لا نلمس تأييدا واضحا لسكان المحافظات لعودة مجالس المحافظات من جديد. ان عدم وجود مجالس المحافظات لا يعني بالضرورة أن أعمال المحافظين كانت تسير بطريقة قانونية وشرعية، وأنهم تمكنوا خلال السنين السابقة من انجاز الكثير من المشروعات والبرامج الخدمية لصالح سكان محافظاتهم. فعدم وجود الصراعات السياسية لا يعني...
تعتزم الحكومة العراقية إجراء انتخابات مجالس المحافظات غير المنتظمة بإقليم في (18) كانون الأول 2023، بعد تعطيلها لنحو (10) سنوات، أي منذ نيسان/أبريل 2013. والسؤال هنا، ما هو الأساس القانوني لإجراء انتخابات مجالس المحافظات؟ ولماذا لم تجر منذ نحو (10) سنوات؟ ولماذا علق مجلس النواب عمل مجالس المحافظات؟ وماهي الآثار الإيجابية والسلبية التي تترتب على وجود مجالس المحافظات أو عدم وجودها؟
نص الدستور العراقي لعام 2005 في المادة (116) على أن (يتكون النظام الاتحادي في جمهورية العراق من عاصمة وأقاليم ومحافظات لامركزية وإدارات محلية.) وجاء في المادة (122/أولا: تتكون المحافظات من عدد من الأقضية والنواحي والقرى. ثانياً: تمنح المحافظات التي لم تنتظم في إقليم الصلاحيات الإدارية والمالية الواسعة، بما يمكنها من إدارة شؤونها على وفق مبدأ اللامركزية الإدارية، وينظم ذلك بقانون. ثالثاً: يُعد المحافظ الذي ينتخبه مجلس المحافظة، الرئيس التنفيذي الأعلى في المحافظة، لممارسة صلاحياته المخول بها من قبل المجلس. رابعاً: ينظم بقانون، انتخاب مجلس المحافظة، والمحافظ، وصلاحياتهما. خامساً: لا يخضع مجلس المحافظة لسيطرة أو إشراف أية وزارة أو أية جهة غير مرتبطة بوزارة، وله مالية مستقلة)
بناء على هذا نص قانون رقــم (٤) لسنة ٢٠٢٣، قـانون التعديل الثالث لقانون انتخابات مجلس النواب ومجالس المحافظات والأقضية رقم (١٢) لسنة ٢٠١٨ في المادة(5/ أولا/ أ) على مجلس الوزراء بالتنسيق مع المفوضية تحديد موعد الانتخابات لمجلس المحافظات في هذا العام على أن لا يتجاوز تاريخ 20/ 12/ 2023(ثالثا) تجري انتخابات مجالس المحافظات غير المنتظمة بإقليم في يوم واحد في عموم العراق. وجاء في (المادة 9 /ثانيا/أ) يتكون مجلس المحافظة من (12) أثني عشر مقعدا، يضاف إليها مقعد واحد لكل (200، 000) مائتي ألف نسمة لما زاد على (1، 000، 000) مليون نسمة.
يتضح مما تقدم أن مجلس المحافظة هو السلطة التشريعية والرقابية العليا ضمن الحدود الإدارية للمحافظة، وله حق إصدار التشريعات المحلية في حدود المحافظة بما يمكنه من إدارة شؤونه، وفق مبدأ اللامركزية الإدارية، وبما لا يتعارض مع الدستور والقوانين الاتحادية. ويتمثل دور مجالس المحافظات في اختيار المحافظ ونائبيه، وإعداد موازنة المحافظة على ضوء ما تخصّصه الحكومة المركزية لها من اعتمادات مالية، ولتلك المجالس الحق في إقالة المحافظين ورؤساء الدوائر.
ومع وجود النصوص الدستورية والقانونية لانتخابات مجالس المحافظات غير المنتظمة بإقليم، إلا أن الحكومات العراقية لم تتمكن من إجراء الانتخابات منذ عام 2013، إذ جرى تأجيلها لأسباب سياسية وأمنية ومالية لعدة سنوات. وعلى أثر وقوع احتجاجات شعبية في العام 2019، صوّت مجلس النواب العراقي حينها على حلّ تلك المجالس وإنهاء عملها، وكان ذلك مطلب من بين مطالب المتظاهرين.
