عقد مركز ادم للدفاع عن الحقوق والحريات حلقة نقاشية تحت عنوان (مشروع قانون جرائم المعلوماتية في ميزان العدالة الجنائية وحقوق الإنسان)، بمشاركة عدد من مدراء المراكز البحثية وبعض الشخصيات الحقوقية والأكاديمية، ضمن فعاليات ملتقى النبأ الإسبوعي. افتتح الحوار الدكتور حيدر حسين الكريطي أستاذ مادة القانون...
عقد مركز ادم للدفاع عن الحقوق والحريات حلقة نقاشية تناول من خلالها موضوعا تحت عنوان (مشروع قانون جرائم المعلوماتية في ميزان العدالة الجنائية وحقوق الإنسان)، وذلك في تمام الساعة العاشرة والنصف صباح يوم السبت الموافق (27/4/2019)، بمشاركة عدد من مدراء المراكز البحثية وبعض الشخصيات الحقوقية والأكاديمية، ضمن فعاليات ملتقى النبأ الإسبوعي بمقرّ مؤسسة النبأ للثقافة والإعلام في كربلاء المقدسة.
افتتح الحوار الدكتور حيدر حسين الكريطي، أستاذ مادة القانون الجنائي في كلية القانون جامعة كربلاء، والتي أكد فيها: "إن الورقة تتضمن ثلاثة محاور:
أولا: مبررات سن قانون جرائم المعلوماتية
"ففي مجال تقنيات المعلومات والفضاء الالكتروني برزت أنشطة إجرامية عديدة، مما استدعى من المشرعين الجنائيين في اغلب الدول إلى تشريع قوانين خاصة بهذه الجرائم وتعديل أحكام قوانين العقوبات، وذلك على أمل أن تواكب هذه المستجدات الإجرامية، علما أن من مبررات إصدار هكذا قوانين هي، (الإرهاب المعلوماتي/ التجسس المعلوماتي/ تهكير المواقع الرسمية واختراق الحاسبات الخاصة/ تدمير نظم المعلومات/ سرقة البرامج الجاهزة واختراق الحسابات المصرفية/ إساءة استعمال بطاقات الائتمان/ الاستغلال الجنسي للأطفال/ انتهاك حق الخصوصية/ الاعتداء على حقوق الملكية الفكرية/ نشر الصور والمحادثات وانتهاك الخصوصية/ التنصت على المكالمات/ اعتراض المعلومات/ الابتزاز الالكتروني/ الترويج للمخدرات).
"هذه الأنشطة برزت إلى السطح ولم تكون قوانين العقوبات السائدة كافية كي تستوعب هذه الجرائم، لاسيما وأن هناك مبدأ في القانون الجنائي يعتبر أساس يدور حوله التجريم والعقاب (فلا جريمة ولا عقوبة إلا بنص)، بالتالي فان القاضي مقيد في حدود النص العقابي، فعندما يعرض عليه نشاط من هذه الأنشطة مضر بالمصلحة العامة والخاصة، لكن في الوقت ذاته لا يوجد نص يجرم هذا الفعل، عندها القاضي لا يستطيع قياس هذه السلوكيات على سلوكيات مجرمة، إلى جانب ذلك تبرز إشكالية معينة مفادها هل هذه الجرائم هي جرائم جديدة تتطلب قواعد تجريمية خاصة؟، أم إنها مجرد وسائل لارتكاب الجرائم التقليدية وهي لا تتطلب سوى مراجعة للقوانين".
"بطبيعة هذا الاستفسار الأمر حسم على المستوى الفقهي، أي انه ضرورة التعامل مع هذه الجرائم على أنها جرائم جديدة مستحدثة، لذلك من الضروري جدا اخذ التدابير التشريعية لمواجهة تلك المستجدات، من أوائل الدول التي سنت تشريعات خاصة لمكافحة الجرائم المعلوماتية هي (السويد/ كندا/ الولايات المتحدة الأمريكية/ بريطانيا)، ففي العراق على سبيل ونحن في العام (2019) تتحدث الحكومة عن قانون يكافح الجرائم المعلوماتية، في حين المملكة السويدية أصدرت في العام (1973) قانون البيانات، ثم شرعت الولايات المتحدة في العام (1976) قانونا خاصة لحماية نظم الحاسبات، بالإضافة إلى ذلك في العام (85/86) حددت السلطات الأمريكية أنواع الجرائم المعلوماتية، أما على الصعيد الأوروبي فبريطانيا أقرت قانون مكافحة التزييف والتزوير من خلال الحاسوب الآلي منذ العام (1981)، كندا أيضا عدلت قانونها الجنائي في العام (1985) حتى يستوعب جرائم الحاسوب الآلي والانترنيت".
"أما على الصعيد العربي فهناك دول عربية سبقت العراق في هذا المجال، علما أن التسمية السائدة للقانون لا تتطابق مع التسمية الغربية بل يسمى (قانون مكافحة جرائم تقنية المعلومات)، في دولة الإمارات العربية المتحدة على سبيل المثال صدر (قانون مكافحة جرائم تقنية المعلومات) وهو يحمل الرقم (2) لسنة (2006)، ثم عدل هذا القانون برقم (5) لسنة (2012)، كذلك الحال بالنسبة لسلطنة عمان حيث صدر (قانون مكافحة جرائم تقنية المعلومات) في العام (2011)، كما شرعت الكويت أيضا قانون يخص (مكافحة جرائم تقنية المعلومات) تحت رقم (63) للعام (2015)، إلى جانب ذلك صدر مؤخرا (قانون مكافحة جرائم تقنية المعلومات المصرية) وهو يحمل رقم (175) لسنة (2018)، لذلك فان اغلب الدول ذهبت باتجاه إصدار قانون ينظم هذه الجرائم".
"التي تعتبر ظاهرة من ظواهر صور الاعتداء في الوقت الحاضر، لاسيما وأن (البريدي الالكتروني لأي إنسان لأي إنسان هو معرض للاعتداء، كذلك فان حساب مواقع التواصل الاجتماعي هي عرضه للاختراق وللتهكير، يضاف إلى ذلك فان الخصوصية الشخصية هي معرضة أيضا للانتهاك، يضاف إلى ما تقدم فان بطاقات الائتمان المالي كذلك هي معرضة للانتهاك والاختراق، وتستعمل أيضا للاستيلاء على الرصيد الشخصي، المكالمات والرسائل أيضا هي عرضه للاختراق والمصادرة والتنصت عليها وغيرها من الأمور الأخرى، عندها لابد من وجود مواجهة تشريعية وأن تكون تلك المواجهة مدروسة بعناية فائقة، وذلك من اجل إيجاد معادلة دقيقة بين المصلحة العامة والخاصة وبين السلطة والحرية".
