q
تفاقمت معاناة اللاجئين في اليونان بشكل كبير في السنوات الاخيرة، بسبب القرارات الجديدة التي أعلن عنها الحكومات الأوربية، حيث اتفقت على إبقاء هؤلاء اللاجئين ومساعدة حكومة اليونان لإيوائهم، والخلافات المستمرة بين انقرة واثينا بخصوص بعض القضايا والملفات ومنها ملف اللاجئين، الذي استفادت منه تركيا بشكل كبير للضغط على دول الاتحاد الأوروبي...

تفاقمت معاناة اللاجئين في اليونان بشكل كبير في السنوات الاخيرة، بسبب القرارات الجديدة التي أعلن عنها الحكومات الأوربية، حيث اتفقت على إبقاء هؤلاء اللاجئين ومساعدة حكومة اليونان لإيوائهم، والخلافات المستمرة بين انقرة واثينا بخصوص بعض القضايا والملفات ومنها ملف اللاجئين، الذي استفادت منه تركيا بشكل كبير للضغط على دول الاتحاد الأوروبي. يضاف الى ذلك قلة المساعدات المقدمة وتفشي فيروس كورونا المستجد.

وتشير التقديرات كما نقلت بعض المصادر في وقت سابق، إلى أن نحو 40 ألف لاجئ، منهم 14 ألف طفل، يعيشون في مخيمات الجزر اليونانية: ليسبوس وساموس وكوس وليروس وخيوس. علما أن تلك المخيمات مخصصة لإيواء 6 آلاف شخص فقط. لكن في مخيم موريا وحده وفي محيطه على جزيرة ليسبوس يعيش 19 ألف لاجئ حسب مصادر مجلس اللاجئين اليوناني ومنظمة أوكسفام، رغم أن المخيم مبني لإيواء 2757 شخصا.

يتحدث مساعدو وموظفو الإغاثة عن ظروف صعبة للغاية حيث العناية والرعاية الطبية والنظافة العامة مأساوية في المخيمات، وحسب النائب في البرلمان الأوروبي داميان بوزيلاغر. فمن أجل الحصول على الوجبة الغذائية يمكن أن ينتظر اللاجئ حتى 3 ساعات، كما ما جاء في لقاء مع بوزيلاغر. وحذرت عاملة إغاثة من أن جائحة فيروس كورونا المستجد بعيدة كل البعد عن أذهان المهاجرين المشردين في جزيرة ليسبوس اليونانية حيث يواجهون الجوع الشديد والجفاف والإرهاق وأمراضاً لا تعد ولا تحصى. وصار نحو 13 ألف شخص، بينهم آلاف الأطفال، بلا مأوى بعدما دمرت النيران أكبر مخيم لطالبي اللجوء في أوروبا.

وقالت فرانشيسكا بول-كاربونيل، المسؤولة عن الأنشطة الطبية لمنظمة أطباء بلا حدود في ليسبوس، إن أولئك الذين كانوا يعيشون في مخيم موريا المعروف بالاكتظاظ وبظروفه الصحية الرديئة كانوا يواجهون بالفعل العنف والسرقة وظروفاً معيشية صعبة خلال فترة وجودهم فيه. وقالت إنه منذ اندلاع الحرائق في ايلول/سبتمبر، ما زالت "الاحتياجات هي نفسها كما كانت من قبل: الناس يعانون وليس لديهم ما يكفي من الطعام ولا توجد مياه كافية وينامون في العراء".

مأساة تتفاقم

وفي هذا الشأن تتدهور صحة اللاجئين الضعفاء "يوماً بعد يوم" في جزيرة ليسبوس اليونانية، مع اقتراب فصل الشتاء، وفق طبيب في مخيم "كارا تيبي" حيث يواجه أكثر من 7300 مهاجر البرد والرياح والرطوبة في ظلّ ظروف سيئة أصلاً. وفي وقت سابق اقتلعت الرياح خيمة تابعة لأجهزة اللجوء قبل أن تحملها إلى البحر. ويقول موظّف من أجهزة اللجوء إن "الخيم تهتزّ مع هبوب الرياح. ماذا يجدر بنا أن نفعل؟ وضع حجارة في جيبنا كي لا تحملنا نحن الرياح؟".