فهل تجربة مجالس المحافظات حتى 2013، كانت تجربة مفيدة لسكان المحافظات، لكي نطالب بعودتها وإجراء انتخابات عام 2023؟ أم كانت تجربة عدم وجودها لعشر سنوات تجربة مفيدة، لكي نطالب بعدم عودتها في عام 2023؟
1. الرأي القانوني: يرى المختصون أن مجالس المحافظات هي مؤسسة دستورية منصوص عليها في الدستور العراقي، ولها قانون ينظمها، ونظامنا السياسي هو نظام اتحادي، قائم على أساس توزيع الصلاحيات بين المركز (بغداد) وبين السلطات المحلية (المحافظات) وأن عدم إجراء الانتخابات هو تعطيل للدستور، وتعطيل لمؤسسة دستورية، وتعطيل للنظام الإداري الاتحادي. كل ذلك يوجب على الحكومة العراقية إجراء انتخابات مجالس المحافظات على وفق الدستور والقانون، ويعد تأجيلها أو إلغائها مخالفة قانونية. وهذا ينسجم مع النظام الاتحادي الذي وزع الصلاحيات بين السلطة الاتحادية والسلطات المحلية.
2. الرأي السياسي: يرى بعض السياسيين أن مجالس المحافظات موضوع دستوري لا بد منه، وفي الوقت ذاته غيابها ولّد فجوة في التواصل بين المواطن والسلطة. وأن المحافظة إذا ما تُركت من دون مجلس فسوف يستفرد المحافظ، ومن يقف وراءه من كتل سياسية بشؤون المحافظة، وسيعمل -كما هو الآن - بعيدا عن رقابة الأحزاب والكتل السياسية، وسكان المحافظة، وهذا ينافي النظام الديمقراطي القائم على مشاركة الكتل السياسية والسكان المحليين بالحكم. وبناء على ما تقدم لا يمكن إلغاء انتخابات مجالس المحافظات، أو توقيف عملها، بناءً على طلب المتظاهرين، أو اجتهاد البرلمان، أو رغبات سياسية أو فردية، وإنما يتطلب تعديلاً دستورياً.
بينما يرى سياسيون آخرون أن مجالس المحافظات تكليف الدولة وتحميلها مصاريف كبيرة من رواتب وحمايات ومخصصات، وعرقلة أعمال السلطة التنفيذية في المحافظة والمتمثلة بالمحافظ. وأن غيابها في السنوات السابقة لم يحدث أي شيء سلبي، بل في بعض الأحيان كان غيابها أكثر نفعًا من خلال المضي بمشاريع داخل المحافظات وعدم عرقلتها داخل تداولات المجالس، خصوصًا وأن تحفّظات أعضاء مجالس المحافظات على خطوات الحكومات المحلية كانت مدفوعة بأسباب سياسية وأخرى يشوبها فساد، وليست لأسباب فنية ونافعة للمحافظة وأن الدور الرقابي لا يقتصر ولا يحتاج بالضرورة إلى مجالس المحافظات، بل توجد قنوات رقابية حكومية مختلفة من الممكن أن تتابع أعمال المحافظين، فضلًا عن مجلس النواب. وعليه يطالب هؤلاء بضرورة إلغاء مجالس المحافظات أو على الأقل تحديد عدد أعضائها، وتحديد صلاحياتها بما يضمن عدم عرقلتها لمشروعات المحافظة.
3. رأي السكان المحافظات: في الأعم الأغلب لا ينظر سكان المحافظات إلى مجالس المحافظات نظرة إيجابية، ويرون وجودها مصدرا من مصادر فساد السلطة، هذا الانطباع العام لدى مواطني المحافظات جاء نتيجة الإخفاقات الكبيرة التي تسببت بها مجالس المحافظات إثناء عملها حتى عام 2013، فالصراعات بين المحافظين ومجالس المحافظات، وتقاسم النفوذ والوحدات الإدارية بين أعضاء الكتل السياسية، وتعطيل المشروعات، وتغير المحافظين، ومسؤولي الوحدات الإدارية على أساس المحاصصة الحزبية، بالإضافة إلى سن التشريعات المحلية التي تمنح أعضاء مجالس المحافظات امتيازات كثيرا وكبيرة كلها حاضرة في أذهان سكان المحافظات. لذلك لا نلمس تأييدا واضحا لسكان المحافظات لعودة مجالس المحافظات من جديد.
في المقابل ان عدم وجود مجالس المحافظات لا يعني بالضرورة أن أعمال المحافظين كانت تسير بطريقة قانونية وشرعية، وأنهم تمكنوا خلال السنين السابقة من انجاز الكثير من المشروعات والبرامج الخدمية لصالح سكان محافظاتهم. فعدم وجود الصراعات السياسية لا يعني عدم وجود فساد إداري ومالي.
بالمحصلة أظن أن انتخابات مجالس المحافظات هي إرادة سياسية بامتياز، وهي مغطاة من الناحية الدستورية والقانونية، وأن الأحزاب السياسية والكتل البرلمانية لن تتمكن تنفيذ برامجها إلا من خلال إجراء انتخابات مجلس المحافظات، سواء كانت لمصلحة سكانها أو لغير مصلحتهم. ويبقى سكان المحافظات غير المنظمة بإقليم هم من يقرروا بقاء مجالس المحافظات أو إلغائها. ولكن عندما يتوحدوا جميعا في مطلب واحد وهو مصلحة سكان المحافظة أولا.
اضف تعليق