q
لا يزال ملايين الأشخاص حول العالم مجبرين على العيش في العبودية وأشكال الرق المعاصرة الأخرى. كما يتم الإتجار بالملايين من الأشخاص، في جميع أنحاء العالم، لغرض الاستغلال، بما في ذلك الاستغلال الجنسي والاستغلال في العمل، أو نزع الأعضاء، أو الزواج القسري، أو الإجرام القسري. ويتعرض ضحايا الرق والإتجار...

العبودية، بما في ذلك أشكالها المعاصرة، والإتجار بالأشخاص من الجرائم التي يحظّرها القانون الدولي لحقوق الإنسان. ومع ذلك، لا يزال ملايين الأشخاص حول العالم مجبرين على العيش في العبودية وأشكال الرق المعاصرة الأخرى. كما يتم الإتجار بالملايين من الأشخاص، في جميع أنحاء العالم، لغرض الاستغلال، بما في ذلك الاستغلال الجنسي والاستغلال في العمل، أو نزع الأعضاء، أو الزواج القسري، أو الإجرام القسري. ويستمر هذا الاستغلال، حتى مع اقترابنا من الاحتفال بمرور 100 سنة على اعتماد الاتفاقية الخاصة بالرق الموقّعة في العام 1926، وبمرور أكثر من 20 سنة على بروتوكول باليرمو.

ويتعرض ضحايا الرق والإتجار في الكثير من الأحيان إلى العديد من الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان. وفي حين أنّهم يتمتّعون بالحق في الحصول على تعويض فعال، إلا أنهم غالبًا ما يكونون غير قادرين على الوصول إلى العدالة نظرًا إلى محدودية الوعي والقيود الهيكلية المتعددة، بما في ذلك ضمن السلطات المسؤولة عن دعم مثل هذه المطالب أو متابعتها.

وتنص المادة الرابعة من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان على انه لا يجوز استرقاق أي شخص أو استعباده؛ يحظر الرق وتجارة الرقيق بجميع أشكالها.

وكشف تقرير نشرته منظمة "وولك فري" أن العبودية الحديثة مخفية عن الأنظار لكن رغم ذلك فهي متواجدة في جل أركان العالم ففي كل يوم يتم إرغام أشخاص على القيام بمهمات أو بأعمال لا يرغبونها ولا يستطيعون حتى رفضها. وكل يوم نشتري مواد تمت صناعتها من قبل أناس أرغموا على ذلك دون أن ندرك التكلفة الإنسانية وراء هذا العمل.

وقال "مؤشر الرق العالمي" للعام 2023 أن كلا من كوريا الشمالية وإريتريا وموريتانيا تسجّل أعلى مستويات للعبودية في العالم، لافتا إلى "تدهور" الوضع على الصعيد الدولي منذ آخر دراسة أجريت قبل خمس سنوات.

وتشمل البلدان التي حلّت في المراتب العشر الأولى على المؤشر السعودية والإمارات العربية المتحدة والكويت حيث يقيّد نظام "الكفالة" حقوق العمال الأجانب.

وأفاد التقرير أن حوالى 50 مليون شخص "عاشوا أوضاعا تمثّل عبودية حديثة" عام 2021، في زيادة عشرة ملايين شخص عن 2016، وهي آخر مرّة تم فيها قياس المشكلة.

ويشمل الرقم نحو 28 مليون شخص يعانون من العمالة القسرية و22 مليونا في زواج قسري.

وذكر التحقيق أن الوضع يتدهور "على وقع النزاعات المسلّحة المتزايدة والتي باتت أكثر تعقيدا، والتردي البيئي واسع النطاق" فضلا عن تداعيات وباء كوفيد وعوامل أخرى.

ويحدد التقرير الذي جمعت بياناته منظمة "ووك فري" لحقوق الإنسان العبودية الحديثة على أنها تشمل "العمالة القسرية والزواج القسري أو الاستعبادي وعبودية الدَين والاستغلال الجنسي التجاري القسري وتهريب البشر والممارسات الأشبه بالعبودية وبيع واستغلال الأطفال".

ويقوم المبدأ الأساسي للعبودية على "الإزالة المنهجية لحرية شخص ما"، من حق قبول أو رفض العمل وصولا إلى حرية تحديد الرغبة في الزواج ومتى وممّن.

