الأمن السياسي ضمان تمتع الفرد بالحقوق والحريات لاسيما السياسية بشكل متساوي وفي جميع الظروف أو الحماية اللازمة لحقوق الإنسان من القهر والاستبداد وضرورة تحقيق البناء الديمقراطي لمؤسسات الدولة وضمان سيادة القانون على الجميع، فهو باختصار التحرر من القسر السياسي، تضافر الجهود الفردية والجماعية لكفالته وضمان التمتع به...

يعني الأمن الإنساني أن يأمن الإنسان على حياته ومستلزمات إدامتها، ليكون لدى الجميع الفرصة المتساوية في تلبية متطلبات العيش الكريم بحياة حرة أمنة، بما يجعلهم أحرارا بعيدا عن كل صور الاستغلال، وليسهموا في تنمية أسرهم ومجتمعاتهم وشخصياتهم، فللأمن الإنساني شقين أساسيين هما (الأمن من الحاجة والخوف) ليكون الجميع في سلامة من التهديدات التقليدية كالجوع، والمرض، والتشرد، والاضطهاد بكل صوره.

وقد تطور مفهوم الأمن الإنساني في الآونة الأخيرة ليكون شاملاً لمفاهيم الاقتصاد والغذاء والبيئة وعلاوة على ذلك الأمن المجتمعي والسياسي والشخصي، وان التطور المنشود في كل الدول هو التحول من أمن الإقليم والنظام السياسي إلى أمن الإنسان وتغيير سياسة الدولة من التركيز المفرط على التسلح والتوسع بالقوى الأمنية والبوليسية، إلى تحقيق التنمية البشرية المستدامة.

وللأمن السياسي معنى محدد يتمثل بـ"ضمان تمتع الفرد بالحقوق والحريات لاسيما السياسية بشكل متساوي وفي جميع الظروف" أو هو الحماية اللازمة لحقوق الإنسان من القهر والاستبداد وضرورة تحقيق البناء الديمقراطي لمؤسسات الدولة وضمان سيادة القانون على الجميع، فهو باختصار "التحرر من القسر السياسي" ومما تجدر الإشارة إليه إن هذا الحق ليكون متاحا للجميع فالأمر يتطلب تضافر الجهود الفردية والجماعية لكفالته وضمان التمتع به بشكل حقيقي.

فعلى المستوى الفردي هنالك حقوق لفئات محددة لابد من الارتقاء بها إلى مستوى الحماية والضمان الفعلي كحقوق المرأة وهنالك حقوق لابد ان تمارس بشكل تفاعلي بين الجميع بما يضمن تحقيق التداول السلمي للسلطة كالمساهمة في الانتخابات والاستفتاءات بمختلف أنواعها، والى جانب ما تقدم هنالك العديد من الحريات الأساسية التي لابد أن تتكفل الهيئات العامة بضمانها ليشعر الفرد بذاتيته المستقلة كحرية الرأي والتعبير وما سواها.

وحين نتساءل عن الأساس القانوني للأمن السياسي يمكننا الإشارة إلى ميثاق الأمم المتحدة للعام 1945 والذي أكد الحق في التحرر من الخوف، وورد في ديباجة الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الصادر عن الأمم المتحدة 1948 في ديباجته على "أن من الضروري أن يتولى القانون حماية حقوق الإنسان لكيلا يضطر المرء آخر الأمر إلى التمرد على الاستبداد والظلم" وهو ما أكدته ديباجة العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية للعام 1966 والتي ورد فيها "أن يكون البشر أحرارا، ومتمتعين بالحرية المدنية والسياسية ومتحررين من الخوف والفاقة" وهذا ما أكده الدستور العراقي للعام 2005 في العديد من المواطن منها ما ورد بالمادة (15) منه التي تنص على "لكل فرد الحق في الحياة والأمن والحرية، ولا يجوز الحرمان من هذه الحقوق أو تقييدها إلا وفقاً للقانون، وبناءً على قرار صادر من جهة قضائية مختصة" وأعقبت ذلك المادة (20) والتي تنص على "للمواطنين، رجالاً ونساءً حق المشاركة في الشؤون العامة، والتمتع بالحقوق السياسية بما فيها حق التصويت والانتخاب والترشيح" بذلك نجد ان الأمن السياسي يتطلب الآتي:

أولاً: الإقرار بالحقوق والحريات السياسية: وعلى رأسها الحق في الانتخاب والترشح ، وضمان حرية الانتخابات ونزاهتها من كل الجوانب الفنية والقانونية.

