الحق في المعارضة يقف في مقدمة الحقوق السياسية فليس بالضرورة ان يصل الجميع إلى السلطة، إلا أن الحق مكفول للجميع في التأثير بالسلطة العامة، فالمعارضة من الناحية العضوية أو الشكلية تعرف بأنها مجموعات سياسية منظمة أو قوى وهيئات تعبر عن آراء وتطلعات ومصالح فئات مجتمعية محددة، ومن جوانبها الموضوعية...
تعد الحقوق السياسية من طليعة الحقوق التي يتفانى الفرد في سبيلها لاسيما أولئك الأحرار ممن يتمتعون بالقدرة على التأثير في الوسط الذي يعيشون فيه، ولهذا كفل الدستور العراقي شأنه في ذلك شأن أغلب الدساتير واللوائح والإعلانات والمواثيق الدولية الحقوق السياسية للشعب العراقي وورد في المادة (20) منه النص على ((للمواطنين، رجالاً ونساءً حق المشاركة في الشؤون العامة، والتمتع بالحقوق السياسية بما فيها حق التصويت والانتخاب والترشيح)).
ومن نافلة القول ان الحق في المعارضة يقف في مقدمة الحقوق السياسية فليس بالضرورة ان يصل الجميع إلى السلطة، إلا أن الحق مكفول للجميع في التأثير بالسلطة العامة، فالمعارضة من الناحية العضوية أو الشكلية تعرف بأنها مجموعات سياسية منظمة أو قوى وهيئات تعبر عن آراء وتطلعات ومصالح فئات مجتمعية محددة، ومن جوانبها الموضوعية هي نشاط سياسي هادف إلى التغيير الإيجابي، ويفترض أن يكون لها أهداف ومشاريع وخطط تتباين جزئياً عن أهداف وخطط السلطة الحاكمة أو القوى القابضة على السلطة السياسية، نعم هي قد لا تمتلك الأدوات والوسائل ذاتها التي تمتلكها الحكومة والقوى المهيمنة داخل البرلمان بيد أن لها ذاتيتها المستقلة، وتمتلك بالعادة خططاً وبرامج وإستراتيجية بديلة.
ما تقدم ليس بالضرورة ان يكون موجها إلى عرقلة عمل الحكومة والبرلمان بل هو يستهدف بالدرجة الأساس التقييم والتقويم، بعبارة أخرى هي تستهدف تعزيز الإيجابيات والبناء عليها ومحاصرة السلبيات والحد من تأثيراتها بالطرق والأساليب السلمية، وبمعنى أشد وضوحاً لا يمكن الحديث عن الحق بالمعارضة إذا لم تتمتع بالنضج الذي يمكنها ان تطرح نفسها كبديل عن السلطة الفعلية.
وبالوقت الذي يتم الطلب إلى الحكومة ان تلاحق التطورات وتساير التغيرات اليومية في الحياة العامة وتكون على قدر المسؤولية في الاستجابة لكل الحالات الاعتيادية أو الطارئة، فان المعارضة ينبغي لها ذات الأمر لتكون موضوعية في طرحها وواقعية في عملها، فالأهداف العامة للمعارضة هي التصويب في المسارات العامة للسلطات، لهذا يعد مبدأ مواكبة التغييرات معياراً حاسماً في التأسيس لمعارضة بناءة تطرح الحلول وتقدم البديل، لا أن تكون معارضة سلبية همها المعارضة والاختلاف فحسب مع الحكومة لأغراض سياسية ومنافع حزبية ضيقة، لهذا ينبغي لها ان تمتلك رؤية سياسية واقتصادية واجتماعية وثقافية قابلة للتطبيق أولاً، ومواكبة للظروف العامة في البلد والمنطقة والعالم، ويمكن تحديد أهم مقومات عمل المعارضة في العراق وغيره من الدول بأن:
1- تقويم عمل السلطات العامة (التنفيذية، التشريعية) بدراسة خططها وبرامجها، وتقصي قراراتها وأعمالها، ومحاولة تحليل طريقة أدائها، ومن ثم تقييم ما تقدم بشكل موضوعي بعيداً عن الغايات السياسية الضيقة، ولا يستقيم ما تقدم ان لم تفتح المعارضة سبل التواصل الفاعل مع الجمهور ليس مع جمهورها فحسب بل مع جماهير السلطة الحاكمة، وكلما كان الخطاب موضوعياً بعيداً عن الشخصنة والمناكفات الفردية والغايات الحزبية كلما كان مؤثراً فبالنهاية الفرد يعدل في الكثير من الأحيان عن أرائه السياسية وقناعاته الشخصية ويسير باتجاه التصحيح عند وقوع الخطأ منه.
