q
دعت منظمة التعاون الإسلامي، لاعتماد يوم 15 مارس من كل عام يوماً دولياً لمكافحة الإسلاموفوبيا من أجل تعزيز الوعي العالمي بهذه الظاهرة لاحتوائها ومواجهة ما يستهدف المسلمين من كراهية وتمييز. واعتبار الإسلاموفوبيا، شكلاً معاصراً من أشكال العنصرية والتمييز الديني، ما انفكت تتنامى في أنحاء كثيرة من العالم...

أخذ منحى ظاهرة الإسلاموفوبيا في التصاعد، ليس فقط في الدول الغربية وإنما أيضا إلى حد كبير في العديد من أنحاء العالم. وقد جرى تحديد عدد من العوامل بوصفها المساهم الرئيسي في هذا الاتجاه المقلق ومنها تزايد أيدولوجيات اليمين المتطرف، وأزمات اللاجئين، والهجرة، والتصورات السلبية بين أتباع الديانات المختلفة، والخطاب الاستفزازي من قبل بعض وسائل الإعلام، يقابل كل ذلك خطاب متطرف وسلوكيات عنيفة من قبل بعض الجماعات الإسلامية المتطرفة أدت إلى ارتكاب جرائم بشعة باسم الإسلام، مما جعل ظاهرتي الإرهاب والتطرف من جانب، والإسلاموفوبيا من جانب آخر تتغذيان من بعضهما البعض.

وبمناسبة الذكرى السنوية الثانية للهجوم الإرهابي الذي وقع يوم 15 مارس 2019 في مدينة كرايستشيرش بنيوزيلندا والذي أودى بحياة 51 من المصلين المسلمين الأبرياء، دعت منظمة التعاون الإسلامي، لاعتماد يوم 15 مارس من كل عام يوماً دولياً لمكافحة الإسلاموفوبيا من أجل تعزيز الوعي العالمي بهذه الظاهرة لاحتوائها ومواجهة ما يستهدف المسلمين من كراهية وتمييز. واعتبار الإسلاموفوبيا، شكلاً معاصراً من أشكال العنصرية والتمييز الديني، ما انفكت تتنامى في أنحاء كثيرة من العالم.

من جهته شارك أمين عام الأمم المتحدة، عبر رسالة مصورة، في فعالية عقدتها منظمة التعاون الإسلامي بمناسبة اليوم الدولي لمكافحة الإسلاموفوبيا، دعا خلالها إلى مواصلة السعي لتحقيق العدالة "لأخواتنا وإخواننا المسلمين وللبشرية جمعاء".

وشكر الأمين العام أنطونيو غوتيريش المنظمة على تركيز الاهتمام على التحدي الدولي المتمثل في الإسلاموفوبيا وكراهية المسلمين والتمييز ضدهم. وأشار، في رسالته، إلى تقرير قُدم إلى مجلس حقوق الإنسان قبل أيام حول تصاعد الشكوك والتمييز والكراهية ضد المسلمين ووصولها إلى "أبعاد وبائية".

وأشار الأمين العام إلى أن التقرير يتضمن أمثلة على ذلك التمييز منها قيود تحد من قدرة المسلمين على إظهار معتقداتهم، والإقصاء الاجتماعي والاقتصادي والوصم المستشري للمجتمعات المسلمة في بعض المناطق. وأشار التقرير إلى التمييز الثلاثي الذي تواجهه المسلمات بسبب الجنس والعرق والمعتقد.

وقال الأمين العام إن الصور النمطية غالبا ما تتفاقم بسبب محتويات إعلامية وفي بعض الأحيان بسبب أشخاص يتولون مناصب في دوائر السلطة.

وذكر أنطونيو غوتيريش أن كراهية المسلمين تصاحب توجهات مقلقة أخرى بأنحاء العالم منها عودة ظهور العنصرية القومية والنازيين الجدد، والوصم وخطاب الكراهية ضد جماعات مستضعفة منهم مسلمون ويهود وأقليات مسيحية وغيرهم.

وأكد الأمين العام أن التمييز يضعف الجميع ويمنع الناس والمجتمعات من تحقيق كامل إمكاناتهم. وشدد على ضرورة التركيز على حقوق الأقليات التي تعيش معظمها تحت التهديد في أنحاء العالم.

وقال إن الأقليات جزء من ثراء الثقافات والنسيج الاجتماعي، ولكنه أضاف أن هناك أشكالا من التمييز ضدها وسياسات تسعى لمحو هوياتها الثقافية والدينية. وشدد على ضرورة السعي لوضع سياسات تحترم بشكل كامل حقوق الإنسان والهوية الدينية والثقافية والإنسانية الفريدة.