وعلى أرض معرضة للفيضانات ولرياح قوية، أُقيم مخيم كارا تيبي في غضون أيام، بعد أن دمّر حريق مطلع أيلول/سبتمبر مخيم موريا الذي كان الأكبر في أوروبا. والظروف في مخيم كارا تيبي مروعة منذ حلول فصل الشتاء. ويعيش أكثر من 7300 طالب لجوء بينهم أطفال وذوو احتياجات خاصة ومرضى، تحت هذه الخيم من دون تدفئة ولا مياه ساخنة. ويشير طبيب في المخيم طلب عدم الكشف عن اسمه، إلى أن "سكان (المخيم) مضطرون إلى إشعال نار للتدفئة ويأتون بعدها إلينا لمعاينتهم بسبب مشاكل في التنفس".

ويقول الطبيب في المنظمة الوطنية للصحة العامة في ليسبوس، ناسوس غاليس إن "الأشخاص الضعفاء والمرضى الذين يعانون من أمراض مزمنة يجب أن يغادروا فوراً المخيم إلى البرّ الرئيسي". ووصف أريزو البالغ 15 عاماً والذي أمضى سنة في ليسبوس، الظروف المزرية في كارا تيبي. ويروي المراهق الأفغاني أن عدد الحمامات غير كاف و"لا يتمّ تنظيفها إلا في الصباح. بعد مرور ساعتين، لا يمكن الدخول إليها إذ إنها تصبح قذرة للغاية". ويقول أريزو إن لا مياه جارية للاستحمام، وبالتالي نحن مُرغمون على جلب عبوات مياه من خيمنا أو الاغتسال في البحر".

ويضيف "بما أن الخيم بعيدة عن الحمامات، بعض الأشخاص يقيمون ملاجئ موقتة مستخدمين بطانيات وأقمشة وخشب"، قرب الحمامات. ويؤكد المراهق أن طالبي اللجوء ليس لديهم كهرباء إلا ساعتين في الصباح وساعتين في منتصف النهار، لكن التيار الكهربائي غالباً ما ينقطع والانترنت ليس متاحاً للتواصل مع أقربائهم أو محاولة تسريع طلبات اللجوء". وتُقام دروس مرتجلة في الخيم. لكن أريزو يشتكي من أن "الأصعب هو عدم وجود أي شيء أفعله طوال النهار".

توضح رئيسة بعثة المفوضية السامية لشؤون اللاجئين في ليسبوس أستريد كاستيلين أن "مع فصل الشتاء وتدهور الأحوال الجوية، يجب سدّ بعض الفجوات". وتؤكد كاستيلين إن المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين اقترحت تقديم مساعدتها للسلطات اليونانية من أجل "تسريع الأمور". وتشير إلى أن الوكالة الأممية عرضت "نقل طالبي اللجوء الأكثر ضعفاً إلى مركز تديره البلدية، حيث هناك حاويات فارغة حالياً". وتشدد على أن ذلك هو حلّ موقت "ريثما تتحسن الظروف في المخيم أو يتمّ نقل المهاجرين إلى البرّ الرئيسي".

ويُفترض أن يكون مخيم كارا تيبي الذي أنشئ على وجه السرعة لإيواء 12 ألف مهاجر تشردوا بعد حريق مخيم موريا، موقتاً. وينبغي أن يتمّ استبداله بمخيم آخر أكثر ملائمة في صيف العام 2021، وفق وزارة الهجرة اليونانية. ويُضاف إلى الأمطار الغزيرة، فيروس كورونا المستجدّ. ويعمل أطباء المخيم والعاملون الإنسانيون والموظفون في خضمّ أزمة تفشي الوباء، في مخيمات مصممة لفصل الصيف. بحسب فرانس برس.

ويشرح موظف في أجهزة اللجوء "يعمل 35 موظفاً في الخيمة نفسها، في وقت يتفشى فيروس كورونا المستجدّ. نخاف أن نذهب إلى العمل". بالنسبة لآلاف المهاجرين، لا تسمح ظروف الحياة المزرية في المخيم باحترام التباعد الاجتماعي الضروري للوقاية من الوباء ولا بغسل اليدين باستمرار ولا بالوصول بسرعة إلى فرق الرعاية الطبية. ومنذ منتصف آذار/مارس، فُرضت قيود على تحركات طالبي اللجوء في كافة أنحاء اليونان، وبقيت القيود حتى بعد عودة البلاد إلى الحياة الطبيعية في مطلع أيار/مايو. ويقول جان-بيار وهو كاميروني الجنسية يبلغ ثلاثين عاماً، "لا يمكننا الخروج من المخيم سوى مرة واحدة في الأسبوع لبضع ساعات ونحاول قضاء كل حاجاتنا في الفترة الزمنية القصيرة هذه". ويضيف "الجميع مذعورون في المخيم".

