الاقتصار على ندوات التمكين ومؤتمراتها وجلساتها، لن تجدي نفعاً ولن تثمر إلا عن أخبار أو نشاطات توعوية، وغالباً ما تنتهي بتوصيات تكدس على الرفوف التي لم ولن تحل مشكلة المرأة، بدليل أعدادهن المتزايدة، وخلاصة القول أن تمكين المتمكنات والعمل على دعمهن هو العمل الحقيقي...
واتَّسع أفق "التمكين"، وغدا يضم تحت جناحيه فروعاً كثيرة، فعقدت الجلسات ونظمت والندوات وأقيمت المؤتمرات وهيأت الورش للتمكين الاقتصادي والاجتماعي والإعلامي والثقافي والإداري والتمكين السياسي.
فمفهوم التمكين الذي ظهر في نهاية الثمانينات، ولاقى شيوعاً ورواجاً في فترة التسعينات، أصبح تداوله ظاهرة وثقافة باعتباره نقطة تحول في المجتمعات؛ لأنه يسهم في بناء عناصر بشرية مؤهلة في كثير من المجالات.
والتمكين لغةً: تعني ً التقوية أو التعزيز، ووردت كلمة مكّن (مكّنه) بمعنى جعله قادراً على فعل شيء معين. أما التمكين اصطلاحاً، فقد وضع له عدّة تعريفات ونختار منها ما قاله (Argenti): أن التمكين هو أحد أهم مخرجات المشاركة في العمليات والقرارات والإجراءات بين العاملين؛ التي تعزز من دافعيتهم الجوهرية نحو هذه النشاطات، ويزيد التمكين من إدراكهم لأهمية العمل الذي يمارسونه بحيث يكون ذا معنى وتحد، مع امتلاك القدرة والمسؤولية في بيئة العمل. ولعلَّ ما يراه Bowen and Lawler أمر يدعو للتأمل فهما يران أنَّ التمكين حالة ذهنية داخلية تحتاج إلى تبني وتمثُل لهذه الحالة من الفرد لكي تتوافر له الثقة بالنفس والقناعة بما يمتلك من قدرات معرفية تساعده في اتخاذ قراراته واختيار النتائج التي يريد أن يصل إليها.
ممَّا تقدم نرى أن التمكين مطلب مهم وضروري في وقتنا الحاضر وشامل لكلا الجنسين، ولكن جرى التركيز على تمكين المرأة تحديداً؛ باعتباره العنصر الأكثر حاجة للتمكين وللحدّ من هشاشة أوضاعهن.. لكن ما يهمني إثارته في هذه السطور يمكن ان أوجزه بهذا السؤال: ما بال المدافعين عن المرأة والمطالبين بتمكينها قد نسوا المرأة "المتمكنة"؟!
فالمتمكنة غير محتاجة لورشٍ وندوات وجلسات، فهي متزودة بالعلم والمعرفة والمهارة وتملك خبرة في تأدية مهام عملها بكفاءة واقتدار واستقلالية، وغالباً ما يكون قد سبق لها أن تحملت المسئولية وبكفاءة واتّسمت بالإبداع والتفكير الخلاق، ودائماً ما تتحلى بصفات إنسانية خالية من أي تأثير طائفي أو قبلي أو انحياز مناطقي، فضلاً عن قدراتها العالية وجرأتها وحكمتها التي تؤهلها؛ لأن تدير القرارات دون مجاملة ولا محسوبية. ولا ننسى اتجاهها النفسي الذي يتمثل بشعورها نحو عملية التمكين التي تبرز في الكفاءة، والثقة في القدرة على أداء المهام، والشعور بالقدرة على التأثير في العمل، وحرية الاختيار في كيفية أداء المهام، وإدراك معنى العمل والمسؤولية.
فالمتمكنة تجيد المشاركة الفعلية من جانب في إدارة ما تكلف به باتخاذ القرارات، وحلّ المشكلات، والتفكير الإبداعي، والتصرف في المواقف، وتحمل المسؤولية، والرقابة على النتائج . فهي يقظة لذاتها ولعالمها الخارجي.
فالمرأة التي تملك تلك المميزات التي تعدّ عناصر أساسية وحاسمة للنجاح في تولي منصب ما.. لماذا لا تمكّن لتولي منصباً معيناً؟! لماذا لا يدعم ترشحيها لمناصب؟، فتولي المناصب مسؤولية ينبغي إجادتها.
إنَّ لتمكين المتمكنات فوائد جمَّة، ومنها إطلاق قدرات النساء الإبداعية والخلاقة باعتبارهن الدعامة الرئيسية لهذا المجتمع المتعطش للكفاءات المخلصة والمحبّة لوطنها والمفعمة بالإنسانية، وهو تفعيل للأقوال والشعارات التي يؤكد ضرورة الاهتمام بالمرأة ودعم قدرات النساء وتعزيز تواجدهن في مراكز القرار وصنعه.
والاقتصار على ندوات التمكين ومؤتمراتها وجلساتها، لن تجدي نفعاً ولن تثمر إلا عن أخبار أو نشاطات توعوية، وغالباً ما تنتهي بتوصيات تكدس على الرفوف وفي أحسن الأحوال بشراء ماكنات خياطة وتوزيع سلات غذائية التي لم ولن تحل مشكلة المرأة، بدليل أعدادهن المتزايدة، وخلاصة القول أن تمكين المتمكنات والعمل على دعمهن هو العمل الحقيقي الذي يقدم للمرأة، بل يضع الأسس الصحيحة لعملية الاختيار والترشيح للمناصب لكلا الجنسين.
اضف تعليق