q

سجل السعودية المخيف في مجال حقوق الإنسان، وعلى الرغم من التغيرات الأخيرة التي أعقبت تنصيب الملك سلمان عرش المملكة عقب وفاة الملك عبدالله، لايزال محط اهتمام عالمي حيث تواجه الحكومة السعودية أنقادات متزايدة تتعلق باضطهاد الأقليات الدينية والعرقية والنساء، حيث شهدت الفترة الأخيرة وكما تنقل بعض المصادر زيادة في وتيرة ملاحقة الناشطين والمدونين والمعارضين وسجنهم بتهم مختلفة وإصدار وأحكام مشددة بحقهم، وهو ما آثار قلق العديد من المنظمات العالمية المهتمة بحقوق الإنسان.

ويرى بعض المراقبين ان الملف الحقوق في المملكة لا يمكن ان يتحسن في ظل عدم وجود نظام قضائي عادل ومستقل، مؤكدين في الوقت ذاته على ان الأحكام القضائية في المملكة تعتمد على آراء وفتوى خاصة تصدر من بعض رجال الدين المتشددين ووفق ماحكم صورية، يضاف الى ذلك الانتهاكات المتواصلة التي يقوم بها رجال هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر او ما يعرف (الشرطة الدينية) اليد الضاربة لهذا القضاء الفاشل.

وقد نددت منظمة العفو الدولية بعدم احراز تقدم في مجال حقوق الانسان في السعودية بعد وصول الملك سلمان بن عبد العزيز الى الحكم معربة عن الأسف لأنه لم يتخذ إجراءات من شانها تحسين ملف حقوق الانسان.

ورات المنظمة في بيان ان فرص تقدم حقوق الإنسان في المملكة غير مبشرة على الإطلاق، وقال فيليب لوثر، مدير برنامج الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في المنظمة ومقرها لندن "بدلا من اتخاذ إجراءات لتحسين السجل المخيف للعربية السعودية في مجال حقوق الانسان (...) فإن الملك تولى حملة قمع مستمرة للمعارضين للحكومة وللناشطين السلميين، كما تميزت الأشهر الأولى من حكمه بموجة غير مسبوقة من الإعدامات".

اضطهاد الشيعة

في السياق ذاته صدر حكما بالسجن لمدة شهرين وبالجلد ستين جلدة بحق سعودي شيعي كان يقيم صلاة الجمعة في منزله. وأوضح هذا المواطن، وقال زهير بوصالح (47 عاما) إنه كان يقيم صلاة الجمعة في منزله "لأنه لا يوجد مسجد شيعي في الخبر" بشرق العربية السعودية. وتتركز الأقلية الشيعية في السعودية في شرق المملكة وتشكو من تعرضها للتهميش.

وأعلن بوصالح أيضا أنه سبق أن سجن ثلاث مرات للسبب نفسه، وهو يطالب بإقامة مسجد للشيعة في الخبر. وأضاف أن السلطات كانت تقول له في كل مرة "أن غالبية السكان في الخبر من السنة" لتبرير رفض طلبه. إلا أنه أوضح أيضا أن أمير المنطقة سمح له بإقامة صلوات جماعية في منزله، وقد طلب لقاء مع هذا المسؤول لبحث المشكلة معه. وكان تنظيم داعش أعلن مسؤوليته عن تفجيرين انتحاريين استهدفا مسجدين شيعيين في شرق المملكة وأديا إلى مقتل 25 شخصا.

من جانب اخر طلب محمد النمر، والد الشاب السعودي علي النمر الذي ينتظر في أي لحظة تنفيذ حكم الإعدام في حقه بعد إدانته "بالمشاركة في منظمة إجرامية"، من العاهل السعودي سلمان بن عبد العزيز الرأفة بابنه وعدم التوقيع على أمر تنفيذ الحكم. وقال أنه في حال تم إعدام ابنه "فسيكون رد الفعل الأقلية الشيعية في السعودية عنيفا وهو ما لا نريده". وأضاف "نحن لسنا بحاجة إلى ذلك ولا نريد أن تسيل حتى نقطة واحدة من الدماء"، مقرا بأن ابنه علي، الذي كان طالبا في الثانوية عند اعتقاله، شارك في التظاهر مع آلاف آخرين، إلا أنه قال أن علي بريء من التهم العديدة الأخرى الموجهة إليه وهي السرقة ومهاجمة رجال الشرطة واستخدام القنابل الحارقة.