"علما أن تاريخ مشروع قانون الجرائم المعلوماتية في العراق يعود للعام (2011)، وقد تم ترحيله لدورتين انتخابيتين بسبب الانتقادات التي وجهة لهذا القانون، حيث قراءته القراءة الأولى في شهر يناير هذا العام، والآن نحن ننتظر القراءة الثانية ومن ثم الإقرار، هذا المشروع كان تحت إشراف ست لجان برلمانية وهي (لجنة الأمن والدفاع/ اللجنة القانونية/ لجنة حقوق الإنسان/ لجنة الاعمار والخدمات/ لجنة الثقافة/ لجنة التعليم العالي)، والمشروع يتألف من (31) مادة موزعة على أربعة فصول..
الفصل الأول: التعاريف والأهداف
الفصل الثاني: الأحكام العقابية
الفصل الثالث: إجراءات جمع الأدلة والتحقيق والمحاكمة
الفصل الرابع: أحكام ختامية وعامة
"هذا المشروع عالج أنشطة تفصيلية للسلوك في مجال التجريم، ناهيك عن ذلك فان العقوبات التي حددها هذا القانون هي تتراوح ما بين الحبس والسجن المؤبد والغرامة، وهي تصل في بعض الأحيان إلى (50) مليون دينار عراقي لكل من ارتكب (جرائم ماسة بأمن الدولة/ تعريض المؤسسات العسكرية والاقتصادية للخطر/ الترويج للأعمال الإرهابية/ الترويج للإتجار بالبشر/ الترويج للمخدرات/ الترويج للعصيان المدني/ إثارة النعرات الطائفية/ تعطيل أجهزة الدولة/ الأمور المالية والمصرفية/ التعرض لبعض الأنشطة كالتشهير واستعمال المواقع الوهمية) وغيرها".
"أيضا حدد أحكام إجرائية تتعلق بهذا الموضوع وهي لم تكون وافيه وكافية، ناهيك عن ذلك هو او كل مهمة النظر بالجرائم الناشئة عن هذا القانون إلى محكمتي جنح وجنائيات الرصافة في الثلاث سنوات الأولى بعد نفاد هذا القانون، ثم يعود الاختصاص الطبعي للمحاكم حسب الاختصاص المكاني".
ثانيا: مضامين قانون سن الجرائم المعلوماتية
"في المادة (واحد) حدد المقصود بالعبارات والمصطلحات الآتية.. (الحاسوب/ المعالجة الآلية للبيانات/ بيانات الحاسوب/ البرامج/ جهاز تزويد الخدمات المعلوماتية/ بيانات المرور/ بيانات الاشتراك/ البطاقة الالكترونية/ شبكة المعلومات/ التوقيع الالكتروني/ الوسائل الالكترونية/ المحرر الالكتروني/ نظام معالجة المعلومات)، بخصوص تلك التعاريف ونطاق سريان مفعولها فلدينا مشروع اخر وهو (مشروع قانون الاتصالات والمعلوماتية) وهذا المشروع من المشاريع القديمة، فهل ياترى المشرع العراقي اخذ بنظر الاعتبار ذلك القانون؟، وهل تبادر إلى ذهن المشروع العراقي ضرورة توحيد هذين القانونين في قانون واحد؟".
"فقبل التجريم والعقاب يفترض وجود تشريعات تكفل جانب تنظيم (الاتصالات/ البث الترددي/ الشركات المتعاقدة)، وذلك من اجل الحماية وليس فقط من اجل التجريم والعقاب، يضاف إلى ذلك هناك نظم تقنية وفنية وقانونية بهذا المجال، خصوصا وأن والغاية من وجود هذا القانون هو (توفير الحماية القانونية للاستخدام المشروع للحاسوب وشبكة المعلومات ومعاقبة مرتكبي الأفعال التي تشكل اعتداء على حقوق مستخدميها)".
"اما من ناحية الأحكام العقابية فهي تتسلسل من المادة (3 إلى 23)، ففي المادة (3) (يعاقب بالسجن المؤبد وبغرامة لا تقل عن (25) مليون دينار عراقي ولا تزيد على (50) مليون دينار عراقي كل من استخدم عمدا أجهزة الحاسوب وشبكة المعلومات بقصد المساس باستقلال البلاد ووحدتها وسلامتها)، أيضا عاقب بالعقوبة ذاتها كل من استخدم عمدا أجهزة الحاسوب وبرامجه أو أنظمته أو شبكة المعلومات التابعة للجهات الأمنية والعسكرية والاستخبارية بقصد الإضرار بها أو إرسال محتواها لجهة معادية لتنفيذ جرائم ضد أمن الدولة الداخلي والخارجي، بالتالي فان قانون العقوبات يفي بالغرض لا داعي للتجريم.
أيضا من الأحكام العقابية في المادة (4) (يعاقب بالسجن المؤبد وبغرامة لا تقل عن (25) مليون دينار عراقي ولا تزيد على (50) مليون دينار عراقي كل من انشئ وادار موقعا على شبكة المعلومات بقصد ارتكاب إحدى الأفعال الآتية.
أولا: تنفيذ عمليات إرهابية تحت مسميات وهمية او تسهيل الاتصال بقيادات واعضاء الجماعات الإرهابية.
ثانيا: الترويج للأعمال الإرهابية أو أفكارها أو نشر المعلومات الخاصة بها.
بالتالي فان المشرع العراقي عندما شرع قانون مكافحة الإرهاب لم يتطرق للإرهاب المعلوماتي، ولكن هذه الأنشطة تدخل ضمن هذا المجال.
في المادة (5) (يعاقب بالسجن المؤبد وبغرامة لا تقل عن (30) مليون دينار عراقي ولا تزيد على (40) مليون دينار عراقي كل من أنشأ أو نشر موقعا على شبكة المعلومات بقصد الاتجار بالبشر باي شكل من الأشكال)، علما اننا لدينا قانون يخص مكافحة الاتجار بالبشر وكان من المفترض أن ينظم هذه المسالة).
(كل من أنشأ أو نشر موقعا على شبكة المعلومات بقصد الاتجار بالمخدرات أو بالمؤثرات العقلية). وهذا المعنى يكاد يتجلى من خلال قانون مكافحة المخدرات كي ينظم هذه المسالة.
في المادة (6) (يعاقب بالسجن المؤبد كل من استخدم أجهزة الحاسوب وشبكة المعلومات في اثارة العصيان المسلح أو التهديد).
