أصدرت المحكمة الاتحادية العليا في العراق حكمها في الدعوى بالعدد والتي تتلخص وقائعها في قيام أحدهم بالطعن في قرار رئيس الجمهورية بتكليف السيد عادل عبد المهدي بتشكيل مجلس الوزراء، ولكون الأخير يحمل الجنسية الفرنسية، بما يخالف المادة (18/ رابعاً) من دستور جمهورية العراق لعام 2005...
أصدرت المحكمة الاتحادية العليا في العراق حكمها في الدعوى بالعدد (195/اتحادية /2018) والتي تتلخص وقائعها في قيام أحدهم بالطعن في قرار رئيس الجمهورية بتكليف السيد عادل عبد المهدي بتشكيل مجلس الوزراء، ولكون الأخير يحمل الجنسية الفرنسية، بما يخالف المادة (18/ رابعاً) من دستور جمهورية العراق لعام 2005 والتي تنص على (يجوز تعدد الجنسية للعراقي، وعلى من يتولى منصباً سيادياً أو أمنياً رفيعاً التخلي عن أية جنسية أخرى مكتسبة، وينظم ذلك بقانون)، وهو الحكم ذاته الذي أوردته المادة (9/ رابعاً) من قانون الجنسية العراقي رقم (26) لسنة 2006 المعدل، وتلخصت طلبات المدعي أن تتثبت المحكمة من تخلي رئيس الوزراء المكلف عن جنسيته المكتسبة غير العراقية، وبخلافه الحكم بعدم دستورية مرسوم تكليفه برئاسة مجلس الوزراء.
إلا إن المحكمة ردت الطعن وسببت حكمها بالآتي: (إن المادة الدستورية المذكورة قد اشترطت أن يكون التخلي عن الجنسية الأجنبية المكتسبة بقانون يصدر تطبيقاً لأحكام المادة 18/ رابعاً من الدستور وهذا ما يقتضيه حسن تطبيقها، لان المادتين الدستورية والقانونية لم تحددا ماهية المناصب السيادية أو الأمنية الرفيعة ولم تبينا كيفية ووقت التخلي عن الجنسية وتركت ذلك للقانون الذي يصدر، فالمادة 18 لا يمكن إعمال حكمها إلا بصدور القانون) ثم إن المحكمة أشارت في ثنايا حكمها إلى إن (المنصب السيادي والأمني الرفيع مناط تحديده يترك إلى التوجهات السياسية في العراق، والقائمون عليها هم من يحدد هذه المناصب، ومدى تأثيرها في السياسة العامة للدولة وتنظم مدلولاتها وفقاً للقانون)، لذا قررت المحكمة رد الدعوى وعدم الاستماع إليها، ولنا على قرار المحكمة الموقرة بعض الملاحظات منها:
أولاً: يعد نص المدة (18) من النصوص الآمرة، فالنصوص الدستورية عامة تنقسم إلى نصوص آمرة وأخرى توجيهية، والتنازل عن الجنسية غير العراقية ورد في نص حاكم يأمر الجميع بذلك، كون هذه المناصب والوظائف على درجة كبيرة من الأهمية والخطورة وليس من المستحسن أن تمنح لأشخاص لا يملكون الولاء المطلق للبلد، بل ينبغي أن يكونوا من أبناء البلد الأصلاء ولهذا اشترط الدستور العراقي في رئيس الوزراء في المادة (77) المعطوفة على المادة (68) أن يكون عراقياً من أبوين عراقيين، للتأكد طبعاً من ولائه للعراق كونه عراقي في ولادته (الجنسية الأصلية) من أبوين عراقيين (وليس من أب أو أم عراقية فقط) وفي هذا التشديد دفع للشبهات وتأكيد على الولاء.
ثانياً: إن المحكمة الاتحادية العليا وقعت في المحذور وهو التخلي عن أداء وظيفتها المحددة في الدستور وفق المادة (93) التي أوضحت اختصاصات المحكمة ومنها (الرقابة على دستورية القوانين والأنظمة، والفصل في القضايا التي تنشأ عن تطبيق القوانين الاتحادية والقرارات والأنظمة والتعليمات والإجراءات الصادرة عن السلطة الاتحادية ويكفل القانون حق كل من مجلس الوزراء وذوي الشأن من الأفراد وغيرهم حق الطعن المباشر لدى المحكمة) وفي صراحة النص الدستوري ما يجلي البصر فعلى المحكمة أن تستمع لدعوى كل مواطن عراقي ترفع بصدد ازدواج الجنسية كونه من ذوي الشأن وممن يهمه أمر البلد ومصلحته، وبالتأكيد كل العراقيين يهمهم أن يلي أمرهم العراقي الحريص على مصالحهم وبلدهم ممن تهمه مصلحة البلاد أكثر من الاحتفاظ بجنسية دولة أخرى.