وبخصوص الحالة النفسية للشاب السجين، قال محمد النمر "أنا متأكد أن معنوياته عالية وإنه قوي"، فيما أشار أن العائلة "مسرورة بالدعم العالمي على مواقع التواصل الاجتماعي". ودعا خبراء في الأمم المتحدة بدورهم إلى العفو عن الشاب علي النمر، معتبرين في بيان لهم أن أي حكم بالإعدام على أشخاص كانوا قاصرين عند اعتقالهم وتنفيذ الحكم فيهم يتنافيان مع التزامات السعودية الدولية. وأضاف الخبراء أن "الشاب السعودي تعرض للتعذيب وأجبر على الإدلاء باعترافات ولم يسمح له بتوكيل محامي قبل وخلال محاكمته التي لم تحترم المعايير الدولية".

من ناحيته، أكد جو ستورك، نائب المدير التنفيذي لقسم الشرق الأوسط في منظمة "هيومن رايتس ووتش"، أن "السعودية شهدت فورة من الإعدامات في 2015 ولكن قطع رأس متهم طفل كانت محاكمته غير عادلة سيكون تدهورا مروعا جديدا". وتشير حصيلة أعدتها وكالة الأنباء الفرنسية أن السعودية أعدمت 133 مواطنا سعوديا وأجنبيا منذ مطلع عام 2015 مقابل 87 حالة في 2014.

مطالبات دولية

على صعيد متصل حث رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون السلطات السعودية على إلغاء حكم بإعدام الشاب علي النمر. وقال كاميرون إن المملكة المتحدة لا تكف عن إبلاغ الرياض باختلاف وجهة النظر معها فيما يخص قضايا حقوق الإنسان. ودعا رئيس الوزراء البريطاني السعودية ألا تعدم شابا شيعيا صدر حكم بإعدامه لمشاركته في احتجاجات مناهضة للحكومة. ولدى سؤاله عن قضية علي النمر الذي صدر الحكم بإعدامه بعد مشاركته في مظاهرات بالمنطقة الشرقية في السعودية قال "لا تفعلوا ذلك." بحسب فرانس برس.

وقال كاميرون إنه على الرغم من أن بريطانيا والسعودية تتعاونان معا في مجالات مثل الأمن القومي فإن الحكومة البريطانية طرحت مخاوفها بشأن قضية النمر وملف حقوق الإنسان في المملكة في العموم. وأضاف "نحن لا نكف قط عن إبلاغهم بأننا لا نتفق معهم فيما يتعلق بمسألة حقوق الإنسان." وأدين النمر بنشر الفتنة وممارسة الشغب والاحتجاج والسرقة في القطيف بالمنطقة الشرقية، التي يعيش بها عدد كبير من المنتمين للأقلية الشيعية بالمملكة، والتي تشكو من التمييز. وذكرت وسائل إعلام رسمية أن النمر الذي يقول نشطاء إنه كان يبلغ من العمر 17 عاما حين اعتقل عام 2012 أدين أيضا بالتحريض على التظاهر، وترديد هتافات مناهضة للدولة في احتجاجات غير قانونية.

من جانبه طالب الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند الرياض بعدم تنفيذ حكم الاعدام الصادر بحق علي النمر، وقال هولاند "اطلب من السعودية التراجع عن اعدام الشاب علي النمر وذلك باسم مبدأ اساسي هو ان عقوبة الموت يجب ان تلغى وتنفيذ احكام الاعدام يجب ان يمنع". واضاف ان "فرنسا تعارض عقوبة الاعدام. لطالما ذكرت بأن هذا الموقف لا يتغير ولا يعرف اي استثناء وبأننا نعتبر انه يجب فعل كل ما يمكن من اجل وقف هذه الاعدامات في كل مكان ولا سيما في السعودية". والشاب علي النمر هو ابن شقيق نمر النمر، رجل الدين الشيعي المحكوم بالاعدام ايضا والذي يعتبر الشخصية المحركة للتظاهرات التي بدأت قبل اربع سنوات في المنطقة الشرقية حيث تتركز الاقلية الشيعية.