وبناء على هذا المقياس، يعد معدل العبودية الحديثة في كوريا الشمالية الانعزالية والاستبدادية الأعلى في العالم (104,6 لكل ألف نسمة)، بحسب التقرير.

وتليها إريتريا (90,3) وموريتانيا (32) التي باتت عام 1981 آخر دولة في العالم تصنّف العبودية الموروثة على أنها مخالفة للقانون.

وتشترك البلدان العشرة حيث مستويات العبودية الحديثة تعد الأعلى بسمات أبرزها "محدودية الحماية الموفرة للحريات المدنية وحقوق الإنسان".

وتقع العديد من هذه الدول في مناطق "مضطّربة" تشهد نزاعات أو عدم استقرار سياسي أو تضم عددا كبيرا من الأشخاص الذين يعدون "أكثر عرضة للخطر" مثل اللاجئين أو العمال الأجانب.

مرآة لامتلاك السلطة

من بين البلدان الأخرى المشمولة في قائمة الدول العشر الأولى تركيا "التي تستضيف مليون لاجئ من سوريا" وطاجيكستان وروسيا وأفغانستان.

وبينما يعد العمل القسري أكثر شيوعا في البلدان ذات الدخل المنخفض، إلا أنه مرتبط "بعمق" بالطلب من البلدان الأعلى دخلا، بحسب التقرير الذي أشار إلى أن ثلثي حالات العمالة القسرية بأكملها مرتبط بسلاسل الإمداد العالمية.

وذكر التقرير بأن بلدان مجموعة العشرين التي تضم الاتحاد الأوروبي إلى جانب أكبر 19 اقتصادا في العالم تستورد حاليا منتجات بقيمة 468 مليار دولار يُحتمل أنها تُنتج بالاعتماد على عمالة قسرية، مقارنة بمبلغ 354 مليار دولار الوارد في التقرير السابق.

وتبقى الأجهزة الإلكترونية المنتج الأكبر قيمة الذي يحمل هذا الخطر، تليها الملابس وزيت النخيل وألواح الطاقة الشمسية، في مؤشر على الطلب الكبير على منتجات الطاقة المتجددة.

وأفادت المديرة المؤسسة لمجموعة "ووك فري" غريس فوريست "تتغلغل العبودية الحديثة في كل جانب من جوانب مجتمعنا. إنها محاكة في ملابسنا وتشغّل أجهزتنا الإلكترونية وتضفي النكهة على طعامنا".

وأضافت "تعد العبودية الحديثة في صلبها تجسيدا لغياب المساواة الشديدة. إنها مرآة لامتلاك السلطة، تعكس من يملكها في مجتمع ما ومن لا يملكها".

كما كشف التقرير أيضا أن 28 مليون شخص يعانون من العمالة القسرية و22 مليون من ظاهرة الزواج القسري، موضحا أن الوضع تدهور جراء "النزاعات المسلحة المتزايدة والتي باتت أكثر تعقيدا، والتردي البيئي واسع النطاق" الذي تعرفه بعض مناطق العالم فضلا عن تداعيات وباء كوفيد 19 وعوامل أخرى.

ووفق البيانات التي جمعتها نفس المنظمة، فلقد أشارت إلى أن العبودية الحديثة تشمل "عبودية الدين والاستغلال الجنسي لأهداف تجارية وتهريب البشر والممارسات التي تشبه العبودية وبيع واستغلال الأطفال".

نظام "الكفالة" يشجع العبودية

ويفيد التقرير أن نظام "الكفالة" يبقي العمال الأجانب تحت تصرف ملاك الشركات والمصانع ويعرضهم إلى "العبودية" سواء كان ذلك على مستوى شركات البناء أو داخل المنازل حيث تعاني بعض الخادمات الأجنبيات اللاتي جئن من دول أفريقية أو آسيوية من العنف المنزلي ومن ممارسات قمعية من قبل الأهالي.

هذا، ونشرت منظمة "وولك فري" على موقعها تصريحا لخادمة كاميرونية تحصلت على عقد عمل في منزل بلبنان تشير فيه إلى المعاملة الدنيئة التي تعرضت لها.