ثالثاً: إن المحكمة الاتحادية العليا امتنعت عن الفصل في نزاع رفع إليها متذرعةً بعدم صدور القانون الذي يحدد المنصب السيادي والأمني الرفيع، ونشير هنا إلى إن النظام الداخلي للمحكمة رقم (1) لسنة 2005 أشار في المادة (19) إلى وجوب اتباع قواعد قانون المرافعات المدنية العراقي رقم (83) لسنة 1969 المعدل، وبالركون إلى القانون الأخير نجد إن المادة (30) تنص على أنه (لا يجوز لأية محكمة أن تمتنع عن الحكم بحجة غموض القانون أو فقدان النص أو نقصه وإلا عد القاضي ممتنعاً عن إحقاق الحق).
أضف لما تقدم وبحق هذا المقطع من الحكم نقول، المحكمة أعلم من غيرها بالمنصب السيادي والأمني الرفيع ولو افترضنا جدلاً إن المناصب السيادية والأمنية الأخرى غير معروفة فهل يشك أي أحد في إن منصب رئيس الحكومة منصب سيادي؟ وان لم يكن كذلك فمن يشغل منصباً سيادياً إذن؟ هل هو الموظف المعين في إحدى الدوائر الحكومية في أقصى العراق مثلاً؟، وهنا من حقنا أن نسأل المحكمة هل فعلاً المناصب السيادية خافية على فهم المحكمة؟، وهل المحكمة تنتظر صدور قانون يحدد المناصب السيادية وفق دستور 2005؟، إذن لماذا المحكمة لم تنتظر صدور قانون يعيد تشكيلها وفق ما رسم الدستور في المادة (92) وهي إلى الآن تعمل بتشكيلها المحدد بقانون رقم (30) لسنة 2005 الصادر عن حكومة وليس عن برلمان منتخب من الشعب حتى؟
رابعاً: قول المحكمة (إن المناصب السيادية تتحدد وفق التوجيهات السياسية في العراق من قبل القائمون عليها بمقياس تأثيرها على السياسة العامة للدولة) وما تقدم من حكم المحكمة تحديد واضح وجلي للمنصب السيادي إذ أشارت المحكمة إلى المعيار المتمثل بالتأثير في السياسة العامة للدولة، والسؤال للمحكمة، هل إن منصب رئيس مجلس الوزراء مؤثر أم غير مؤثر في السياسة العامة للدولة؟ من جانب آخر قول المحكمة إن التحديد يترك للقائمين على المناصب السيادية مع جليل احترامنا لم يصادف ذلك القول الواقع فالتحديد من عدمه لا يخضع للأهواء الشخصية، بل يكون وفق المعايير الموضوعية، والأسس العامة التي تسري على الجميع بشكل موحد ولهذا كان على المحكمة أن تضع المعيار المتمثل بالتأثير في السياسة العامة للدولة وعلى أساسه تقيس المنصب السيادي، رغم أنه معيار قاصر لا يمكن التعويل عليه لوحده فمنصب رئيس الإقليم في كردستان العراق والمحافظ في المحافظات العراقية نعم يؤثر في السياسة العامة للدولة وينفذ جزءً منها في حدود الإقليم والمحافظة، بيد أنه ليس جزءً من السلطة الاتحادية المركزية لهذا نجد ضرورة أن يوضع معيار ساند آخر يتمثل باعتبار الوظائف الخاصة كلها سيادية ويتحتم على شاغلوها التخلي عن الجنسية المكتسبة في بحر مدة لا تزيد عن (3) أشهر من تسنم النصب وبخلافه يعد جديراً بالإقالة أو الإعفاء من المنصب خشية التأثير على مصالح البلد، فلا يصح أن يكون السفير العراقي في دولة معينة ويحمل جنسية تلك الدولة ففي ذلك خطر على مصلحة العراق، ولا يصح أن يكون وكيل الوزير أو قائد فرقة في الجيش وهو يحمل جنسية أجنبية فذاك يهدد سيادة العراق وأمنه وسلامة أراضيه.
