كثر استُخدم الاختفاء القسري كاستراتيجية لبث الرعب داخل المجتمع. فالشعور بانعدام الأمن الذي يتولد عن هذه الممارسة لا يقتصر على أقارب المختفي، بل يصيب أيضا مجموعاتهم السكانية المحلية ومجتمعهم ككل حتى أصبح الاختفاء القسري مشكلة عالمية ولم يعد حكرا على منطقة بعينها من العالم. فبعدما كانت...
في إستذكار للمنظمة الأممية لضحايا الإختفاء القسري اعتبر يوم 30 آب من كل عام يوماً عالمياً لضحايا هذا الإختفاء حيث تحث فيه المنظمة على إعتماد الأساليب القانونية الحديثة في الإحتجاز ودفع الحكومات الى معالجة ظاهرة الإختفاء القسري والبحث عنهم بصورة مستمرة أملاً في العثور عليهم ليمارسوا حياتهم بصورة طبيعية بعيداً عن ماتخلفه تلك الظاهرة البشعة من عواقب مؤلمة وخيمة على الأسر التي أبتليت بإختفاء معيلها أو أحد أفرادها قسراً وحتى يومنا هذا.
لقد أشارت المنظمة الى " كَثر استُخدم الاختفاء القسري كاستراتيجية لبث الرعب داخل المجتمع. فالشعور بانعدام الأمن الذي يتولد عن هذه الممارسة لا يقتصر على أقارب المختفي، بل يصيب أيضا مجموعاتهم السكانية المحلية ومجتمعهم ككل حتى أصبح الاختفاء القسري مشكلة عالمية ولم يعد حكرا على منطقة بعينها من العالم. فبعدما كانت هذه الظاهرة في وقت مضى نتاج دكتاتوريات عسكرية أساسا، يمكن اليوم أن يحدث الاختفاء القسري في ظروف معقدة لنزاع داخلي، أو يُستخدم بالأخص كوسيلة للضغط السياسي على الخصوم ".
ووفقا للإعلان المتعلق بحماية جميع الأشخاص من الاختفاء القسري، الذي اعتمدته الجمعية العامة في قرارها 133/47 المؤرخ 18 كانون الأول/ديسمبر 1992 بوصفه مجموعة مبادئ واجبة التطبيق على جميع الدول، فإن الاختفاء القسري يحدث عند: ‘‘القبض على الأشخاص واحتجازهم أو اختطافهم رغما عنهم أو حرمانهم من حريتهم على أي نحو آخر على أيدي موظفين من مختلف فروع الحكومة أو مستوياتها أو على أيدي مجموعة منظمة، أو أفراد عاديين يعملون باسم الحكومة أو بدعم منها، بصورة مباشرة أو غير مباشرة، أو برضاها أو بقبولها، ثم رفض الكشف عن مصير الأشخاص المعنيين أو عن أماكن وجودهم أو رفض الاعتراف بحرمانهم من حريتهم، مما يجرد هؤلاء الأشخاص من حماية القانون’’
ومما يثير القلق بوجه خاص: استمرار المضايقات التي يتعرض لها المدافعون عن حقوق الإنسان، وأقارب الضحايا، والشهود، والمحامون الذين يعنون بقضايا الاختفاء القسري؛ واستغلال الدول أنشطة مكافحة الإرهاب كذريعة لانتهاك التزاماتها؛ واستمرار مرتكبو أعمال الاختفاء القسري في الإفلات من العقاب على نطاق واسع.
واختفى مئات الآلاف في اثناء النزاعات أو فترات الاضطهاد في ما لا يقل عن 85 بلدا في كل أرجاء العالم.
يتأثر الضحايا، الذين كثيراً ما يتعرضون للتعذيب والخوف المستمر على حياتهم، ويتأثر أفراد أسرهم، الذين يجهلون مصير أحبابهم، وتتأرجح عواطفهم بين الأمل واليأس، فيترقبون في حيرة، طيلة سنوات أحياناً، وصول أخبار قد لا تأتي أبدا. ويدرك الضحايا جيداً أن أسرهم لا تعرف شيئا عما حل بهم، وأن فرص حضور من يمد لهم يد المساعدة ضئيلة. وقد أصبحوا في الحقيقية - بعد إقصائهم عن دائرة حماية القانون و "اختفائهم" من المجتمع - محرومين من جميع حقوقهم، وواقعين تحت رحمة آسريهم. وحتى إذا لم يكن الموت هو مآل الضحية، وأخلى سبيله من هذا الكابوس في نهاية المطاف، فإن الآثار الجسدية والنفسية لهذا الشكل من أشكال التجريد من الصفة الإنسانية، وللوحشية والتعذيب اللذين يقترنان به في كثير من الأحيان تظل حاضرة.