وأضاف الأمين العام "كما يذكرنا القرآن الكريم: ’وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا‘. التنوع ثراء وليس تهديدا. وفيما نتوجه نحو مجتمعات أكثر تنوعا في العرق والدين، نحتاج إلى استثمارات سياسية وثقافية واقتصادية لتعزيز التماسك الاجتماعي والتصدي للكراهية. لكل هذه الأسباب تعد محاربة التمييز والعنصرية وكراهية الأجانب أولوية لدى الأمم المتحدة".

ولهذه الأسباب أيضا أُطلقت أول استراتيجية أممية من نوعها حول خطاب الكراهية وخطة عمل حماية المواقع الدينية. وأكد الأمين العام الدعم الكامل للعمل المهم الهادف إلى تعزيز الانسجام بين الأديان مثل وثيقة الأخوة الإنسانية التي وضعها قداسة البابا فرنسيس وفضيلة الإمام الأكبر شيخ الأزهر الدكتور أحمد الطيب.

ودعا الأمين العام إلى مواصلة العمل المشترك للنهوض بالقيم المشتركة المتمثلة في الشمول والتسامح والتفاهم المتبادل، وهي قيم في جوهر جميع الأديان الرئيسية ومـيثاق الأمم المتحدة.

وقال الأمين العام أنطونيو غوتيريش إن "خطاب الكراهية هو بحد ذاته هجوم على التسامح والإدماج والتنوع وجوهر معايير ومبادئ حقوقنا الإنسانية. على نطاق أوسع، إنه يقوض التماسك الاجتماعي والقيم المشتركة، ويمكن أن يرسي الأساس للعنف، معيقا بذلك قضية السلام والاستقرار والتنمية المستدامة وكفالة حقوق الإنسان للجميع".

الكراهية ضد المسلمين ترتفع إلى أبعاد وبائية

في أعقاب هجمات الحادي عشر من أيلول/سبتمبر الإرهابية وغيرها من الأعمال الإرهابية المروعة التي يُزعم أنها نُفِّذت باسم الإسلام، تصاعدت الشكوك المؤسسية بشأن المسلمين وأولئك الذين يُنظر إليهم على أنهم مسلمون إلى "أبعاد وبائية"، حسبما قال خبير في الأمم المتحدة لمجلس حقوق الإنسان اليوم.

وفي كلمته، قال المقرر الخاص للأمم المتحدة المعني بحرية الدين أو المعتقد، أحمد شهيد، إن العديد من الدول - إلى جانب الهيئات الإقليمية والدولية - استجابت للتهديدات الأمنية عن طريق تبني تدابير استهدفت المسلمين بشكل غير متناسب وعرّفتهم على أنهم شديدو الخطورة وبأنهم معرضون لخطر الانحراف نحو التطرف.

وقال أحمد شهيد: "الإسلاموفوبيا تبني هياكل خيالية حول المسلمين تُستخدم لتبرير التمييز الذي ترعاه الدولة والعداء والعنف ضد المسلمين، مع ما يترتب على ذلك من عواقب وخيمة بالنسبة للتمتع بحقوق الإنسان بما في ذلك حرية الدين أو المعتقد".

في تقرير لمجلس حقوق الإنسان قال شهيد إن التمثيل السلبي واسع الانتشار للإسلام، والخوف من المسلمين بشكل عام، والسياسات الأمنية ومكافحة الإرهاب، عملت على إدامة وإقرار وتطبيع التمييز والعداء والعنف تجاه المسلمين ومجتمعاتهم.

وقال: "في مثل هذه المناخات التي يسودها الإقصاء والخوف وانعدام الثقة، يفيد المسلمون بأنهم غالبا ما يشعرون بالوصم والعار والشعور بأنهم ’مجتمعات مشبوهة‘ تُجبر على تحمل المسؤولية الجماعية عن أفعال أقلية صغيرة".

يستشهد التقرير بمسوحات أوروبية في عامي 2018 و2019 تظهر أن 37٪ في المتوسط من السكان لديهم آراء غير مواتية تجاه المسلمين. في عام 2017، نظر حوالي 30٪ من الأمريكيين الذين شملهم الاستطلاع إلى المسلمين من منظور سلبي.

قال شهيد إن التمييز ضد الإسلام في المجالين العام والخاص يجعل من الصعب على المسلم أن يكون مسلما. القيود غير المتناسبة على قدرة المسلمين على إظهار معتقداتهم، وإضفاء الطابع الأمني على المجتمعات الدينية، والقيود المفروضة على الحصول على الجنسية، والإقصاء الاجتماعي والاقتصادي، والوصم المنتشر للمجتمعات المسلمة هي من بين الشواغل الملحة المذكورة في التقرير.

