جريمة سبايكر التي نفذتها عصابات "داعش" الارهابية وبدعم من جماعات محلية وراح ضحيتها أكثر من 1700 شخص بدوافع طائفية، تعد وبحسب بعض الخبراء من اكبر واخطر جرائم الإبادة الانسانية في عصرنا الحالي، هذه المجزرة البشعة التي أثارت غضبا عارما لدى أهالي الضحايا والرأي العام العراقي أثارت أيضا الكثير من الشكوك والأسئلة، خصوصا فيما يتعلق بردود أفعال بعض القوى والتيارات السياسية التي تنصلت عن مسؤوليتها وواجباتها كما يقول بعض المراقبين، الذين أكدوا على هذه الكارثة الإنسانية والتي تصنف على أنها من جرائم الإبادة الجماعية، ربما قد دبرت تحت غطاء سياسي خصوصا وان نتائج التحقيق في هذه القضية لاتزال مبهمة وغير واضحة وهو ما قد يكون إجراء متعمد لإخفاء آثار ومعالم الجريمة تحت بند الصفقات والاتفاقات السياسية والحزبية الخاصة الذي يحدث في العراق.
فبعض المراقبين يرى ان هذه الجريمة لايمكن ان تحدث بمحض الصدفة وبدون وجود مافيا وأيادي خفية عمدت الى تقديم هذا العدد الكبير من الأبرياء والبالغ عددهم أكثر من 1700 الى عصابات داعش الإرهابية كهدية مجانية، فسبايكر وكما يقول بعض الخبراء تعتبر أهم قاعدة للسلاح الجوي، ولذلك فهي تحظى بتحصينات امنية يصعب اختراقها سواء على صعيد التحصينات التي تقع داخل القاعدة من بناء وموانع تعد من متاريسها الدفاعية في مواجهة الهجومات المحتملة او التي تقع خارج القاعدة بتوفير افواج حماية مهامها الاساسية الحفاظ على القاعدة من اي خطر يهددها نظرا لأهمية القاعدة, ولذلك فانه وفي اطار وجود مثل هذه التحصينات الدفاعية لا يمكن اختراق القاعدة بل انه يستحيل اختراقها مالم توجد خيانة كبرى تشكل الامداد الاساسي لعناصر "داعش" في ارتكاب الجريمة.
وهو ما أكده بعض السياسيين والقادة العسكريين فالفريق موفق عبد الهادي وبحسب موقع مكتب المفتش العام لوزارة الداخلية لمح إلى أن الجريمة النكراء التي حدثت في قاعدة سبايكر ما كان لها أن تحدث لولا وجود تواطؤ وخيانة مع داعش، نائب رئيس الوزراء بهاء الأعرجي وفي بيان سابق رأى "ان جريمة قاعدة سبايكر لا تخلو من التقصير او الخيانة واي منهما يتطلب العقاب الصارم سيما وأعداد الشهداء ليست بالرقم الهين " وتساءل الاعرجي: "لماذا لم يكن من ضمن الشهداء المعدومين من القيادات وكبار الضباط الذين كانوا متواجدين في المعسكر؟".
هذه الجريمة عادت اليوم بشكل كبير بعد قام الجيش العراقي وقوات الحشد الشعبي بتحرير تكريت من العصابات الإجرامية، والعثور على العديد من المقابر الجماعية التي تخص شهداء سبايكر، وسط مطالبات شعبية بضرورة كشف كل خفايا وأسرار هذه الجريمة البشعة ومحاسبة جميع المقصرين بمختلف مناصبهم وانتماءاتهم.
نبش المقابر الجماعية
وفي هذا الشأن فقد بدأت فرق من الطب الشرعي العراقي حفر 12 موقعا يشتبه بأنها مقابر جماعية تحوي جثث ما يصل إلى 1700 جندي ذبحهم الصيف الماضي مقاتلو تنظيم ما يسمى الدولة الإسلامية حينما اجتاحوا شمال العراق. وكانت أعمال القتل الجماعي في يونيو حزيران الماضي لجنود شيعة من كامب سبايكر -وهي قاعدة أمريكية سابقة خارج مدينة تكريت السنية- أصبحت رمزا لوحشية مقاتلي تنظيم داعش وكراهيتهم للأغلبية الشيعية في العراق.
وجاء نبش المدافن في مجمع قصور الرئاسة لصدام حسين بعد أيام من طرد مقاتلي داعش من المدينة على أيدي القوات العراقية. وقال خالد العتبي مسؤول الصحة العراقي الذي يعمل مع فريق الطب الشرعي الذي أرسل إلى تكريت "حفرنا أول موقع لمقابر جماعية وعثرنا حتى الآن على 20 جثة على الأقل وتشير المؤشرات الأولية إلى أنهم بلا شك كانوا من ضحايا سبايكر." واضاف قوله "كان مشهدا مروعا. لم نستطع منع أنفسنا من البكاء. أي بربري وحشي هذا الذي يمكنه قتل 1700 شخص بدم بارد."
