تضطلع الكثير من المؤسسات والهيئات بمهمة دعم الحكم الديمقراطي في العراق وترسيخ مفاهيم المذهب الديمقراطي كخيار وحيد وأساسي لممارسة السلطة في البلد ولتأكيد خيار التداول السلمي للسلطة. وبعض هذه الهيئات تتمتع بالوجود القانوني المتمثل بالاعتراف لها بالشخصية المعنوية والقدرة على العمل في الساحة كمنظمات المجتمع المدني...
تضطلع الكثير من المؤسسات والهيئات بمهمة دعم الحكم الديمقراطي في العراق وترسيخ مفاهيم المذهب الديمقراطي كخيار وحيد وأساسي لممارسة السلطة في البلد ولتأكيد خيار التداول السلمي للسلطة.
وبعض هذه الهيئات تتمتع بالوجود القانوني المتمثل بالاعتراف لها بالشخصية المعنوية والقدرة على العمل في الساحة كمنظمات المجتمع المدني والجمعيات المختلفة والمؤسسات الإعلامية الوطنية، إلا إن البعض الأخر من هذه المجموعات غير منتظمة في مؤسسات رسمية لغاية الآن، وبالمجمل علينا الاعتراف إن وجودها أساسي وحضورها في الميدان واضح وتتمثل في بعض التنسيقيات المتعلقة بالدعوة للتظاهر السلمي وجماعات الحراك الشعبي السلمي والعمل التطوعي، أضف لما تقدم نمو ظاهرة المدونين أو دعاة الحرية وداعمي الحكم الديمقراطي على شبكات التواصل الاجتماعي ممن تتعالى أصواتهم يوميا في مختلف الظروف لنقد السياسات الحكومية والأعمال البرلمانية المنحرفة عن جادة الصواب، والمتعارضة مع مبادئ وأسس النيابة الحقة عن الشعب العراقي.
وتقوم هذه الجهات والهيئات أو التجمعات والأفراد بدور أساس في ملاحقة بعض التجاوزات المرتكبة من قبل الهيئات العامة، ورصد ظواهر الفساد الحكومي وكشفها للرأي العام والتصدي لها بالممكن من الطرق العلنية والسلمية، وتعد كل هذه الجهات وبحق محركاً للرأي العام ومحاولة تطوعية للتصدي للفساد والمفسدين والانحرافات التي ترافق عمل الهيئات العامة في العراق، ومن نافلة القول إن وجودها سواء كان منظما بمؤسسات حازت على الشخصية المعنوية أم كانت مجرد منظمات غير مسجلة فلا يملك أحد الاعتراض على عملها لأنها تملك الإجازة الدستورية في العمل الذي يعد حقاً من حقوق الشعب التي كفلها الدستور العراقي للعام 2005 في التجمع وحرية التظاهر وحرية التعبير عن الرأي بكل الوسائل وتأسيس المنظمات غير الحكومية وغيرها من الحقوق والحريات الأصيلة.
المؤسف إن أعضاء هذه التحركات والمؤسسات كثيرا ما يتعرضون للمضايقات بشكل متعدد ويومي تارة بالتضييق على أنشطة مؤسسات المجتمع المدني بحجة الرقابة على عملها وإلزامها ببعض الشروط والمتطلبات التي تثقل كاهلها، وتارة بالتماهي في التصدي لسلوكيات بعض الأفراد المارقين عن القانون ممن يقوم بأعمال البلطجة حيال النشطاء المدنيين، ومنهم ما بات يعرف بجيوش الذباب الإليكتروني الهادفة إلى تجميل الصورة القبيحة لبعض السياسيين أو المختصة بالتسقيط والتشهير والإساءة للخصوم ومنهم هؤلاء النشطاء، والمقتضى ان يوجه لهم الشكر والامتنان لما يبذلون من جهود تطوعية إنسانية هادفة لرصد المخالفات وكشفها للرأي العام والدعوة لمحاسبة الجناة.