والدستور العراقي للعام 2005 يشير إلى هذه الحقيقة بصورة الضمانة اللازمة لأفراد الشعب العراقي بالمادة (39) والتي تنص على أنه ((لايجوز إجبار أحد على الانضمام إلى أي حزب أو جمعية أو جهة سياسية، أو إجباره على الاستمرار في العضوية فيها))، لذا يكون الطريق الأنسب للمعارضة الحقة هو السعي إلى تحشيد الرأي العام وتعبئته باتجاه مناصرة رؤية المعارضة حين تكون رؤية وطنية مبنية على أسس سليمة قوامها الشعور بالمسؤولية إزاء المصالح العليا للبلاد.
2- الرقابة على أداء الحكومات بمختلف مستوياتها الاتحادية والإقليمية والمحلية بما يجعلها تشعر بوجود الرقيب على أعمالها فيكون وسيلة ردع وتقويم والحيلولة دون الاستبداد بكل صوره ومستوياته صيانة للحقوق وصوناً للحريات.
3- تعزيز مبدأ المشروعية: فالمعارضة السياسية واحدة من أهم مقومات الحكم القائم على أساس الرشد الديمقراطي والحيلولة دون الركون إلى النزعات الديكتاتورية، أضف إلى ما تقدم أهمية المنهج المعارض في التأثير المباشر في المؤسسات العامة عبر الإسهام الحقيقي في صياغة القواعد القانونية في المؤسسة التشريعية وملاحقة تنفيذها من قبل الحكومة وتصويب الانحرافات التي ترافق عملية التنفيذ بالاستفادة من الآليات الديمقراطية، ومنها الحق في التقاضي.
فالواقع العملي يؤشر قيام بعض أطراف المعارضة السياسية في العراق بالطعن أمام المحكمة الاتحادية العليا بالكثير من القوانين والقرارات والسياسيات التي انحازت نحو المصالح غير الوطنية، نذكر منها قيام وزراء في الحكومة تحت تأثير الرأي العام المناهض بالطعن ضد قانون رقم (6) لسنة 2025 الذي قرر منح أعضاء مجلس النواب وذويهم جوازات سفر دبلوماسية ما أشر في حينها انحرافاً خطيراً في استعمال السلطة عن مقاصدها العامة باتجاه استغلالها لأغراض شخصية ضيقة فتصدت المحكمة الاتحادية لأمر بحزم وقررت عدم دستورية القانون.
4- الدفاع عن الحقوق والحريات العامة والخاصة: إذ تستهدف المعارضة بنشاطها كل تهديد من شأنه الحد من الحقوق أو الحريات أو تقييدها بلا مسوغ من القانون أو النظام العام، فعلى سبيل المثال ان الدستور العراقي للعام 2005 تضمن إشارة صريحة إلى ضمان الحريات بالنص في المادة (16) منه على أن ((لكل فرد الحق في الحياة والأمن والحرية، ولا يجوز الحرمان من هذه الحقوق أو تقييدها إلا وفقاً للقانون، وبناءً على قرار صادر من جهة قضائية مختصة))، بينما تشير المادة (46) إلى ((لايكون تقييد ممارسة أي من الحقوق والحريات الواردة في هذا الدستور أو تحديدها إلا بقانون أو بناء عليه، على ألا يمس ذلك التحديد والتقييد جوهر الحق أو الحرية)).
فقد يحصل ان تذهب الحكومة بعيداً في تقييد الحقوق والحريات استناداً لعموم نص المادة السادسة والأربعين التي خولتها التقييد بإجازة من المشرع، لاسيما وأن الكثير من القوانين اعتاد المشرع فيها على إيراد عبارة يصدر الوزير تعليمات تسهل تنفيذ هذا القانون بيد ان المعارضة هي الجهة القادرة على ان توقف زحف الجهات التنفيذية باتجاه الحقوق والحريات.
وللمعارضة العديد من التجليات على أرض الواقع فمنها المعارضة الفردية حين يكون لفرد أو مجموعة محددة من الأفراد حين يكون لهم رأي معارض للسلطة الحاكمة حيال أمر محدد أو بصورة عامة، بيد ان تأثير هذا النوع من المعارضة محدود وغالباً تكون مقدمة لتحالف أكبر مع جهات معارضة ومما يحد من تأثيرها إلى حد كبير ان كانت قائمة على أسس شخصية أو فئوية أو منحازة إلى قناعات دينية أو أيدلوجية يمينية أو يسارية أو غيرها.
وعلى الجانب الأخر تكون المعارضة الجماعية أكثر تأثيراً وبالخصوص ان كانت منظمة بشكل تحالف متماسك يرمي إلى تحقيق أهداف جماعية تتصل بالمصالح الوطنية العليا، وبالعادة تصنف المعارضة أيضا إلى المعارضة الطارئة التي تنشأ نتيجة الخسارة في الانتخابات فهي مرحلية ومؤقتة، وهنالك المعارضة الدائمة أو الإستراتيجية والتي تطرح قضايا جوهرية تغيرها يتطلب وقت وجهد وتنظيم وإستراتيجية معينة لتشكيل رأي عام مناهض.