وروى ناجون من سبايكر المحنة التي شهدوها في يونيو حزيران حينما اجتاح مقاتلو الدولة الإسلامية مدينة تكريت واعتقلوا الجنود الشيعة لذبحهم. وتتساءل أسر الضحايا منذ شهور عن مصير أصدقائهم وأحبائهم. وهم يشعرون بالغضب من عجز المؤسسة السياسية في العراق عن تزويدهم بالإجابات الشافية. وقال على حمد الذي اختفى ابن عمه في سبايكر "الشيء الإيجابي الوحيد هو الانتصار في تكريت." وأضاف قوله "نحن سعداء. على الأقل ستعرف الأسر قريبا مصير أبنائها وأقاربها." بحسب رويترز.
من جانب اخر كشف المتحدث باسم غرفة عمليات الأمانة العامة لمجلس الوزراء حيدر مجيد وبحسب بعض المصادر، عن فتح مقبرة تضم رفات 100 شهيد من ضحايا جريمة سبايكر بمنطقة القصور الرئاسية، مبينا أنه تم دفن الضحايا بطريقة عشوائية على ثلاث طبقات ودفنهم بصخر وحجر كبير. وقال مجيد إنه تم فتح مقبرة كبيرة في منطقة القصور الرئاسية بتكريت وهي المنطقة الشهيرة التي ظهرت الصور في وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي والتي تبين قيام مسلحي داعش وهم يعدمون الضحايا، مشيرا الى أن المقبرة تضم رفات ضحايا قاعدة سبايكر ومعظمهم كانوا معصوبي الأعين ومقيدي الأيدي”.
وأضاف مجيد أن هذه المقبرة تضم جريمة فوق جريمة، موضحا أن الجريمة الاولى هي جريمة الإعدام الجماعي، والأخرى هي طريقة الدفن العشوائية والتي تمت بواسطة الحجر الكبير والصخر المستخدم في بناء الاحواض والبحيرات الصناعية. واكد المتحدث باسم غرفة عمليات الأمانة العامة لمجلس الوزراء أن هناك عمليات دفن لجثث ومن ثم فوقها دفن آخر أي عدة طبقات قد تصل الى ثلاث طبقات مما يظهر جريمة داعش بالتعامل مع الضحايا، لافتا الى أن عدد الرفات كبير قد يصل الى 100 شهيد ومازال العمل مستمرا لإخراجها حيث تم استخراج نحو 30 رفات.
ودعت غرفة العمليات، في (2 نيسان 2015)، القطعات العسكرية وفصائل الحشد الشعبي والجهات كافة، إلى عدم العبث بالمقابر ونبشها عشوائياً والاكتفاء بالتزام الحيطة وتحديد أماكنها وحمايتها، حفاظاً على حقوق الشهداء وعوائلهم، ولعدم اختفاء معالم المقابر والمبرزات الجرمية داخل مسرح الجريمة. يشار إلى أن لجنة الأمن والدفاع في مجلس النواب كشفت، في (5 نيسان 2015)، عن وصول اعترافات تفيد بنقل احياء من قاعدة سبايكر الى مدينة الرقة السورية، مؤكدة أن ضباطاً سابقين وأهالي أكدوا أنه تم نقل طلبة احياء داخل وخارج محافظة صلاح الدين. فيما اعلن رئيس محكمة التحقيق المركزية القاضي ماجد الأعرجي، عن إجراء كشف موقعي لمحل جريمة سبايكر في مجمع القصور الرئاسية بمحافظة صلاح الدين، وفيما بين انه تم الاطلاع على أكثر من مقبرة جماعية تضم رفات الشهداء، أكد صدور ٥٩٠ مذكرة قبض بحق متهمين هاربين.
ناجون يطالبون بالعدالة
لا أحد يثير الشك في الحقيقة المفزعة التي مؤداها أن مجندي الجيش العراقي اقتيدوا إلى خارج قاعدتهم لا يحملون سلاحا وقتلوا بالمئات برصاص مقاتلي تنظيم داعش ودفنوا في مقابر جماعية في عمل تفاخر به مؤيدو التنظيم على الإنترنت. وكانت مذبحة مجندي الجيش خارج قاعدة سبايكر في يونيو حزيران لا سابق لها حتى بمقاييس عشر سنوات من الحرب الطائفية في العراق. وفجرت حالة من الذعر في البلاد وبعثت برسالة للعالم مفادها أن مقاتلي هذا التنظيم السني هم عدو من نوع جديد يصر ليس فحسب على الاستيلاء على الأرض والاحتفاظ بها وإنما أيضا على القضاء على أعدائه من الطوائف الأخرى عندما يسقطون في أيدي مقاتليه.