المادة (7) (يعاقب بالسجن المؤقت وبغرامة من (10) مليون دينار عراقي ولا تزيد عن (30) مليون دينار عراقي كل من استخدم نظم الحاسوب العائدة للأشخاص أو المصارف أو الأسواق المالية وتمكن من الاستيلاء على أموال الغير)، وهذا الموضوع واقعا يتطلب التجريم.
المادة (8) (يعاقب بالسجن المؤقت وبغرامة من (10) مليون دينار عراقي ولا تزيد عن (15) مليون دينار عراقي كل من زور أو قلد أو اصطنع بنفسه أو بواسطة غيره سندا أو كتابا الكترونيا أو شهادة التصديق).
المادة (9) (عاقبة بالسجن مدة لا تزيد عن (10) سنوات وغرامة من (5إلى 10) مليون دينار عراقي كل من استولى عمدا على توقيع أو كتاب أو سند).
المشرع العراقي عاقب بالحبس وبغرامة من (3 إلى 5) مليون دينار عراقي كل من أؤتمن على برامج أو شبكة المعلومات أوكلت إليه بصفته حارس فاستولى عليها.
في المادة (10) (يعاقب بالسجن من (7) سنوات وبغرامة من (10 إلى 30) مليون دينار عراقي كل من انشأ أو أدار أو روج موقعا على شبكة المعلومات يسهل عمليات غسل الأموال).
إلى جانب ذلك فان المشرع العراقي استغرق في تحديد الجرائم المعلوماتية من مثل (الإتلاف أو الإضرار بوسيلة أو محرر الكتروني وكذلك شهادات التصديق).
وعاقب بالحبس (7) سنوات وغرامة من (25 إلى 50) مليون دينار عراقي (كل من التقط أو اعترض بدون وجه حق ما هو مرسل عن طريق أجهزة الحاسوب).
كما عاقب بالحبس (3) سنوات وغرامة من (5 إلى 10) مليون دينار عراقي (كل من اتلف تشفير توقيع الكتروني).
ومن الأحكام الأخرى التي تضمنها هذا القانون هي إنشاء الحسابات الوهمية، فهذا الأمر أحيانا له اعتبارات اجتماعية حساسة تخص الإناث والنساء في المجتمع العراقي فلا يمكن لها التصريح باسمها الحقيقي، بينما المشرع العراقي لم يراعي الضوابط الاجتماعية التي تحكم المجتمع العراقي.
ثالثا: تقييم المشروع
"هذا المشروع يصنف على ضروري ولا غنى عنه خصوصا وأن الباب مفتوح على مصراعيه أمام الجرائم الالكترونية والفضاء الالكتروني، فالكثير من الجرائم ارتكبت في الفضاء الالكتروني وتسمى اليوم بـ(الجرائم السبرانية)، فهذا المجال وبما أن النشاط الإنساني امتد إلى هذا الفضاء فيجب أن يحكم وينظم، ولا علاقة لهذا الأمر بالحقوق والحريات فليس هناك حريات مطلقة، خاصة وأن تحت شعار الحرية والحق تدمر هذه النظم وتنتهك هذه الحسابات وتخترق، بالتالي فان الفراغ التشريعي ولد نتائج فوضوية، خاصة وأن الاتحاد الدولي للاتصالات اكد على أن العراق يحتل المرتبة الخامسة للدولة التي تنامى فيها استعمال الانترنيت، بالتالي أصبح وكر للعديد من السلوكيات الإجرامية الخطيرة".
"لكن ذلك لا يمنع من توجيه بعض الانتقادات لهذا المشروع لأنه ينطوي على أوجه خلل:
أولا: تسمية القانون فالتسمية غير دقيقة والأصح هو (قانون مكافحة جرائم تقنية المعلومات) لاسيما وأن الجرائم المعلوماتية هي مفهوم واسع.
ثانيا: المشرع العراقي أعاد تجريم أفعال مجرمة أصلا في قانون العقوبات وفي قوانين أخرى مثل (الجرائم الماسة بأمن الدولة) أو غيرها.
ثالثا: نصوص المشروع العراقي تفتقر إلى الدقة في التحديد والبيان، لاسيما وأن النص العقابي من أهم شروطه أن يكون واضح وقاطع في الدلالة، وذلك حتى لا يكون هناك اجتهاد في التفسير.
رابعا: عدم مراعاة بعض الاعتبارات الاجتماعية التي تحول دون الإفصاح عن الاسم بالنسبة للعنصر النسائي في العراق عبر وسائل التواصل الاجتماعي.
خامسا: افتقاد التناسب ما بين الجريمة والعقوبة في العديد من أحكام القانون، خاصة وأن الأحكام العربية في غالبيتها تحدد عقوبة الحبس المخفف لأشهر أو أسابيع.
سادسا: لم يضمن القانون الجانب الإجرائي، فتطبيق هذا القانون ليس بالأمر السهل، فالمحاكم الآن غير مؤهلة تقنيا لتطبيق أحكام هذا القانون.
سابعا: القانون لم يستحدث محكمة متخصصة، ففي الثلاثة سنوات الأولى أوكلهم لمحكمة جنايات الرصافة وهي لا تلبي كل مساحة الوطن، وبعد ذلك أعاد الأمر للقضاء العادي.
أخيرا هناك الكثير من الانتقادات لهذا القانون، ولكن هو ضرورة بمكان أن يدرس هذا القانون بعناية فائقة ويكون في ضوء (أحكام الدستور/ أحكام الواقع/ القوانين الأخرى المقارنة)، فعلى سبيل المثال لدينا ستة لجان برلمانية والمشروع خرج بهذه الحالة البائسة، كذلك لا ندري السياسة التشريعية في البلد إلى أين تسير، فعندما تنتهي الدورة الانتخابية وتأتي دورة أخرى لا يتم متابعة التشريعات، والسبب هنا لأننا نفتقد للمؤسسات التشريعية كي تحافظ على ثبات التشريع".
"فعلى سبيل المثال وليس الحصر أين قانون حرية التعبير والتظاهر والاجتماع؟، هل له علاقة بهذا القانون أم هناك تعارض، أيضا قانون الاتصالات والمعلومات هل يتعارض مع قوانين أخرى وهل يتعارض مع الدستور؟، بالتالي على هذا القانون أن يراعي الواقع وأن يراعي الجوانب التقنية".