ودعت فرنسا السعودية لعدم تنفيذ حكم بالإعدام على شاب شيعي بسبب دوره في احتجاجات مناهضة للحكومة وتقول باريس إنه كان قاصرا لدى اعتقاله. وقال رومان نادال المتحدث باسم وزارة الخارجية الفرنسية "فرنسا قلقة بشأن وضع علي النمر الذي حكم عليه بالإعدام مع أنه كان قاصرا وقت وقوع الأحداث. من منطلق رفضنا لعقوبة الإعدام في جميع الحالات والظروف فإننا ندعو لإلغاء تنفيذ العقوبة." ولا تعلق فرنسا في العادة على حالات الإعدام في السعودية بسبب كثرة تواترها.

وقال دونالد كامبل المتحدث باسم منظمة "ريبريف" الخيرية لحقوق الانسان إن "خطط السعودية لاعدام شخص اعتقل وهو طفل بقطع الرأس ... أمر لا يمكن الدفاع عنه". وأضاف "المجتمع الدولي - وخاصة حلفاء السعودية المقربين المملكة المتحدة والولايات المتحدة - عليهم الوقوف مع الحكومة الفرنسية وخبراء الامم المتحدة ضد هذا العمل الفظيع ودعوة السلطات السعودية الى وقف هذا القتل غير المبرر".

اساليب القرون الوسطى

من جانبها اتهمت وزيرة الخارجية السويدية مارغوت فالستروم مجددا السعودية باستخدام "اساليب القرون الوسطى" بتاكيد حكم جلد المدون رائف بدوي. وقالت فالستروم للاذاعة العامة اس ار "رأيي هو انها عقوبة تعود الى القرون الوسطى. انها من اساليب القرون الوسطى لم يعد لها مكان في مجتمع يسمح بحرية وسائل الاعلام كما يسمح للناس بالتعبير عن وجهة نظرهم".

وادلت الوزيرة بتصريحات للاذاعة السويدية في بروكسل حول تاييد المحكمة السعودية العليا السجن عشر سنوات والجلد الف مرة لبدوي مكررة بذلك تصريحات اثارت ازمة دبلوماسية بين ستوكهولم والرياض في اذار/مارس. وشددت على القول "ما اعتقده واضح تماما ونشرته وسائل الاعلام، وبالتالي لم اغير رايي في هذه المسالة".

واعتقل بدوي (31 عاما) في 17 حزيران/يونيو 2012 وحكم عليه في ايار/مايو 2014 بالسجن عشر سنوات وغرامة مليون ريال (267 الف دولار) والف جلدة موزعة على 20 اسبوعا. واثارت هذه القضية استياء في العالم ووصفت الامم المتحدة الحكم بانه "وحشي وغير انساني". وبدوي مؤسس "الشبكة الليبرالية السعودية الحرة" مع الناشطة سعاد الشمري، وحائز جائزة جمعية "مراسلون بلا حدود" للعام 2014 عن حرية التعبير. وقد اغلقت السلطات الموقع. بحسب فرانس برس.

وقد دعت الولايات المتحدة والاتحاد الاوروبي السعودية الى وقف جلد بدوي بعد ان ايدت المحكمة السعودية العليا الحكم الصادر بحقه بتهمة "الاساءة للاسلام". بدورها، طالبت الخارجية الفرنسية السلطات السعودية ب"العفو" عن المدون. ويذكر ان السعودية كانت استدعت في اذار/مارس سفيرها لدى السويد في حين وصف متحدث باسم الخارجية السعودية تصريحات فالستروم "بالتدخل السافر". وقال متحدث باسم وزارة الخارجية السعودية ان "المملكة تعتبر هذه التصريحات تدخلا سافرا في شؤونها الداخلية لا تجيزه المواثيق الدولية ولا الاعراف الدبلوماسية ولا ينسجم مع العلاقات الودية بين الدول".

وظائف لقطع الرؤوس

في هذا الشأن فقد أعلنت وزارة الخدمة المدنية السعودية فتح باب التوظيف لثمانية منفذين لاحكام الاعدام بحد السيف وقطع الاطراف، وقد اعفت المرشحين من ضرورة حيازة اي مؤهلات او النجاح في مسابقة. وادرجت الوزارة اعلانا على موقعها الرسمي عن فتح ثمانية وظائف "تتعلق بتنفيذ احكام القصاص بالقتل وحد السرقات بالقطع حسب ما يقتضيه الحكم الشرعي الصادر والقيام بالاعمال الاخرى ذات العلاقة بهذا المجال"، وذكرت الوزارة ان "هذه الوظائف مستثناه من المؤهل والمسابقة"، وقد ادرجتها ضمن "الوظائف القضائية المعاونة" التي تندرج بدورها ضمن "الوظائف الدينية" في المملكة. وحددت دور الموظفين ب"تنفيذ حكم القتل حسب الشريعة الاسلامية بعد صدور الحكم الشرعي بذلك تنفيذ حكم القطع حسب الشريعة الاسلامية بعد صدور الحكم الشرعي بذلك". بحسب فرانس برس.