بل إن بعض هذه المنظمات تضطلع بدور أساس في تقديم النصح والإرشاد للهيئات العامة وتتطوع بتقديم الدراسات التخصصية والتي تضع نتائجها بين أيدي صانع القرار للاسترشاد بها في رسم السياسات وتحديد الأولويات، أضف إلى ما تفرزه التظاهرات والأنشطة الأخرى ومنها النشر الواعي على وسائل التواصل الاجتماعي من ولادة رأي مساند للهيئات والمسؤولين الوطنيين ودعمهم في مواجهة الفساد والمفسدين، وتسهم بشكل ملحوظ في رفع مستوى الوعي الشعبي وتزيد من اهتمام الفرد بالشأن العام، أي بعبارة أخرى ان التظاهر وسائر وسائل التعبير عن الرأي والمنظمات غير الحكومية والجمعيات والمؤسسات الإعلامية وغيرها تسهم في خلق المواطن الإيجابي المؤثر في الشأن العام.
ومن باب رد الجميل ينبغي التفكير في دعم وحماية هؤلاء الأشخاص والجهات أو المؤسسات غير الحكومية وليس ذلك إلا امتثال لما ورد في دستور العراق لعام 2005 في المادة (45) التي نصت على أنه (تحرص الدولة على تعزيز دور مؤسسات المجتمع المدني، ودعمها وتطويرها واستقلاليتها، بما ينسجم مع الوسائل السلمية لتحقيق الأهداف المشروعة لها، وينظم ذلك بقانون).
لذا يقع لزاما على السلطات العامة ان تدعم هذه الفعاليات المجتمعية المؤسسية والفردية وان تضع يدها بأيدي الأفراد المتطوعون لغرض رسم خارطة طريق لخلاص البلد من المحن التي يمر بها، كما ان الهيئات العامة وعلى رأسها البرلمان ومجلس الوزراء مدعوان إلى إنشاء شراكة حقيقية مع هذه الجهات الوطنية لوضع استراتيجية وطنية شاملة من شأنها النهوض بالشأن العام والخدمات والتصدي لأفة الفساد.
وما تقدم ممكن والأرضية التي يتطلبها موجودة وتحتاج إلى تفعيل فحسب، ففي مجلس النواب إحدى اللجان المهمة هي لجنة منظمات المجتمع المدني وفي الأمانة العامة لمجلس الوزراء تقبع دائرة المنظمات غير الحكومية وبالتكامل بين هذه الجهات وتأسيس مجلس أو هيئة تنسيقية من الممكن ان تتحقق خطوات عملية باتجاه دعم المؤسسات العامة وتحقيق الصالح العام، بشرط ان تصدق النية عند صانع القرار العراقي في فسح المجال للمواطنين بالتصدي مباشرة للشأن العام وليشعروا أنهم شركاء في التخطيط ورسم السياسات العامة، لا مجرد أرقام انتخابية يتم استمالتهم وقت الانتخابات ليتم جفاءهم مدة أربع سنوات وهكذا دواليك.
من جانب آخر بدل ان تنتهج الحكومة والبرلمان العراقي منهج التشكيك والتخوين للفعاليات المناهضة للسياسات الخاطئة وبالخصوص للمحاصصة والتصدي لبؤر الفساد ينبغي التفكير بعقلانية أكثر والسعي لبناء قدرات هذه الجهات ودعمها وتبني مطاليبها ومخرجاتها وفتح أبواب التنسيق والتكامل في الرؤى والأفكار، لتكون السياسات الحكومية واقعية ومبنية على أسس سليمة وتحظى بتأييد المواطن الذي يشعر أنه جزء من القرار وأن صوته وإرادته محترمة، كما ان تشكيل الفرق المتخصصة بالمشاريع الاستراتيجية أمر مهم جدا كأن يكون هنالك فرق دعم وإسناد الجهات الحكومية ومنها هيئة النزاهة ومكتب المفتش العمومي وغيرها.
