تتواصل معاناة الشعب الفلسطيني في ظل استمرار الانتهاكات الاسرائيلية، حيث سعت قوات الاحتلال في الفترة الاخيرة التي اعقبت فوز الرئيس الامريكي دونالد ترامب وبحسب بعض المصادر، الى تشديد اجراءاتها القمعية ضد ابناء الشعب الفلسطيني الاعزل وهو ما اثار مخاوف العديد من المنظمات الحقوقية والإنسانية...

تتواصل معاناة الشعب الفلسطيني في ظل استمرار الانتهاكات الاسرائيلية، حيث سعت قوات الاحتلال في الفترة الاخيرة التي اعقبت فوز الرئيس الامريكي دونالد ترامب وبحسب بعض المصادر، الى تشديد اجراءاتها القمعية ضد ابناء الشعب الفلسطيني الاعزل وهو ما اثار مخاوف العديد من المنظمات الحقوقية والانسانية، التي انتقدت ايضاً الاعتقالات والاجراءات التعسفية التي تقوم بها السلطات الفلسطينية وبعض الجهات والاحزاب المتنفذة ضد المنتقدين والمعارضين لسياستها. وتتواصل عمليات قصف الطيران الإسرائيلي لقطاع غزة كرد على إطلاق صواريخ من القطاع على المستوطنات الإسرائيلية المحاذية له، وفي هذا الشأن فقد حذرت مدعية المحكمة الجنائية الدولية بأنها "تراقب من كثب" الوضع في قطاع غزة ولن تتردد في التحرك عند الضرورة. ويأتي تحذير فاتو بنسودا في أعقاب سلسلة غارات شنتها الطائرات الإسرائيلية على أهداف فلسطينية ردا على هجوم صاروخي ، في حادثة هي الأولى من نوعها في أسابيع.

وكانت المحكمة الجنائية الدولية قد أطلقت تحقيقا أوليا في 2015 في اتهامات بجرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية في إسرائيل والأراضي الفلسطينية في أعقاب حرب غزة. وقالت بنسودا في بيان من المحكمة ومقرها لاهاي، إنها "قلقة إزاء استمرار العنف الذي يقوم به أطراف في الجانبين، على الحدود بين غزة واسرائيل". وأضافت "بصفتي مدعية موكلة الوضع في فلسطين أشعر بواجب تذكير جميع الأفرقاء بأن الوضع لا يزال قيد الدراسة الأولية لدى مكتبي". وأضافت "استمر في مراقبة التطورات على الأرض من كثب ولن أتردد في القيام بأي تحرك مناسب".

ورغم زيارة إلى المنطقة، لم تنتقل المحكمة الجنائية الدولية بعد إلى المرحلة التالية بفتح تحقيق شامل يمكن أن يفضي إلى توجيه اتهامات. والمسألة حساسة جدا، فقد هدد مستشار الأمن القومي الأميركي جون بولتون في أيلول/سبتمبر باعتقال قضاة المحكمة في حال تحركوا ضد إسرائيل أو الولايات المتحدة. وإسرائيل والولايات المتحدة ليستا من الدول الموقعة على ميثاق المحكمة التي أنشئت عام 2002 للتحقيق في جرائم الحرب وجرائم ضد الإنسانية. ونددت حركة حماس بإطلاق الصواريخ وقالت إنها ترفض "كل المحاولات غير المسؤولة" لتقويض جهود مصر في التوصل لهدنة جديدة طويلة الأمد. لكن إسرائيل التي تحمل حماس مسؤولية الصواريخ التي تنطلق من القطاع بغض النظر عن الجهة التي تطلقها، ضربت 20 هدفا في غزة مما أدى إلى مقتل فلسطيني بحسب وزارة الصحة في القطاع الذي تديره حماس. وأغلقت إسرائيل أيضا معبريها الحدوديين مع غزة في أعقاب إطلاق الصاروخ، لتزيد من عزلة القطاع.

قوة مفرطة

في السياق ذاته اتهم المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان اسرائيل ب"الاستخدام المفرط للقوة" بعد مقتل ثلاثة صبية فلسطينيين في غارة على قطاع غزة اتهمهم الجيش الإسرائيلي بمحاولة إلحاق ضرر بالسياج الفاصل بين القطاع والأراضي الإسرائيلي ومحاولة زرع عبوة ناسفة. واستنادا الى تحقيقات المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان، أن الأطفال الثلاثة "اقتربوا من السياج الفاصل مع إسرائيل شرق قرية وادي السلقا وشرق مدينة دير البلح، في محاولة يبدو أنها تسلل". و"أطلقت طائرة اسرائيلية بدون طيار صاروخا" باتجاههم أسفر عن مقتلهم.

