q
تتراكم النفايات الرقمية على الأقل بصيغتها المادية شيئاً فشيئاً مع تزايد استهلاك المنتجات الالكترونية بمختلف مناحي الحياة وتعدد استعمالات تلك البضائع والأجهزة التي رافقت الانسان في العراق والعالم في كل الأوقات، وما يمكن تشخيصه بسهولة ان دول العالم المتقدمة جعلت من العراق وبعض الدول المتخلفة مكب لنفاياتها الرقمية...

النفايات الرقمية مصطلح ليس بجديد على المجتمع الإنساني بيد ان مخاطرها وتراكماتها تسبب أرقاً للجميع في المجتمع المعاصر، إذ تحمل هذه المخلفات معنيين الأول مادي يتمثل في البضائع أو المنتجات التي لم تعد نافعة وغير قادرة على القيام بمهامها بكفاءة فيتم التخلص منها، والأمثلة على ما تقدم كثيرة كأجهزة الهواتف النقال وأجهزة الكمبيوتر أو التلفاز وحتى البطاريات الجافة والسائلة التي تحتوي على مواد خطيرة وغير صديقة للبيئة، والمعنى الأخر غير مادي يتمثل بالبرامج والملفات والبيانات التي تم جمعها مسبقاً بصيغة الكترونية ولم تعد تشكل حاجة حقيقية.

والواضح ان المخاطر المتقدمة تتصاعد يومياً وبشكل ملفت لاسيما في العراق إذ تتراكم النفايات الرقمية على الأقل بصيغتها المادية شيئاً فشيئاً مع تزايد استهلاك المنتجات الالكترونية بمختلف مناحي الحياة وتعدد استعمالات تلك البضائع والأجهزة التي رافقت الانسان في العراق والعالم في كل الأوقات، وما يمكن تشخيصه بسهولة ان دول العالم المتقدمة جعلت من العراق وبعض الدول المتخلفة مكب لنفاياتها الرقمية فالملاحظ ان سوق البضائع المستعملة في العراق رائج جداً ويومياً يتم استيراد الملايين من الأجهزة الخاصة بالاتصالات أو الكمبيوترات الخردة والتي يتم بيعها بكثرة لمختلف فئات الشعب العراقي.

والخطر متأتي من طريقة التخلص من تلك النفايات بعد ان تستهلك بشكل كامل إذ انها ترمى مع بقية المخلفات البشرية دون ان تمتلك الحكومة ووزارة البلديات والأشغال العامة أدنى فكرة عن مخاطرها الآنية والمستقبلية على الانسان والبيئة، بل لا توجد ولو فكرة لتبني سياسة إعادة التدوير أو التخلص الآمن من هذه المنتجات أو على الأقل منع استيراد الخردة الالكترونية والاقتصار على البضائع الجديدة ومن مناشيء معروفة تضع بشكل واضح تعليمات التخلص الأمن منها بعد استهلاكها.

والواضح ان هذه النفايات توضع في أكياس النفايات لينتهي المطاف بها في المطامر والمكبات التي يعيش على فتاتها الكثير من العراقيين وللأسف هم منسيون من قبل الجميع وهؤلاء سيتعرضون لمخاطر مضاعفة بسبب هذا النوع من المخاطر، أضف لما تقدم تتعرض جل النفايات في العراق للحرق في المكبات ما يعني انبعاث غازات سامة من هذه الأجهزة والبضائع التي تتضمن في مكوناتها مواد خطيرة كالزئبق الأحمر، لذا تصنف هذه النفايات على أنها سامة وينبغي التعامل معها بحذر وان اتلافها بطريقة غير احترافية من شأنه ان يعزز فرص إصابة الانسان بأمراض خطيرة كسرطان الجلد والدم والرئة ومن شأنها ان تلحق أشد الضرر بالجهاز المناعي للإنسان، وبحسب منظمة الصحة العالمية ان لها دور وأثر سلبي على نمو جسم الأطفال.

وتتزايد المخاطر المتقدمة على فئتي النساء والأطفال اللذان يعملان في جمع القمامة أو يعيشون بالقرب من مكباتها، إذ يتعرض هؤلاء لمخاطر استنشاق الرصاص المنبعث من هذه الأشياء القديمة والزئبق فتؤثر على اعضائهم وبخاصة النساء الحوامل إذ تتزايد فرص الإجهاض أو الولادات المشوهة واصابة الجنين بنقص في الوزن أو الطول عن المعدلات الطبيعية واصابتهم باضطرابات سلوكية أو ذهنية خطيرة تؤثر على حياتهم مستقبلاً، بل قد تخلف لديهم أمراضاً تنفسية معينة أو تلفاً في الحمض النووي أو الخلل في وظائف الغدة الدرقية حسبما انتهى إليه تقرير أعدته جامعة الأمم المتحدة (unu) وبينت الدراسة أخرى ان نمو هذه النفايات أكبر بثلاث مرات من معدلات النمو السكاني العالمي، وبالوقت عينه تمثل هذه النفايات فرصة لإعادة التدوير والحصول على مواد أولية كالذهب والنحاس والالمنيوم وغيرها بكميات كبيرة ولذا ستسد جانب كبير من تكلفة إعادة التدوير.