ويرى الناجون من المذبحة وأقارب القتلى أن القتلة أنفسهم ليسوا الجاني الوحيد. فهم يلومون أيضا الحكومة وزعماء القبائل في محافظة صلاح الدين قائلين إنهم وعدوا المجندين بممر آمن من القاعدة إلى الجنوب لكن سمحوا باقتيادهم إلى حتفهم. ويشكك مسؤولو الحكومة في هذه الروايات ويقولون إنه لم يكن هناك وعد بممر آمن وإن المجندين الذين لم يكونوا يحملون سلاحا تركوا القاعدة الآمنة رغم أوامر صدرت لهم بالبقاء.
ويروي جندي عراقي قصة نجاته من مذبحة ارتكبها التنظيم بعد تقسيمهم لمجموعات تضم كل منها عشرة جنود ثم اعدموهم بالرصاص. وتحدث محمد حمود (24 عاما) من بلدته في الديوانية وقال انه نجا بعدما ادعى إنه بدوي سني. وفي أسوا مذبحة معروفة احتجز المقاتلون حمود 11 يوما في يونيو حزيران وعاش ليقدم شهادته عن عمليات القتل الممنهجة.
وكان حمود ضمن 1500 جندي انهوا تدريبهم الاساسي حديثا وحين وردت أنباء تقدم مقاتلي الدولة الإسلامية تم إرسال المجندين إلى قاعدة سبايكر قرب مدينة تكريت. ويتحدث حمود بصعوبة بسبب الضرب الذي تعرض له ويكشف النقاب عن الخيانة التي تعرض لها من قادته في قاعدة سبايكر الذين وعدوا المجندين امثاله بخروج آمن بعد استيلاء تنظيم الدولة الإسلامية على تكريت ولكن اقتادوهم إلى حتفهم.
وقال حمود "باعونا وخدعونا" مضيفا انه وزملاءه لم يكن معهم بنادق او مسدسات وانهم وجدوا مخزن الأسلحة بمعسكر سبايكر خاويا. وذكر حمود وجنديان اخران أن اللواء الركن علي الفريجي -وهو قائد كبير في صلاح الدين- ابلغ الجنود ان ثمة اتفاقا ابرم مع القبائل للسماح برحيل الجنود. وينفي مسؤولو الحكومة ذلك ويقولون إنه لم يكن هناك وعد بممر آمن وإن المجندين الذين لم يكونوا يحملون سلاحا تركوا القاعدة الآمنة رغم أوامر صدرت لهم بالبقاء.
وقال حمود ان الفريجي رحل وفي اليوم التالي دخل رجال القبائل القاعدة لإصطحاب المجندين وكان أغلبهم يخشى المغادرة. وأضاف "القبائل طمأنتنا بأننا تحت حمايتها وأننا ذاهبون إلى سامراء." اصطف المجندون في طابور طويل خارج القاعدة. وساروا على الطريق السريع إلى تكريت. ولكنهم ادركوا الخدعة حين وصلوا للجامعة في تكريت وصدرت إليهم الأوامر بأن يرقدوا ووجوههم إلى الأرض ووضعت القيود في أيديهم. وقال حمود "كل من تحرك أو رفع رأسه أطلقت عليه النار."
وهو راقد على الارض راي حمود امرأة تقترب وكان يأمل ان توبخ المسلحين الذين يحرسونهم لكنها شجعتهم وامتدحتهم وطلبت منهم الا يتركوا أيا منهم على قيد الحياة. وراي حمود اطفالا يتجمعون قرب الصف الطويل من الرجال والسيارات تقف للفرجة في حين هلل البعض الاخر عند رؤية الجنود المحتجزين. واستولي المسلحون على احذية وجوارب وخواتم ومحافظ وبطاقات هوية الجنود المحتجزين واطلقوا النار على كل من اخفى متعلقات ثمينة. وأضاف ان شخصا كان يرقد بجواره قتل لأنه حاول اخفاء خاتمه. وقبض السكان المحليون على الجنود الذين حاولوا الاختباء في المنطقة.
وجرى تسليم الجنود لمقاتلي التنظيم الذين قادوهم لمسافة 20 ميلا إلى ساحة قصر صدام حسين القديم حيث وضعت عصابات على اعينهم واعدموا. ونشرت الدولة الإسلامية لقطات فيديو وصورا للقبور الجماعية على الانترنت وقالت انها قتلت 1700 جندي. وذكرت منظمة هيومن رايتس ووتش انها وثقت مقتل ما بين 560 و770 جنديا. وتعتقد ان العدد الحقيقي أعلى بكثير.
