تتواصل أزمة ملف الحقوق والحريات في مصر، بسبب استمرار السلطات المصرية تشديد اجراءاتها وقوانينها ضد المعارضين في هذا البلد، حيث اكدت بعض التقارير تعرض مئات الأشخاص للتعذيب وغيره من ضروب المعاملة السيئة، والاختفاء القسري على أيدي السلطات...
تتواصل أزمة ملف الحقوق والحريات في مصر، بسبب استمرار السلطات المصرية تشديد اجراءاتها وقوانينها ضد المعارضين في هذا البلد، حيث اكدت بعض التقارير تعرض مئات الأشخاص للتعذيب وغيره من ضروب المعاملة السيئة، والاختفاء القسري على أيدي السلطات، وأُعدِمَ العشرات خارج نطاق القضاء بمنأى عن أي عقاب، وتتهم منظمات حقوقية ومؤسسات تابعة للامم المتحدة مصر بانتظام بارتكاب انتهاكات خطيرة لحقوق الانسان وذلك منذ الاطاحة في 2013 بالرئيس الاسبق محمد مرسي. وترفض السلطات المصرية تماما تلك الاتهامات متهمة من جهتها معارضيها بتسييس القضايا او عدم الدقة.
وتشير منظمات غير حكومية باصابع الاتهام الى السلطات المصرية في مجال حقوق الانسان وذلك خصوصا بسبب محاكمة معارضين اسلاميين لنظام الرئيس عبد الفتاح السيسي الذي يحكم البلاد منذ 2014 اعتبرتها تلك المنظمات محاكمات موجهة. كما تم سجن العديد من الصحافيين ووجوه من المعارضة العلمانية. ويقول كثير من الحقوقيين انهم ممنوعون من مغادرة البلاد. واعتبرت منظمة هيومن رايتس ووتش في تقرير في ايلول/سبتمبر 2017 ان تعذيب مساجين سياسيين في مصر "يشكل على الارجح جريمة ضد الانسانية". وتم حجب موقع هذه المنظمة في مصر اثر نشرها ذلك التقرير اضافة الى 500 موقع آخر تابع لوسيلة اعلام او منظمة غير حكومية، بحسب مؤسسة حرية الفكر والتعبير التي مقرها في القاهرة.
وفيما يخص اخر تطورات هذا الملف فقد أقر البرلمان المصري قانونا من شأنه تحصين قادة الجيش من الملاحقة القضائية مستقبلا فيما يتصل بالعنف الذي اجتاح البلاد بعد الإطاحة بالرئيس الإسلامي محمد مرسي في عام 2013. ويمنح القانون الرئيس عبد الفتاح السيسي سلطة تحديد الضباط المؤهلين للحصول على مزايا منها معاملتهم معاملة الوزير والحصانة من اتخاذ أي إجراء قانوني ضدهم.
وتفيد المادة الخامسة من القانون بأنه ”لا يجوز مباشرة أي إجراء من إجراءات التحقيق أو اتخاذ أي إجراء قضائي في مواجهة أي من المخاطبين بأحكام هذا القانون عن أي فعل ارتكب خلال فترة تعطيل العمل بالدستور وحتى تاريخ بداية ممارسة مجلس النواب لمهامه أثناء تأديتهم لمهام مناصبهم أو بسببها، إلا بإذن من المجلس الأعلى للقوات المسلحة“. ويشير ذلك إلى الفترة من الثالث من يوليو تموز 2013 حتى العاشر من يناير كانون الثاني 2016. وقتل مئات عندما فضت قوات الأمن اعتصاما لتأييد مرسي بميدان رابعة العدوية بالقاهرة في أغسطس آب 2013 في واحد من أعنف الأحداث التي شهدتها مصر في تاريخها الحديث.