ووصف المركز العملية بأنها "جريمة جديدة من الجرائم الناجمة عن الاستخدام المفرط للقوة". وكانت وزارة الصحة في قطاع غزة أعلنت أن "ثلاثة أطفال" قتلوا في "قصف جوي إسرائيلي"، وهم خالد بسام محمود أبو سعيد (14 عاماً) وعبد الحميد محمد أبو ظاهر (13 عاماً) ومحمد ابراهيم عبد الله السطري (13 عاماً)، وجميعهم من وادي السلقا. وقال الجيش الإسرائيلي إن الفتيان الثلاثة اقتربوا من السياج الحدودي و"حاولوا إلحاق الضرر به" وكانوا يحاولون "وضع عبوة ناسفة في مكان مجاور".

إلا ان المركز الفلسطيني ذكر أن "الأطفال الثلاثة كانوا مدنيين وغير مسلحين". ونقل عن مسعفي الهلال الأحمر الفلسطيني الذين انتشلوا جثث الاطفال، أنه "لم يكن بحوزتهم أي شيء". وجاءت العملية بعد أشهر من توترات على خلفية احتجاجات متواصلة ينفذها الفلسطينيون عند السياج الفاصل في قطاع غزة تتخللها مواجهات، وبعد تصعيد إضافي ترجم خلال الأسبوعين الماضيين يإطلاق صواريخ من قطاع غزة وبغارات إسرائيلية.

وقتل 218 فلسطينيا في هذه التوترات، كما قتل جندي اسرائيلي واحد في المواجهات المتواصلة منذ 30 آذار/مارس 2018. وشيع مئات الفلسطينيين الصبية الثلاثة وسط أجواء من الحزن والغضب. وتقول عائلاتهم إن الصبية يذهبون بانتظام الى المنطقة الحدودية للعب واصطياد العصافير. وقال ابراهيم السطري (48 عاما)، وهو والد أحد القتلى، "لا أعرف لماذا قتلوا ابني الوحيد وصاحبيه. هؤلاء أطفال صغار. كان يمكن أن يمسكوهم ويعرفوا منهم لماذا هم بجانب السلك".

وقالت سلوى، والدة خالد أبو سعيد، وهي تبكي "كان خالد يدرس في البيت، ثم خرج. اعتقدت أنه ذاهب الى حفلة. بعد نصف ساعة سمعت صاروخ زنانة (طائرة استطلاع)، وقيل لي هناك شهداء، أدركت أن ابني منهم". وتجمع مئات المشيعيين حول منازل القتلى المتجاورة والتي تبعد مئات الأمتار عن المكان الذي قتلوا فيه. وقال مهران الزر (35 عاما)، وهو أحد جيران عائلات الصبية الثلاث، "الأولاد في الحارة معتادون أن يذهبوا بالليل للحدود للصيد أو اللعب"، لكنه أضاف أن "بعض الشباب كانوا يتسللون عبر السياج". وشارك رئيس المكتب السياسي لحركة حماس اسماعيل هنية وعدد من قادة حماس والجهاد الاسلامي في صلاة الجنازة. بحسب فرانس برس.

وقال هنية "هذه الدماء رسالة غضب في وجه كل المطبعين"، في إشارة ضمنية الى زيارة رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتانياهو الى سلطنة عمان أخيرا، وزيارات مسؤولين إسرائيليين آخرين الى الإمارات. وردد المشيعون الغاضبون هتافات تدعو للثأر ومنها "الانتقام الانتقام يا سرايا (الجناح العسكري للجهاد) ويا قسام (الجناح العسكري لحماس)". وتوعدت حركة الجهاد الاسلامي بأن "المقاومة سترد على هذه الجريمة بالكيفية والطريقة التي تتناسب مع حجمها". وكانت حركة الجهاد أعلنت بدء تطبيق وقف إطلاق نار مع اسرائيل بوساطة مصرية. وعبر الموفد الدولي نيكولاي ملادينوف عن تضامنه مع عائلات القتلى. وقال "يجب تجنب مثل هذه المآسي مهما كان الثمن". وأضاف في تغريدة على "تويتر"، "يجب حماية الأطفال، لا يجب تعريضهم للعنف أو للخطر".