ويتحدث عاملون في منظمات إنسانية عن نقص في الفرش وعن طوابير طويلة للحصول على وجبة الطعام اليومية الوحيدة واستحالة احترام التباعد الاجتماعي والإجراءات الأخرى المفروضة جراء الجائحة. وتدرس السلطات إمكانية السماح لنحو ألف مهاجر كحد أقصى بالخروج يوميا من المخيم حتى المغيب. وعليهم أن يضعوا شارة يسلمونها لدى عودتهم إلى المخيم.

وفي مطلع السنة، أعلنت السلطات اليونانية بناء مخيمات مغلقة وآمنة لعزل آلاف المهاجرين المقيمين في جزر في بحر إيجه. إلا أن سلطات ليسبوس فضلا عن أبناء الجزيرة يرفضون هذا المشروع مطالبين برحيل المهاجرين عن جزيرتهم. ففي شباط/فبراير الماضي، عندما كان يفترض أن تنطلق أعمال بناء مخيم جديد، سجلت مواجهات ين السكان وشرطة مكافحة الشغب. وحذرت مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين الجمعة اليونان من أن المخيم الجديد يمكن أن يكون موقتا فقط "كمأوى لحالات الطوارئ".

أثينا و أنقرة

على صعيد متصل اتّهمت الحكومة اليونانية أنقرة بأنها تشجّع الهجرة الصومالية إلى تركيا عبر حملات ترويجية وعروض على التأشيرات، لتسمح بعد ذلك للمهاجرين بالتوجّه إلى الأراضي اليونانية. ولطالما اتّهمت أثينا أنقرة باستغلال الهجرة لتشديد الضغوط على الاتحاد الأوروبي. في المقابل، تعتبر تركيا غير كاف الدعم الذي يقدّمه الاتحاد الأوروبي لتمكينها من إيواء نحو أربعة ملايين مهاجر، يريد قسم كبير منهم التوجّه إلى أوروبا.

وبين شباط/فبراير وآذار/مارس وقعت صدامات بين مهاجرين وقوات الشرطة عند الحدود اليونانية التركية بعد تدفّق أعداد كبيرة من طالبي اللجوء، اتّهمت أثينا أنقرة بالوقوف وراءه. وقال وزير الهجرة اليوناني نوتيس ميتاراخي في مؤتمر صحافي "في الصومال، علمنا أن السلطات التركية، وزارة التربية والتعليم وغيرها من الوزارات تروجّ للهجرة إلى تركيا". وتحدّث الوزير عن إفادات أدلى بها مهاجرون صوماليون قالوا فيها إن مكتب الارتباط التركي في مقديشو "سهّل" حصولهم على تأشيرات بناء على شهادات ووثائق وفّرتها مؤسسات تموّلها تركيا في الصومال.

وقال الوزير إن هذه المؤسسات تشمل مستشفى وجامعة في مقديشو. وتابع ميتاراخي "علمنا أن 300 شخص وصلوا إلى تركيا بهذه الطريقة"، وأضاف "هؤلاء هم أشخاص يصلون بشكل قانوني إلى تركيا، بهدف إدخالهم إلى أوروبا بصورة غير شرعية". وقال الوزير "عندما يصل الصوماليون إلى اسطنبول يتم نقلهم بواسطة حافلات صغيرة إلى مناطق معيّنة في المدينة يبقون فيها بانتظار ترتيب نقلهم إلى السواحل الغربية لتركيا"، مضيفا "من الواضح أن هؤلاء الأشخاص ليسوا عرضة للخطر في تركيا وبالتالي يجب منحهم حق اللجوء هناك اذا اقتضى الأمر". وقال "من المثير للقلق أنه يبدو أن تركيا تسهّل وصول هؤلاء المهاجرين عبر تأمين تأشيرات السفر لهم".