وللخوض أكثر في تفاصيل هذا الموضوع نطرح السؤالين التاليين:
السؤال الأول: ما هي مسوغات سن قانون جرائم المعلوماتية في العراق؟
القوانين تشرع لتقييد الحريات وليس تنظيمها
- الشيخ مرتضى معاش، المشرف العام على مؤسسة النبأ للثقافة والإعلام، يتساءل "عن فلسفة التشريع القانوني الذي يرتبط بحقوق الناس وحرياتهم، فهل يأتي لتلبية حاجة الناس أم هو نتيجة لوجود أزمة داخل النظام السياسي، المشكلة أن معظم القوانين التي تشرع عندنا الآن هي لا تنبثق من الدستور، وإنما هي تأتي للتغطية على تلك الأزمات فتاتي بهذا التشريع، وهذه القضية خطره حيث تؤدي إلى نقض الفلسفة التي جاء من اجلها تشريع القانون".
أضاف معاش "ايضا القوانين التي تشرع لدينا هي تعطي القوة التنفيذية للسلطة الحاكمة، لذلك هي تنافي الحقوق الدستورية وتنافي الدستور وتنافي ايضا مبدأ فصل السلطات، بالتالي يصبح لدينا تغول في السلطة التنفيذية، وهذا الأمر يأتي نتيجة التراكم التاريخي للأنظمة السياسية في منطقتنا، وهي دائما ما تقوم على فلسفة دكتاتورية وعلى القوة الحديدة وانتهاك الحريات، لاسيما وأن التجربة الديمقراطية تحتاج إلى تجربة طويلة من ممارسة حرية التعبير وثقافة التعددية، وهذا ما نفتقد اليه في فلسفة التشريع، فنحن دائما ما نعطي للتشريع القوة الحديدية والضرب بيد من حديد".
يكمل معاش "خاصة وأن مبدأ من مبادئ النظام الديمقراطي هي حرية التعبير، فماذا يفيد القانون اذا كان يقضي على حرية التعبير، ويقضي على حرية الحصول على المعلومة وعلى حرية المواطن في النقد، فالمواطن عندما يريد أن تشخص حالة فساد في مكان معين يوصف بانه يتعدى على الدولة وعلى النظام السياسي، بالتالي هذه القوانين عندما تأتي هي تصب في خانة تقييد الحريات وليس تنظم الحريات، كما ان اكثر من ينتهك قانون جرائم المعلوماتية وفي مختلف دول العالم هي السلطات والأحزاب المرتبطة بالسلطات، هي من تنتهك الخصوصية وهي من تتجسس على الآخرين".
أضاف أيضا "بالتالي من يقوم بجرائم المعلومات هي السلطات الحكومية وعلى مستوى العالم وليس العراق فقط، وذلك من خلال التجسس والتنصت واستخدام الجيوش الالكترونية، اليوم الأحزاب على سبيل المثال لديها جيوش الكترونية كبيرة جدا تقوم بعملية التسقيط والتضليل، تم ذكر بعض الدول العربية كالإمارات ومصر وهي من أسوء الدول في قضية الجرائم المعلوماتية وفي انتهاك حقوق الإنسان، اليوم في مصر والإمارات هناك الكثير من الأشخاص أودعوا في السجون لأنهم عبروا عن آرائهم من خلال شبكات التواصل الاجتماعي، وبالنتيجة اتهم بنشر الأخبار الكاذبة والتضليل".
كما أضاف معاش "فالقانون اليوم يستخدم لقمع حرية التعبير عن الرأي، لذا لابد أن يكون القانون محكوم بكل الأسس الدستورية، ابتداء من حرية التعبير إلى حرية الوصول للمعلومة وحرية النقد والرقابة إلى فصل السلطات، بالتالي أي قانون ينتهك هذه القضايا هو غير شرعي ولا يلبي الحاجة لتشريع هذا القانون".
القانون كأداة لضرب الخصوم وليس لحماية الشعب
- الدكتور علاء إبراهيم الحسيني، التدريسي في كلية القانون بجامعة كربلاء، والباحث في مركز آدم، يجد "إننا بحاجة ماسة للخوض في فلسفة هذا التشريع، وما وراء هذا التشريع، خصوصا وأن فلسفة هذا التشريع قائمة على مصالح ينبغي حماياتها، لأنها في حقيقة الأمر مصالح معتبرة، هذه المصالح المعتبرة كثيرة في مقدمها، هناك مصالح حيوية لأبناء الشعب العراقي لابد أن تكفل، إلى جانب ذلك هناك فراغ قانوني في هذا المضمار لابد أن يملئ، خصوصا وأن هذه الجرائم هي جرائم مستحدثة، وليست أفعال تنفيذية لجرائم قديمة".
أضاف الحسيني "لذلك عندما أريد ضمان هذه السلوكيات فلابد أن أضعها في موضعها الحقيقي، بالتالي لابد أن نسن قانون ونسير باتجاه هذا القانون، لاسيما ونحن متأخرين عن ركب الدول الأخرى في حماية هذه المصالح، هذه المصالح في حالة من التضخم والازدياد والفوران في العراق، وهي مرتبطة بمصالحنا في تقنية المعلومات أو تكنلوجيا المعلومات، بكل جنبات الشعب العراقي والحكومة العراقية تتجه نحو الالكترون، بالمقابل لا توجد حماية حقيقية لهذا التوجه".
يكمل الحسيني "هنا يأتي دورنا من اجل تسليط الضوء على أهمية الموازنة بين أمرين، وهما السلطة وما تحتاجه من عصى غليظة، والشعب وما يحتاجه من مساحة من الحرية ومساحة من الحقوق ومن كفالة حقوقه وحرياته، الدستور العراقي عندما نتصفحه نجد في المادة (14) تؤكد على المساواة، والمادة (15) تؤكد على حماية حق الحياة الذي ينتهك من خلال الالكترون، فلما نجد المادة (38) تؤكد على حرية الرأي وأن الدولة بكل مؤسساتها تكفل حرية الرأي بما لا يخل بالآداب والأخلاق، هنا عندنا قيدين فقط وهما (الأخلاق والآداب).
أضاف أيضا "وغير هذين القيدين يجب أن تكون هناك كفالة لحرية الرأي والتظاهر والتعبير والنشر والصحافة والإعلام، فهذا القانون سيقع تحت هذه الطائلة، خصوصا ونحن نجرم كل ما يتعارض فقط مع النظام والآداب، وهذا خارج القيد الدستوري، المادة (40) تتحدث عن حرية الاتصالات وأن الدولة تكفل للمواطن حرية الاتصالات وتمنع التنصت عليها وكشفها، وسواء كانت الكترونية برقية سلكية لا سلكية، نجد هنا ضرورة أن نضع ميزان نزن فيه هذا القانون".