وتعاني أسر المختفين كما يعاني أصدقاؤهم من غم نفسي بطيء، لعدم علمهم إذا كان الشخص الضحية لا يزال على قيد الحياة، وإذا كان الأمر كذلك، فأين يحتجز، وما هي ظروف احتجازه، وما هي حالته الصحية. كما أنهم يدركون أنهم مهددون هم كذلك، وأنهم قد يلقون المصير نفسه، وأن البحث عن الحقيقة قد يعرضهم لمزيد من الأخطار.
وكثيراً ما تزداد محنة الأسرة من جراء العواقب المادية للاختفاء القسري. ذلك أن الشخص المختفي غالباً ما يكون هو العائل الرئيسي للأسرة. وقد يكون هو الفرد الوحيد في الأسرة الذي يستطيع زراعة الأرض أو إدارة المشروع التجاري للأسرة. وهكذا يتفاقم الاضطراب العاطفي باقترانه بالحرمان المادي الذي تشتد حدته في الأسرة نتيجة التكاليف الإضافية التي تتكبدها إذا قررت البحث عن فردها المختفي. وعلاوة على ذلك، فإن الأسرة لا تعلم إن كان محبوبها سيعود يوما، ولذلك فيمن الصعب عليها التكيف مع الوضع الجديد. وفي بعض الحالات، قد لا يسمح تشريع البلد للأسرة بتلقي معاش أو أية إعانات أخرى إن لم تقدم شهادة وفاة. فتكون النتيجة في أغلب الحالات أن تعيش الأسرة مهمّشة اقتصادياً واجتماعياً.
وتتحمل النساء في أغلب الأحيان وطأة الصعوبات الاقتصادية الخطيرة التي عادة ما تصاحب حالات الاختفاء. فالمرأة هي التي تتصدر الكفاح في معظم الأحيان لإيجاد حل لقضية اختفاء أفراد من أسرتها. وقد تتعرض المرأة، بقيامها بذلك، للمضايقات والاضطهاد والانتقام. وعندما تقع المرأة بنفسها ضحية الاختفاء، فإنها تصبح معرضة بشكل خاص للعنف الجنسي ولغيره من أشكال العنف.
تتأثر المجتمعات تأثيراً مباشراً من جراء اختفاء المعيل الوحيد للأسرة، بالإضافة إلى تأثرها من تدهور الوضع المالي للأسر وتهميشهم اجتماعياً.
يأتي الإفلات من العقاب ليضاعف قسوة المعاناة ولوعة الألم. ومن حق الأسر والمجتمعات، بموجب القانون الدولي لحقوق الإنسان، معرفة الحقيقة حول ما حدث.
الاختفاء القسري ليس جريمة من جرائم الماضي التي اختفت، فهو قضية قائمة حيث تمارسه الحكومات في كل بقاع العالم، وتتزايد ممارسته في العديد من البلدان. ولهذا السبب دشنت مفوضية حقوق الإنسان مبادرة في عام 2017 لمضاعفة عدد تصديقات الاتفاقية الدولية لحماية جميع الأشخاص من الاختفاء القسري بحلول عام 2022. ولم يزل هناك متسع من الوقت للمساعدة في ذلك السبيل!
الأمين العام يدعو الدول إلى الوفاء بالتزاماتها بمنع الاختفاء القسري
جدد الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش الدعوة إلى جميع الدول إلى التصديق على اتفاقية حماية جميع الأشخاص من الاختفاء القسري والعمل مع لجنة الأمم المتحدة وفريقها العامل المعنيين بحالات الاختفاء القسري.
وجاءت دعوة غوتيريش في رسالة بمناسبة اليوم الدولي لضحايا الاختفاء القسري، الذي تحييه الأمم المتحدة في 30 آب/أغسطس. وقال "معا، يمكننا ويجب علينا وضع حد لجميع حالات الاختفاء القسري."
وأكد أن الاختفاء القسري - رغم أنه محظور حظرا تاما بموجب القانون الدولي لحقوق الإنسان في جميع الظروف – إلا أنه لا يزال يُستخدم في جميع أنحاء العالم كوسيلة للقمع والترويع وخنق المعارضة. وأضاف: "ومن المفارقات أنه يستخدم أحيانا بذريعة مكافحة الجريمة أو الإرهاب."
لقد أصبح الاختفاء القسري مشكلة عالمية ولم يعد حكراً على منطقة بعينها من العالم. فبعدما كانت هذه الظاهرة في وقت مضى نتاج دكتاتوريات عسكرية أساساً، يمكن اليوم أن يحدث الاختفاء القسري في ظروف معقدة لنزاع داخلي، أو يُستخدم بالأخص وسيلة للضغط السياسي على الخصوم.
وقال الأمين العام إن المحامين والشهود والمعارضة السياسية والمدافعين عن حقوق الإنسان هم من يتعرضون، بشكل خاص، لخطر هذا الاختفاء.
وكثيراً ما استُخدم الاختفاء القسري كاستراتيجية لبث الرعب داخل المجتمع. فالشعور بانعدام الأمن الذي يتولد عن هذه الممارسة لا يقتصر على أقارب المختفي، بل يصيب أيضا مجموعاتهم السكانية المحلية ومجتمعهم ككل.