وقالت: "لو كنت أعلم أنني سأشتغل كخادمة في بيت وكسجينة دون أن أتمتع بالحرية لما قبلت الذهاب إلى لبنان. لم أكن اعرف أي شخص في هذا البلد. وقعت على عقد عمل عندما وصلت إلى لبنان دون أن أعرف الشخص أو الشركة التي ستوظفني ولا حتى على بنود العقد".

ووفق نفس التقرير، عانى حوالي 1.7 مليون شخص من العبودية الحديثة في الدول العربية في 2021، أي حوالي 101 شخص من أصل ألف في حين تعرض إلى الزواج القسري حوالي 4.8 بالمائة من سكان هذه المنطقة.

و"وولك فري" هي منظمة عالمية تعمل على محاربة العبودية الحديثة وتدافع عن حقوق الإنسان. وتضم في صفوفها إحصائيين ومحامين متخصصين في الجرائم يعملون من أجل اقتلاع جذور العبودية الحديثة.

خلاف بين الكويت والفلبين

وفي سياق متصل يعتمل خلاف جديد بين الكويت والفلبين حول حماية العمالة المنزلية وحقوق أصحاب العمل الكويتيين بعدما أوقفت الدولة الخليجية تأشيرات العمالة الفلبينية "نتيجة للممارسات الخاطئة" لسفارة مانيلا في البلاد.

ومع وجود نحو ربع مليون عامل فلبيني في الكويت غالبيتهم من عاملات وعمال المنازل، فإن الخلافات بين البلدين ليست جديدة. وفي السابق عقدت عدة جولات من المباحثات للوصول إلى تفاهمات لكن يبدو أنها لم تصل لنتيجة ترضي الطرفين.

يأتي وقف منح التأشيرات بعد أن علقت الفلبين في فبراير شباط إرسال العمالة المنزلية إلى الكويت لأول مرة بعد العثور على جثة العاملة جوليبي رانارا في الصحراء الكويتية في يناير كانون الثاني.

وتعمل أعداد كبيرة من المواطنين الفلبينيين في الخارج، حيث يأتي حوالي 10 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي للبلاد من تحويلات المغتربين.

وأكدت وزارة الداخلية الكويتية أنها أوقفت تأشيرات العمالة الفلبينية "نتيجة للممارسات الخاطئة" لسفارة مانيلا في الكويت بالإضافة إلى "جرائم" بعض أفراد الجالية الفلبينية تجاه الكويتيين.

وذكر البيان أن أبرز هذه المخالفات إيواء السفارة للعمالة الفلبينية في مركز تابع لها وتواصلها مع المواطنين الكويتيين واستدعاؤهم دون إذن الجهات الكويتية، وإلزام مكاتب السفر بالبحث عن العمالة المنزلية الهاربة "وأخذ دور مؤسسات الدولة" والضغط على أصحاب العمل الكويتيين لإضافة بنود تعاقدية على غير رغبتهم.

وأضاف البيان أن الكويت اشترطت خلال المباحثات "اعتراف وإقرار" سفارة الفلبين بقيامها بارتكاب مخالفات والتعدي على القوانين والقرارات الكويتية وبأنها "انتهكت" الأعراف الدبلوماسية وتعهدها رسميا بعدم تكرار هذه الأفعال ونشر ذلك في وسائل الإعلام الرسمية.

وفي المقابل ستقوم وزارة الداخلية الكويتية بتقييم الوضع والتأكد من التزام السفارة بالشروط لثلاثة أشهر على الأقل "لتقرر بعدها ما تراه مناسبا".

وقال البيان إن الجانب الفلبيني رفض هذه الشروط وبناء عليه "تتمسك وزارة الداخلية بموقفها الرافض لأي انتهاكات لسيادة الدولة وكرامة مواطنيها، والاستمرار بقرارها بوقف جميع أنواع التأشيرات للجالية الفلبينية حتى إشعار آخر" مع استمرار تجديد إقامات من لديه إقامة سارية.