حكم قضائي

من جانبها قالت مؤسسات فلسطينية تتابع شؤون المعتقلين الفلسطينيين في السجون الإسرائيلية إن المعتقل خضر عدنان علق إضرابا عن الطعام استمر 58 يوما بعد إصدار محكمة عسكرية اسرائيلية حكما بسجنه لمدة عام. وقال نادي الأسير الفلسطيني ”المحكمة العسكرية التابعة للاحتلال في سالم حكمت على الأسير خضر عدنان بالسجن الفعلي لمدة عام من تاريخ اعتقاله في 11 ديسمبر كانون أول الماضي وغرامة مالية بقيمة ألف شيقل“ مضيفا أن المحكمة أصدرت ضده أيضا حكما بالسجن مع إيقاف التنفيذ لمدة 18 شهرا يتم تنفيذه في حال تم اعتقاله ثانية خلال السنوات الخمس المقبلة. بحسب رويترز.

وكان عدنان بدأ الامتناع عن شرب الماء بعد 57 يوما من الإضراب عن الطعام احتجاجا على استمرار احتجازه منذ ما يقارب العام دون محاكمة. وتوجه إسرائيل لعدنان (40 عاما) القيادي في حركة الجهاد الإسلامي تهمة الانتماء إلى تنظيم محظور. وكان هذا الإضراب هو الثالث لعدنان بعد عام 2012 الذي خاض فيه إضرابا استمر لمدة 66 يوما ضد اعتقاله الإداري وكذلك عام 2015 والذي استمر لمدة 54 يوما. وتشير الإحصاءات الفلسطينية إلى أن إسرائيل تحتجز في سجونها ما يقارب من 6500 معتقل بينهم نساء وأطفال.

السلطة وحماس

على صعيد متصل قالت منظمة هيومن رايتس ووتش المعنية بحقوق الإنسان إن قوات الأمن التابعة للسلطة الفلسطينية في الضفة الغربية وتلك التابعة لحركة المقاومة الإسلامية (حماس) في قطاع غزة مستمرة في اعتقال المنتقدين والمعارضين وتعذيبهم في محاولة لسحق أي معارضة. ونفى مسؤولون من السلطة الفلسطينية وحماس الاتهامات بارتكاب الانتهاكات المنهجية التي وجهتها المنظمة وقالوا إنهم مستعدون للتحقيق في التقارير التي تحدثت عن انتهاكات.

وقالت المنظمة التي تتخذ من نيويورك مقرا في تقرير إنها وثقت أكثر من 24 حالة لفلسطينيين احتجزتهم السلطة الفلسطينية أو حماس التي تسيطر على قطاع غزة ”لأسباب غير واضحة لم تتجاوز كتابة تقارير أو تعليقات على فيسبوك أو الانتماء إلى منظمة طلابية أو حركة سياسية غير مرغوب فيها“. وقال التقرير إن قوات الأمن في الضفة الغربية وغزة تلجأ كثيرا إلى وضع المحتجزين ”في وضعيات مؤلمة لفترات مطولة“ وهو أسلوب يشبه الذي تستخدمه إسرائيل مع الفلسطينيين المحتجزين لديها.

وقال التقرير إن الاستخدام المنتظم المتعمد واسع النطاق للتعذيب واللجوء لأساليب مماثلة على مر الأعوام دون أي تحرك من كبار المسؤولين في السلطتين لوقفها جعل هذه الممارسات منهجية. وأضاف التقرير أن هذا يشير أيضا إلى أن التعذيب سياسة حكومية لدى السلطة الفلسطينية وحماس على حد سواء. وأضاف التقرير ”بعد مرور 25 عاما على اتفاقات أوسلو تمارس السلطات الفلسطينية سلطة محدودة في الضفة الغربية وغزة. لكنها أنشأت كيانات بوليسية موازية...للاستمرار في سحق المعارضة“.

و نفى مسؤولون من السلطة الفلسطينية وحماس وجود أي انتهاكات منهجية. وقال إياد البزم المتحدث باسم وزارة الداخلية التي تديرها حماس في قطاع غزة ”لا يوجد لدينا سياسة التعذيب. هذا خرق للقانون“. وأضاف ”لقد قمنا بمحاسبة ضباط ارتكبوا تجاوزات منها إجراءات تتعلق بالتعذيب وبعضهم تم اعتقاله وإحالته للمحاكمة وتم إنزال رتبة البعض الآخر“. وقال اللواء عدنان الضميري المتحدث باسم قوات الأمن التابعة للسلطة الفلسطينية ”الاعتقالات تتم طبقا للقانون ونحن ملتزمون بتنفيذ القانون“.