ولما تقدم نسجل ان الحكومة العراقية التي الزمها الدستور العراقي بضرورة حماية وتحسين البيئة ينسب إليها قصور كبير في أداء واجبها الذي تحدد بموجب المادة (33) من دستور العراق 2005 والتي ورد فيها "أولاً: لكل فرد حق العيش في ظروف بيئية سليمة، ثانياً تكفل الدولة حماية البيئة والتنوع الاحيائي والحفاظ عليها"، كما ان قانون حماية وتحسين البيئة العراقي رقم (27) لسنة 2009 الزم الحكومة العراقية في المادة الأولى التي بينت أهداف القانون بجملة من الواجبات التي من شأنها القضاء على مصادر الخطر أياً كان حيث تنص على أنه "يهدف القانون إلى حماية وتحسين البيئة من خلال إزالة ومعالجة الضرر الموجود فيها أو الذي يطرأ عليها والحفاظ على الصحة العامة والموارد الطبيعية والتنوع الإحيائي والتراث الثقافي والطبيعي بالتعاون مع الجهات المختصة بما يضمن التنمية المستدامة وتحقيق التعاون الدولي والإقليمي في هذا المجال" وبينت المادة الثانية من القانون تعريف النفايات الخطرة بالقول "حادي عشر- النفايات الخطرة: النفايات التي تسبب أو يحتمل أن تسبب نتيجة لمحتوياتها من المواد ضرراً خطيراً للإنسان أو البيئة" وأشارت اتفاقية الأمم المتحدة الخاصة بحقوق الطفل لعام 1989 التي صادق عليها العراق العام 1994 بالقانون رقم (3) في المادة(24) إلى "1- تعترف الدول الأطراف بحق الطفل في التمتع بأعلى مستوى صحي يمكن بلوغه وبحقه في مرافق علاج الأمراض وإعادة التأهيل الصحي.

وتبذل الدول الأطراف قصارى جهدها لتضمن ألا يحرم أي طفل من حقه في الحصول على خدمات الرعاية الصحية هذه.

2- تتابع الدول الأطراف إعمال هذا الحق وتتخذ، بوجه خاص، التدابير المناسبة من أجل:

(أ) خفض وفيات الرضع والأطفال.

(ب) توفير المساعدة الطبية والرعاية الصحية اللازمتين لجميع الأطفال مع التشديد على تطوير الرعاية الصحية الأولية.

(ج) مكافحة الأمراض وسوء التغذية حتى في إطار الرعاية الصحية الأولية، عن طريق أمور منها تطبيق التكنولوجيا المتاحة بسهولة وعن طريق توفير الأغذية المغذية الكافية ومياه الشرب النقية، آخذة في اعتبارها أخطار تلوث البيئة ومخاطره.

(د) الرعاية الصحية المناسبة للأمهات قبل الولاة وبعدها.

(ه) تزويد جميع قطاعات، ...، ومبادئ حفظ الصحة والإصحاح البيئي، والوقاية من الحوادث.

(و) تطوير الرعاية الصحية الوقائية والإرشاد المقدم للوالدين، والتعليم والخدمات المتعلقة بتنظيم الأسرة." كما أشارت اتفاقية بازل بشأن التحكم في نقل النفايات الخطرة والتخلص منها عبر الحدود للعام 1989 والتي جاءت كرد فعل لنقل الملايين من أطنان النفايات إلى بعض البلدان الفقيرة والمتخلفة من الدول الصناعية والغنية بغية التخلص منها فورد في مادتها العاشرة أنه "التعاون الدولي:

1- تتعاون الأطراف بعضها مع بعض من أجل تحسين الإدارة السليمة بيئياً للنفايات الخطرة وغيرها من نفايات وتحقيقها، وتحقيقاً لهذه الغاية، على الأطراف أن:

(أ) تتيح المعلومات، عند الطلب، سواء على أساس ثنائي أو متعدد الأطراف، بغرض النهوض بالإدارة السليمة بيئياً للنفايات الخطرة والنفايات الأخرى، بما في ذلك إضفاء الاتساق على المعايير والممارسات التقنية المستخدمة في الإدارة الكفوءة للنفايات الخطرة والنفايات الأخرى.