وانتهت أزمة بين البلدين قبل أكثر من خمس سنوات باعتذار الجانب الفلبيني في 2018 عما اعتبرته الكويت انتهاكا لسيادتها بعد أن "أنقذت" سفارة مانيلا لدى الكويت عددا من الفلبينيين كانوا يعملون في المنازل وسط تقارير عن انتهاكات.

وقال وزير الخارجية الفلبيني آنذاك إن السفارة اضطرت "لمساعدة" عمال فلبينيين طلبوا العون لأن بعض الأوضاع كانت تعتبر مسألة حياة أو موت، مؤكدا احترام سيادة وقوانين الكويت "لكن مصلحة العاملين الفلبينيين مهمة جدا أيضا".

ولم يصدر الجانب الفلبيني تعليقا حول البيان الكويتي، كما لم ترد السفارة الفلبينية في الكويت على طلب رويترز للتعليق.

لكن وزارة الخارجية الفلبينية كانت قالت عقب مباحثات الجانبين الأسبوع الماضي إن وفدها أكد على "الاحترام الكامل للقوانين الكويتية".

وقال البيان الصادر في 18 مايو أيار إن الإجراءات التي تتخذها سفارة وحكومة الفلبين بشأن "الخدمات" المقدمة لعمالنا المهاجرين "هي فقط لضمان سلامة ورفاهية مواطنينا".

كان وكيل وزارة الخارجية الفلبينية إدواردو دي فيجا قال في تصريحات صحفية الأسبوع الماضي إن وقف الكويت لتأشيرات دخول الفلبينيين إليها جاء ردا على تعليق مانيلا إرسال العمالة المنزلية الجديدة إلى البلد الخليجي في فبراير شباط وإن القرار الكويتي هدفه الضغط على بلاده لرفع هذا الحظر.

وأشار المسؤول الفلبيني إلى أن الكويت تشعر بالقلق من مسألتين وتعتبرهما انتهاكا لقوانينها هما إنشاء الفلبين ملجأ لعمال المنازل الهاربين بالإضافة للتواصل مع أرباب العمل الكويتيين بشأن تقارير الانتهاكات.

وأضاف أنه "بموجب القانون الفلبيني، يجب أن تكون لدينا هذه الملاجئ وبالطبع هذا التزام على حكومة الفلبين لحمايتهم... نحن لا نشجعهم على الهروب من أرباب عملهم.. ولكن في حالة الانتهاكات وعندما يكون عليهم المغادرة، فيجب أن يكون لديهم مكان يذهبون إليه".

استعباد مهاجرين جنسياً في ليبيا

بدورها أعلنت بعثة الأمم المتحدة لتقصي الحقائق بشأن أوضاع حقوق الإنسان في ليبيا أنّ المهاجرين العالقين في هذا البلد والذين يحاولون التوجه إلى أوروبا يتعرّضون للاستعباد الجنسي، منددةً بجريمة ضد الإنسانية.

وأعربت البعثة عن قلقها العميق إزاء تدهور أوضاع حقوق الإنسان في ليبيا. وخلصت في بيان صدر بمناسبة تقديم تقريرها الأخير، إلى أن "هناك أسباب للاعتقاد بأن قوات أمن الدولة والمليشيات المسلحة ارتكبت مجموعة واسعة من جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية".

وأوضح المحققون أن هذه الانتهاكات تُرتكب "بحق ليبيين ومهاجرين في جميع أنحاء ليبيا"، في مراكز احتجاز.

ووثقت البعثة ورصدت العديد من حالات الاعتقال التعسفي والقتل والتعذيب والاغتصاب والاستعباد الجنسي والإعدام خارج نطاق القضاء والاختفاء القسري، مؤكدة أن هذه الممارسات واسعة الانتشار في ليبيا.

وأشارت خصوصاً إلى "وجود أسباب معقولة تدعو إلى الاعتقاد بأن العبودية الجنسية، وهي جريمة ضد الإنسانية، ارتُكبت بحق مهاجرين".

وبحسب البعثة، تم استعباد مهاجرين في مراكز اعتقال رسمية وكذلك في "سجون سرية" حيث تُرتكب عمليات اغتصاب، وكلها تشكل جرائم ضد الإنسانية.