خامساً: علقت المحكمة إلزام رئيس مجلس الوزراء ومن سواه من المسؤولين بالتخلي عن الجنسية المكتسبة على صدور قانون ولم تعقب المحكمة على امتناع مجلس النواب العراقي ولمدة (13) عام عن إصدار هذا القانون، رغم أنهم جميعاً مطالبين بتشريع كل القوانين التي من شأنها أن تجري وتمضي الإرادة الشعبية وتحقق المضامين الحقيقية للوثيقة الدستورية؟ أليس في امتناع مجلس النواب عن سن هذا القانون تعطيل فعلي للدستور؟ أليس في التأخير هذا تواطؤ مع بعض من يحمل الجنسية الأجنبية ويرفض التخلي عنها لتكون ملجأ له عندما تتم عملية محاسبته قانونياً أو قضائياً عن مخالفات قد يرتكبها في الوظيفة؟ أليس في ذلك تشجيع لهؤلاء بارتكاب المخالفات وجرائم الفساد والهرب إلى دولة أخرى يحملون جنسيتها؟ أليس في السماح لمزدوج الجنسية بتولي المنصب السيادي استهزاء واستهانة بالجنسية والمصلحة العراقية؟
والسؤال عند مغادرة بعض المسؤولين العراقيين السابقين الفاسدين البلد ألم يحتموا بجنسياتهم الأجنبية وتعذر على القضاء العراقي استعادتهم ومحاكمتهم واسترداد المال العام الذي نهبوه منهم؟ والأمثلة على ما تقدم كثيرة جداً.
سادساً: بينت المادة (9) من قانون الجنسية رقم (26) لسنة 2006 أحكام تعدد الجنسية والتجنس بالجنسية العراقية الآتي (ثانياً: لا يجوز لغير العراقي الذي يحصل على الجنسية العراقية بطريق التجنس وفقاً لأحكام هذا القانون أن يكون وزيراً أو عضواً في هيئة برلمانية قبل مضي عشر سنوات على تاريخ اكتسابه الجنسية العراقية. ثالثاً: لا يجوز لغير العراقي الذي يحصل على الجنسية العراقية أن يشغل منصب رئيس جمهورية العراق ونائبه. رابعاً: لا يجوز للعراقي الذي يحمل جنسية أجنبية أخرى مكتسبة أن يتولى منصباً سيادياً أو أمنياً رفيعاً إلا إذا تخلى عن تلك الجنسية)، والسؤال لماذا لم تستند المحكمة إلى صراحة النصوص الواردة في قانون الجنسية لتلزم رئيس الوزراء بالتخلي عن جنسيته المكتسبة، أوليس هذا هو التنظيم القانوني الذي صدر استناداً لأحكام المادة (18) من الدستور الذي تبحث عنه المحكمة الاتحادية؟ أم إن الأخيرة تريد أن يرد عنوان وظيفة رئيس الوزراء في صلب القانون؟ هل نسيت المحكمة الاتحادية وقضاتها الأجلاء إن القانون يترفع عن ذكر الأمثلة؟ لأنه قواعد عامة مجردة.
سابعاً: أشكلت المحكمة على الطاعن طلبه منها التثبت من تنازل رئيس الوزراء عن الجنسية المكتسبة وان ذلك يخرج عن اختصاص المحكمة ونقول للمحكمة ألم تمنحكم المادة (93/ سادسا) من الدستور سلطة الفصل في الاتهامات الموجهة إلى رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء والوزراء، أليس هذا عمل من أعمال التثبت من ارتكاب هؤلاء جريمة كالخيانة العظمى مثلاً؟، فالمحكمة ستقوم بإجراء تحقيقات حتما لتتوصل إلى النتيجة فهل يعد إرسالها كتاب إلى رئيس الوزراء المكلف والسفارة الفرنسية في بغداد أمراً عزيزاً على المحكمة؟
نجد مما تقدم إن المحكمة الاتحادية التي تعد وقبل كل شيء حامي الدستور العراقي والخط الدفاعي الأول عن حياضه، فلابد أن تنهض بهذه المهمة، وتوصيتنا إلى المحكمة الموقرة وقضاتها الذين وبحق يعدون من خيرة قضاة العراق في خبرتهم ومكانتهم وخدمتهم للقضاء والبلد، إن الوقت قد حان للتغيير وللإيمان الحقيقي بدور المحكمة في إمضاء إرادة الشعب والتطبيق الكامل للدستور نصاً وروحاً، وأخذ زمام المبادرة والحكم صراحة بإلزام جميع المسؤولين في العراق على التخلي عن الجنسية غير العراقية في مدة معينة وبخلافه فيجب أن يقال من مصبه.
...........................
اضف تعليق