وينفذ حكم القتل عموما في السعودية بقطع الرأس. وتتعرض السعودية لانتقادات شديدة من منظمات الدفاع عن حقوق الانسان للاعدامات التي تنفذها غالبا بحد السيف. وتعاقب السعودية بالاعدام جرائم الاغتصاب والقتل والردة والسطو المسلح وتجارة المخدرات وممارسة السحر. ونفذت السعودية حكم الإعدام في حق شخصين بتهمة تهريب المخدرات وشخص ثالث بتهمة القتل، ليتجاوز بذلك عدد أحكام الإعدام التي نفذت في السعودية خلال هذه السنة عدد الأحكام المنفذة طوال سنة 2014، ما يزيد من قلق المنظمات الحقوقية بهذا الشأن.

انتقادات شديدة

الى جانب ذلك أثار تعيين سفير السعودية بالأمم المتحدة في جنيف، فيصل بن حسن طراد، على رأس لجنة الخبراء المستقلين في مجلس حقوق الإنسان في الأمم المتحدة، موجة انتقادات، لاسيما من المنظمات الحقوقية. وقد وصفت زوجة المدون السعودي رائف بدوي المعاقب بألف جلدة هذا التعيين بأنه "فضيحة". وقالت منظمة "مراسلون بلا حدود" الحقوقية في بيان، إن تعيين سفير السعودية بالأمم المتحدة في جنيف، فيصل بن حسن طراد، على رأس لجنة الخبراء المستقلين في مجلس حقوق الإنسان في الأمم المتحدة "تعيين سخيف للغاية".

وأضافت "من المشين أن تتغاضى الأمم المتحدة عن هذه الرئاسة علما أن المملكة العربية السعودية تعد من أكثر الدول قمعا في مجال حقوق الإنسان"، وخير دليل على ذلك هو أنها "تقبع في المرتبة 164 من أصل 180" على جدول تصنيف حرية الصحافة لعام 2015 الذي أعدته المنظمة الحقوقية. وكانت منظمة "يو ان ووتش" السباقة في انتقاد هذا القرار. وكتبت هذه المنظمة غير الحكومية التي تتخذ من جنيف مقرا لها: "على سفيرة الولايات المتحدة في الأمم المتحدة، سامنتا باور، ومفوضة السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي، فيديريكا موغيريني، إدانة هذا القرار والعمل على العدول عنه".

وقال رئيس "يو ان ووتش"، هلال نوير، إن هذا القرار "فضيحة لأن عدد الأشخاص الذين أعدموا بقطع الرأس في السعودية في 2015 أكثر من الذين أعدمهم تنظيم داعش". أما منظمة "مراسلون بلا حدود" فأضافت: "يعتبر سجل حقوق الإنسان في المملكة العربية السعودية كارثيا بكل المقاييس، حيث تنعدم الصحافة المستقلة جملة وتفصيلا، بينما يستخدم سوط القضاء لملاحقة الصحفيين والمدونين الذين يجرؤون على الخروج عن الخط الرسمي، إذ تصدر في حقهم أحكام قاسية بالسجن لمدة طويلة". بحسب فرانس برس.

من جهتها، علقت إنصاف حيدر، زوجة المدون السعودي رائف بدوي المسجون، والمعاقب بألف جلدة، لنشاطه على موقع الكتروني أسسه في 2008 من أجل حرية الرأي والتعبير، على هذا التعيين قائلة إنه "فضيحة". وشددت على أن تولي السعودية مركزا قياديا في مجلس حقوق الإنسان "رسالة للملكة من أجل مواصلة جلد" زوجها. وقالت إنصاف حيدر إن صحة رائف بدوي "سيئة للغاية، ونفسيته ليست جيدة أيضا، خصوصا أنه بعيد عن أسرته وأطفاله منذ أربع سنوات".

اضف تعليق