ثانياً: وجود القواعد القانونية الضامنة للأمن السياسي: وفي مقدمها قانون الانتخابات وقانون الأحزاب وقانون الجمعيات والمنظمات غير الحكومية وغيرها، على أن تكون قوانين حرة وغير مأدلجة باتجاه تحقيق رغبات القابضين على السلطة أو ممهدة لوصولهم أو تمسكهم بالسلطة.

ثالثاً: وجود الهيئات الرسمية وغيرها الضامنة لتحقيق الأمن السياسي: إذ يتطلب الوصول إلى ما تقدم إيجاد جهات رسمية مختصة بالرقابة على أداء السلطات الأخرى من زاوية الحقوق والحريات،وفي العراق أوجد الدستور العراقي النافذ بموجب المادة (102) المفوضية العليا لحقوق الإنسان حيث بين قانونها رقم (53) لسنة 2008 إن من أخص مهامها الرقابة على الأجهزة القائمة لاسيما الأمنية وغيرها لضمان الالتزام بمبادئ وأحكام الدستور والقانون المتصلة بالحقوق والحريات، والجهات الأخرى الوطنية والدولية التي تسهم في الرقابة على الأداء الحكومي، وليس معنى ذلك الوقوف عند هذا الحد بل لابد من إيجاد جهات تضمن تنفيذ المبادئ الدستورية المتعلقة بالحقوق السياسية ومنها الانتخابات والاستفتاءات لهذا أوجدت المفوضية العليا المستقلة للانتخابات لتشرف على التطبيق العملي لما ورد بالمادة (20) من دستور جمهورية العراق أعلاه، وليكتمل البناء القانوني للجهات الفاعلة في الميدان السياسي فنحن بحاجة إلى الإعلام الحر والمنظمات غير الحكومية وغيرها من الجهات التطوعية الوطنية والدولية المتخصصة والتي تلعب دوراً بارزا في تحقيق الأمن السياسي للمواطن العراقي بمنع كل أنواع الإساءة أو الانحراف في العملية الديمقراطية داخل البلاد.

رابعاً: وجود السلطة القضائية المستقلة الضامنة للأمن السياسي للمواطن: إذ يعد القضاء الحصن الحصين للحقوق والحريات وعلى رأسها الحقوق السياسية التي كثيراً ما تعد الميدان الأوسع في التجاوزات للفوز بالمغانم السياسية، فالمحكمة الاتحادية العليا تراقب التشريعات والقرارات البرلمانية الصادرة عن البرلمان، والمحاكم الإدارية تراقب القرارات الصادرة من السلطات الإدارية، وتضافر الجهود القضائية من شأنه ان يردع بغي السلطة التشريعية أو التنفيذية.

يتضح مما تقدم إننا بحاجة إلى خطوات عديدة تمكننا من ضمان الأمن السياسي للمواطن العراقي وتتجسد بالآتي:

أولاً: احترام الحقوق والحريات جميعاً المقررة للفرد العراقي:

إذ ورد في إعلان فيينا الذي صدر عقب مؤتمر دولي عن حقوق الإنسان وعالميتها العام 1993 ما نصه "وإذ يدرك المؤتمرين ويؤكدون أن جميع حقوق الإنسان نابعة من كرامة الإنسان وقدرة المتأصلين فيه، وأن الإنسان هو الموضوع الرئيسي لحقوق الإنسان والحريات الأساسية، وينبغي بالتالي أن يكون المستفيد الرئيسي وأن يشارك بنشاط في أعمال هذه الحقوق والحريات" فبدون إظهار السلطات العامة في الدول كافة الاحترام التام للحقوق والحريات لا يمكن أبدا ان ينعم العالم بالعيش الهانئ والرغيد، ولا يفوتنا الإلماح إلى إن المواثيق والاتفاقيات الدولية التي ضمنت الحقوق والحريات الامتثال لها واجب على جميع الدول وان مخالفتها يثير مسؤوليتها على المستويين الوطني والدولي.

ثانياً: حماية الحقوق والحريات:

فلا يكفي ان يرد النص عليها في المواثيق أو الدساتير بل ينبغي بذل الجهود للوصول إلى الأمن السياسي بوضع معايير دنيا للضمانات الوطنية والدولية وتأسيس المؤسسات المختصة بما تقدم لتسهم مع نظيرتها التطوعية المتمثلة بمؤسسات المجتمع المدني في التأسيس لسيادة ثقافة احترام الحقوق والحريات في الدولة لدى الجميع أفرادا وجماعات، ما يعني الترابط الحتمي بين مؤسسات المجتمع المدني وأنشطتها المختلفة وبين تحقيق الأمن السياسي فهي الوسيلة المباشرة التي تضمن حياد وفاعلية الرقابة على السلطات العامة وسلوكياتها والقادرة على إعادتها إلى جادة الصواب ان حادت عنها، أضف لذلك ضرورة تدعيم مركز الفرد ليكون مؤثراً في الحماية اللازمة بمختلف أوجه النشاط الشعبي الذي يصب في جودة الحماية.