وأكد البيان أنّ الاتجار بالبشر والعبودية والسخرة والسجن والابتزاز وتهريب المهاجرين المستضعفين "يدرّ عائدات كبيرة لأفراد وجماعات ومؤسسات رسمية، ما يحثّ على مواصلة الانتهاكات".

وقال رئيس البعثة محمد أوجار في البيان "المحاسبة ضرورة ملحة لإنهاء هذا الإفلات الواسع من العقاب".

وأضاف "ندعو السلطات الليبية إلى الإسراع في تطوير خطة عمل من أجل حقوق الإنسان، وخارطة طريق بشأن العدالة الانتقالية تركز على الضحايا، ومحاسبة جميع المسؤولين عن انتهاكات حقوق الإنسان".

أسّس مجلس حقوق الإنسان البعثة في العام 2020 للتحقيق في الانتهاكات التي ارتكبتها جميع الأطراف في ليبيا منذ 2016.

ومنذ ذلك الحين، أجرت البعثة أكثر من 400 مقابلة وجمعت أكثر من 2800 معلومة بينها صور ومقاطع فيديو.

وستقدّم معلوماتها إلى المحكمة الجنائية الدولية، بما في ذلك قائمة بالأفراد الذين يمكن تحميلهم مسؤولية الانتهاكات، لكنها تطلب أيضًا من الأمم المتحدة تشكيل لجنة جديدة لمواصلة أعمال التحقيق.

العبودية في موريتانيا

في عام 1981، أصبحت موريتانيا آخر دولة في العالم تلغي العبودية، ورغم مرور أزيد من 4 عقود على هذه الخطوة التي تلتها قرارات وقوانين لتجريم الرق، يكشف تقرير حديث أن ممارسات وأشكال الاستعباد المختلفة ما زالت شائعة في هذا البلد الصحراوي.

وحلت موريتانيا في المرتبة الثالثة عالميا والأولى عربيا في تقرير "مؤشر الرق العالمي"، والذي كشف عن وجود 149 ألف موريتاني يعاني من "عبودية حديثة"، أي ما يمثل 32 شخصا من بين كل ألف مواطن.

وأخرجت موريتانيا قبل ثماني سنوات قانونا ينص على تجريم الرق واعتباره "جريمة ضد الإنسانية" وأفردت له عقوبات تصل إلى 20 عاما، كما أنشأت محاكم خاصة لمعالجة قضاياه، إلا أن الظاهرة، ورغم كل هذه المحاولات، تبقى مستمرة بأشكالها التقليدية والمعاصرة.

وأفاد التقرير الجديد أن العبودية في موريتانيا تقوم أساسا على أُسس عرقية؛ حيث يُجبر السكان "الحراطين على العمل في مجتمع "البيضان" في الزراعة والعمل المنزلي وغيرهما".

ويؤكد تقرير لمكتب المفوض السامي لحقوق الإنسان المعطيات التي أوردتها منظمة "ووك فري"، مبرزا أن أشكال العبودية الحديثة ونظيرتها القائمة على النسب، لا تزال منتشرة داخل وبين جميع المجموعات العرقية الرئيسية في البلاد، حيث يتعرض المستعبدون، ولا سيما النساء والأطفال، للعنف وسوء المعاملة، بما في ذلك العنف الجنسي، كما يعاملون كـ"ممتلكات".

العبودية في مالي

وأيضا قال خبيران أمميان في مجال حقوق الإنسان إن وجود العبودية القائمة على النسب في مالي لا يزال يولد انتهاكات مروعة لحقوق الإنسان، بما في ذلك التعذيب والاختطاف والاغتصاب.

وفي بيان، وجه الخبيران دعوة للسلطات المالية لمنع أن يولد الناس في العبودية، وأوضحا أن مالي هي الدولة الوحيدة في منطقة الساحل التي لا يوجد بها تشريع محدد يجرم الاسترقاق.

وقال تومويا أوبوكاتا المقرر الخاص المعني بأشكال الرق المعاصرة، وأليون تاين الخبير المستقل المعني بحالة حقوق الإنسان في مالي: "لا شيء يمكن أن يبرر إطلاقا العبودية- سواء كان المبرر ثقافة أو تقليدا أو دينا".