كما أوضح الحسيني "هذا القانون مشوه ومستعجل وغير مدروس وفيه تداخل مع قوانين كثيرة، فمثلا قانون المؤثرات والمخدرات وقانون التوقيع الالكتروني وكذلك قانون الاتجار بالبشر، كل هذه القوانين هي موجودة فلماذا تأتي لتضخم هذا المشروع، وتترك لب اللباب فيه وهو التركيز على حماية مصالح الافراد والجمهور من الاعتداءات الالكترونية، وتركز على مسائل قد تحمي السلطات العامة، بالتالي نحن لا نحتاج الحماية للسلطات العامة بل الحماية للمواطن".
ويردف الحسيني "أنا كمواطن أريد أن تحمى بياناتي المصرفية وبياناتي على المواقع الالكترونية، كما أريد أن تحمى بياناتي لان فيها حقي في الخصوصية، اما أن يتم التركيز على حماية أمن الدولة الداخلي والخارجي، فهذه مسائل سوف تأخذنا باتجاه ترك المادة (38) التي تدعو إلى حماية ما يتعلق بالآداب والأخلاق، بالتالي نحن تركنا هذا القيم الدستوري واتجهنا صوب تضخيم هذا المشروع، وصوغه بصياغات عائمة قد تجعله منه سوطا بيد السلطة العامة في المستقبل".
يختم الحسيني "لذلك نحن نقول هذا القانون يحتاج إلى إعادة نظر ويحتاج إلى إعادة صياغة، بتأني وبإشراك فعاليات أخرى كجامعات القانون في العراق وهي تصل إلى (35) كلية على مستوى العراق أو أكثر من ذلك، إلى اليوم لم يشرك البرلمان أي كلية من هذه الكليات ولم يشرك السلطة القضائية بمختلف مسمياتها، كذلك هو لم يشرك كل مؤسسات المجتمع المدني بكل مسمياتها، لم يؤخذ بنظر الاعتبار (مشروع قانون الاتصالات/ قانون حرية التعبير عن الرأي/ دور هيئة الاتصالات/ دور جهاز الادعاء العام في الإبلاغ والإخبار)، فهذه المسائل كلها كانت غائبة عن ذهن المشرع العراقي الذي كان يعاني من أزمة سياسية، بالتالي عندما أريد السيطرة على الجيوش الالكترونية المعارضة للقابضين على السلطة من خلال هذا القانون، فقد تم استعماله كأداة لضرب الخصوم وليس لحماية الشعب".
المسوغات موجودة لتشريع هكذا قانون
- الدكتور قحطان حسين الحسيني، الباحث في مركز المستقبل للدراسات الستراتيجية، يعتبر "المسوغات موجودة لتشريع هكذا قانون، فنحن نعلم الاستخدام الواسع لشبكة المعلومات في مجال واسعة جدا مثل (العمل/ التجارة/ التسويق/ الترفيه)، فهذا الاستخدام الواسع حقيقة يحتاج لتنظيم ويحتاج لقانون، وهذا القانون يجب أن يشمل كل الجوانب التي تتعامل بها شبكة المعلومات، ولكن هناك هاجس وتخوف من قضيتين أساسيتين وهما.. أولا؛ تقاطع هذا القانون مع قوانين أخرى نافذة، وهذه القوانين قد تدخل السلطة التنفيذية في دوامة حول التساؤل الوارد أيهما واجب التطبيق في هذه الجريمة أو ذاك الفعل، بالتالي يجب أن يأخذ المشرع بنظر الاعتبار هو تجنب الوقوع في تداخل تشريعي ما بين القوانين النافذة".
أضاف الحسيني "التخوف الآخر هو توظيف هذا القانون لغايات وأهداف سياسية، خاصة وأن هناك غايات وأهداف قد تبدو واضحة من وراء تشريع هكذا قانون، لاسيما وأن الأطراف السياسية التي تحكم البلد هي لها مناوئين، وبالتالي يمكن استخدام هذا القانون لتصفية الخصوم، أيضا قضية التمييز في تطبيق هذا القانون والأحكام التي يتضمنها، كذلك هناك قضية المساومات والمحاباة فبعض الجهات السياسية التي تمتلك من القوة والجبروت، ما يجعلها عصية على الخضوع لهذا القانون وأحكامه ومواده، أيضا القضايا والأفعال التي ينظمها القانون قد غاب عنها..(قضية الاتجار غير المشروع بالسلاح/ قضية الترويج لممارسة الدعارة والبغاء من خلال مواقع التواصل الاجتماعي).
حقوق المواطن وليس حقوق السلطة
- الحقوقي احمد جويد، مدير مركز ادم للدفاع عن الحقوق والحريات، يصف "الغاية التي من اجلها تعقد هكذا حوارات وهكذا ندوات، هي من اجل أن نحافظ على مساحة الحرية التي من اجلها أريقت الكثير الدماء، والدليل على ذلك ما حصل قبل العام (2003) حيث كانت الدكتاتورية وتكميم الأفواه وتقييد الحريات وسلبها، فاليوم وبعد هذه التضحيات الجسيمة لا نريد وباسم الديمقراطية العودة إلى الدكتاتورية بشكل آخر، بالتالي عندما يتم مناقشة هذه القوانين بغية إعادة صياغتها بالشكل الذي يحفظ حقوق المواطن وليس حقوق السلطة هي الغاية الحقيقية والمنشودة، خاصة وان الشعب هو مصدر السلطات فيجب أن يشارك الدولة والمشرع من الاستفتاء على هكذا قوانين، وهذا ما معمول بها في كافة الدولة الديمقراطية التي تحترم نفسها".
أضاف جويد "اليوم أكثر من تخشاه السلطة وخاصة السلطات المستبدة هو الفضاء الالكتروني، الذي استطاع ان يطيح بعروش الكثير من الزعامات العربية التي أمسكت بالسلطة لعقود طويلة من الزمن، بالتالي كان لشبكات التواصل الاجتماعي دور كبير في هدم هؤلاء الأصنام، فعلى سبيل المثال اليوم بعض مؤسسات الدولة العراقية متهمة بقضايا فساد وبقضايا إجرام، فهذه الجرائم يتم فضحها عن طريق الفضاء الالكتروني، وهذا الشيء جيد إذا ما كانت الدولة حريصة فعلا على بناء الدولة، وهو يعد إخبار مجاني للسلطات من مواضع الفساد والخلل".
يكمل جويد "فالدولة عندما تعرضت لاختراق أمني كبير استنجدت الحكومة بالشعب، فهل يعقل في مثل هكذا قضايا يتم الاستعانة بدماء الشعب، وفي قضايا أخرى لفضح الفاسدين وللتعبير عن الرأي ولقضايا الخدمات، يكبح زمام المواطن وتقيد حرياته؟!!، فهذه القضايا يجب أن تراعى كي نرسخ بناء المؤسسات بناء ديمقراطي، لذلك نحن نشد على يد جميع مؤسسات وفعاليات المجتمع المدني الأساتذة القانونين، وذلك كي لا تمرر هذه المشاريع بغفلة من الناس".