وحثت هيومن رايتس ووتش على تعليق جميع المساعدات الأجنبية لقوات الأمن في الضفة الغربية وقالت إن الأدلة التي جمعتها تتعارض مع مزاعم (السلطتين) بأن هذه الانتهاكات مجرد حالات فردية وأن المسؤولين عنها سيحاسبون. وقالت المنظمة إنها عقدت اجتماعات مع أجهزة المخابرات التابعة للسلطة الفلسطينية في الضفة الغربية لكنها لم تتمكن من قبول عرض من سلطات حماس للاجتماع معها في غزة لأن إسرائيل رفضت منح تصاريح لمسؤولين من المنظمة لدخول القطاع.

وفي مايو أيار ألغت إسرائيل التصريح الممنوح لعمر شاكر الممثل المحلي لهيومن رايتس ووتش واتهمته بدعم حملة المقاطعة ضدها وهو ما نفاه. وطعن شاكر على القرار أمام محكمة إسرائيلية ولا تزال القضية مستمرة. وقالت هيومن رايتس ووتش في تقريرها إنه برغم محاولات المصالحة بين الجانبين فإنه ”مع اشتداد الصراع بين السلطة الفلسطينية وحماس يستهدف كل طرف مساندي الطرف الآخر“.

ولفت عمر شاكر مدير مكتب "هيومن رايتس ووتش" في إسرائيل والأراضي الفلسطينية إلى أن "اللجوء المنهجي إلى التعذيب كسياسة حكومية يشكل جريمة ضد الإنسانية" يمكن أن تستتبع بملاحقات أمام المحكمة الجنائية الدولية. ويشير تقرير "هيومن رايتس ووتش" إلى حالة سامي الساعي الصحافي المستقل البالغ من العمر 39 عاما الذي اعتقل عام 2017 للاشتباه بعلاقته بحماس، وتعرض للضرب وتعليقه من السقف. وأخيرا انتهى به الأمر بالإقرار بذنبه بعدة تهم وأمضى ثلاثة أشهر في السجن. ويقول "كل يوم أتوقع أن يأخذوني مرة أخرى وأن يعذبوني مرة أخرى، ولكن لن يفعلوا أكثر مما فعلوه".

أما فؤاد جرادة، وهو صحافي (34 عاما) فقد اعتقلته قوات حماس في حزيران/يونيو 2017 بعد ثلاثة أيام من كتابته منشورا على فيس بوك ينتقد فيه الحركة، واحتجزته لأكثر من شهرين. وقال جرادة "كان يتعين علي أخذ الإذن لأبسط الأمور.. تعرضت للضرب منذ أول يوم، لقد ضربوني بالسوط". ولم يتعرض أي مسؤول أمني للمساءلة جراء هذه الممارسات، بحسب المنظمة. ويرى شاكر أن هذه الممارسات تقوض خطاب الفلسطينيين ضد إسرائيل الذي يتهمها باستمرار بسوء المعاملة والذي توجه الفلسطينيون بموجبه إلى المحكمة الجنائية الدولية. وقال شاكر إن "القادة الفلسطينيين يجوبون العالم ويتحدثون عن حقوق الفلسطينيين وفي الوقت نفسه يشغلون آلة اضطهاد لسحق المنشقين".

وفي 2018، أوقفت الإدارة الأمريكية المساعدة للفلسطينيين بعد أن علقت القيادة الفلسطينية الاتصالات مع البيت الأبيض متهمة إياه بالانحياز لإسرائيل. وتستمر واشنطن، في الوقت نفسه، بضخ عشرات ملايين الدولارات لإسرائيل من أجل التعاون الأمني بين السلطة الفلسطينية والدولة العبرية. ودعا شاكر الدول الغربية إلى تعليق مساعدتها للسلطة الفلسطينية مؤقتا. في المقابل فإن قسما من المجموعة الدولية لا يتعامل مع حركة حماس وتعتبرها الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي منظمة "إرهابية". وأضافت "هيومن رايتس ووتش" أنه على قطر وإيران وتركيا تعليق الدعم المقدم لحماس. بحسب فرانس برس.

وقال هيثم عرار رئيس وحدة حقوق الإنسان في وزارة الداخلية الفلسطينية "إن الحكومة ترفض كل ما جاء في تقرير هيومن رايتس ووتش، كونه تقريرا يخلط بين السياسة وحقوق الإنسان، ويتساوق مع صفقة القرن بهدف إضعاف السلطة من خلال اتهامها بانتهاك حقوق الإنسان، وبطريقة غير موضوعية" في إشارة إلى خطة السلام المنتظرة من إدارة ترامب منذ أشهر. وأضاف أن المنظمة "أبلغت بموقف الحكومة هذا الاثنين من خلال وزارة الداخلية".

اضف تعليق