وعلى الرغم من عدم وجود بيانات بشأن عدد الأشخاص الذين ولدوا في العبودية وفقا للجنة الوطنية لحقوق الإنسان في مالي، لكن الخبيرين الأمميين سلطا الضوء على تقديرات بعض المنظمات لما لا يقل عن 800 ألف ضحية، بما في ذلك 200 ألف شخص يعيشون "تحت السيطرة المباشرة لأسيادهم".

وذكر الخبيران الحقوقيان أن العبودية القائمة على النسب كانت "منتشرة" في المناطق الوسطى والشمالية من البلاد، بما في ذلك تمبكتو وغاو وكيدال. كما استشهدا بأمثلة من منطقة كايس في غرب مالي، حيث أدت الهجمات المنتظمة على الأشخاص المُستعبدين إلى الوفيات والإصابات والنزوح.

وأكد الخبيران المستقلان أن "استمرار دعم العبودية في القرن الحادي والعشرين يتعارض مع الالتزامات المتكررة التي تعهدت بها السلطات المالية لاحترام وحماية وإعمال حقوق الإنسان للجميع".

وكان الخبيران قد ذكرا في بيان سابق أن الأشخاص الذين ولدوا في العبودية في مالي مجبرون على العمل بدون أجر، ويمكن أن يُتوارثوا، وهم محرومون من حقوق الإنسان الأساسية.

واقتبس الخبيران ما ورد في دراسة حديثة أجرتها المؤسسة الوطنية لحقوق الإنسان في مالي توثق انتهاكات حقوق الإنسان والتجاوزات المتعلقة بالرق على أساس النسب.

وتشمل هذه الانتهاكات "أعمال العنف والاعتداء والتعذيب وغيره من ضروب المعاملة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة، والإذلال العلني، والإهانات، والترهيب، والاختطاف، والاغتصاب الذي يرتكبه ’الأسياد‘ بصورة يومية ضد ’العبيد‘".

ووجدت الدراسة أيضا أدلة على منع الضحايا من استخدام الخدمات الاجتماعية الأساسية من مضخات المياه إلى المرافق الصحية.

ورحب الخبيران بالإدانات الأخيرة التي صدرت بحق أفراد بسبب جرائم تتعلق بالرق وشددوا على أن وضع قانون محدد يجرم الرق بالنسب من شأنه أن يساعد في وضع حد للإفلات من العقاب، "ويسهل محاكمة الجناة ويزيد من حماية الضحايا".

وقال الخبيران: "يجب محاسبة أسياد العبيد على أفعالهم، وتعويض الضحايا، واستعادة حقوقهم وكرامتهم".

إرث العبودية في الولايات المتحدة

بدورهم سلّط خبراء من الأمم المتحدة متخصصون في موضوع العنصرية الضوء على الإرهاق الذي يشعر به أفراد مجتمع السود بسبب لون بشرتهم، في نهاية زيارة للولايات المتحدة حيث يتعين على السلطات معالجة إرث العبودية "على كل المستويات".

وشُكِّل فريق الخبراء المستقلين التابع للأمم المتحدة بعد مقتل جورج فلويد، وهو رجل أسود، في العام 2020 خنقا بعدما ثبته شرطي أبيض في مينيسوتا على الأرض.

على مدى 12 يوما، التقى الخبراء ضحايا وشخصيات من المجتمع المدني والسلطة القضائية ونقابات شرطة ومسؤولين فدراليين ومحليين في واشنطن وأتلانتا ولوس أنجليس وشيكاغو ومينيابوليس ونيويورك.

وقالت تريسي كيسي، إحدى أعضاء الفريق، في مؤتمر صحافي "في الولايات المتحدة، تعود مسألة عدم المساواة العرقية إلى نشأة هذا البلد. ولن تكون هناك حلول سريعة".

وأضافت أن الشروط تدعو إلى "إصلاح شامل وقيادة قوية على كل المستويات" للتعامل مع "الإرث المترسّخ بعمق" في الحياة اليومية للسكان المتحدّرين من أصول إفريقية.

وأوضحت "حتى يومنا هذا، يظهر التمييز العنصري خلال المواجهات الأولى مع سلطات إنفاذ القانون والاحتجازات وإصدار الأحكام والحرمان من الحقوق".