(ب) تتعاون في رصد آثار إدارة النفايات الخطرة على الصحة البشرية والبيئية"

لذا فلابد من التذكير ان العراق قد يغرق بعد مدة وجيزة ببحر من النفايات الرقمية التي تشكل خطورة على البيئة والانسان ونرى ان هنالك جملة من الخطوات اللازمة نقترح بعضها على صانع القرار في العراق وكالاتي:

1- انشاء مصانع خاصة تتبع وزارة البيئة العراقية وتدار بالتنسيق مع وزارات الدولة ذات العلاقة كوزارة الصحة والصناعة والبلديات والأشغال العامة، لتقوم بعملية التدوير بشكل احترافي أو على الأقل لتقوم بعملية التخلص من النفايات الرقمية بشكل أمن.

2- رفع الوعي المجتمعي والفردي في العراق للمخاطر التي تتسبب بها هذه النفايات، ليتم التعاون من قبل الأفراد والشركات والمؤسسات العامة والخاصة بعملية جمع هذه النفايات ونقلها إلى الأماكن المعدة لتخزينها تمهيداً للتصرف بها.

3- منع استيراد البضائع الالكترونية المستعملة وتحت أي مسمى كان ولأي ذريعة، والتأكد من الاستيراد الخاص ان يكون من مناشئ عالمية معروفة لمنع التحايل عبر ما يعرف بالتجديد (حيث توجد في بعض دول المنطقة ومنها الامارات معامل تقوم بتحسين مظهر الخردة الالكترونية ليعاد تسويقها عبر الأسواق العراقية ما يتضمن غشاً صناعياً ينبغي للحكومة العراقية ان تتصدى له، والأمر مرتبط بمجلس حماية المستهلك في العراق المؤسس بموجب المادة الرابعة من قانون حماية المستهلك العراقي رقم (1) لسنة 2010، إذ يقع على المجلس المذكور واجب منع مثل هذه الممارسات التي تستنزف أموال البسطاء من أفراد الشعب العراقي وتتسبب بالأذى المادي والمعنوي لهم.

4- قيام وزارة البلديات والأشغال العامة بنصب حاويات خاصة في الأسواق والأحياء السكنية لجمع هذا النوع من النفايات.

5- تولي شبكة الاعلام العراقي القيام بحملة إعلامية هادفة للتعريف بالمخاطر الشديدة التي تتهدد الشعب العراقي وتبين طرق الوقاية والمعالجة، والهدف من الحملة رفع مستوى الوعي الشعبي، ولتكون الحملة منتجة لابد من اسهام وزارتي التعليم العالي والبحث العلمي ووزارة التربية في الحملة عبر تشجيع الباحثين على كتابة الأبحاث العلمية التي تتناول الأسباب والمعالجات من جهة وكذا الأمر بتعريف الطلبة بتلك المخاطر من خلال برامج هادفة لرفع الوعي.

6- لابد من التشبيك من مؤسسات القطاع الخاص لغرض الاستفادة منها في التأسيس لمعامل المعالجة أولاً وكذا القيام بمشروعات مشتركة هدفها القضاء على مخاطر الظاهرة محل البحث.

7- ان تأخذ وزارات الدولة المعنية بالتدريب المهني دورها الرائد في تدريب فئات من المجتمع على كيفية التعامل مع هذه النفايات.

8- لابد لوزارات الدولة المختلفة ان تأخذ دورها الحقيقي لمواجهة المخاطر فعلى سبيل المثال وزارة العمل والشؤون الاجتماعية ان تقوم باحتضان الأطفال والنساء العاملين في جمع النفايات أو الاعتياش عليها بزجهم ببرامج من شأنها ان توفر لهم فرص عمل بعيداً عن مطامر النفايات وتوفر لهم العيش الكريم، كما ان وزارة الاعمار والإسكان مدعوة لتوفير بدائل للمناطق السكنية لاسيما العشوائية المشيدة بالقرب من تلك المطامر.

...........................................
** مركز آدم للدفاع عن الحقوق والحريات/2009-Ⓒ2022
هو أحد منظمات المجتمع المدني المستقلة غير الربحية مهمته الدفاع عن الحقوق والحريات في مختلف دول العالم، تحت شعار (ولقد كرمنا بني آدم) بغض النظر عن اللون أو الجنس أو الدين أو المذهب. ويسعى من أجل تحقيق هدفه الى نشر الوعي والثقافة الحقوقية في المجتمع وتقديم المشورة والدعم القانوني، والتشجيع على استعمال الحقوق والحريات بواسطة الطرق السلمية، كما يقوم برصد الانتهاكات والخروقات التي يتعرض لها الأشخاص والجماعات، ويدعو الحكومات ذات العلاقة إلى تطبيق معايير حقوق الإنسان في مختلف الاتجاهات...
http://ademrights.org
[email protected]
https://twitter.com/ademrights

اضف تعليق