وأشار إلى تقارير تفيد بأن منظمات غير حكومية تموّل بطاقات سفر وتأشيرات" طالبي اللجوء الصوماليين. ولم يصدر على الفور أي تعليق من أنقرة بشأن هذه المعلومات. وتحدّث مصدر في وزارة الهجرة اليونانية عن شهادات أدلى بها صوماليون نجوا من حادثة غرق مركب للمهاجرين في 2 كانون الأول/ديسمبر قضت فيها امرأتان. واتّهمت أثينا خفر السواحل الأتراك بعدم التحرّك لمساعدة المركب الذي أطلق، بحسب السلطات اليونانية، نداء استغاثة خلال تواجده في المياه الإقليمية التركية. بحسب فرانس برس.

واتّهمت تركيا اليونان باستخدام وسائل غير مشروعة لصد مراكب المهاجرين. وأعلن خفر السواحل الأتراك أنهم أنقذوا 69 طالب لجوء على الأقل، بعدما صدّهم خفر السواحل اليونانيون ودفعوهم للعودة إلى المياه الإقليمية التركية، وفق الرواية التركية. وقال ميتاراخي إن أثينا "فخورة للغاية" بجهود الإنقاذ التي يقوم بها خفر السواحل اليونانيون. وقال "نعتقد أن أي عمليات صد لم تحصل، هذا ما خلص إليه التحقيق الذي أجريناه"، مضيفا أن تحقيقا مماثلا أجرته الوكالة الأوروبية لحرس الحدود والسواحل "فرونتكس" خلص أيضا إلى عدم العثور على "أي دليل على خرق للقواعد إلى الآن".

1500 مهاجر

في السياق ذاته أعلنت وزارة الداخلية الألمانية وصول طائرة قادمة من اليونان على متنها 88 طالبا للجوء من بينهم 19 طفلا مريضا، وذلك في إطار تعهد ألمانيا باستقبال مزيد من المهاجرين المحتجزين في مخيمات اللاجئين في اليونان. وذكرت شبكة (إيه.بي.سي.نيوز) الأمريكية أن الطائرة تعد أخر جزء من الإيفاء بالتعهد الذي أعلنه وزير الداخلية الألماني هورست زيهوفر في مارس الماضي بشأن مساعدة 243 طفلا مريضا وذويهم في اليونان، مشيرة إلى أنه لا يزال هناك ثلاث عائلات بصدد الوصول إلى ألمانيا على متن طائرة تجارية.

وأضافت الشبكة أن ألمانيا استقبلت نحو 1519 مهاجرا قادما من اليونان منذ أبريل الماضي، من بينهم 150 طفلا كانوا في حالة عاجلة للمسكن بعدما قضت سلسة من الحرائق على مخيم "موريا" بجزيرة ليسبوس اليونانية في سبتمبر الماضي. وأوضحت الشبكة أن ألمانيا تعهدت أيضًا بأنها ستستقبل أيضا نحو 1553 مهاجرا، 408 عائلات وأطفالهم، يعيشون في عدد من الجزر اليونانية ولديهم حق الحماية المؤقتة في اليونان، وذلك حسبما أعلنته وزارة الداخلية

وتودّ برلين إعطاء الأولوية للعائلات مع أطفال التي حصلت على وضع اللجوء من السلطات اليونانية، وفق ما قال مصدر حكومي ألماني وتُضاف هذه المبادرة إلى أخرى فرنسية ألمانية تشمل استقبال عشر دول من الاتحاد الأوروبي 400 قاصر معزول تم إجلاؤهم من موريا، وتأتي في وقت يتزايد الضغط على الحكومة الألمانية لاستقبال قسم من مهاجري موريا. وتشدد السلطات الألمانية على ضرورة إيجاد حل على المستوى الأوروبي لهذه المسألة الشائكة التي تثير انقساما بين الدول الـ27 منذ 2015.

ودعا رئيس المجلس الأوروبي شارل ميشال خلال زيارته أثينا، إلى "استجابة عادلة وقوية وفعّالة" للاتحاد الأوروبي. وقدّمت المفوضية الأوروبية في أيلول/سبتمبر مشروعها المنتظر للإصلاح في السياسة المتعلقة بالهجرة في الاتحاد الأوروبي. وحتى الآن كانت استجابة الأوروبيين محدودة جداً: فقد وافقت عشر دول على التكفّل بـ400 قاصر غير مصحوبين بينها فرنسا التي يُفترض أن تستقبل حوالى مئة منهم. لكن في برلين، ينبغي على حكومة المستشارة الألمانية أنغيلا ميركل أن تتعامل أيضاً مع أحزاب سياسية ومنظمات غير حكومية وقسم من المجتمع المدني يطالب بالقيام بخطوة إنسانية.

اضف تعليق