النساء المسلمات يواجهن عقوبة ثلاثية

وأضاف أنه في دول بها أقلية مسلمة، كثيرا ما يتم استهداف المسلمين بناءً على سمات "المسلمين" الظاهرة، مثل أسمائهم ولون بشرتهم وملابسهم، بما في ذلك الملابس الدينية، ومنها الحجاب.

قال المقرر الأممي إن التمييز والعداء بسبب الإسلاموفوبيا كانا في كثير من الأحيان متقاطعين، إذ "قد تواجه النساء المسلمات ’عقوبة ثلاثية‘ لكونهن نساء وأقلية عرقية ومسلمات". وأضاف: "الصور النمطية الضارة والمجازيات عن المسلمين والإسلام تُعـَزز بشكل كبير من قبل وسائل الإعلام الرئيسية والسياسيين ذوي النفوذ والمؤثرين في الثقافة الشعبية والخطاب الأكاديمي".

وشدد التقرير على أنه لا ينبغي الخلط بين الانتقادات الموجهة للإسلام وكراهية الإسلام، مضيفا أن القانون الدولي لحقوق الإنسان يحمي الأفراد وليس الأديان. إن انتقاد أفكار أو قادة أو رموز أو ممارسات الإسلام ليس معاديا للإسلام في حد ذاته؛ ما لم يقترن بكراهية أو تحيز تجاه المسلمين عامة.

وقال خبير الأمم المتحدة: "إنني أشجع الدول بقوة على اتخاذ جميع التدابير اللازمة لمكافحة الأشكال المباشرة وغير المباشرة للتمييز ضد المسلمين وحظر أي دعوة إلى الكراهية الدينية التي تشكل تحريضا على العنف".

قنوات جديدة تسرّع انتشار الكراهية

خلال الـ 75 سنة الماضية، رأى العالم كيف كان خطاب الكراهية بمثابة نذير لجرائم الفظائع، بما في ذلك الإبادة الجماعية، من رواندا إلى البوسنة وكمبوديا. وفي الآونة الأخيرة، ارتبط ارتباطا وثيقا بالعنف الذي أسفر عن عمليات قتل جماعية في العديد من أنحاء العالم، بما في ذلك جمهورية إفريقيا الوسطى وسري لانكا ونيوزيلندا والولايات المتحدة. وتكافح الحكومات وشركات التكنولوجيا على حد سواء لمنع الكراهية المدبَّرة عبر الإنترنت والرد عليها.

وقال غوتيريش "مع وصول قنوات جديدة لخطاب الكراهية إلى جمهور أوسع من أي وقت مضى وبسرعة البرق، نحن جميعا - الأمم المتحدة والحكومات وشركات التكنولوجيا والمؤسسات التعليمية - نحتاج إلى تصعيد استجاباتنا".

من ناحيته قال أداما ديانغ، المستشار الخاص للأمين العام المعني بمنع الإبادة الجماعية، "تمشيا مع التزام الأمم المتحدة طويل الأمد بحماية جميع معايير حقوق الإنسان الدولية وتعزيزها وتنفيذها، فإن الاستراتيجية وخطة العمل لا تستدعيان مطلقا فرض قيود على حرية التعبير والرأي لمعالجة خطاب الكراهية. وأوضح قائلا إن الاستراتيجية، على النقيض من ذلك، "تتبنى مقاربة كلية تهدف إلى معالجة دورة حياة خطاب الكراهية بأكملها، من جذوره إلى تأثيره على المجتمعات. كما يُعتبر أن إكثار الكلام - البديل والإيجابي والروايات المضادة - هو الرد على خطاب الكراهية".

أهداف الاستراتيجية

وبحسب الأمين العام، لاستراتيجية وخطة عمل الأمم المتحدة على نطاق المنظومة هدفان رئيسيان.

أولا، تعزيز جهود الأمم المتحدة لمعالجة الأسباب الجذرية للخطاب الذي يحض على الكراهية، بما يتماشى مع رؤية الأمين العام الوقائية. وتشمل هذه الأسباب الجذرية العنف والتهميش والتمييز والفقر والإقصاء وعدم المساواة وانعدام التعليم الأساسي وضعف مؤسسات الدولة.

وفيما تعالج الأمم المتحدة العديد من هذه القضايا وتدعم الحكومات في تنفيذ خطة التنمية المستدامة لعام 2030، فإن هذه الاستراتيجية الجديدة تذهب أبعد من ذلك، حيث أوصت باستجابة منسقة، بما في ذلك الجهود المبذولة لتحديد أولئك الذين يشاركون في خطاب الكراهية، والأشخاص الذين هم في وضع أفضل لتحديها. وتعزز الاستراتيجية التعليم كأداة وقائية يمكنها رفع الوعي وتحقيق شعور مشترك بالهدف المشترك للتصدي لبذور الكراهية.

