنع اليهود من زيارة الموقع. وقام الفلسطينيون بانتفاضتين سابقتين إحداهما في أواخر الثمانينات والثانية في الفترة من عام 2000 إلى 2005. وتم توقيع اتفاقات مؤقتة قبل 20 عاما لكن المفاوضات التي جرت بشأن إقامة دولة فلسطينية لم تحقق أي تقدم. بحسب فرانس برس.
الى جانب ذلك دعا الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند في ختام لقائه بالرئيس الفلسطيني محمود عباس إلى "التهدئة"، معبرا عن "تمسك باريس بعدم تغيير أي شيء في المسجد الأقصى"، وقال هولاند "ندعو إلى التهدئة واحترام المبادئ. عبرت عن تمسكنا بعدم تغيير أي شيء في المسجد الأقصى" في إشارة إلى الوضع القائم في المسجد منذ 1967. ويخشى الفلسطينيون محاولة إسرائيل تغيير الوضع القائم في المسجد منذ حرب 1967 والذي يسمح بمقتضاه للمسلمين بدخول المسجد الأقصى في أي وقت في حين لا يسمح لليهود بذلك إلا في أوقات محددة وبدون الصلاة فيه.
اضف تعليق