وأضاءت المقابلات التي أجراها الفريق على "الإرهاق الذي يشعر به الأشخاص السود في الحياة اليومية كونهم سودا".

ويعرف هذا الفريق بـ"الآلية الدولية للخبراء المستقلين المعنية بالنهوض بالعدالة والمساواة العرقيتين في سياق إنفاذ القانون".

وفي حين سيُصدر الفريق تقريرا أكثر تعمقا، أشاد الخبراء في بيان أولي "بمختلف المبادرات الواعدة التي وضعتها السلطات لمكافحة التمييز العنصري".

الاستعباد الحديث في البرازيل

من جهتها تمكّنت الشرطة في البرازيل من تحرير 207 أشخاص يعملون في جمع العنب في بينتو غونسالفيس (جنوب) حيث كانوا يتعرّضون لصدمات كهربائية وضرب وتهديدات بالقتل، في أحدث فضيحة عمل أشبه بالسخرة تهزّ البلد الأميركي اللاتيني.

ويقول نائب مدير التنسيقية الوطنية للقضاء على السخرة المحامي إيتالفار مدينا لوكالة فرانس برس "يزداد عدد الأشخاص العاملين في ظروف شبيهة بالعبودية".

تضاعف عدد الأشخاص المحررين من نير أرباب عمل مجرمين خلال عامَين، وارتفع من 936 شخصًا في العام 2020 إلى 2075 في العام 2022، وفق بيانات تفتيش العمل الرسمية.

وبدأ العام 2023 بتحرير 207 أشخاص في بينتو غونسالفيس خلال عملية أمنية نُفّذت بعدما نددت مجموعة فارّين بظروف العمل المهينة هناك.

وتشير وزارة العمل إلى أن جامعي العنب وُظّفوا على بُعد ثلاثة آلاف كيلومترات من بينتو غونسالفيس، في ولاية باهيا، من قبل شركة توفّر يدًا عاملة لثلاث شركات كبيرة لإنتاج النبيذ في منطقة بينتو غونسالفيس التي تشتهر بنبيذها الفوار المباع في جميع أنحاء البرازيل كما في الخارج.

وأفادت شهادات مروّعة نشرتها الوزارة ووسائل إعلام محلية بأن عمال جمع العنب تعرضوا لصدمات كهربائية لإيقاظ العمال عند الفجر ولضربات بهراوات أو بأعواد مكانس ولتهديدات بالقتل من خلال القول لهم "المواطن من ولاية باهيا الجيّد هو المواطن الميت".

وكانوا يتكدّسون في مستودع وكان الطعام الذي كانوا يقدمونه لهم في الكروم غير صالح للأكل لأنه يتعرض لأشعة الشمس لساعات.

لذلك، إذا أرادوا مزيدًا من الطعام، كان عليهم شراؤه في الموقع بأسعار باهظة جدًا، بحيث وقعوا في ديون لدرجة أنهم لم يتلقوا أجورهم ومُنعوا من العودة إلى ديارهم.

لكن الشركات الثلاث قالت إنها ترفض بشكل قاطع العمل في ظروف شبيهة بالاستعباد، ألقت باللوم على الشركات الموظّفة لليد العاملة.

ويؤكّد أندري توماس أوس-إمير من مفوضية الرعية للأرض، وهي جمعية كاثوليكية تدافع عن العمال الريفيين، "هذه ليست حالة منفردة، وهي نتيجة لنموذج اقتصادي قاتل".

ويضيف الناشط المقيم في جنوب البرازيل "تلجأ العديد من الشركات الكبيرة في قطاع الأغذية الزراعية إلى مورّدي يد عاملة لاستغلال أراضٍ تزداد توسّعًا (...) ونجد أنفسنا أمام حالات استعباد" حديثة.

ويعتبر منسّق مجموعة مكافحة العمل الشبيه بالسخرة في وزارة العمل البرازيلية ماوريسيو كريبسكي أن قضية جامعي العنب في بينتو غونسالفيس "تدقّ ناقوس الخطر".

ويقول "هذا يُظهر أن هذه الانتهاكات يمكن أن تحدث في جميع القطاعات، حتى في القطاعات تلك التي لم تكن فيها مثل هذه الحالات الخطيرة في الماضي".