قيود جديدة
الى جانب ذلك صادق الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي على قانون لـ"تنظيم الصحافة والإعلام" من شأنه أن يسمح بمراقبة بعض حسابات مستخدمي شبكات التواصل الاجتماعي،. ويحق للمجلس الأعلى لتنظيم الإعلام، والمشكل بقرار رئاسي عام 2017، متابعة كل موقع إلكتروني شخصي أو مدونة إلكترونية شخصية أو حساب إلكتروني شخصي يبلغ عدد متابعيه خمسة آلاف أو أكثر، بموجب القانون، الذي أقره غالبية نواب البرلمان في تموز/يوليو الماضي.
ويحق للمجلس الأعلى حجب هذه الحسابات الشخصية في حال نشر أو بث أخبار كاذبة أو ما يدعو أو يحرض على مخالفة القانون أو إلى العنف أو الكراهية. ويقبع أكثر من ثلاثين صحافيا في السجون كما تم حجب أكثر من 500 موقع إلكتروني في مصر، وفقا لإحصائيات نشرتها منظمة مراسلون بلا حدود. وبحسب التصنيف الدولي لحرية الصحافة للعام 2018 فإن مصر تحتل المرتبة ال161 في قائمة تضم 180 دولة، وفقا للمنظمة. وشنت الأجهزة الأمنية خلال الأشهر القليلة الماضية حملة اعتقالات شملت معارضين ومدونين وصحافيين وناشطين على شبكات التواصل الاجتماعي بتهم الانضمام لجماعات إرهابية و نشر أخبار كاذبة.
من جانبها دعت منظمة مراسلون بلا حدود السلطات المصرية إلى إلغاء قانونين "يقيدان حرية الإعلام على الإنترنت"، في خضم حملة قانونية مصرية "لتشديد الخناق على (الـ)شبكة" العنكبوتية. وأوضحت المنظمة في نداء مشترك مع مجموعة من المنظمات الحقوقية غير الحكومية إنها تطالب الحكومة المصرية "بالإلغاء الفوري لقانون مكافحة الجرائم الإلكترونية وإعادة النظر في قانون تنظيم الصحافة والإعلام، لما يشكلانه من خطر على الحق الأساسي للمصريين في حرية التعبير والوصول إلى المعلومات".
واعتبرت أن قانون تنظيم الصحافة والإعلام، الذي صادق عليه الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي مطلع أيلول/سبتمبر "يزيد من مناخ القمع على الإنترنت في مصر". وتابعت مراسلون بلا حدود في بيانها أن قانون مكافحة الجرائم الإلكترونية الذي صادق عليه الرئيس المصري في آب/أغسطس الماضي، هو "بمثابة خطوة تُمهِّد الطريق لتشديد الخناق على شبكة الإنترنت، من خلال فرض قيود صارمة على الحقوق الرقمية". وأضافت منظمة مراسلون بلا حدود أنه "بإتاحة المراقبة الشاملة للاتصالات على الإنترنت، يساهم هذا القانون في شرعنة عملية الرقابة الإلكترونية". بحسب فرانس برس.
وأوقف أخيرا العديد من مستخدمي الإنترنت والمدونين المعروفين بانتقادهم للحكومة. وتتهمهم السلطات بالانتماء إلى "مجموعات محظورة" أو نشر "معلومات كاذبة". وفي تموز/يوليو، وصفت منظمة العفو الدولية هذين القانونين قبل إصدارهما بأنهما "يتعرضان للحرية عبر الإنترنت". وتؤكد السلطات من جهتها أنها تسعى إلى مكافحة "الإرهاب" وكل ما يلحق "ضررا بمصالح البلاد".
اعتقالات مستمرة
على صعيد متصل نددت الحركة المدنية الديمقراطية في مصر، وهي ائتلاف لأحزاب وشخصيات معارضة، باعتقال شخصيات من المعارضة ودعت إلى الإفراج عن السياسيين غير المدانين في قضايا العنف. واعتقلت السلطات سبعة معارضين بينهم السفير السابق معصوم مرزوق الذي دعا قبل أسابيع إلى إجراء استفتاء على استمرار ”نظام الحكم الحالي“ بقيادة الرئيس عبد الفتاح السيسي. وأمرت النيابة بحبس السبعة 15 يوما على ذمة التحقيقات في تهم ”المشاركة مع جماعة إرهابية في الدعوة إلى أهدافها وتلقي تمويلات بغرض الإرهاب والمشاركة في اتفاق جنائي الغرض منه ارتكاب جريمة إرهابية“.