وأشار السيد أنطونيو إلى أن الاختفاء القسري يحرم الأسر والأهالي من الحق في معرفة الحقيقة عن أحبائهم، ومن المساءلة والعدالة والجبر، مشيرا إلى أن جائحة كوفيد-19 زادت من ألم ولَوعة الاختفاء القسري، "لأنها حدَّت من القدرات المستخدمة في البحث عن المفقودين وفي التحقيق فيما يدَّعى من تلك الحالات."
وإذا كانت اتفاقية حماية جميع الأشخاص من الاختفاء القسري لا غنى عنها في المساعدة على التصدي لهذه الممارسة الجبانة، فإنها تتطلب أيضا إرادة والتزاما من جانب أولئك الذين لديهم القدرة على التصدي لها، وفقا للأمين العام.
ودعا الدول إلى أهمية الوفاء بالتزاماتها بمنع الاختفاء القسري، والبحث عن الضحايا، والتحقيق مع مرتكبي هذه الأفعال ومقاضاتهم ومعاقبتهم.
ونص كل من نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية، والاتفاقية الدولية لحماية الأشخاص من الاختفاء القسري، على أن الاختفاء القسري يوصف بجريمة ضد الإنسانية عندما يُرتكب ضمن هجوم واسع النطاق أو منهجي على أي مجموعة من السكان المدنيين، ولا يخضع بالتالي لقانون التقادم. وفضلا عن ذلك، فإن لأسر الضحايا الحق في طلب التعويض، والمطالبة بمعرفة الحقيقة فيما يتصل باختفاء أحبائهم.
لقد أصبح الاختفاء القسري مشكلة عالمية ولم يعد حكرا على منطقة بعينها من العالم.
فبعدما كانت هذه الظاهرة في وقت مضى نتاج دكتاتوريات عسكرية أساساً، يمكن اليوم أن يحدث الاختفاء القسري في ظروف معقدة لنزاع داخلي، أو يُستخدم بالأخص وسيلة للضغط السياسي على الخصوم، وفقا للأمين العام للأمم المتحدة.
ومما يثير القلق، بوجه خاص، استمرار المضايقات التي يتعرض لها المدافعون عن حقوق الإنسان، وأقارب الضحايا، والشهود، والمحامون الذين يعنون بقضايا الاختفاء القسري؛ واستغلال الدول أنشطة مكافحة الإرهاب كذريعة لانتهاك التزاماتها؛ واستمرار مرتكبو أعمال الاختفاء القسري في الإفلات من العقاب على نطاق واسع.
وقال السيد غوتيريش إن لجنة الأمم المتحدة وفريقها العامل المعنيان بحالات الاختفاء القسري قد حددت اتجاهات إضافية مثيرة للقلق، بما في ذلك ارتكاب أعمال انتقامية ضد أقارب الضحايا وناشطي المجتمع المدني، كثيرا ما تكون بذريعة حفظ الأمن ومكافحة الإرهاب. وللاختفاء القسري أيضا عواقب جنسانية تؤثر بشكل خاص على النساء وأفراد مجتمع الميم.
ومما يثير القلق أيضا استخدام الدول للاختفاء القسري في أنشطة مكافحة الإرهاب كذريعة لخرق التزاماتها إلى جانب الإعفاء الواسع من العقوبة على الجريمة.
وقال الأمين العام إن الإفلات من العقاب يأتي ليضاعف قسوة المعاناة ولوعة الألم وإن من حق الأسر والمجتمعات، بموجب القانون الدولي لحقوق الإنسان، معرفة الحقيقة حول ما حدث. وأدعو الدول الأعضاء إلى الوفاء بهذه المسؤولية.
ويقول تقرير لمنظمة العفو الدولية انه عندما لا يتم التحقيق بشكل صحيح في التهديدات والاعتداءات، وإنزال العقوبات المتعلقة بذلك، تكون النتيجة خلق مناخ الإفلات من العقاب الذي يتيح التملص من حكم القانون، ويبعث برسالة مفادها بأن المدافعين عن حقوق الإنسان يمكن الاعتداء عليهم دون عواقب.
وحثت منظمة العفو الدولية جميع الأطراف على إعطاء الأولوية للاعتراف بالمدافعين عن حقوق الإنسان وحمايتهم. ويجب على السلطات أن تدعم علانية عملهم، وتعترف بمساهماتهم في تشجيع ثقافة حقوق الإنسان. كما يجب أن تتخذ كل الإجراءات الضرورية لمنع مزيد من الاعتداءات عليهم، وجلب أولئك المسؤولين عن الهجمات إلى العدالة من خلال التحقيق بشكل فعال في أعمال القتل، ومقاضاة المتورطين فيها وفي الاختفاءات القسرية.
والأهم من ذلك، ينبغي على الحكومات أن تبعث برسائل عامة واضحة مفادها بأنه لن يتم التساهل مع هذه الانتهاكات.
اضف تعليق