وشهد العام 2023 أيضًا قضية أقّل شهرة عبر وسائل الإعلام تتعلّق بـ139 شخصًا يعملون في مصنع معالجة قصب السكر في ولاية غوياس (الوسط الغربي).

ويستهدف الاستعباد الحديث في البرازيل الأنشطة الزراعية، خصوصًا تلك المتعلقة بقصب السكر والبنّ، لكن رُصدت أيضًا حالات استعباد في أماكن حضرية في مجالَي صنع الملابس والبناء.

ويرى ماوريسيو كريبسكي أن هذه المشكلة مرتبطة بشكل وثيق بـ"عنصرية بنيوية"، إذ إن أغلبية العاملين المعنيين هم من السود في آخر دولة في القارة الأميركية ألغت العبودية في العام 1888.

ويضيف "لا يفعل أصحاب العمل ذلك فقط من أجل زيادة أرباحهم، بل أيضًا لأنهم يعتقدون فعلًا أن هؤلاء الأشخاص يمكن معاملتهم كعمّال من الدرجة الثانية بسبب لون بشرتهم".

ويعتبر أن في البرازيل "ثقافة التقليل من قيمة" يد العاملة غير المؤهلة.

ويقول المحامي "بمجرّد إبعادهم عن نيّر أصحاب العمل، يجب متابعتهم، بما في ذلك نفسيًا، لمساعدتهم على إعادة الاندماج في سوق العمل القانوني ومنع استغلالهم مرة أخرى".

لكن السلطات المختصة تفتقر بشدة إلى الموارد الضرورية، خصوصًا أن الامتحان الأخير الذي أُجري لتعيين مفتشي العمل يعود إلى العام 2013.

ويتابع كريبسكي "هناك أقل من ألفَي مفتش في بلد يبلغ عدد سكانه 215 مليون نسمة، وهو عدد قليل جدًا، ومن المحتمل تمامًا أن ينغمس بعض أصحاب العمل في هذه الممارسات إذ يعتبرون أنهم سيفلتون من العقاب".

بدوره وقّع الرئيس البرازيلي لويس إيناسيو لولا دا سيلفا الثلاثاء مرسوماً خصّص بموجبه 30% على الأقلّ من المناصب العليا في الإدارات العامة في البلاد للسود والخلاسيين.

وقال الرئيس اليساري في خطاب ألقاه في برازيليا حيث وقّع المرسوم إنّ "العنصرية هي أصل كلّ أوجه عدم المساواة، لهذا السبب علينا أن نحاربها كما نحارب الحشرات الضارّة في المزارع".

وشاركت في الحفل وزيرة المساواة العرقية أنييل فرانكو التي تعتبر رمزاً لمكافحة العنصرية وعنف الشرطة في البلاد.

وأوضحت الحكومة في مذكّرة أنّه بهدف "تشجيع وجود السود في مناصب صنع القرار والإدارة" فإنّ المرسوم ينصّ على وجوب تخصيص 30% من هذه المناصب في الإدارات العامة لهم.

وبحسب المذكّرة فإنّ هذا الهدف ينبغي تحقيقه بحلول نهاية عام 2025.

ولولا الذي بدأ في الأول من كانون الثاني/يناير ولاية رئاسية ثالثة بعد ولايتين أوليين متتاليتين (من 2003 ولغاية 2010)، تعهّد أن تعكس حكومته "وجه المجتمع البرازيلي"، في بلد يبلغ عدد سكّانه 213 مليون نسمة غالبيتهم من السود والخلاسيين.

وشدّد الرئيس البرازيلي على أنّه من دون القضاء على التمييز العنصري والجندري "لن تكون هناك ديموقراطية".

والبرازيل هي آخر دولة في القارة الأميركية ألغت العبودية وذلك في عام 1888.

كذلك فإن هذا البلد يضمّ أكبر عدد من السكان السود خارج إفريقيا.

لكنّ آفة العنصرية متجذّرة في هذا البلد، فقد أظهرت دراسة أجريت في 2021 أنّ أقلّ من 5% من المديرين التنفيذيين في أكبر 500 شركة برازيلية هم من السود أو يتحدّرون من إحدى الأقليّات.

اضف تعليق