أضاف أيضا "فمثلا هذا القانون تم صياغته في العام (2011) حيث كان الوضع العراقي يعاني من وضع حرج، حيث كانت منصات التظاهرات وإرهاب، بالتالي لو اقر هذا المشروع في تلك الفترة لا يستطيع المجتمع أن يجادل بحجة الهاجس الأمني، لكن عندما ينتهي هذا الظرف يبقى القانون ساري المفعول ليكمم الأفواه، لذا لابد أن تشارك هذه الفعاليات بأجمعها ويؤخذ رأيها من خلال الاستفتاء على بعض القوانين المهمة، وذلك من اجل الحفاظ على تلك المساحة من الحرية، وإلا لو تنامت أطماع تلك الأحزاب في يوم الأيام حتى هذه الجلسات الحوارية سوف يتم تجريمها".
القانون حسب مزاجية الحاكم
- عدنان الصالحي، مدير مركز المستقبل للدراسات الستراتيجية، يعتبر "الإشكال الحقيقي أن القانون في الشرق الأوسط يطبق حسب مزاجية الحاكم وليس حسب روحية ومزاجية القانون، فنحن في عهد النظام السابق لم تستعمل الأحكام بتهمة المعارضة بل حكم المعارضين بتهديد أمن الدولة، أو الانتماء لأحزاب معادية للحزب والثورة، بالتالي ليس هناك قانون ينص على ذلك بل هناك مزاجية سلطة صيرت القانون بهذا الاتجاه، اليوم كذلك فالقانون يحتمل التأويلات والاجتهادات خاصة واننا امام نصوص دستورية مختلف عليها، وهذا الاختلاف في وجهات النظر هو مساحة للتصارع وللتضارب وللخصومة".
أضاف الصالحي "بالتالي من غير المنطقي أن تصدر حكم باسم الشعب لضرب أولئك الناس الذين يشيرون إلى مواطن الفساد في المؤسسات الحكومية، فعلى سبيل المثال محامي ترافع في قضية ما في إحدى المحاكم، وقد اتهم بالمساس بالمحكمة والتشهير بها وحكم بثلاثة سنوات، ولولا تدخل الإخوة المحامين لما أفرج عن المحامي بالتمييز، لذا فان مزاجية بعض الأشخاص فسرت القانون على مزاجها".
توظيف القانون لتعزيز الرقابة الشعبية
- أ.م.د حسين أحمد السرحان، رئيس قسم الدراسات الدولية في مركز الدراسات الإستراتيجية في جامعة كربلاء وباحث في مركز الفرات للتنمية والدراسات الستراتيجية، يرى "إن القوانين دائما ما تأتي لمعالجة مستجدات معينة من مثل التطور التكنولوجي التغيير الاجتماعي التغيير السياسي، بالتالي تأتي القوانين طبقا لهذه التطورات، والجيد إنها تعمل على تنظيم الحياة العامة في إطار تعزيز النظام العام وحماية النظام العام، من حيث المبدأ الجرائم المعلوماتية وفي دول أخرى من العالم كانت هناك حوادث كثيرة، ولولا وجود الأطر التشريعية المتوافقة والمتناسقة مع باقي القوانين فيما يخص المعلومات، لما استطاعت تلك الدول التصدي لهذا الموضوع بشكل جيد ".
أضاف السرحان "لذلك كل نظام سياسي وكل دولة هي بحاجة لهكذا قوانين تمس حالة التطور التكنولوجي وتمس وسائل الاتصال، لكن الموازنة مطلوبة خاصة وان طبيعة وفلسفة النظام السياسي، لابد أن تتوازن مع موضوع حماية النظام العام من الاختراق المعلوماتية ومن جرائم المعلوماتية، في نفس الوقت هذا النظام السياسي الذي هو في إطار الانتقال الديمقراطي، فهذا النظام فيه مساحة كبيرة من الحريات والحقوق، وأيضا واحدة من مميزات هذا النظام هو موضوع (الرقابة الشعبية)، سابقا كانت الرقابة الشعبية بفعل عدم وجود وسائل التواصل السريع والحر".
يكمل السرحان "كان موضوع الرقابة فيه جهد كبير من خلال التظاهرات أو حركات احتجاجات، فاليوم هذه الحركات تستفاد من التكنولوجيا التي بدورها وفرت مساحة كبيرة لممارسة الرقابة الشعبية، بالتالي فان النظام السياسية بمختلف سلطاته التشريعية والتنفيذية والقضائية وبدون رقابة شعبية لا يمكن تقويم مسار هذا النظام، لكن إذا أريد له الإخلال بالتوازن بين منح الحقوق والحريات والأفراد في إطار فلسفة النظام، وبين تقييد هذه الحريات بما يخدم سلطة الدولة وسلطة القوى السياسية الموجودة، حقيقة هذه إشكالية كبيرة لابد من التصدي لها".
أضاف أيضا "كذلك فان الموقف الحالية كمواقف المجتمع المدني والقنوات الفضائية ووسائل الإعلام والحلقات النقاشية التي تقام، فكان لها دور كبير في إيقاف هذا الموضوع والتريث في مناقشته في مجلس النواب العراقي، لذا لابد أن يراعى هذا القانون رغم انه (يحمي النظام العام/ يحمي خصوصيات الأفراد/ يجنب الدولة جرائم الهكر/ الدخول لمعلومات الأمن والنظام العام)، لكن تبقى الإشكالية الأساسية هي الجانب السياسي".
يختم السرحان "فلابد أن يوظف هذا القانون باتجاه تعزيز الرقابة الشعبية، وهذه من مصلحة النظام السياسي ومن مصلحة القوى السياسية، إن توفر للشعب الوسائل المناسبة للرقابة، وبالتالي تكون هناك عملية مستمرة في مسالة التغذية العكسية وتصحيح المسارات".
الفكر الإرهابي استطاع استغلال المواقع الالكتروني بشكل جيد
- عباس مهدي، رجل أعمال، يعتقد "إن العراق بحاجة لكهذا مؤسسات من بعد سنوات من الظلم والجور، وذلك كي تنقذ الإنسان العراقي، وتعطيه ثقافة الدفاع عن نفسه، فضلا عن انها تثقف الشعب من خلال تلك الحوارات وطرح الأفكار ومناقشتها، وهذا الفعل يخيل لي على انه كبير وكبير جدا، فالشعوب تظلم عندما لا تستطيع الدفاع عن نفسها، خاصة وإن آليات الدفاع عن النفس الإنسان العادي لا يعرفها، ولكن في مناطق أخرى حتى المثقف لا يستطيع الدفاع عن نفسه".