وقال "كان هناك أكثر من 800 (شخص) في قاعة كبيرة بلا ماء أو طعام. كانوا يسكبون الماء فوقنا ويضحكون حين نفتح افواهنا لالتقاط قطرات الماء." وقام مقاتلو الدولة الإسلامية بتقسيم المحتجزين لمجموعات تضم كل منها عشرة جنود وكان المحققون يسألون كل منهم عن رتبته واسم وحدته.
وقال "يقيدون كل شخص يقتادونه ويضعون عصابة على عينيه ثم يعطوه شربة ماء. ثم سمعنا صيحة ’الله اكبر’ وطلقات الرصاص." وذكر حمود أن مجموعته ضمت شقيقه كامل واربعة من اقاربه. وحين جاء دوره ليقف ويقتاد إلى حتفه تحدث بلهجة بدوية وطلب ان يشرب. وحين سئل عن مسقط راسه كذب وادعى انه ينتمي لقبيلة شمر الكبيرة التي تضم سنة وشيعة وقال انه من بلدة بيجي وهي بلدة سنية في الشمال.
حينئذ اخرج من الصف بينما اصطحب اخوه واقاربه للخارج حيث تجري عمليات الاعدام. وقال حمود "قيدوني ووضعوا العصابة على عيني وسمحوا لي بالجلوس." حينئذ لم يفكر في اخيه لكنه يعيش الآن على امل ضعيف ان يكون قد نجا. وقال "ثمة أمل" داعيا أن يكون شقيقه واقاربه تمكنوا من الهرب. وعند الفجر توقفت طلقات الرصاص ولم يتبق في المكان الذي كان يكتظ بالمئات سوى عشرين شخصا.
وبدا رجل يتحدث بلهجة سعودية التحقيق مع حمود والاخرين للتأكد من انهم سنة بالفعل. وادعي حمود أن اسمه بندر لإخفاء حقيقة انه شيعي. وبعد استجواب سريع قتل كل من اعتقد المحققون انه كاذب وتقلص عدد الاحياء إلى 11 . وبعد عدة ايام اصاب صاروخ القصر وسقطت الثريا في غرفة الاحتجاز وحاول رجلان الفرار. تمكن حمود من ارخاء قيوده وشاهد مقتلهما من النافذة فأعاد احكام القيد على يديه من جديد. وفي اليوم العاشر من الأسر قال مقاتل من تنظيم الدولة الاسلامية انه سيجري اطلاق سراحهم.
وقال له احد الحراس "انت ايها البدوي قل لأهلك اننا لا نؤذي السنة ونحن نعطيكم غذاء جيدا وماء وكل ما تحتاجونه." وفي اليوم التالي اصطحب المقاتلون ستة من المحتجزين إلى منزل حيث اخضعوا لتحقيق اخير. وتابع "سألوني اذا كنت اصلى فقلت لا. قال احد المحققين ’خذوه ليتعلم الصلاة’ فقاموا بجري لأنني لم أكن اقوى على المشي وانهالوا علي ضربا." ونقلت سيارة المجموعة المؤلفة من 11 شخصا لنقطة تفتيش قريبة واعطوهم رقم هاتف للاتصال اذا ما صادفتهم اي نقطة تفتيش للدولة الإسلامية. بحسب رويترز.
ووعد القادة السياسيون بإجراء تحقيق لكن أقارب الضحايا يقولون إنهم لا يثقون بأن النخبة السياسية ستقدم وصفا حقيقيا للأحداث قد يظهر المسؤولين وزعماء القبائل بأنهم غير أكفاء في أحسن الأحوال أو متواطئون في القتل الجماعي في أسوأها. وقال رجل يدعى ابنه عقيل (26 عاما) وهو مفقود "نحن نسأل الحكومة والبرلمان ورئيس الوزراء المنتهية ولايته... كل مسؤول نافذ.. أين أولادنا؟ إذا كانوا أحياء قولوا لنا. إذا كانوا ماتوا اعطونا جثثهم."
ولدى الحكومة العراقية قائمة طويلة من التحقيقات في قضايا ثار حولها الجدل لكن التحقيقات ظلت طي الملفات. وقال موفق الربيعي النائب حاليا ومستشار الأمن الوطني سابقا "لا أحد يقول حقيقة ما يجري. الأسر تحتاج إلى إجابات واضحة." وأضاف "صعب جدا أن نعبر الهوة بين الرؤيتين في هذه القصة." بالنسبة لحمود الذي لا يزال يعاني من جروح نفسية لحقت به من المحنة تبدو أيامه ضربا من الأحلام. يقول "لا أزال أفكر: هل كان هذا حلما؟ أم حقيقة؟ هل ما زلت حقا على قيد الحياة؟"
اضف تعليق