ثالثاً: تعزيز أسس الحكم الرشيد:

من شأن تعزيز الحكم الراشد ان يسهل الوصول إلى الأمن السياسي للمواطن العراقي وما تقدم بحاجة لمقدمات صالحة منها:

1- تعزيز الحكم الديمقراطي.

2- تعزيز المشاركة الشعبية في الشأن العام لاسيما في ميدان التشريعات الأساسية وصياغة السياسات العامة.

3- تعزيز النظام اللامركزي في الشأن الإداري والمالي بما يسهم في سرعة اتخاذ القرار الخدمي والحد من الروتين اليومي والبيروقراطية.

4- تدعيم أساليب المشاركة مع منظمات المجتمع المدني بمشاريع استراتيجية

فالحكم الراشد يؤدي بالمحصلة إلى عقلانية القرار السياسي وتحويل السلطات العامة من غاية بعين الحاكم إلى مجرد وسيلة لتحقيق الصالح العام ، وترتق بالمواطن والشعب من مجرد رقم إلى طرف مؤثر وفاعل في الشأن العام لا سيما السياسي، وتحول العمل الشعبي في المجال السياسي من المستوى الفردي المعارض إلى المستوى الجمعي المؤسساتي القادر على الإبداع والتأثير الإيجابي.

رابعاً: التمكين:

وللتمكين مفردات واسعة سنقتصر على أهمها:

1- تمكين الشباب:

ليدرك النشء والشباب أهميتهم في المجتمع وحياة الدولة ويغادروا الأفكار السلبية بالهجرة خارج البلد وما شاكل ذلك من أفكار هدامة تستنزف أهم موارد الدولة البشرية، فلابد من تمكينهم ليكونوا طاقة إيجابية فاعلة في حياة المجتمع والدولة، ولا يتحقق ما تقدم إلا مع فتح قنوات تواصل والحوار المباشر مع السلطات العامة، بعيدا عن الوعود الكاذبة والدعايات المضللة، فإجراء الإصلاحات الجذرية الاقتصادية والسياسية والاجتماعية من شأنها ان تعزز مشاركة هذه الفئة وتعمق لديها الشعور بالانتماء والقدرة على الإبداع، ولا يتحقق ما تقدم إلا بتحقيق الأمن السياسي أولاً حين يجد الشاب ان لصوته صدى وان له القدرة على التنافس والولوج إلى الهيئات التشريعية وان الحكومات تعتبره الشريك في صناعة القرار.

2- تمكين النساء:

بمعنى تنمية قدراتها والارتقاء بوعيها ومعرفتها والسعي لتحقيق ذاتها المتميزة، بالإسهام الحر الواعي في بناء المجتمع والتأثير في الشؤون العامة، وسيكون للأمن السياسي دور محوري فيما تقدم حين يتم تعريف النساء بحقوقهن القانونية وتعريفهن بضمانات حقوقهن والقنوات الضامنة لتلك الحقوق والحريات، وما تقدم يلقي على الحكومات الوطنية التزاماً بغاية الأهمية يتمثل في تمكين المرأة من العيش بمجتمع تصان فيه حقوقها وحريتها وكرامتها.

.......................................
** مركز آدم للدفاع عن الحقوق والحريات هو أحد منظمات المجتمع المدني المستقلة غير الربحية مهمته الدفاع عن الحقوق والحريات في مختلف دول العالم، تحت شعار (ولقد كرمنا بني آدم) بغض النظر عن اللون أو الجنس أو الدين أو المذهب. ويسعى من أجل تحقيق هدفه الى نشر الوعي والثقافة الحقوقية في المجتمع وتقديم المشورة والدعم القانوني، والتشجيع على استعمال الحقوق والحريات بواسطة الطرق السلمية، كما يقوم برصد الانتهاكات والخروقات التي يتعرض لها الأشخاص والجماعات، ويدعو الحكومات ذات العلاقة إلى تطبيق معايير حقوق الإنسان في مختلف الاتجاهات...
http://ademrights.org
[email protected]
https://twitter.com/ademrights

اضف تعليق