وأضاف "لذلك هذه الجهود التوعوية والإرشادية والثقافية هي جهود عملاقة، فهناك الكثير من افراد الشعب وحتى المثقفين لا يعرفون قيمة هذا العمل بالشكل المطلوب، إلا أولئك الذين عانوا من النظام السابق، ففي بدايات انطلاق حزب البعث كانوا عبارة عن أفراد، فلو كانت هناك ثقافة قوية ابتداء من الحوزات العلمية ومراجع الدين إلى ابسط الناس يعرفون الدفاع عن أنفسهم، ما كان لهذه السلطة أي (سلطة حزب البعث) أن تأتي وتدمر تاريخ هذا الشعب بكل صورة".
يكمل عباس مهدي، "إلى جانب ذلك فان معاناة العراق خلال هذه الفترة من السقوط إلى اليوم، الفكر الإرهابي استطاع استغلال المواقع الالكتروني بشكل جيد، هذا مما مكنه من تجيش الجيوش لتدمير العراق، فالقانون لم يتطرق إلى هذه الجزئية بالشكل المطلوب بل حاكى العموميات، الفكر الوهابي مثلا تم استغلاله من كل أجهزة المخابرات العالمية والدولية، لكن القانون لم يضع الأسس السليمة حتى لا تتمكن المخابرات العالمية من غسل عقول أولئك المجرمين، حتى لا يصل إلينا هذا التدمير".
أضاف أيضا "الدول تعاني لذا لابد من تقييد الحرية الفكرية التي هي لها أسس خاصة بها، لذلك هؤلاء الإرهابيين استفادوا من المواقع الالكتروني، واقرب مثال على ذلك إلقاء التلفزيون للمجاميع الإرهابية الأخيرة في آخر معقل في سوريا، فالنساء تتحدث وبشكل صريح عن مدى قابليتهم البشرية على التدمير والقتل وسفك الدماء، فهذا الأمر يدل على عظم البرامج التي خضع لها هؤلاء من غسيل الدماغ، بالتالي على المشرع العراقي أن يأخذ هذا المعنى على محمل الجد ويعطيه مساحة كافية من الوقت لمعالجة تلك الفراغات التشريعية، عندها تتبلور صور ناضجة عن كون المشرع العراقي مشترك بالجريمة".
كما أشار "أيضا نتساءل هنا عن الدور الحكومي أين هو؟، وأين القوانين؟، فالشعب عندما يريد الدفاع عن نفسه من خلال التقنية الالكترونية، ما هي القوانين التي تمنع المسؤول الحكومي والقوة القضائية من الاعتداء على هذه المداخلات الموجود على شبكة التواصل الاجتماعي، بالتالي عندما تريد أن تحمي نفسك عليك أن تسن قوانين تحمي الطرف الآخر وهو المواطن، أيضا هناك أفكار ضالة هي التي تأتي بالإرهاب الفكري، فالقانون لم يتعرض لها".
"بالتالي هذه التقنيات الالكترونية التي يمتلكها الفكر الوهابي كم تؤثر على الفرد العراقي وعلى فكره، وإلا المذهب السني في العراق وخلال فترات طويلة قبل مجيء داعش لم يكون بهذا المستوى من الإرهاب والقهر للآخر، لذلك هذا الفكر الإجرامي هو الذي غير تلك القناعات وإعطائها بعدا إجراميا وطائفيا مقابل اقرب الناس له، فهذا يؤشر حقيقة انتقال هذا الفيروس الإجرامي من خلال المواقع الالكترونية، بالتالي لابد علينا ان نسن قوانين تحدد مساحة الحرية التي يتمتع بها الفرد، وأن لا يروج لتزييف الأفكار".
"فمثلا الشعب العراقي لديه مقدسات خاصة ومعتقدات خاصة، لذا لابد من احترام تلك الخصوصية وعدم تزييفها عن طريق الأكاذيب، القانون لم يدافع عن تلك الفكرة، بل لابد أن تكون هناك قوانين لضبط الحرية الفكرية".
التقدم العلمي يحمل بين طياته ايجابيات عديدة
- الدكتور ضياء الأسدي، عميد كلية القانون جامعة كربلاء، قال "ما شهده العالم من تطور تكنولوجي ومعلوماتي في جميع نواحي الحياة، أدى إلى نقلات نوعية واضحة في نوع الجرائم وأساليب ارتكابها، لا شك بان هذه التقدم العلمي يحمل بين طياته ايجابيات عديدة إذا ما استخدم بالطريقة الصحيح لخدمة البشرية، كما ترافقه سلبيات غير قليلة إذا ما أسيئ استخدامه، وهو أمر متوقع الحصول فعلا".
أضاف الاسدي "ثم هناك العديد من المسوغات التي تستدعي تشريع هذا القانون منها..
أولا التطور التكنولوجي الحاصل في العالم بصورة عامة وفي العراق بصورة خاصة.
ثانيا: وجود مصالح وحريات جديرة بالحماية ظهرت نتيجة ذلك التطور، لا يمكن بقائها بدون تلك الحماية لاسيما الجزئية كونها الأكثر تأثيرا والأنجع بين مثيلاتها.
ثالثا: عدم قدرة النصوص القانونية الموجودة حاليا في المدونة العقابية العامة، في الإحاطة التامة بجميع الحالات والوقائع التي ظهرت حديثا وهي كثيرة الحصول في الواقع من حيث التجريم والعقاب.
رابعا: وجود العديد من الدول التي لديها قوانين خاصة بالجرائم المعلوماتية تعالج تلك الحالات التكنولوجيا الحديثة والعراق ليس بمعزل عن تلك الدول، التي صدرت فيها قوانين ك (الإمارات/ لبنان/ عمان/ قطر/ تونس/ الجزائر)، اما الدول الغربية فقد سبقتنا بعقود، علما أن قانون جرائم المعلوماتية يمكن معالجته من خلال إدخال تعديلات على نصوص قانون العقوبات أيضا، كذلك يفضل إيجاد قانون للجرائم المعلوماتية مستقل عن قانون العقوبات (111) لسنة (1969).
خامسا: إن القوانين الجزائية تقوم على مبدأ مهم ورئيس وهو مبدأ (لا جريمة ولا عقاب الا بنص)، والعمل بمقتضى هذا المبدأ يتطلب عدم تجريم أي فعل، لم تكون هناك نصوص جزئية تتولى ذلك بشكل صريح وواضح، وهذا الأمر من المفترض أن يتكفل به قانون العقوبات رقم (111) المعدل، ويمكن أيضا جعل الأمر منصوصا عليه في القوانين العقابية خاصة الجرائم المعلوماتية، وعدم وجود النصوص في القانون الأول أو عدم وجود القانون الثاني، يمكن أن يؤدي إلى عدم توفر الحماية المطلوبة جزائيا لتلك الحالات والأفعال، لخلو قانون العقوبات من النص عليه.