فعلى سبيل المثال معارضة الأنظمة الملكية أو الدكتاتورية تحتاج إلى مدد طويلة من الزمن لتتمكن من التغيير البطيء، ولعل المعارضة المنظمة هي الأفضل والأقدر على التغيير العميق والاستراتيجي، كما تصنف المعارضة إلى مشروعة وهي التي تتشكل وفق الآليات القانونية وتنتهج السبيل السلمي والوسائل القانونية وصولاً إلى التغيير الذي ترمي إليه، وأفضل صورها المعارضة المشروعة الإيجابية التي لا تكتفي بالنقد أو التجريح بل تعمد إلى تقديم البدائل والحلول على المستوى القصير والمتوسط والطويل وهي بالغالب لا تلحق الضرر بالآخرين، وعلى النقيض منها تلك التي توصف بالمعارضة غير المشروعة والتي بالغالب تعبر عن رأيها بطريق المعارضة الدائمة لغرض العرقلة فحسب أو تتوسل بالوسائل العنيفة كالاستعانة بالسلاح أو تكوين الجماعات المسلحة المناوئة للحكومة، ويشار إلى أن المعارضة يمكن ان تنجح في مساعيها ان انتهجت بعضاً من الوسائل الآتية:
1- أن يكون لديها أهداف قابلة للتحقق حيث ينبغي لنجاح المعارضة ان تكون أهدافها قابلة للتحقق فينبغي ان تتصف الأهداف بالوضوح والتحديد والقابلية للقياس، كما ينبغي ان تكون الأهداف قابلة للتحديد الزمني بمعنى ان تكون محددة ضمن إطار معلوم.
2- تعبئة الموارد والإمكانيات من خلال التخطيط والتنظيم المحكم والاتصال الفاعل مع الجمهور وبقية مكونات المعارضة، كما ان الأمر يتطلب بعض الإمكانيات لا سيما وسائل إعلام وتواصل مع الجمهور لتكوين رأي عام مساند لتوجهات المعارضة.
3- البرامج والخطط والاستراتيجيات المحكمة فمن أهم وسائل نجاح المعارضة ان تملك وسائل تمكنها من النجاح تتمثل ببرامج سياسية واقتصادية واجتماعية وبدائل عما تطرحه الجهات القابضة على السلطة ولتتمكن من تسويق نتاجها ينبغي ان تمتاز برامجها بالعقلانية والتلاؤم مع الواقع.
4- النضج بالعمل الحزبي لنجاح المعارضة ينبغي ان تقدم المثال الأفضل في تبني المبدأ الديمقراطي والتداول السلمي للسلطة على مستوى القيادات الحزبية لتكون قدوة فيما تطرحه من أفكار لا أن تكون أسيرة الاستبداد الفردي أو الأسري كما هو الحال في أغلب الأحزاب العراقية والشرق أوسطية.
5- التركيز على استقلال القضاء فمن أهم ضمانات المعارضة الحرة المتمكنة القضاء الحر المستقل والقادر على ان يكون أداة توازن حقيقي بين القوى السياسية القابضة على السلطة وبين بقية الأطراف السياسية خارج الحكم، فمن شأن القضاء ان يفرض رقابته على الطرفين حتى يمنع استبداد السلطة من جهة أو انحراف المعارضة عن غاياتها الحقيقية، ومن هنا فنحن نحتاج إلى قضاء واعي لا سيما على مستوى المحكمة الاتحادية العليا وقادر على ان يستوعب التغيرات ومواكبة التطورات على المستويات كافة.
6- النظام الانتخابي: فمن شأن تبني نظام انتخابي ملائم للبلد ان يدعم المعارضة ويعزز قدرتها على التغيير الإيجابي.
..........................................
مركز آدم للدفاع عن الحقوق والحريات/2009-Ⓒ2025
هو أحد منظمات المجتمع المدني المستقلة غير الربحية مهمته الدفاع عن الحقوق والحريات في مختلف دول العالم، تحت شعار (ولقد كرمنا بني آدم) بغض النظر عن اللون أو الجنس أو الدين أو المذهب. ويسعى من أجل تحقيق هدفه الى نشر الوعي والثقافة الحقوقية في المجتمع وتقديم المشورة والدعم القانوني، والتشجيع على استعمال الحقوق والحريات بواسطة الطرق السلمية، كما يقوم برصد الانتهاكات والخروقات التي يتعرض لها الأشخاص والجماعات، ويدعو الحكومات ذات العلاقة إلى تطبيق معايير حقوق الإنسان في مختلف الاتجاهات...
http://ademrights.org
ademrights@gmail.com
https://twitter.com/ademrights



اضف تعليق