وقالت الحركة المدنية الديمقراطية في بيان تلاه يحيى حسين المتحدث باسمها في مؤتمر صحفي إنها ”ترفض تلك الأساليب البوليسية في التعامل مع المعارضين السياسيين“. وأضاف البيان ”حملة القبض الأخيرة... جزء من سياسة ممنهجة يتبعها النظام لإخراس أي صوت معارض لسياساته القمعية المعادية للحريات، يداري بها على فشله اقتصاديا واجتماعيا بالادعاء المستمر أن هناك مؤامرات تحاك في الظلام ضد البلاد“.
وسجنت السلطات المصرية آلاف المعارضين في السنوات القليلة الماضية معظمهم يشتبه بكونهم إسلاميين، ومن بينهم أيضا نشطاء وصحفيون. وتقول الحكومة إن إجراءاتها تستهدف الإرهابيين والمخربين الذين يحاولون تقويض الدولة. وتضم الحركة المدنية الديمقراطية، التي تشكلت في ديسمبر كانون الأول، ثمانية أحزاب ويشارك فيها أيضا أكثر من 150 شخصية من السياسيين والنشطاء والشخصيات العامة البارزة. كانت الحركة قد دعت إلى مقاطعة الانتخابات الرئاسية التي جرت في مارس آذار بعد انسحاب كل مرشحي المعارضة الرئيسيين فيما أرجعوه إلى أجواء من الترهيب. بحسب رويترز.
ووصف حمدين صباحي عضو الحركة والمرشح الرئاسي السابق الذي خاض انتخابات 2012 و2014 الحكومة بأنها ”سلطة فاشلة“. وقال في المؤتمر الصحفي ”نحن مؤمنون بأن هذا النظام لا بد من تغييره. هذه السلطة فاشلة. هذه السلطة قمعية... سلطة فساد واستبداد وقمع“. وقال فريد زهران رئيس الحزب المصري الديمقراطي الاجتماعي إن السيسي ليس هو المستهدف بالدعوة إلى تغيير النظام وإنما ”كل القوانين المقيدة للحريات“.
ومرزوق مساعد سابق لوزير الخارجية، وكان وجه انتقادات للسيسي وطرح في آب/أغسطس مبادرة لاجراء استفتاء شعبي حول بقاء السيسي في الحكم. وأعلن المحامي خالد علي على صفحته على فيسبوك توقيف مرزوق وستة أشخاص آخرين وحبسهم على ذمة التحقيق لمدة 15 يوما بانتظار استكمال التحقيقات.
وقال المحامي علي إن الموقوفين "وُجهت إليهم اتهامات بالمشاركة في جماعة إرهابية وتلقي تمويل بغرض إرهابي، والاشتراك في اتفاق جنائي الغرض منه ارتكاب جريمة إرهابية، فيما اتهم أحدهم بالانضمام لجماعة إرهابية". وقال المحامي إنه تلقى اتصالا هاتفيا من عائلة مرزوق التي أبلغته بأن عناصر من قوات الأمن ضربوا طوقا حول المنزل. واوضح المحامي إنهم طلبوا بداية التحدث إلى مرزوق، لكنهم اعتقلوه لاحقا ونقلوه إلى جهة مجهولة.
كما اعتقلت السلطات رائد سلامة العضو البارز في حزب تيار الكرامة والأكاديمي يحيى القزاز الذي دعا في الآونة الأخيرة لرحيل السيسي في صفحته على فيسبوك التي كتب فيها ”المقاومة هي الحل“. ويقول أنصار السيسي إن الحملة ضد المعارضة ضرورية لإرساء الاستقرار في مصر بعد انتفاضة 2011 وما تلاها من اضطرابات بما في ذلك هجمات متشددين في شبه جزيرة سيناء مما أدى إلى مقتل المئات.
اضف تعليق