سادسا: لا يمكن للقاضي أن يخلق جرائم ويفرض عقوبات من تلقاء نفسه بدون نص تجريم.
السؤال الثاني: هل يتعارض سن هذا القانون مع الأسس الدستورية والقانونية للحقوق والحريات في العراق؟
- الشيخ مرتضى معاش، يدعو "إلى إيجاد لجان تحكيمية أهلية هي التي تفصل في حل هذه القضايا، ايضا نحتاج إلى توعية لأخلاقيات استخدام الشبكات، فمثلا لعبة (البوبجي) التي شرع لها قانون في البرلمان لمنعها، هذا الأمر لا يحتاج لقانون بل يحتاج إلى توعية لأخطار شبكات التواصل وكيفية استخدامها، لذا نقترح وجود درس في المناهج الدراسية عن الكيفية الصحيحة لاستخدام الانترنت وشبكات التواصل الاجتماعي بشكل ايجابي".
أضاف معاش "بالتالي نحن نخشى أن نتحول إلى نظام أمني، يقوض كل المكاسب والتحولات الديمقراطية التي حصلنا عليها، والتحول نحو النظام الأمني خط احمر، فنحن لا نقبل بنظام أمني يعسكر البلد، الان الربيع العربي تحول من نظام ديمقراطي إلى أنظمة أمنية بوليسية، اليوم نلاحظ في السودان والجزائر هناك إصرار غير اعتيادي على التحول المدني، والخروج من القبضة الأمنية والدولة العميقة، والسبب هو فشل التجارب السابقة في مصر والدول الأخرى".
يكمل معاش "فقانون المنظمات غير الحكومية لا يساعد منظمات المجتمع المدني على المساهمة في الحريات المدنية وفي بناء الدولة المدنية، ولابد أن نشجع على ثقافة سعة الصدر وتقبل النقد والحوار مع الآخر، حتى نتحول إلى نظام ديمقراطية حقيقي".
- الدكتور علاء إبراهيم الحسيني، يدعو "إلى التأني في صياغة هذا القانون، أيضا نوجه دعوة للسلطات العامة وعلى رأسها السيد رئيس الوزراء ومثلما شكل مجلس أعلى سماه (مجلس مكافحة الفساد) وبدون سند دستوري، فلماذا لا يصار إلى اتخاذ قرار أو قانون في مجلس النواب لتشكيل لجنة عليا، لمراجعة القوانين وعرض هذه المشاريع المهمة عليها، وهذه اللجنة من المختصين ومن الخبراء".
أضاف الحسيني" أيضا لماذا لا نفعل قانون مجلس الدولة العراقي، وإرسال التشريعات إلى مجلس الدولة لتنقيتها من الشوائب والتعارضات مع القوانين والدستور النافذ، كذلك لماذا لا نشرك مجلس القضاء الأعلى بما يحمله الكثير من القضاة من خبرة علمية وعملية متراكمة صقلتها سنين طويلة في أروقة المحاكم، لماذا لا نستفيد من الكليات بمختلف تخصصاتها، لماذا لا نشرك الأساتذة في مراكز الأبحاث، وما الغاية من وجود تلك المراكز في الجامعات العراقية، اذا كانت لا تشرك في مثل هذه المشاريع الريادية أو المفصلة، التي قد تضع العراق على مفرق طرق".
- الدكتور قحطان حسين الحسيني، يرى "هناك ضرورة ماسة لذكر هذه الأفعال التي تمس سيادة الدولة، حتى لا يتم مستقبلا التماهي في تفسير بعض الأفعال التي هي في اصلها لا تمس في سيادة الدولة، وانما لغايات سياسية او اجتهاد شخصي ممكن أن تدرج ضمن الأفعال التي تمس سيادة الدولة".
- الحقوقي احمد جويد، يرى "إن غالبية رواد شبكات التواصل الاجتماعي هم من فئة (الشباب المتحمس/ المراهقين)، وهذا الشباب الصغير لا يعي خطورة ما يطرح من خلال شبكات التواصل، بل ينظر للموضوع على انه حق من حقوقه الطبيعية، وبالتالي هو يعبر عن وجهة نظرة من خلال تلك النافذة الالكترونية، أضف إلى ذلك فان فئة النساء دائما ما تتحرج عن ذكرها اسمها الصريح لدواعي اجتماعية وعشائرية ودينية، فبالتالي يجب على المشرع أن يدرك هذه القضايا الاجتماعية بشكل دقيق".
- أ.م.د حسين أحمد السرحان، يدعو "إلى أن يكون القانون ضمن الحاجة المجتمعية، وهي لا تتعارض مع فكرة حماية الأطر المعلوماتية ومعلومات الدولة والمعلومات الأمنية والمعلومات السياسية، وبعض البيانات التي تتجنب المصلحة العامة عن بيانها، لكن لا يمكن لهكذا قانون وحتى بقية القوانين أن يتم إقرارها في إطار التوافقات السياسية بين الكتل السياسية، وهذه مشكلة كبيرة لا تعزز النظام الديمقراطي ولا ترتقي بالعملية السياسية، لذلك هذا المشروع لابد أن يعاد تبوبيه باتجاه حماية المجتمع والدولة بشكل عام".
- عباس مهدي، يتصور "إن القانون اذا استطاع نقل ثقافة حرية التعبير لكل الأفراد، عندها يكون لدى جميع الأفراد تصور مصيب حول نقل الحقيقة، لكن لابد أن تكون هناك قوانين تسن لأجل معالجة نقل الأكاذيب والتزييف بالأفكار".
- الدكتور ضياء الاسدي، قال "لا يوجد تعارض بين تشريع هذا القانون وبين الأسس الدستورية والقانونية والتشريعية والتنفيذية، بل نرى العكس ان تشريع مثل هذا القانون يؤدي إلى حماية المجتمع وأفراده من الإضرار والمخاطر التي تتسبب بها تلك الأفعال، بالتالي فان تنظيم الحقوق والحريات لا يعني التعارض مع الأسس الدستورية التي أشارت إليها، ولكن يجب أن لا يصل هذا التنظيم إلى حد مصادرة أصل الحق، كما أن حق تشريع القوانين حق كفله الدستور وجعله من اختصاص السلطة التشريعية، التي تمارسه وفقا لنصوص الدستور والقانون".
......................................
اضف تعليق