والهدف الأسمى الثاني هو تمكين الأمم المتحدة من الاستجابة بفعالية لتأثير خطاب الكراهية على المجتمعات.

وتشمل التوصيات جمع الأفراد والجماعات من ذوي الآراء المتعارضة؛ العمل مع منصات وسائل الإعلام التقليدية والاجتماعية؛ الانخراط في الدعوة؛ ووضع إرشادات للاتصالات لمواجهة اتجاهات وحملات خطاب الكراهية. على الرغم من أن التكنولوجيا الرقمية قد وفرت مجالات جديدة يمكن أن ينمو فيها خطاب الكراهية، إلا أنها يمكن أن تساعد أيضا في مراقبة النشاط وتوجيه الاستجابة وبناء دعم للروايات المضادة.

وأشار الأمين العام إلى أن خطة العمل الجديدة تتجاوز نيويورك. وتتضمن طرقا يمكن بها لفرق الأمم المتحدة القطرية والبعثات في جميع أنحاء العالم اتخاذ إجراءات للدفاع عن الحقيقة ومكافحة خطاب الكراهية. وهي تتجاوز الأمم المتحدة؛ إذ يجب عليها إشراك الحكومات والمجتمع المدني والقطاع الخاص والشركاء الآخرين.

وقد تعهدت وكالات ومكاتب الأمم المتحدة بتعزيز تعاونها على أساس الالتزامات المنصوص عليها في الاستراتيجية. كما طلب الأمين العام منها إعداد خططها الخاصة، بما يتوافق مع هذه الاستراتيجية وبالتنسيق مع مستشاره الخاص لمنع الإبادة الجماعية، السيد أدما ديانغ.

وفي هذا السياق، حث غوتيريش الدول الأعضاء وجميع الشركاء على دعم مستشاره الخاص، الذي سيكون جهة التنسيق لتنفيذ وتنسيق خطة العمل الجديدة.

التمييز ضد المسلمات في سويسرا

أعرب مكتب الأمم المتحدة لحقوق الإنسان عن الأسف لانضمام سويسرا إلى عدد قليل من الدول يسمح فيها القانون بالتمييز ضد المسلمات، وذلك بعد استفتاء أيدت فيه غالبية الناخبين فرض حظر على تغطية الوجه في الأماكن العامة عقب "حملة دعاية سياسية اتسمت بمعاداة الأجانب".

وردا على أسئلة الصحفيين في المؤتمر الصحفي الدوري في جنيف قالت رافينا شامداساني المتحدثة باسم المكتب إن استخدام القانون للإملاء على النساء ما يتعين عليهن ارتداؤه يعد إشكالية من منظور حقوق الإنسان. وأعربت عن التقدير لمعارضة الحكومة الفيدرالية السويسرية لتلك المبادرة، واقتراحها لحل بديل مقبول.

وقالت "يجب ألا تُجبر النساء على تغطية وجوههن، وفي نفس الوقت فإن الحظر القانوني على تغطية الوجه سيحد حرية النساء في إظهار دينهن أو معتقداتهن، ويؤثر بشكل أوسع على حقوق الإنسان الخاصة بهن".

وأشارت شامداساني إلى المادة الثامنة عشرة من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية التي تنص على أنه "لا يجوز إخضاع حرية الإنسان في إظهار دينه أو معتقده، إلا للقيود التي يفرضها القانون والتي تكون ضرورية لحماية السلامة العامة أو النظام العام أو الصحة العامة أو الآداب العامة أو حقوق الآخرين وحرياتهم الأساسية".

وقالت المتحدثة إن المبررات الغامضة لكيفية تهديد تغطية الوجه للسلامة والصحة وحقوق الآخرين، لا يمكن أن تكون سببا مشروعا لمثل هذا التقييد التعسفي للحريات الأساسية.

وأضافت أن الحجج المؤيدة لمثل هذا الحظر في عدة دول أوروبية، بما فيها سويسرا، تشكك في تمتع النساء بحرية اتخاذ قرار تغطية الوجه، ثم تعاقبهن على شيء خارج عن إرادتهن إنْ صحت تلك الفرضية.

وقالت "بغض النظر عما إذا كان الحجاب مفروضا على المرأة من زوجها أو فرد من أسرتها أو كان مفروضا ذاتيا نابعا من رغبتها في الالتزام بمعتقداتها الدينية أو الثقافية، فإن حظره سيؤدي إلى مزيد من التهميش والإقصاء من الحياة العامة".

وقالت رافينا شامداساني المتحدثة باسم مكتب حقوق الإنسان إن ذلك يأتي في وقت تُبلغ فيه المسلمات في أوروبا عن زيادة التمييز والصور النمطية والعداء وفي بعض الأحيان العنف الجسدي ضدهن، بسبب ملابسهن.

اضف تعليق