كما ينبغي على الحكومة بالتحديد السعي لمأسسة الجهات الوطنية الضاغطة باتجاه الإصلاح كالتنسيقيات الخاصة بالتظاهر أو المنظمات غير الحكومية ولا يكون ما تقدم إلا من خلال تسهيل إجراءات تسجيل المنظمات والهيئات الأهلية وإعادة النظر بالقوانين والأنظمة التي تمنع سلاسة الإجراءات وتحفظ كيان المنظمات واستقلاليتها.
مما تقدم نصوغ بعض التوصيات لصانع القرار العراقي:
1- إعادة النظر بقوانين النقابات في العراق عامة وترك الحرية لممارسي المهنة لإدارة هذه المؤسسة واختيار قادتها بكل حرية وبشكل ديمقراطي، على أن يفسح لها المجال واسعاً لصنع مشاركة وتشارك حقيقي مع الجهات الحكومية القطاعية المختصة، بغية تبادل المعلومات والخبرات وتقاسم مهمة التصدي للمشكلات وإيجاد الحلول العلمية القائمة على ضوابط رصينة تحفظ لكل جهة خصوصيتها وتتكفل بإيجاد التعاون الفاعل.
2- إعادة النظر بقانون المنظمات غير الحكومية في العراق رقم (12) لسنة 2010 وإتاحة الفرصة لكل العراقيين لتأسيس مؤسسات مجتمع مدني قادرة على التأثر المباشر في جميع شرائح المجتمع بما من شأنه صنع منظمات إيجابية فاعلة وقادرة على تشخيص مكامن الخلل في أداء السلطات العامة وتحريك الرأي العام باتجاه التصحيح والتقويم.
3- كما ان الحكومة مدعوة إلى مد يد التعاون للمؤسسات الإعلامية الوطنية والإعلاميين والصحفيين والناشطين ممن يجد في الفضاء الإليكتروني ضالته لنشر الوعي والتصدي للظواهر السلبية لتتكامل الرؤية الوطنية وتكرس جميع الجهود الرسمية والشعبية لحلحة المعضلات التي تعوق مسيرة الدولة ومؤسساتها في العراق.
4- ننصح الحكومة العراقية ومن قبلها البرلمان إلى إعادة النظر بمشروع قانون حرية التعبير عن الرأي والتظاهر السلمي بما يضمن التأسيس لقواعد قانونية محكمة لاتمس بجوهر الحرية المكفولة لكل مواطن بالتعبير عن رأيه بكل الوسائل المتاحة ومنها التظاهر أو التجمع السلمي، وتحويل دور التظاهرات نحو البناء والإصلاح والارتقاء نحو الهم الوطني المشترك والترفع عن المصالح الضيقة.
5- أن تبادر الحكومة العراقية إلى صنع شراكة حقيقية مع جميع الفعاليات المجتمعية التطوعية ومنها المنظمات غير الحكومية لتعزيز التمتع بالحقوق والحريات لكامل أفراد الشعب العراقي.
6- ان تدعم الحكومة العراقية المنظمات غير الحكومية لبناء قدراتها الذاتية بكل السبل المتاحة بما يمكنها من النهوض بواجبها ودورها الوطني.
7- ان توفر الحماية للمنظمات والجهات المتصدية لتكوين الرأي العام ضد كل أنواع التهديدات التي قد تطالها والأفراد المكونين لها وفي جميع الظروف.
8- كما ننصح الهيئات والمؤسسات غير الحكومية بالاتجاه نحو التحالف فيما بينها لغرض التنسيق وتوحيد الجهود والاستفادة من الإمكانيات المتاحة لبعضها وتقاسم العمل بشكل منظم بما من شأنه ان يزيد من التأثير في المؤسسات العامة والرأي العام ويكون التصدي للمخالفات بشكل أكثر نجاعة.
.....................................
اضف تعليق